الثورة نت:
2025-08-02@22:53:18 GMT

السياسة وثقافة العولمة

تاريخ النشر: 1st, August 2025 GMT

 

 

خلال سوالف الأعوام برزت عدة ظواهر لا بد من الوقوف أمامها بقدر من التأمل في النسق العام السياسي والاجتماعي والثقافي، فالموضوع لم يعد ظاهرة بدون دلالة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، كما قد يظن البعض، ولا يمكن فصل ما يحدث اليوم عن الرؤى والاستراتيجيات التي تستهدف العرب والمسلمين، ولا فصله عن الحرب التي تدور في الخفاء بين المسلمين واليهود، فما الذي يحدث بالضبط ؟.

.

الذي يحدث حركة سياسية وثقافية ذات تواشج تهدف إلى شيوع الفساد في المجتمعات العربية وتحريك وجدانها ضد الفطرة، من حيث سفك الدماء، والحرص على إراقتها، ومن حيث الانحلال  الأخلاقي حتى يغضب الرب، فيكون ذلك سببا في التعجيل بخروج المخلص الذي – حسب المعتقد لدى اليهود – موعود بالتمكين في الأرض، وسوف يحكم المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل، ولذلك كان الربيع العربي هو البداية التي ولج منها المشروع، وتغلغل في البناء العام للمجتمعات العربية، وسعى جاهدا إلى تفكيك النظام العام والطبيعي إلى درجة التيه، والتباس المفاهيم وتعويمها، وعدم الشعور بالمعنى والقيمة، وقد ترك ذلك أثرا على الناشئة، وشهدنا تبدلات جنسية بين جيل الناشئة في عموم الوطن العربي، وشهدنا حركات ثائرة على القيم والمبادئ، وشهدنا هروبا لبعض الشباب مع ضجيج إعلامي يصاحب ذلك، وكنا قد لاحظنا من قبل ذلك الفنون في مجملها تتراجع إلى مستويات دنيا من الانحطاط  والتفسخ القيمي بدءا من الكلمات السطحية والخادشة للحياء ولا نقول انتهاء بالفديو كليب الذي كان يروج للأغنية من خلال الصورة العارية وحركة الجسد والمشاهد السريعة والإضاءة المكثفة ذات القدرة على الإبهار، ولكن ظل ذلك يمتد إلى المسلسلات ذات المستوى الفني الهابط، وصولا إلى المهرجانات الثقافية التي تمجد الظهور بالملبس الفاضح .

سياسة هدم التطبيقات الإسلامية للمجتمعات العربية وتفكيك القناعات وإفساد الأجيال، سياسة تضمنتها استراتيجية راند لعام 2007م والتي بدأ الاشتغال عليها منذ تفجرت أحداث الربيع العربي، وهي اليوم في مراحل بلوغ الغايات منها، بعد أن تم للغرب هدم النظام العام والطبيعي واستطاع تعويم المصطلحات والمفاهيم وعمل على تسطيح وعي الناشئة من خلال برامج موجهة مثل مسابقات الفنون والشعر التي كانت تبثها الفضائيات فتترك أثرا تفاعليا في عموم الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه، وقد كنا في اليمن من أولئك الذين ينبهرون بالشيء فيقومون بالترويج له على مستويات متعددة من باب العصبيات وافتتانا بحالة الدهشة التي يحدثها البرنامج في النفوس  .

بلغ المستعمر غاياته ووصل إلى مراحل متقدمة، ونحن كأمة ننساق وراء الأشياء دون وعي، ودون إدراك لما يحدث، أو قراءة للأثر المترتب على التفاعلات، ولم نستبن الرشد إلى يومنا المشهود، وهو يوم يشهد كل التفاعلات الثقافية التي تستهدف القيم وتقاليد المجتمعات الإسلامية وتطبيقاتها، فالمرأة المحافظة بدأت تخرج في بث مباشر على منصات التواصل الاجتماعي كي تتحدث عن تجاربها المخلة بالشرف، ومغامراتها العاطفية، في سابقة لم تكن معهودة في كثير من المجتمعات العربية .

ما يحدث في مجتمعاتنا العربية منذ بداية الألفية إلى اليوم ليست حربا على الإرهاب، ولا اضطرابات اجتماعية، ولا ثورات، ولا قلاقل وفتن، بل حركة استهداف تدار من قبل الماسونية العالمية ومحافلها في بعض العواصم العربية، تهدف إلى هدم التطبيقات الدينية لدى الشباب المسلم حتى لا يكون ارتباطه بالدين ارتباطا قويا ومتينا، بل يكون ارتباطا هشا وسطحيا، حتى يسهل على العدو التغلغل إلى البناءات الثقافية فيحدث فيها تبدلا وتغيرا، ويمكن قياس ذلك على حركة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وننظر إلى الجدل الفكري حول هذه الفكرة في منصات التواصل الاجتماعي، ويمكننا أيضا النظر إلى زعزعة القناعات العقدية عند الناشئة وفي المواقف، إذ بالعودة إلى الماضي والى الموقف العربي الشعبي من التطبيع نجد موقفا واحدا منه.

اليوم أصبح النص الشعري منفلتا ومنسابا، وأصبحت الفنون بدون معايير أخلاقية، وأصبح الإيقاع الصاخب والفوضى من علامات الحداثة الفنية والأدبية، وأصبح المثقف الملتزم حالة غير مقبولة، وخرج المهرج والمجنون وصاحب الابتذال الثقافي والأخلاقي من قبوه، فهو يملك من الأثر على الناس ما لا يملكه المثقف الملتزم، ولك أن تنظر إلى منصات التواصل الاجتماعي كي تخرج بتلك النتيجة .

المال الذي ينفق على المهرجين وأصحاب قنوات اليوتيوب ليس مالا مستحقا لأصحابه بل هو مال يعرف ماذا يريد من الأمة العربية والإسلامية، بدليل أن ذلك المال لا يمكن أن يصل إلى المثقف الملتزم أو المثقف صاحب الرؤية والفكر الإنساني النبيل، ولذلك قد تجد عشرات القنوات في مصر مثلا تروج لشهوات البطن والفرج ويتنافسون على ذلك، وبمثل تلك الآلية استطاعوا حرف مسار الشباب وتركيز اهتمامه حول أشياء بعينها لأنها أكثر حضورا وفاعلية وأكثر ربحا وكسبا ماديا يعين على أسباب الوجود .

وفي المقابل تجد السياسات العامة للدول العربية تنشط في الترويج لمثل ذلك، ففي الإمارات هناك وزارة السعادة، وفي السعودية هناك هيئة الترفيه، وهكذا دواليك ينفق المال في مناشط الترفيه وتسطيح وعي المجتمعات، ولن تجد مالا للقضايا الفكرية والأدبية والثقافية الجوهرية، كما كان يحدث زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب.

نحن اليوم في اليمن مطالبون بالوعي بالمعركة الثقافية التي يشنها الغرب على قيمنا وديننا، وعاداتنا وتقاليدنا، وعلى ثقافتنا، وهويتنا الحضارية والثقافية والايمانية، ومثل ذلك يتطلب تحريك الجبهة الثقافية في مستوياتها المتعددة لمواجهة العدو إلى جانب الجبهة العسكرية، فالكلمة تواجه بالكلمة، والفكرة بالفكرة، والمحتوى الهابط يلزم مواجهته بمحتوى راق ملتزم مروج له، ونشيد به.

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

محمد مندور يكتب: ثقافة الإصغاء وتحقيق العدالة الثقافية

في خطوة مهمة تعكس روح الشفافية والمسؤولية المجتمعية، أطلقت وزارة الثقافة مبادرة "أنت تسأل ووزير الثقافة يُجيب" وهي منصة رقمية تتيح للمواطنين توجيه أسئلتهم ومقترحاتهم مباشرة إلى الوزير والحصول على إجابات واضحة في نهاية كل شهر. 

قد تبدو الخطوة بسيطة في ظاهرها لكنها في جوهرها تحمل معاني عميقة تتجاوز قطاع الثقافة لتصل إلى جوهر علاقة المواطن بالحكومة .

هذه المبادرة ليست مجرد وسيلة تواصل بل هي ممارسة إدارية حقيقية تعيد تعريف مفهوم الخدمة العامة من كونها علاقة عمودية إلى علاقة أفقية تقوم على الحوار والمساءلة والشفافية.

 والمثير للتساؤل هنا: لماذا لا تطبق هذه المبادرة في سائر الوزارات؟

فقد اعتدنا في الإدارات الحكومية سواء وزارات او محليات على نهج أحادي الاتجاه، الوزارة تقرر وتخاطب الجمهور، بينما تبقى أصوات المواطنين وملاحظاتهم وتطلعاتهم في الزاوية. لكن فكرة هذه المنصة تقلب المعادلة. فحين يسأل المواطن ويجاب عليه يشعر أنه شريك لا متلق فقط، وأن صوته ضرورة لاكتمال الخدمة الحكومية .

والأهم أن هذا النوع من التفاعل يخلق سجلا عاما من القضايا المطروحة، ويساعد على رسم خريطة اهتمام الناس وتحديد أولويات السياسات من منظور القاعدة لا القمة.

لكن السؤال .. لماذا وزارة الثقافة تحديدا؟

ربما لأن وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو يدرك أن الثقافة لا تبنى بقرارات فوقية أو فعاليات نخبوية فحسب بل تنمو حين يشعر الناس أنهم جزء من المشهد الثقافي. 

والحقيقة أن هذه الرؤية تواكب متطلبات "العدالة الثقافية" التي تقتضي توزيعا عادلا للفرص والموارد والخدمات واستماعا حقيقيا لتجارب المواطنين في المدن والمراكز والنجوع والقرى لا فقط في العواصم.

وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال آخر .. ماذا لو طبقت هذه المبادرة في وزارات أخرى؟

تخيل لو طبقت وزارات مثل التعليم والصحة والنقل والزراعة مبادرة مشابهة. ما النتيجة لو استمعت وزارة التربية والتعليم إلى أسئلة أولياء الأمور؟ أو فتحت وزارة النقل باب الحوار بشأن الطرق ووسائل المواصلات العامة؟

سنكون أمام تحول جذري في علاقة المواطن بالدولة، من مواطن يتلقى الخدمة إلى مواطن يشارك في صياغتها ، ومن بيروقراطية منفصلة عن الناس إلى منظومة تصغي وتستجيب وتتطور .

قد يقال إن بعض الوزارات تواجه ملفات أكثر تعقيدا و أن الأمور لا تسمح بمثل هذا الانفتاح. لكن الواقع أن التحدي الحقيقي ليس في التقنيات بل في الإرادة الإدارية. وزارة الثقافة أثبتت أن الإرادة وحدها كفيلة بفتح الأبواب وأن بناء الجسور مع الناس لا يتطلب ميزانيات ضخمة بل نوايا صادقة.

مبادرة "أنت تسأل ووزير الثقافة يُجيب" ليست حدثا عابرا بل دعوة لنموذج جديد للإدارة يقوم على المشاركة والشفافية. نتمنى لها النجاح وان تحقق أهدافها نحو التواصل الفعال مع الجمهور .

فمن يريد النجاح يدرك جيدا أن التواصل مع الناس ليس عبئا بل فرصة لتنمية حقيقية وتحسين الخدمة، فالادارة الرشيدة تقاس بقدرتها على الاستماع لا على إصدار البيانات فقط .

طباعة شارك الإصغاء وزارة الثقافة ثقافة الإصغاء

مقالات مشابهة

  • إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع لـ سانا: تقوم وحدات الجيش العربي السوري في هذه اللحظات بتنفيذ ضربات دقيقة تستهدف مصادر النيران التي استخدمتها قوات “قسد” في قصف قرية الكيارية ومحيطها بريف منبج، وقد تمكنت قواتنا من رصد راجمة صواريخ ومدفع
  • الصين ومدنها العملاقة: نموذج جديد للمدن العالمية في عالم ما بعد العولمة
  • الأجندة الثقافية في سوريا ليوم السبت ال 2 من آب 2025
  • سعر الريال مقابل الجنيه المصري والعملات العربية اليوم السبت 8-2-1447
  • «الشارقة الثقافية» ترصد سؤال الهوية في الرواية العربية
  • محمد مندور يكتب: ثقافة الإصغاء وتحقيق العدالة الثقافية
  • رجّي ناقش الأوضاع مع بلاسخارت وشؤون الاغتراب مع وفد الجامعة الثقافية
  • سعر الريال مقابل الجنيه المصري والعملات العربية اليوم الخميس 6-2-1447
  • مواقيت الصلاة اليوم الخميس 31 يوليو 2025 في المدن والعواصم العربية