الحرب أداة مشروعة لكن الإخفاق فى الالتزام بأعرافها وقواعدها الأخلاقية العادلة يخلف على الدوام بحارًا من الأسى والألم. فى الصراعات المسلحة لا بد أن تلعب الأخلاق دورًا مهمًا كى تتحقق العدالة ويتم تقليل الأضرار الناجمة عنها.
عن «أخلاقيات الحرب» صدر كتاب يحمل هذا العنوان لمؤلفه الخبير الاستراتيجى «ديفيد فيشر» يعيد من خلاله التفكير فى العلاقة الممكنة بين الأخلاق والحرب، ويعمل على الانخراط فى التفكير فيما يسمى بالحرب العادلة، ففى عالم تسوده الحروب والنزاعات التى لا تتوقف، يقدم هذا الكتاب مقاربات جنيالوجية، تعود بالموضوع إلى جذوره الأولى التى يمكن أن نستنير بها فى معالجة وتنظيم تصورنا للحرب فى علاقتها بالأخلاق.
يركز فيشر على أن العالم المعاصر يعيش أزمة أخلاقية لا يمكن انكارها، ويحاول الاجابة عن سؤال وهو: كيف يمكن للحروب التى تخلق ضحايا، وتدمر البيئة والقيم والأشخاص، أن تكون عادلة؟
فمنذ القرن التاسع عشر أصبح تسود المجتمعات المعاصرة نزعة تشكيكية فى الأخلاق الموروثة. وازداد الأمر تأكيدا بعد فشل عصبة الأمم المتحدة وانهيارها، وعدم قدرتها على الحد من الحربين العالمتين الأولى والثانية، إلى درجة أصبح الكل يؤمن معها بأن العلاقات الدولية لا يمكن بأى حال من الأحوال، أن تضبط المعايير الأخلاقية وأن كل شىء يجب أن يبتسم بالواقعية، والسياسات المرادفة لها. لكن على الرغم من ذلك، لا يزال نبض الحس الأخلاقى موجودًا عند البعض ممن يعلنون من دون استسلام أن الدولة المعاصرة مطالبة بالتمسك، ولو بالحد الأدنى من الأخلاقيات.
إن «فيشر» يسعى فى مقارنته إلى رسم الحدود ووضع المعايير التى تسمح بالقول إننا بصدد حرب عادلة أو غير عادلة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العمل ليس جديدًا فى التاريخ، بل كل ما هنالك أن «فيشر» يحاول فقط مراجعة بعض المبادئ التى حضرت فى فلسفات أخلاقية وسياسية كثيرة، فهناك العديد من المبادئ الخاصة بالحرب العادلة المتفق عليها، التي تمت صياغتها عبر القرون. ويكفى التذكير بما صاغه القديس أوغسطين بقوله إن الحرب العادلة هى التى تكون ثأرًا من ظلم أو لاستعادة شىء جرى الاستيلاء عليه. وعلى الرأى من كل هذا فالحرب تبقى شرًا فى ذاتها، ويجب العمل علي تجبنها. وفى هذا السباق يقول القديس أوغسطين: «على الحكيم أن يرثى لحقيقة أن يكون مضطرًا لشن حرب».
لكى تكون الحرب عادلة فى نظر «فيشر» يجب أن تخضع لمعايير متعددة منها: ضرورة استحضار عملية الموازنة بين النفع والضرر، بين خسائر الحرب ومكتسباتها سواء قبل تشويها أو بعدها. فلا ينبغى أن يكون الضرر أكثر من النفع، بمعنى أنه على الحرب أن تقوم على حسابات استراتيجية وتكتيكية دقيقة، حيث لا تفوق التبعات السلبية الخير المستهدف فى تحقيقه، على الرغم من أن حساب النتائج يبقى أمرًا صعبًا، إلا أنه ضرورى جدًا. وإذا كانت الحرب تقوم على قضايا معنية، فيجب أن تكون هذه القضايا بالضرورة قضايا عادلة. وعندما تزول دوافع الحرب وأسبابها، فيلزم انهاؤها فى أقرب وقت ممكن.
يضيف «فيشر» مبدأ آخر أسياسيًا، لا يقل عن القضية العادلة، مبدأ الحصانة بالنسبة لغير المقاتلين، والامتناع عن الإضرار بعامة الشعب البسطاء. هذه المبادئ لا تطبق أثناء الحرب فقط، بل بعدها كذلك.
وإذا كانت الجوانب السلبية المرافقة للحرب لا مفر منها، فلا يجب أن تكون غاية فى حد ذاتها حتى يمكن تبريرها. فالغاية تكون فى هذه الحالة هى المحدد الرئيسى للطبيعة الأخلاقية للفعل، على الرغم من أن الغاية، ولو كانت نبيلة، مما يؤثر على الدوافع النبيلة ويسىء إليها. كل هذه شروط فى نظر «فيشر» يمكن اعتبارها بمثابة مبادئ للحرب العادلة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن الحرب العادلة الحرب أداة مشروعة العادلة الحرب العادلة
إقرأ أيضاً:
لا تهمِلها.. قرحة الفم المستمرة قد تكون ناقوس خطر ينذر بسرطان مميت
يمانيون../
حذّر أطباء في مستشفى يورك بالمملكة المتحدة من تجاهل القرح الفموية التي تستمر لفترات طويلة دون شفاء، مؤكدين أن مثل هذه الأعراض البسيطة قد تكون في الواقع إشارات أولى لسرطان الفم، خصوصاً نوع “سرطان الخلايا الحرشفية”، وهو الأكثر شيوعًا بين سرطانات الفم.
وأوضحت صحيفة ديلي ميل البريطانية أن حالات عديدة تم تشخيصها بسرطان الفم، بدأت بقرح صغيرة أسفل اللسان أو على بطانة الفم، ما يبرز أهمية عدم التساهل مع التغيرات غير الطبيعية داخل الفم، وضرورة الخضوع للفحص الطبي المبكر عند ملاحظة أي أعراض مستمرة.
وتمثل سرطانات الخلايا الحرشفية نحو 90% من إصابات سرطان الفم، وتبدأ غالبًا على شكل قرحة غير مؤلمة، أو بقعة حمراء أو بيضاء لا تختفي. ومن الأعراض الأخرى التي ينبغي التنبه لها: التورمات داخل الفم أو على الشفاه، صعوبة البلع، تغير نبرة الصوت، وألم حاد أثناء الأكل أو التثاؤب.
ويعد الاكتشاف المبكر مفتاح النجاة، حيث تؤكد الدراسات أن 99% من المرضى الذين يُشخص لديهم السرطان في مراحله المبكرة يعيشون لأكثر من خمس سنوات، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 50% فقط إذا تم اكتشافه بعد انتشاره.
وفي الحالات المتقدمة، قد يضطر الأطباء إلى إجراء جراحة ترقيع حرّة (Free Flap Surgery)، يتم فيها إزالة الجزء المصاب من اللسان أو الفم، ثم زرع نسيج بديل مأخوذ من الذراع أو مناطق أخرى بالجسم، مع توصيل الأوعية الدموية لضمان تدفق الدم إلى النسيج الجديد، ما يساعد على ترميم المنطقة واستعادة بعض وظائف النطق والمضغ.
رسالة الأطباء واضحة: لا تستهين بأي تقرّح لا يلتئم داخل فمك.. فقد يكون الإنذار الأول لمرض خفيّ لا يظهر إلا بعد فوات الأوان.