نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا حول تدمير القصف الإسرائيلي على غزة النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني في القطاع، أعدته مجموعة من مراسيلها في خانيونس والقاهرة ولندن.

وأشار التقرير إلى أن إيمان عواد كانت أما حريصة على حماية أولادها، وقبل الحرب، كانت الأم البالغة من العمر 31 عاما لا تسمح لأولادها باللعب في الشوارع دون مراقبة، وقالت سندس، أخت زوجها "كانت تخاف دائما على أولادها".



واليوم تواجه العائلة دمارا أسوأ مما توقعته، فقد استشهدت إيمان وزوجها وابنتها الكبرى وطفلها الصغير في غارة إسرائيلية الشهر الماضي. ونجت ابنتها البالغة من العمر تسعة أعوام، أيام أغا ولكنها نائمة تحت بطانيات المستشفى وتعاني من إصابة بالدماغ بسبب الغارة الجوية.  

وأشارت الصحيفة إلى أن خسارة عائلة الأغا الممتدة هي أوسع، فقد استشهد 80 فردا من العائلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بسبب القصف. ومع استمرار "إسرائيل" بدك قطاع غزة، فهي من بين عدة عائلات تواجه خسارة بهذا الحجم. ومسحت حفصة، واحدة من عمات أيام، على رأسها الذي حلق تحضيرا للعملية، وكان دائما مغطى بشعر طويل أسود، كما قالت حفصة حيث أظهرت صورا لها على هاتفها " كانت مثل الفراشة، وأحبت أيام الحياة كثيرا".

ومثل بقية العائلات الأخرى في غزة، أشارت الصحيفة إلى أن أيام عاشت مع عائلتها الممتدة في بيت واحد، ببناية من ثلاثة طوابق مكونة من خمس شقق، خمسة أعمام وعمات من جانب والدها مع أولادهم الذين عاشوا تحت سقف واحد. وترافقت المعيشة تحت سقف واحد في بنايات من طوابق عدة بحثا عن الأمان مع اندلاع الحرب، ويعني أن عددا من الأجيال عانت نفس المصير مثل عائلة الأغا، لكنها محيت من السجل بسبب غارة أو عدة غارات إسرائيلية.


ولفت التقرير إلى أن هناك حوالي 1.550 عائلة خسرت عدة أفراد، حسب المسؤولين في وزارة الصحة، وهناك حوالي 312 عائلة خسرت أكثر من عشرة أفراد، حتى تاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر. وباتت وكالات الإغاثة على معرفة بمصطلح  "دبليو سي أن أس أف"  "طفل جريح بدون عائلة على قيد الحياة".

وأضافت أنه قبل الحرب كانت عائلة أيام تعتقد أن فرص الحياة تتحسن أمامها. فوالدها محمود، كان يحمل شهادة في إدارة الأعمال وبعدما كافح للعثور على عمل في هذا المجال، بدأ بالعمل ككهربائي وفتح محلا لتصليح الأدوات الكهربائية.

وقال فؤاد (60 عاما) جد أيام "كان سعيد ومسرورا بهذا".  وكانت أيام واختها ميرا مجتهداتان في المدرسة، ووصفتهما عمتهما سندس "بالطائرين الحلوين. وقبل وفاتها كانت أمهما، وهي حاصلة على شهادة بالتربية تتطلع لشراء أريكة وملابس شتوية ولكن الحرب وصلت أولا، كما تقول للصحيفة.

وكانت زيارة عائلية لعمة أيام من أمها وخالها في المنطقة المعروفة بخانيونس التي كلفت العائلة معظم أفرادها في 3 تشرين الثاني/نوفمبر. ونجت أيام وشقيقها فؤاد من الغارة الإسرائيلية، ولكن شقيقتها ميرا، 12 عاما وشقيقها الصغير أدم، 18 شهرا، ووالدها وأمها استشهدوا.

وذهب فؤاد جد أيام إلى مكان الحادث، حيث قال "لقد تحطم المنزل. وتناثرت الكتل والأحجار في كل مكان". وفي ساعات من الرعب بحثا عن الناجين والعثور على أجزاء الجثث بين الأنقاض. وعندما علم أن أيام وشقيقها فؤاد نجوا شعر بالراحة وقال "عندما رأيته شعرت بأن جزءا من روحي عاد إلي". و

واستشهد محمد أبو سلطان، 24 عاما، وهو لاعب كرة قدم متحمس وكان يلعب حارس مرمى ويتطلع للزواج من بين عدة أفراد ارتقوا من عائلته.

وباستخدام بيانات "إيروورز"، وهي منظمة غير ربحية بريطانية تتابع ضحايا الغارات الجوية، حاولت "فايننشال تايمز" تحديد الناجين من أصدقاء سلطان وأفراد عائلته الذين استشهدوا. وارتقا معه 8 من أفراد عائلته في مخيم جباليا للاجئين بغارة جوية في 31 تشرين الأول/أكتوبر مع 126 مدنيا ومن بينهم 69 طفل.

وقال صديق طفولة اسمه محمد "كان يحب ريال مدريد". واستشهد محمد مع والده عمر، وهو نجار، ووالدته سحر التي عملت في صناعة الحلويات وإخوانه الثلاث، أحمد، 30 عاما و محمود، 27 عاما، وعبد الله، 13 عاما وأخته شهد التي لم يتم التأكد من عمرها وزوجة أحمد وابنته. وقال صديق كان مقيما في غزة اسمه سهيل  يحيى على صفحة "فيسبوك": "لم يبق أقارب أو أعزاء ذهبوا جميعا".

وتشير الصحيفة إلى أن خسارة عائلات مثل الأغا وأبو سلطان حفر ثقوبا في نسيج غزة الإجتماعي. وتقول المحاضرة بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، دينا مطر "تؤدي خسارة كهذه لمحو الذكريات والهويات المشتركة للناجين" و "ستترك صدمة واضحة". 

وتلفت الصحيفة إلى "إسرائيل" تقول إنها تريد تدمير حماس بسبب هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر لكن الناجين من عائلات الضحايا  يقولون إنهم لا علاقة لهم بحماس ولم يقدموا لها الملجأ. وتقول وزارة الصحة في غزة إن عدد الشهداء وصل إلى 18.205 شخصا معظمهم من الأطفال والنساء. مع أن البيانات لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين. 

 وتم تشريد نسبة  85% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، حيث يعيشون كلهم في جنوب القطاع الآن. ووثقت منظمة "أمنستي" خمس حالات من  القصف الجوي محت فيها عائلات بأكملها، وطالبت بالتحقيق فيها كجرائم حرب. ورد وزير خارجية الاحتلال على "أمنستي" بأنها "منظمة معادية للسامية ومعادية لإسرائيل"، بحسب الصحيفة.


وأصبح موقع عائلة الأغا على الإنترنت الذي كان يوثق الأعراس والإنجازات الأكاديمية مكانا لتوثيق الخسائر في الأرواح. وتأثرت عائلة الأغا بالغارات، فبعد يوم من زيارته لأيام علم الجد فؤاد أن غارة ضربت مسجدا قريبا من بيته وجرحت أبناء له. وقالت حفصة، عمة أيام "نواجه الكارثة بعد الأخرى".

ويحذر الخبراء الطبيون من الآثار النفسية لخسارة واسعة كهذه. فالمراهقون في غزة نجو من خمس حروبـ، 2008 و 2012 و 2014 و 2021 و2013 الآن. وتقول عائشة قادر، طبيبة الأطفال والمستشارة البارزة لـ "سيف ذي تشيلدرن" إن شبان غزة يعانون من عدة صدمات نفسية. ويواجه الأطفال الموت عيانا أما الكبار والذين يبحث عنهم الأطفال للحماية فهم في حالة يأس و "لا يمكن للكبار خلق حس الأمان والسلامة الذي يحتاجون بشكل أساسي وضروري لنمو الأطفال العاديين".

وأشارت الصحيفة إلى أنه لا أحد من أطفال غزة في المدارس فقد تعرض 50% من المدارس للقصف. وتقول مطر إن خسارة العائلات يحمل تداعيات تاريخية واجتماعية "فموت كامل العائلة يعني ذهاب سجل وحياة الناس الإجتماعية". وهو ما يترك "فجوات" في سجلات الناس العاديين ووجودهم "فالذاكرة مهمة وهي عناصر ضرورية عندما تريد أن تجمع القصص وتواريخ الحيوات العادية".

وفي الوقت الذي تنتظر فيه أيام الحصول على تصريح للعلاج في تركيا، على الأرجح، تقوم عائلتها بالحفاظ على ذاكرة العائلة ونشر الصور والوثائق. وتحاول مساعدة الأفراد الناجين والتضامن معهم. وتقول مها نصار، الخبيرة بتاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة أريزونا أن التعازي والرسائل على منصات التواصل الاجتماعي هي تعبير عن تصميم وحياة المجتمع. ويتمسك الغزيون بهويتهم الفلسطينية "كما ويقرأ الفلسطينيون حول العالم ويشاركونهم حس الفقد والخسارة وهو ما يبني، على ما أعتقد روابط عميقة في غزة وأبعد منها"، وفقا للتقرير.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الفلسطيني فلسطين غزة الاحتلال الإسرائيلي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصحیفة إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

بعد 43 عاما.. إسرائيل تستعيد جثمان جندي مفقود في سوريا بعملية استخباراتية معقدة

عواصم - الوكالات
في تطور وصف بـ"النوعي والمعقد"، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، نفذ عملية دقيقة داخل الأراضي السورية أسفرت عن استعادة جثمان الجندي تسفي فلدمان، الذي قُتل خلال معركة تل السلطان في يونيو 1982، إبان الغزو الإسرائيلي للبنان في حرب عُرفت باسم "سلامة الجليل".

العملية التي ظلت طيّ الكتمان، كشفت عنها مصادر عسكرية وصفتها الصحيفة بالمطلعة، حيث أوضحت أن التخطيط والتنفيذ استغرقا شهورًا، وجرت وسط تعقيدات أمنية وجغرافية عالية، وهو ما يجعلها واحدة من أكثر العمليات تعقيداً في ملف استعادة الجنود والمفقودين لدى إسرائيل.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سارع إلى الإعلان عن العملية، واصفاً إياها بـ"الناجحة والمشرفة"، مؤكداً أن الجثة التي تم استعادتها تعود لرقيب أول سقط خلال معركة شرسة في بدايات الاجتياح الإسرائيلي للبنان، والتي كانت تهدف إلى سحق منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة ترتيب التوازنات السياسية في المنطقة لصالح إسرائيل.

معركة تل السلطان، التي سقط فيها فلدمان، كانت واحدة من أبرز المحطات الدموية في حرب لبنان الأولى، التي حصدت أرواح الآلاف وغيّرت خريطة النفوذ في الشرق الأوسط. هذه الحرب لم تترك فقط جراحاً على الأرض اللبنانية، بل خلفت أيضاً عشرات المفقودين في صفوف الجيش الإسرائيلي، ممن ما تزال عائلاتهم تنتظر بصيص أمل.

عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى والمفقودين لم تخف مشاعرها المختلطة بعد إعلان استعادة جثمان فلدمان، حيث عبّرت عن تهنئتها لعائلته، لكنها في الوقت نفسه عبّرت عن خشيتها من أن يضطر البعض للانتظار أربعة عقود أخرى لاستعادة أحبائهم، في إشارة إلى المدة الطويلة التي استغرقتها هذه العملية.

العملية الأخيرة تعيد إلى الواجهة مجدداً ملف الجنود الإسرائيليين المفقودين في النزاعات الماضية، وتطرح أسئلة كبيرة حول الثمن السياسي والاستخباراتي الذي تدفعه إسرائيل في سبيل إعادتهم، كما تفتح الباب أمام تكهنات بعمليات قادمة في أماكن مختلفة من المنطقة، في ظل استمرار الغموض حول مصير آخرين فُقدوا في حروب الشرق الأوسط المعقدة.

 

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تعاود قصف غزة وتقتل فلسطينية بعد الإفراج عن ألكسندر
  • استهدفت خيمة نزوحهم الأخيرة .. إسرائيل تمسح عائلة كاملة من من سجل الحياة
  • إسرائيل تستعد لتسلّم عيدان ألكسندر في خان يونس
  • مقال بهآرتس: بعد 250 عاما ها هي أميركا تنال استقلالها عن إسرائيل
  • الأورومتوسطي: “إسرائيل” تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
  • إسرائيل: الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية سيؤدي إلى إجراءات مضادة
  • بينهن 7920 أمًا.. إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
  • «دي كانت وصيته».. كارول سماحة تستأنف نشاطها الفني بعد أيام من وفاة زوجها
  • بعد 42 عاماً.. إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا قُتل في لبنان (صورة)
  • بعد 43 عاما.. إسرائيل تستعيد جثمان جندي مفقود في سوريا بعملية استخباراتية معقدة