في سلسلة سرقات لكتب كلاسيكية روسية نادرة تبلغ قيمتها أكثر من مليوني يورو من عدد من مكتبات أوروبا الشرقية، تقود الخيوط إلى موسكو.

في غضون عامين، نُهبت رفوف كتب أدب القرن الـ19 الروسي من مكتبات في بولندا ودول البلطيق، واستُبدِلت الأصلية منها بنسخ.

ولم تتنبه مكتبة جامعة وارسو إلا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى السرقات التي شملت الطبعات الأولى لأعمال الأدباء الروس الكبار ألكسندر بوشكين ونيقولاي غوغول.

وأفاد موظف في الجامعة مطلع على القضية بأن قيمة الكتب المسروقة من وارسو تصل إلى "نحو مليون يورو".

وقال الدبلوماسي السابق والخبير في السياسة الروسية والأستاذ في جامعة وارسو هيرونيم غرالا لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الأمر أشبه بتعرّض جواهر التاج للسرقة".

موظف جامعي يقدم نسخة (غير أصلية) من كتاب يعود إلى عام 1833 للأديب الروسي بوشكين بمكتبة وارسو (الفرنسية) سرقة آداب العصر الذهبي

واللافت أن سرقة وارسو ليست حدثا معزولاً.

فقد تعرّضت مكتبات كبيرة في دول البلطيق الثلاثة للسطو أيضا، وشكّلت أعمال أدب القرن الـ19 الروسي هدف اللصوص فيها كلها.

ولاحظ الخبراء أن خيوط هذه السرقات تقود إلى موسكو، حيث تم بيع أعمال مشابهة للكتب المسروقة في مزادات علنية بالعاصمة الروسية.

واكتُشفت الحالة الأولى في أبريل/نيسان 2022 في مكتبة لاتفيا الوطنية، حيث سرق اللصوص 3 كتب.

وأدينَ رجل من التابعية الجورجية بالسرقة، وحُكم عليه بالسجن 6 أشهر.

وفي الشهر نفسه، حضر رجلان زعما أنهما يجريان بحثا عن الرقابة والسياسة التحريرية في روسيا في مطلع القرن الـ19 إلى مكتبة تارتو الجامعية في إستونيا، بحجة دراسة أعمال بوشكين وغوغول.

وبعد 4 أشهر، اكتشفت المكتبة أنهما وضعا نسخا بدلاً من 8 كتب تقدر قيمتها الإجمالية بـ158 ألف يورو.

وفي شهر مايو/أيار، اختفى 17 كتابا تبلغ قيمتها نحو 440 ألف يورو من مكتبة جامعة فيلنيوس في ليتوانيا.

وقالت الناطقة باسم مكتب المدعي العام الليتواني غينتاريه فيتكاوسكايتي-ساتكاوسكيني لوكالة الصحافة الفرنسية إن "نسخا غير أصلية وُضعت مكان معظم الكتب المسروقة".

وأحصت مكتبة وارسو حتى الآن 79 كتابا مفقودا من مجموعتها المتعلقة بالأدب الروسي في القرن الـ19.

بيع النسخ الأصلية

وقال موظف في مكتبة الجامعة لوكالة الصحافة الفرنسية (طلب عدم ذكر اسمه) "هنا، نفذ اللصوص عملية واسعة الحجم".

وبين النسخ التي تركها اللصوص، قسم مقلّد بطريقة متقنة وآخر بطريقة سيئة.

ومع أن هذه الكتب لا تزال تُعدّ ضمن المجموعة، تباع النسخ الأصلية منها في موسكو.

وقال غرالا إن "مذكرة مؤرخة في 22 ديسمبر/كانون الأول 2022 تؤكد أن الكتب في مكانها الصحيح" في وارسو، في حين أن أحدها "بيع خلال مزاد في موسكو في اليوم نفسه، في مقابل 30 ألفا و500 يورو".

وأظهرت لقطات شاشة لمزادات في دار "ليتفوند" العاملة في موسكو وسان بطرسبورغ، كتبا تحمل أختام مجموعة من جامعة وارسو وأرقامها.

ورأى غرالا أن "من الواضح أن العملية برمتها نُظِّمت انطلاقا من روسيا".

وتقول وكالة الصحافة الفرنسية أنها تواصلت مع دار "ليتفوند" للمزادات، لكنّ مديرها العام سيرغي بورميستروف لم يؤكد ولم ينفِ صراحة حدوث الاختلاس.

نسخة (غير أصلية) من كتاب يعود إلى عام 1833 للأديب الروسي بوشكين بمكتبة وارسو (الفرنسية)

واكتفى بالقول إن "دار ليتفوند للمزادات تعمل في إطار القوانين المرعية الإجراء في الاتحاد الروسي، ولا تقبل بيع الكتب التي تحمل طوابع مكتبات حكومية موجودة".

واعتبر غرالا أن هذه السرقات ليست مفاجأة ولا مجرد مصادفة.

الثقافة الروسية في مهب الحرب

وشرح قائلا إن "العمليات الثلاث الأولى استهدفت دولا يتهمها الروس بمحاربة اللغة والثقافة الروسيتين". وأضاف "لقد فهموا جيدا أن روسيكا (الأشياء المرتبطة بالثقافة الروسية) تحظى بحماية أقل صرامة، ويمكن الوصول إليها بسهولة أكبر".

وأسف غرالا لفقدان الكتب الروسية بعدما نجت سابقا من انتفاضتين وطنيتين وحربين عالميتين على الأراضي البولندية.

وروى أن "أمناء مكتبات جامعة وارسو بنوا سرا خلال الحرب سقفا مزدوجا لإخفاء الكتب، حتى لا تختفي أو تحترق، لكننا في هذه الحالة لم نتمكن من حمايتها من هذا النهب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الصحافة الفرنسیة

إقرأ أيضاً:

"السائح الثقافي" يجوب فعاليات وأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب

تحوّل معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، إلى ملتقًى عالمي لعشّاق القراءة والسفر الثقافي، إذ يجوب زوّاره أجنحته كرحّالة بين العناوين، يحملون حقائب تفيض بالكتب والذكريات، في مشهد يعكس المكانة التي بات يحتلها المعرض أحد أبرز الفعاليات الثقافية في المنطقة.

ومن بين الزوّار يروي أحمد عبدالصمد، شاب مغربي جاء من الدار البيضاء خصيصًا لحضور المعرض، تجربته قائلاً: "كنت أنوي شراء عشرة كتب فقط، لكنني خرجت بأكثر من أربعين عنوانًا"، مشيرًا إلى أنه استفاد من خدمة الشحن الدولي التي يقدّمها المعرض بعد أن واجه العام الماضي مشكلة الوزن الزائد في المطار، مضيفًا بابتسامة: "هذه الكتب سترافقني في مقاهي الدار البيضاء، وفي رحلات القطار، فهي تذكاراتي الحقيقية من الرياض".

وفي مشهد آخر، حملت الطالبة الكورية سوهي كيم نسخةً من ألف ليلةٍ وليلة، وقالت: "أتيت إلى الرياض لأتعلم العربية من الكتب الأصلية، هنا الأسعار أفضل وهناك عناوين لا تصل إلينا في كوريا"، مضيفةً أنها اشترت أكثر من خمسة عشر كتابًا في الأدب العربي القديم والمعاجم.

أما السعودي علي مدخلي، الذي قطع أكثر من ألف كيلومتر من جيزان إلى الرياض، فقد قال: "أتعامل مع الكتب كزادٍ للرحلة، وأخصّص ميزانيةً سنوية تفوق ثلاثة آلاف ريال للقراءة"، مشيرًا إلى أن أبناءه يسخرون من كثرة الكتب التي يجلبها، لكنهم في النهاية يقرؤون منها جميعًا.

وتصف أستاذة الأدب العربي الدكتورة ليلى فؤاد، تجربتها في المعرض بأنها "صيد علمي نادر"، إذ اقتنت عشرات الكتب والمخطوطات البحثية النادرة، وأرسلتها مباشرة إلى مقر عملها عبر خدمة الشحن المتاحة، مشيدةً بتسهيلات المعرض التي تدعم الباحثين والمهتمين بالمعرفة.

كما يؤكد الزائر سالم المنصوري، القادم من الإمارات مع أسرته، أن معرض الرياض "يتجاوز فكرة سوق الكتاب إلى فضاء ثقافي متكامل يجمع بين الأدب والفكر والفن"، مشيرًا إلى أن تنوع الفعاليات جعله تجربة مختلفة عن بقية المعارض الإقليمية.

وفي شهادةٍ من داخل المعرض، أوضح مدير دار "رشم" للنشر صالح الحماد، أن هذا العام شهد حضورًا ملحوظًا للزوار من خارج المملكة، مبينًا أن خدمات الشحن والتخزين شجّعت القراء على اقتناء كميات أكبر من الكتب دون قلق من الوزن الزائد.

وبين ممرات المعرض وأجنحته تتجسد ملامح "السائح الثقافي" الذي يجمع بين شغف الاكتشاف وحب القراءة، إذ أصبحت حقيبة السفر صندوقًا متنقلًا للمعرفة، والكتاب تذكارًا خالدًا من رحلةٍ ثقافية تنطلق من الرياض إلى العالم.

يُذكر أن معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 يُقام في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن حتى 11 أكتوبر الجاري، تحت شعار "الرياض تقرأ"، ضمن حملة "السعودية تقرأ" التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة لتعزيز شغف القراءة وبناء مجتمعٍ معرفي متفاعل مع الإبداع العالمي.

الثقافةالسياحةمعرض الرياض الدولي للكتابقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • "السائح الثقافي" يجوب فعاليات وأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب
  • الحكاية بالحلم
  • دبلوماسي روسي: وزير الخارجية الأفغاني أكد لموسكو رفض بلاده تأسيس أي قاعدة عسكرية أجنبية داخل بلاده
  • تعرف على عيون وأنهار الجنة المذكورة فى القرآن
  • كييف تتهم موسكو بتصعيد الهجمات.. روسيا ترفض الاتهامات الأوروبية بشأن المسيرات
  • «مدارس الحياة» تنعش مكتبات دبي العامة
  • يوروبول تفكك شبكات تتلاعب بجودة الأغذية في أوروبا..وتضبط بضائع مغشوشة بقيمة 95 مليون يورو
  • مظاهرات حاشدة في وارسو تندد بالحرب الإسرائيلية على غزة
  • موسكو تواجه أوروبا بطائرات مسيرة.. بوتين يحذر من تزويد أوكرانيا بـ«توماهوك»
  • تظاهرة حاشدة في وارسو تطالب بوقف حرب غزة وقطع العلاقات مع إسرائيل