شبح التقسيم يخيم على السودان مع غياب الحل السياسي والحسم العسكري
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
وكالات – نبض السودان
أدت سبعة أشهر من الحرب المتواصلة في السودان إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين داخليا والى دول الجوار، وجعلت احتمال التقسيم خطرا محدقا ببلاد كانت تعاني أساسا من التشرذم والصراعات.
ومع تواصل المعارك والنزاع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحليفه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، يخشى خبراء أن يتكرر في السودان “السيناريو الليبي”، في إشارة الى الفوضى التي تعمّ الجار الشمالي الغربي حيث تتنازع حكومتان السلطة، إحداهما في طرابلس معترف بها من الأمم المتحدة والثانية في الشرق يقودها الجنرال خليفة حفتر المدعوم من أطراف إقليمية.
وفي السودان، سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم وحققت تقدما كبيرا في إقليم دارفور (غرب). في المقابل، تحصّن أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر بشرق البلاد، والتي بقيت في منأى عن المعارك التي اندلعت في 15 نيسان/أبريل.
ولا يبدو أي طرف مستعدا لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، خصوصا أن أيا منهما لم يحقق تقدما حاسما على الأرض.
ومطلع الشهر الجاري، فشلت جولة جديدة من مفاوضات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية في تحقيق أي خرق. ولم تفلح جولات التفاوض المتعددة سوى في إبرام وقف موقت للمعارك التي كانت سرعان ما تستأنف بمجرد انتهاء المهل.
ويثير فشل الوساطات الدولية المتعددة مخاوف من أن يفضي استمرار الوضع على حاله لفترة طويلة الى تقسيم السودان. وقال خالد عمر يوسف الناطق باسم قوى الحرية والتغيير، الكتلة المدنية التي كانت شريكة في الحكم مع الجيش قبل انقلاب البرهان عليها في تشرين الأول/أكتوبر 2021، “إن استمرار المعارك يمكن أن يؤدي الى سيناريوهات مرعبة من بينها التقسيم”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “موجة التسليح المتصاعدة (للمدنيين) تعمّق الشروخ الاجتماعية في السودان”.
وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم الى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، وفق تقدير لمنظمة “أكليد” يعتقد على نطاق واسع أنه أدنى من الحصيلة الفعلية.
كما تسببت المعارك بنزوح أكثر من ستة ملايين شخص وتدمير معظم النية الأساسية في السودان الذي كان يعدّ حتى قبل اندلاع النزاع، من أفقر بلدان العالم.
ومنذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، شنت قوات الدعم هجوما واسع النطاق سيطرته من خلاله على قواعد الجيش في المدن الكبرى في الإقليم.
وتواترت التقارير عن مذابح جديدة في مدينة أرداماتا (غرب دارفور)، قتل فيها 800 شخص وتمّ تدمير 100 مأوى في معسكر للنازحين، ما دفع ثمانية آلاف شخص للفرار الى تشاد المجاورة خلال أسبوع واحد، وفق الأمم المتحدة.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن “صدمته” من سقوط “حوالي ألف قتيل” في زهاء يومين في أرداماتا في ما يبدو حملة “تطهير عرقي”.
ويعتقد الخبراء أن تلك الأرقام تبقى ما دون الفعلية بسبب انقطاع شبكات الاتصالات بشكل شبه كامل جراء القتال.
ومنذ بداية النزاع، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 1.5 مليون نازح داخل إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغين 48 مليونا.
وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن العنف في السودان بلغ مرحلة “الشر المطلق” وأعربت عن قلقها خصوصا من هجمات على أساس عرقي في دارفور.
وفيما يقاتل الجيش في مختلف أنحاء السودان، اتخذ قائده البرهان وحكومته من بورتسودان مقرا لقيادتهم، ما غذّى الخشية من تقسيم البلاد.
ويرى المحلل السوداني فايز السليك أن الفشل في التوصل الى حل سياسي يمكن أن يقود الى وضع مشابه للوضع في ليبيا “مع وجود أكثر من حكومة لا تملك أيا منها فعالية حقيقية وغير معترف بها دوليا”.
وعلى رغم أن الخبراء يرون أن دقلو قادر على الاعتماد على حلفاء وازنين، فإن البرهان حافظ على مكانته كرئيس فعلي للدولة في المحافل الدولية ويشارك في اجتماعات الأمم المتحدة والجامعة العربية.
ورأى السليك أن التقدم الكبير الذي حققته قوات الدعم السريع في دارفور “يعطيها ميزة نسبية ويمكنها من التحرك داخل قواعدها”، وذلك في إشارة الى القبائل العربية في الإقليم. ذلك أن الفصائل العربية المسلحة المعروفة بـ”الجنجويد” تشكّل عماد قوات الدعم السريع.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير المتهم بارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الانسانية” في دارفور. وتحذر المحكمة اليوم من تكرار السيناريو نفسه.
وعلى رغم تقدم قوات الدعم في دارفور، فإن فرص تحقيق أي طرف نصرا عسكريا حاسما على الآخر تبدو ضئيلة، بحسب ما قال خبير عسكري طلب عدم الكشف عن هويته.
وأوضح “حتى لو تمكن الجيش من استعادة السيطرة على الخرطوم، وهي مهمة شاقة، فسيكون من الصعب جدا من الناحية اللوجستية إرسال قوات لاستعادة أجزاء من دارفور”، اذ يفضل 1200 كيلومتر بين العاصمة ومدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور قرب الحدود مع تشاد.
وفي الخرطوم استيقظ السكان قبل نحو عشرة أيام على خبر صادم: تفجير جسر “شمبات” الذي يربط بين ضاحيتي العاصمة بحري وأم درمان. وفي حين تبادل طرفان النزاع الاتهامات بشأن تدمير الجسر، رأى خبراء أن قوات الدعم فقدت بخسارة الجسر، خط إمدادها الرئيسي من وسط السودان.
ومع احتدام الصراع في السودان، اشتعل التوتر مطلع الأسبوع بمنطقة يطالب بها كل من السودان وجنوب السودان، وقال مسؤول محلي الاثنين إن 32 شخصا على الأقل لقوا حتفهم في هجمات شنتها فصائل متناحرة من قبيلة الدينكا العرقية.
وتشيع أعمال العنف الدامية في منطقة أبيي الغنية بالنفط حيث تخوض قبيلة دينكا تويج من ولاية واراب المجاورة في جنوب السودان نزاعا مع قبيلة دينكا نقوك من أبيي على موقع الحدود الإدارية.
وقال بولس كوتش وزير الإعلام في منطقة أبيي الإدارية لرويترز إن شبانا مسلحين من قبيلة دينكا تويج مدعومين بميليشيا محلية هاجموا عدة قرى لقبيلة دينكا نقوك في شمال شرقي بلدة أقوك صباح الأحد. وذكر أن رجالا يرتدون زي الجيش في جنوب السودان، يدعمهم مقاتلون من دينكا تويج، هاجموا أيضا تجمعات سكنية لدينكا نقوك.
ويطالب السودان وجنوب السودان بالسيادة على منطقة أبيي منذ إعلان جنوب السودان الاستقلال في عام 2011. وتتمتع أبيي بوضع إداري خاص إذ تحكمها إدارة تتألف من مسؤولين تعينهم جوبا والخرطوم.
وانزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية بعد استقلاله بوقت قصير. ووضع الصراع الرئيس سلفا كير وحلفاءه في مواجهة مع نائب الرئيس ريك مشار.
ولا يزال اتفاق السلام الموقع قبل ثلاث سنوات صامدا إلى حد كبير، لكن الحكومة الانتقالية بطيئة في توحيد الفصائل المختلفة بالجيش.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: التقسيم السودان شبح على ي خيم قوات الدعم السریع الأمم المتحدة جنوب السودان فی السودان فی دارفور الجیش فی أکثر من
إقرأ أيضاً:
السودان يعلن "تحرير الخرطوم" ويتهم الإمارات بالتدخل العسكري المباشر في الحرب
أعرب خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، عن "قلقه العميق" إزاء توسع رقعة الصراع إلى شرق البلاد. اعلان
أعلن الجيش السوداني، الثلاثاء، استكمال "تطهير كامل ولاية الخرطوم" من قوات الدعم السريع، في إطار عملية عسكرية واسعة النطاق بدأت قبل أسابيع لاستعادة السيطرة على آخر معاقل الدعم السريع في جنوب وغرب أم درمان، الواقعة على الضفة المقابلة للعاصمة الخرطوم.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، إن "ولاية الخرطوم خالية تمامًا من المتمردين"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مشيرًا إلى أن العمليات شملت مناطق صالحة وما حولها، وأنها تتواصل في إطار "تطهير كامل منطقة العاصمة".
وتأتي هذه التطورات العسكرية في وقت تتصاعد فيه وتيرة النزاع المستمر منذ نيسان/أبريل 2023، خصوصًا مع استخدام الأسلحة بعيدة المدى والطائرات المسيّرة، حيث تواصل قوات الدعم السريع استهداف مواقع الجيش في العاصمة والمناطق الشرقية الخاضعة لسيطرته.
اتهامات متبادلة مع الإماراتوفي هذا السياق، اتهم السودان دولة الإمارات العربية المتحدة بالتدخل العسكري المباشر في النزاع، محمّلًا إياها مسؤولية الهجوم الذي استهدف مدينة بورتسودان في 4 أيار/مايو الجاري.
وقال السفير الحارث إدريس، مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، إن الهجمات على بورتسودان نُفذت باستخدام طائرات مسيّرة انطلقت من قاعدة إماراتية على البحر الأحمر، وبمساعدة سفن إماراتية، وذلك بعد يوم من قصف الجيش السوداني لطائرة يُعتقد أنها إماراتية في مدينة نيالا، ما أسفر عن مقتل 13 أجنبيًا بينهم "عناصر إماراتية"، وفق قوله.
Relatedتصعيد دامٍ في دارفور وكردفان: الجيش السوداني يكثّف غاراته الجوية والدعم السريع يردّ بمسيّراتتصاعد التوتر بين السودان والإمارات بعد إبعاد دبلوماسيين من دبييونيسف: قصف مدفعي يحرم ألف مريض المياه في مدينة الفاشر السودانيةمحكمة العدل الدولية تسقط دعوى السودان ضد الإمارات: ما الذي يعنيه القرار؟وردًا على هذه الاتهامات، نفت أبو ظبي أي ضلوع لها في الهجمات، واصفة المزاعم السودانية بأنها "لا أساس لها من الصحة"، ومؤكدة إدانتها لقصف مدينة بورتسودان.
وكانت بورتسودان، التي أصبحت مقرًا مؤقتًا للحكومة ومنظمات الإغاثة الدولية، قد ظلت إلى حد كبير بمنأى عن العنف منذ بداية الحرب، قبل أن تتعرض مؤخرًا لهجمات متكررة بطائرات مسيّرة استهدفت منشآت عسكرية ومدنية، بما في ذلك المطار، ومحطات الكهرباء، ومستودعات الوقود، ما تسبب في انقطاع واسع للكهرباء وشحّ في المياه والخدمات الأساسية.
من جانبه، أعرب خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، عن "قلقه العميق" إزاء توسع رقعة الصراع إلى شرق البلاد، محذرًا من أن الهجمات على البنى التحتية "تعرض حياة المدنيين للخطر وتفاقم الأزمة الإنسانية".
في المقابل، ورغم تصاعد وتيرة القتال، أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، تعيين كامل إدريس رئيسًا جديدًا للحكومة السودانية، خلفًا لدفع الله الحاج الذي شغل المنصب لأسابيع فقط. ورحّب الاتحاد الإفريقي بالخطوة، واعتبرها "إشارة إيجابية نحو حكم شامل واستعادة النظام الدستوري".
ولا تزال الحرب تقسم السودان إلى مناطق نفوذ، حيث يسيطر الجيش على الشمال والشرق، فيما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق دارفور في الغرب وأجزاء من الجنوب. وخلّف النزاع عشرات الآلاف من القتلى، وشرّد أكثر من 13 مليون شخص، في ما تصفه الأمم المتحدة بأنه “أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث”.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة