الرأي العام الدولي هو الذي سيحسم سياسيا معركة غزة
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
كل الدلائل تشير إلى أن إسرائيل تفكر في حسم اعتدائها الوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة، اعتمادا على قوة جيشها، مستغلة في ذلك تفوقها العسكري الكبير. زيادة على ما حصلت عليه من دعم سياسي ودبلوماسي، منذ بداية العدوان، من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية على وجه التخصيص، مضافا إليه التخاذل العربي الرسمي، وهو ما يفسر العجرفة التي ظهر بها الخطاب السياسي والإعلامي للعدوان، الذي لم يراعِ أبجديات العمل السياسي والدبلوماسي، الذي كان يفترض حضوره عند أي دولة في العالم، حتى ولو كانت إسرائيل، التي لم تتورع عن الكلام عن «حيوانات» في وصف الفلسطينيين.
بعد أن استطاعت تسويق فكرة الربط، الذي أنجزته بسرعة، منذ الأيام الأولى للعدوان، بين «داعش» وحماس، لدى جزء مهم من الرأي العام الدولي، نتيجة سيطرة للوبي المؤيد لإسرائيل على جزء كبيرا من النخب السياسية والإعلامية في دول الغرب، الذي سوق لحالات اعتداء على أطفال، قتل واغتصاب لنساء في اليوم الأول للحرب، بقيت ادعاءات، من دون أدلة لغاية اليوم، فلا صورة أثبتتها ولا توثيق بينها، على الرغم من الإمكانيات المتوفرة لدى الطرف الإسرائيلي في الداخل والخارج، اعتمادا على قراءة تستند إلى فكرة مركزية حاولت إسرائيل تسويقها، هي أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي انطلق فعليا بداية من أول يوم لطوفان الأقصى، وليس منذ أكثر من سبعين سنة قبل ذلك، حين تم الاستيلاء على أرض فلسطين. وكأن العالم أصبح من دون ذاكرة، تحاول إسرائيل اللعب عليها، اعتمادا على سيطرتها السياسية والإعلامية التي فرضتها، في مواجهة نخب سياسية عربية رسمية فاسدة وفاقدة للشرعية.
عكس القراءة المتأنية، التي تخبرنا بأن الحسم في هذه المعركة لن يكون إلا سياسيا، ستكون الكلمة الأخيرة فيها إلى الرأي العام الدولي في هذه الدول بالذات، التي عولت عليها إسرائيل كقوة دعم ومساندة، بعد أن بدأ الكثير من بوادره التحول لصالح القضية الفلسطينية في البروز، وبعد أن عجز العالم عن مسايرة هذه العجرفة الإسرائيلية التي عبّرت عن نفسها بهذا المستوى من التقتيل الذي أصبح من المستحيل السكوت عنه من قبل شعوب الأرض.
بدأت بوادر التحول لصالح القضية الفلسطينية، بعد أن عجز العالم عن مسايرة العجرفة الإسرائيلية التي عبّرت عن نفسها بالتقتيل الذي أصبح من المستحيل السكوت عنه
دور كبير ينتظر المهاجرين من أبناء المنطقة العربية والإسلامية في هذه المعركة لنصرة القضية الفلسطينية والدفاع عنها في دول الغرب، بالقرب من الحركات الاجتماعية الشعبية ومن داخلها، الحاضرة في دول الغرب ذاته ـ من دون نسيان الرافد الأمريكي الجنوبي – بعد التحولات العميقة التي عرفتها هذه الهجرة وهي تتوسع ديموغرافيا، فقد زاد أبناء المنطقة في دول الغرب، بعد أن تحولت بلداننا إلى منطقة طاردة لأبنائها، لأسباب عديدة على رأسها يأتي بكل تأكيد فشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور الممارسة الديمقراطية، بما عرفته من تقليص كبير في الحريات. الهجرة التي تنوعت سوسيولوجيا كذلك وارتفع مستوى تأهيلها وهي تبتعد عن صورة تلك الهجرة العمالية والريفية – الأمية في الغالب – التي سادت في الستينيات والسبعينيات، كما كان الحال مع أبناء الريف في المغرب، والمناطق الوسطى والجنوبية في تونس، والمناطق الجبلية في الجزائر، بمن فيهم أبناء الشمال القسنطيني، ومنطقة القبائل إذا اكتفينا بمنطقة المغرب. ناهيك عن هجرة كندا الجديدة، وتلك الأقدم التي قام بها اليمنيون والكثير من العرب الآخرين إلى الولايات المتحدة. هجرة عبّرت عن اندماج قوي في مجتمعات الاستقبال عن طريق الزواج المختلط جزئيا، والتحكم في اللغات والتكثيف في ربط العلاقات مع المجتمعات المستقبلة، بما فيها المستويات المهنية والسكن الذي يغلب عليه الطابع الحضري، مما يقربها من مواقع النخبة داخل هذه المجتمعات، ويجعلها قادرة على الفعل السياسي والتأثير، كما ظهر في المسيرات الشعبية التي تجوب عواصم العالم هذه الأيام. هجرة استغلت الحريات التي توفرت لديها في هذه المجتمعات، للتعبير عن مواقفها المؤيدة للقضية الفلسطينية، كما فعلت نساء وبنات المهاجرين بقوة كبيرة، يمكن ملاحظتها بالعين المجردة على رأس المسيرات.
مهاجرون جدد لم يتوجهوا نحو ممارسات منغلقة على الجماعات الوطنية الأصلية communautaire قد تزيد في عزلتهم ولا تساعدهم على اندماجهم، تظهر أكثر على مستوى الأجيال الجديدة، كما هو حاصل في الإعلام والسياسة، التي ما زالت هذه الهجرة ضعيفة الحضور داخلها، على غرار كل مجتمع الاستقبال ـ كموضة للعصر – وليس كخاصية مرتبطة بأبناء المهاجرين، رغم بعض التجارب الناجحة التي ما زالت قليلة، لا تعكس العمق التاريخي لهذه الهجرة، لتبقى نقطة ضعف هذه الهجرة علاقاتها المتوترة مع بلدان الأصل التي غادرتها في ظروف صعبة، وحتى كارثية، كما حصل مع الهجرة السورية بالعنف الذي عرفته، والكثير من أنواع الهجرات الأخرى التي يقوم بها الشباب، بمن فيهم المتعلم، من بلدان عربية كثيرة، بعد فقدانهم للأمل في تحسن أوضاعهم في بلدانهم، التي استمروا في الاهتمام بها رغم ذلك، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالبعد العائلي، الذي يزداد أهمية لدى المهاجر، بعد مغادرة البلد عندما يتعلق الأمر بالجيل الأول من المهاجرين على وجه الخصوص، جيل يطفو إلى السطح سياسيا، في وقت زاد فيه منسوب الأفكار اليمينية المتطرفة والشعبوية، كما أكدته الحالة الهولندية هذا الأسبوع، ظرف لا يترك خيارا آخر إلا التوجه نحو الحركات الاجتماعية الشعبية الحاضرة بقوة في الشارع الغربي، للتخفيف من الضغط الذي تمارسه النخب الرسمية المتواطئة مع المعتدي في جزء كبير منها، كما يحصل في فرنسا هذه الأيام – قضية اللاعب الدولي الجزائري يوسف عطال، الذي وضع تحت الرقابة القضائية، بعد التعبير عن تضامنه مع غزة بشكل، لم يكن موقفا، كما فهمت. اعتذر عنه لاحقا تحت التهديد بالسجن. والطرد من فريق نيس الذي يلعب فيه.
علاقات متوترة مع بلدان الأصل ما زالت بارزة في العلاقة، التي ما زال يقيمها المهاجرون مع مؤسسات الدولة الوطنية في الخارج، كالسفارات وباقي الهياكل الرسمية التي استمرت في إعادة إنتاج السلوكيات البوليسية نفسها التي هرب منها المواطن، ما يعني أنه لا بد من التعويل على دبلوماسية شعبية جديدة قوامها المواطن الحر، في بلد الإقامة، للدفاع عن قضايانا العدالة على رأسها القضية الفلسطينية. وهنا في بلداننا التي تبقى الديمقراطية على رأسها كمهمة تاريخية أمام هذه الأجيال التي يطلب منها الظرف التاريخي إنجاز أكثر من مهمة وهي تعيش في هذا العالم – القرية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة الرأي العام فلسطين غزة الاحتلال الرأي العام مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة فی دول الغرب هذه الهجرة فی هذه من دون بعد أن
إقرأ أيضاً:
باحثة سياسية: هناك محاولة لدمج الحوثيين سياسيا وإضفاء الشرعية عليهم
انتقدت باحثة سياسية -في مقال بمجلة فورين بوليسي الأميركية- المحاولات الرامية لدمج جماعة أنصار الله (الحوثيين) في المشهد السياسي العالمي.
واعتبرت فاطمة أبو الأسرار -وهي محللة أولى للسياسات في مركز واشنطن للدراسات اليمنية- في مقالها أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، في السادس من مايو/أيار الجاري، منحهم نصرا دبلوماسيا نادرا وغير مستحق واعترافا، وهو الشيء الوحيد الذي كانوا يتوقون إليه، حسب تعبيرها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: جولة ترامب الإقليمية لم تقدم جديدا لحل أزمة غزةlist 2 of 2محللون إسرائيليون: هذه أسباب تراجع الآمال بإبرام صفقة في غزةend of listوحذرت الكاتبة من أن حصول حملة الحوثيين على شرعية دولية يهدد بإضفاء طابع مؤسسي على الجماعة بصفتها امتدادا دائما للقوة التي تحاول إيران فرضها في شبه الجزيرة العربية.
ومن شأن ذلك أن يغيّر حسابات ميزان القوى الإقليمي بشكل أساسي، مما يقوّض الشراكات الأمنية الأميركية في الخليج، ويوسّع في الوقت نفسه العمق الإستراتيجي لإيران، وهو أمر مقلق بشكل خاص مع استمرار طهران في طموحاتها النووية.
وتطرقت المحللة السياسية إلى الدور الإيراني في تقديم الدعم لجماعة أنصار الله، وقالت إنه يجعل منها قوة هجينة بالوكالة ويوفر لها الحماية الدبلوماسية والعتاد العسكري والاستثمار الإستراتيجي طويل الأمد.
إعلانبيد أن الأمر الأهم من الناحية الإستراتيجية -كما ورد في مقال فورين بوليسي- يكمن في برنامج التلقين العقائدي للأجيال الجاري تنفيذه في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وهي حملة لخلق قاعدة سكانية ملتزمة أيديولوجيا باستغلال القضايا الإسلامية مثل فلسطين.
تبييض ودعايةوزعمت الباحثة السياسية أن وسائل الإعلام الحكومية الروسية والأيديولوجيين المناهضين للغرب والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي شنوا حملة لتجميل صورة الحوثيين بنشرهم معلومات وسرديات مضللة، مما فتح المجال أمام واشنطن للتعامل مع الحوثيين ليس بوصفهم إرهابيين، بل بوصفهم شركاء تفاوض معقولين.
ومن الأمثلة التي أوردتها الكاتبة لتبييض صورتهم مقال نشرته قناة "روسيا اليوم" في مارس/آذار الماضي للمعلق الروسي سيرغي ستروكان ادعى فيه أن الضربات الجوية الأميركية على اليمن رسمت صورة مصطنعة للحوثيين باعتبارهم عدوا.
ولم يصف ستروكان الحوثيين بالجماعة الإرهابية، بل اعتبرهم قوة سياسية تتفاعل مع القوى المحركة الإقليمية. وفي حين أن حملة التبييض هذه جرى تأطيرها في إطار نقد للسياسة الأميركية، فإنها تعكس -حسب الباحثة السياسية- نمطا أوسع نطاقا الهدف منه تطبيع علاقة جماعة أنصار الله مع المجتمع الدولي.
وفي هذا السياق، تقول الكاتبة إن الحملة الإعلامية للحوثيين تنطوي على 3 أهداف إستراتيجية، فهي توفر مبررا بأثر رجعي لهجماتهم على الملاحة الدولية، وتصنع شرعية دولية رغم عدم اعترافهم السيادي بها، وعلى الصعيد المحلي، تعزل المعارضين للحوثيين من خلال الإشارة إلى أن القوى العالمية قد قبلت فعليا حكمهم في اليمن كأمر واقع.
اهتمام دوليوأشارت الكاتبة إلى أن المؤتمر، الذي نظمه الحوثيون في العاصمة صنعاء يوم 22 مارس/آذار الماضي، استقطب عددا كبيرا من الشخصيات الدولية، وذلك لإبراز قدرتهم على التواصل مع العالم.
إعلانوتعتقد الباحثة السياسية -في مقالها- أن قدرة الحوثيين على تنظيم ذلك المؤتمر بعناية هو ما يميزهم عن الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية. وبينما تتبنى تلك الجماعات أيديولوجية متصلبة من العداء للأجانب، فإن الحوثيين يحاولون ترويج صورة مختلفة عن أنفسهم -خاصة للجمهور الغربي- تصورهم على أنهم أناس ودودون، بل ومحبوبون.
ونصحت صناع السياسة في واشنطن بتوسيع جهودهم في الدعاية المضادة، وتحديدا استهداف الشبكات التي تضخم الرسائل الحوثية، بما في ذلك تحديد وفضح السلوك غير الأصيل المنسق عبر المنصات. واقترحت عليهم فرض عقوبات على الأفراد الذين يسهلون التواصل الدولي للحوثيين، وليس فقط قيادتهم العسكرية.
وعلى النقيض من الحركات الجهادية، فإن الكاتبة تصف الحوثيين بأنهم انتهازيون سياسيون، ويتقبلون المساعدة من أي شخص يعرضها عليهم.
وتمضي فاطمة أبو الأسرار في تحليلها إلى أن محاولات قناة "روسيا اليوم" تبرئة ساحة الحوثيين مما ينسب إليهم، ليس من قبيل الصدفة، ذلك أن علاقات الجماعة اليمنية مع موسكو تطورت في الآونة الأخيرة إلى شراكة متعددة الأبعاد.
وتضيف أن التقارير الأخيرة تشير إلى أن الجماعة تفاوضت ليس فقط مع روسيا، ولكن أيضًا مع الصين لتوفير ممر آمن لسفن تلك الدول عبر البحر الأحمر مقابل الدعم السياسي، مع الاستفادة من مكونات الأسلحة التي تحصل عليها من الصين، ومعلومات استخباراتية من الأقمار الصناعية الروسية للاستهداف البحري، والغطاء الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي.
وترى أبو الأسرار أن هذا تكتيك كلاسيكي للحرب الهجينة يجمع بين العمليات الحركية وحملات التأثير لتحقيق نتائج إستراتيجية لا يمكن للقوة العسكرية وحدها تأمينها.