إذا أصابه العسر.. خطيب المسجد الحرام يحذر من 10 أفعال وقت الكرب
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
قال الدكتور أسامة بن عبد الله خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن تيسيرَ العسير، وتذليلَ الصعب، وتسهيلَ الأمور أملٌ تهفُو إليه النفوس، وتطمحُ إلى بلوغ الغايةِ فيه، والحَظوةِ بأوفى نصيبٍ منه، وإدراكِ أكملِ حظٍّ ترجُو به طِيبَ العيشِ الذي تمتلكُ به أزِمَّةَ الأمور.
إذا أصابه العسروأضاف " خياط" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة : وتتوجَّهُ به إلى خيراتٍ تستبِقُ إليها، وتنجُو من شُرورٍ تحذَرُ سوءَ العاقبة فيها، ولذا فإن من الناسِ من إذا أصابَه العُسر في بعض أمره، رأى أن شرًّا عظيمًا نزلَ بساحته.
وتابع: وأن الأبوابَ قد أُوصِدَت دونه، والسُّبُلَ سُدَّت أمامه، فتضيقُ عليه نفسُه، وتضيقُ عليه الأرضُ بما رحُبَت، ويسوء من ظنِّه ما كان قبلُ حسنًا، ويضطربُ من أحواله ما كان سديدًا ثابتًا مُستقِرًّا، وربما انتهى به الأمرُ إلى ما لا يحِلُّ له، ولا يليقُ به، من القولِ والعمل.
وأوضح أن المتقين الذين هم أسعدُ الناس وأعقلُهم، لهم في هذا المقام شأنٌ آخر، وموقفٌ مُغايِر، بما جاءَهم من البيِّناتِ والهُدى من ربِّهم، وبما أرشدَهم إلى الجادَّة فيه، نبيُّهم -صلوات الله وسلامه عليه- .
لهم شأن آخروأشار إلى أنهم يذكُرون أن ربَّهم قد وعدَهم وعدَ الصدقِ الذي لا يتخلَّف، وبشَّرَهم أن العُسرَ يعقبُه يُسرٌ، وأن الضيقَ تردُفُه سَعَة، وأن الكربَ يخلُفُه فرَجٌ؛ فقال سبحانه: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وقال -عزَّ اسمه-: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.
ونبه إلى أنه موعودٌ مُقترِنٌ بشرط الإتيان بأسبابٍ عِمادُها وأساسُها، وفي الطليعةِ منها: التقوى التي هي خيرُ زاد السالكين، وأفضلُ عُدَّة السائرين إلى ربِّهم، ووصيةُ الله تعالى للأولين والآخرين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
وأفاد بأن التقوى تبعثُ المُتَّقي على أن يجعل بينه وبين ما نهى الله عنه حاجزًا يحجُزُه، وساترًا يقِيه، وزاجِرًا يزجُرُه، وواعِظًا في قلبه يعِظُه ويُحذِّرُه. فلا عجبَ أن تكون التقوى من أظهرِ ما يبتغي به العبدُ الوسيلةَ إلى تيسير كلِّ شُؤونه، وتذليلِ كل عقبةٍ تعترِضُ سبيلَه، أو تحُولُ بينَه وبين بلوغِ آماله.
واستشهد بما قال الله تعالى : ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾، منوهًا بأن مع التقوى يأتي الإحسانُ في كل دروبِه؛ سواء منه ما كان إحسانًا إلى النفس بالإقبال على الله تعالى والقيام بحقِّه سبحانه في توحيده وعبادته بصرفِ جميعِ أنواعِها له وحده سبحانه محبَّةً وخوفًا ورجاءً وتوكُّلاً وخضوعًا وخشوعًا وإخباتًا وصلاةً ونُسُكًا وزكاةً وصيامًا وذِكرًا وصدقةً.
مُقتضى الشهادةواستطرد: إذ هو مُقتضى شهادة أن لا إله إلا الله التي تعني: أنه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، وتلك هي حقيقةُ التصديقِ بالحُسنى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.
ولفت إلى أن مما يبسُطُ مدلولَ هذا ويُوضِّحُه: أن يعلمَ المرءُ أن الله تعالى قد اتَّصَفَ بصفاتِ الكمال، وأنه -كما قال الإمامُ ابنُ القيِّم رحمه الله-: "يُجازِي عبدَه بحسبِ هذه الصفات؛ فهو رحيمٌ يحبُّ الرُّحَماء.
وواصل: وإنما يرحمُ من عباده الرُّحَماء، وهو ستِّيرٌ يحبُّ من عباده السّتر، وعفوٌّ يحبُّ من عباده من يعفُو عنهم، وغفورٌ يحبُّ من يغفِرُ لهم، ولطيفٌ يحبُّ اللُّطفَ من عباده، ويُبغِضُ الفظَّ الغليظَ القاسِي، رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ، حليمٌ يحبُّ الحلمَ، برٌّ يحبُّ البِرَّ وأهلَه، وعدلٌ يحبُّ العدلَ.
ونوه بأنه تعالى قابِلُ المعاذِير يحبُّ مَن يقبَلُ معاذيرَ عباده، ولذا فهو يُجازي عبدَه بحسبِ هذه الصفاتِ وجودًا وعدمًا؛ فمن عفا عفي عنه، ومن غفرَ غُفرَ له، ومن رفقَ بعباده رُفقَ به، ومن رحِمَ خلقَه رَحِمَه ، ومَن أحسنَ إليهم أحسنَ إليه".
وبين أن من هذا الإحسانِ - التيسيرُ على المُعسِر إما بإنظاره إلى ميسرةٍ، وإما بالحطِّ عنه، كما جاء في الحديثِ: "ومن يسَّرَ على مُعسِرٍ يسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة". أخرجه مسلم في صحيحه.
وأكد أنه على العبد أن يجمع إلى ذلك: التضرُّع إلى خالقه ودعائه بما كان يدعُوهُ به الصفوةُ من خلقه؛ كدُعاء موسى -عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام-: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ .
دعاء نبيهوأكمل: وكذلك دعاءُ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يدعُو به عند تعسُّر الأمور، وذلك قولُه: "اللهم لا سهلَ إلا ما جعلتَه سهلاً، وأنت تجعلُ الحَزْنَ إذا شئتَ سهلاً"، مُلتزِمًا في ذلك آدابَ الدعاءِ وسُننَه، من إخلاصٍ لله، ومُتابعةٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابتداءٍ بحمده سبحانه والثناءِ عليه، والصلاة والسلام على نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-.
وأردف: واستِقبالٍ للقبلة، وإلحاحٍ في الدعاءِ، وعدمِ الاستِعجالِ فيه بأن يقول: دعوتُ فلم يُستجَب لي، ومع سُؤال الله وحده دون سِواه، واعترافٍ بالذنبِ، وإقرارٍ بالنِّعمة، وتوسُّلٍ إليه بأسمائه الحُسنى وصفاتِهِ العُلَى، أو بعملٍ صالحٍ سلَفَ له، أو بدعاءِ رجلٍ صالحٍ حيٍّ حاضرٍ، ورفعِ اليدين، والوضوءِ إن تيسَّرَ، وإطابةِ مطعمه بأكل الحلال الطيِّب واجتِنابِ الحرام الخبيثِ، واجتِنابِ الاعتِداءِ في الدعاءِ بأن لا يدعُوَ بإثمٍ، ولا بقطيعةِ رحِمٍ، وبأن لا يدعُوَ على نفسه ولا على أهله أو ماله أو ولده، وبعدم رفعِ الصوت فوق المُعتاد وفوق الحاجة.
وأفاد بأن هنالك تُرجَى الإجابة، وتُستمطَرُ الرحمةُ الربانية، ويُرتَقَبُ اليُسرُ، ويُفرَحُ بفضل الله وبرحمته، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، لافتًا إلى أن
في قولِ الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قولُ بعضِ أهل العلم بأن "هذه إشارةٌ عظيمةٌ، أنه كلما وُجِدَ عُسرٌ وصعوبةٌ؛ فإن اليُسرَ يُقارِنُه ويُصاحِبُه، حتى لو دخلَ العُسر جُحرَ ضبٍّ لدخلَ عليه اليُسرُ فأخرجَه، كما قال تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾.
وأوضح أن في تعريفِه بالألف واللام الدالةِ على الاستغراقِ والعموم دليلٌ على أن كل عُسرٍ -وإن بلغَ من الصعوبةِ ما بلغَ- ففي آخره التيسيرُ مُلازِمٌ له". وإنها لَبشارةٌ عظيمةٌ لمن أصابَه العُسرُ، ونزلَ به الضُّرُّ، وأحاطَ به البلاءُ، واشتدَّ عليه الكربُ ، باقترابِ النصرِ، وتنفيسِ الكربِ، وتفريجِ الشدَّة، وكشفِ الغُمَّة، ورفعِ البلاءِ، والعافيةِ من البأساء والضرَّاء.
وأوصى قائلاً: فاتقوا الله -عباد الله-، وأحسِنوا الظنَّ بالله، وثِقُوا بوعده الحق الصادقِ الذي لا يتخلَّفُ ولا يتبدَّلُ: أن مع العُسرِ يُسرًا، كما واذكروا على الدوامِ أن الله تعالى قد أمَرَكم بالصلاةِ والسلامِ على خير الورَى، فقال -جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنكَ حميدٌ مجيدٌ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام خياط خطبة الجمعة من المسجد الحرام الله تعالى الله علیه من عباده ال ع س ر إلى أن ما کان
إقرأ أيضاً:
فتاوى وأحكام | أصلي سنة الفجر بالبيت أم المسجد؟.. هل كل إنسان له قرين؟.. هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
فتاوى واحكام
هل أصلي سنة الفجر في البيت أم المسجد؟
هل كل إنسان له قرين؟
هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى والأحكام التى يتساءل عنها كثير من المسلمين نستعرض بعض منها فى التقرير التالى..
في البداية، قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه فيما ورد في تفسير الآية 187 من سورة الأعراف أن الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم الساعة، ولم يطّلع على موعدها لا ملكٌ مقرب، ولا نبيٌ مرسل.
وأوضح «جمعة» في مسألة هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد ؟، أن علامات الساعة كلها بأمر الله وقدره قد تحدث في يوم واحد، وسيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم - أرشدنا إلى قضية نسبية الزمان.
وأضاف أنه أخفى الله تعالى أجل الإنسان عنه؛ فإذا مات الإنسان فقد قامت قيامته، لأن الإنسان عندما يموت ينقطع عمله، منوهًا بأن ربنا سبحانه وتعالى له حتم ، وهناك من يحاولون أن يعتدوا على هذا الحتم، ، بالرغم إن هذه المعرفة تضر، وتحبط، وتجعلك تفعل عكس مراد الله من خلقه "العبادة والعمارة".
وأشار إلى أن كلمة "مرساها" مناسبة لحركة الحياة، ولمعنى الساعة، وأنها ستكون نهاية الحركة، منبهًا إلى أن الحركة والسكون قامت عليها فلسفةٌ كبيرة في العالم، بعض الفلسفة ترى أن الحركة هي الأصل، وبعض الفلسفة يرى أن السكون هو الأصل.
وتابع: ويقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: يَسْأَلُونَكَ أي: المكذبون لك، المتعنتون عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا أي: متى وقتها الذي تجيء به، ومتى تحل بالخلق؟ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي أي: إنه تعالى مختص بعلمها، لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ أي: لا يظهرها لوقتها الذي قدر أن تقوم فيه إلا هو.
ونبه إلى أن قوله تعالى : ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أي: خفي علمها على أهل السماوات والأرض، واشتد أمرها أيضا عليهم، فهم من الساعة مشفقون، أما قوله تعالى : لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً أي: فجأة من حيث لا تشعرون، لم يستعدوا لها، ولم يتهيأوا لقيامها.
وأفاد بأنه عن قوله عز وجل: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا أي: هم حريصون على سؤالك عن الساعة، كأنك مستحف عن السؤال عنها، ولم يعلموا أنك - لكمال علمك بربك، وما ينفع السؤال عنه - غير مبال بالسؤال عنها، ولا حريص على ذلك، فلم لا يقتدون بك، ويكفون عن الاستحفاء عن هذا السؤال الخالي من المصلحة المتعذر علمه، فإنه لا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب.
ولفت إلى أنها من الأمور التي أخفاها الله عن الخلق، لكمال حكمته وسعة علمه، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فلذلك حرصوا على ما لا ينبغي الحرص عليه، وخصوصا مثل حال هؤلاء الذين يتركون السؤال عن الأهم، ويدعون ما يجب عليهم من العلم، ثم يذهبون إلى ما لا سبيل لأحد أن يدركه، ولا هم مطالبون بعلمه.
هل أصلي سنة الفجر في البيت..قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن صلاة سنة الفجر هي سنة مؤكدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن يتركها في السفر أو الحضر.
وأوضح "عثمان" في إجابته عن سؤال: هل أصلي سنة الفجر في البيت أم المسجد ؟، أنه قد تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على المحجة البيضاء ، وأرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح لنا في الدنيا والآخرة، ومن ثم نجد في الأثر إجابة سؤال هل أصلي سنة الفجر في البيت أم المسجد .
وأضاف أنه النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يصلي سُنة الفجر بعد الأذان في بيته، ثم يأتي فتقام الصلاة -عليه الصلاة والسلام-، يصلي ركعتي الفجر، ويضطجع بعدها على جنبه الأيمن بعض الشيء.
وتابع: ثم يتوجه للصلاة -عليه الصلاة والسلام-، ويقول: إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم كان إذا طلع الفجر، وأذن المؤذن صلى ركعتين -عليه الصلاة والسلام- خفيفتين، ثم يضطجع بعدها ضجعة خفيفة، ثم يتوجه إلى المسجد -عليه الصلاة والسلام-.
صلاة سنة الفجر
وجاء أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لسنة الفجر بأنها خفيفة، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان، ويخففهما. رواه مسلم.
وفي الصحيحين عنها أيضًا أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، حتى إني لأقول هل قرأ بأمِّ الكتاب؟ وأم الكتاب هي الفاتحة.
و قال الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): مَعْنَى قَوْل عَائِشَة: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآن ـ أَيْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا، أَوْ ضَمَّ إِلَيْهَا غَيْرهَا؟ ـ وَذَلِكَ لِإِسْرَاعِهِ بِقِرَاءَتِهَا, وَكَانَ مِنْ عَادَته أَنْ يُرَتِّل السُّورَة، حَتَّى تَكُون أَطْوَل مِنْ أَطْوَل مِنْهَا. اهـ.
ومن هذا الحديث استفاد المالكية استحباب الاقتصار على قراءة الفاتحة فقط في سنة الفجر، وإن كان الجمهور يستحبون القراءة فيها بعد الفاتحة بسورة الكافرون في الركعة الأولى، وبسورة الإخلاص في الركعة الثانية؛ وذلك لما ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ.
ويظهر من وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لسنة الصبح بأنها خفيفة، أنه كان لا يطيل ركوعها وسجودها، وإنما يقتصر فيهما من الأذكار على المجزئ أو أدنى الكمال؛ لأن هديه صلى الله عليه وسلم في صلاته عموما أنها قريبة من السواء.
ويتحقق فيها التوازن والتناسب في الزمن الذي يستغرقه أداء كل ركن، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله تعالى عنه- أنه قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ.
قال الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: (قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ) لَيْسَ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، وَكَذَا السُّجُودُ وَالِاعْتِدَالُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ قَرِيبًا، مُعْتَدِلَةً، فَكَانَ إِذَا أَطَالَ الْقِرَاءَةَ، أَطَالَ بَقِيَّةَ الْأَرْكَانِ، وَإِذَا أَخَفَّهَا، أَخَفَّ بَقِيَّةَ الْأَرْكَانِ.
فيما قال الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بمشيخة الأزهر، إن "للإنسان ثلاثة قرناء مقيدين له: الأول قرين الشيطان يوسوس للإنسان لفعل المعاصي، مستشهداً على ذلك بقوله تعالى «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ».
وأوضح «عبدالرازق» في إجابته ن سؤال: هل كل إنسان له قرين ؟، أن القرين الثاني هو قرين من الملائكة ، لقوله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» ، والثالث هو قرين الدنيا وهو الصديق، مؤكداً أن ما يقوله بعض العوام من أن قرين الإنسان يكون مثله في الشكل والصفات فهذا كلام خطأ ولا أساس له من الصحة.
وروي عن عبدالله بن مسعود ، في صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2814 ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ، قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ. [وفي رواية]: وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ وقَرِينُهُ مِنَ المَلائِكَةِ).
وجاء في روايةٍ أُخرى قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ»، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه ويَأمُرُه بالشَّرِّ، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشِدُه، فيكونُ آمِرًا له بالخيرِ ومُلهِمًا له في قَلبِه بالخيرِ.
وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ، وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.
وبين الحديث أن الجِنُّ أجسامٌ ناريَّةٌ قابلةٌ للتَّشكُّلِ بأشكالٍ مُختلفةٍ، وهُم مَخلوقاتٌ غيرُ مَنظورةٍ لنا، وقدْ يُرِيها اللهُ مَن شاءَ مِن خَلْقِه، وهُم مُكلَّفونَ مِثلَنا، منْهم المؤمنونَ والكافرونَ والعُصاةُ، ومنهم الطَّيِّبُ والخَبيثُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوُجودِ الجِنِّ مِن حَولِنا، وأنَّ منهم مَن وُكِّلَ بالإنسانِ فلا يُفارِقُه، ويَكيدُ له لِيُوقِعَه في الشُّرورِ والآثامِ، وأنَّه ما مِن أحدٍ مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ، وهو شَيطانٌ سُلِّطَ عليه ليُغوِيَه، ويُسوِّلَ له ويُشَكِّكَه في الدِّينِ ويُوسوِسَ له؛ لِيَصرِفَه عن الطَّاعةِ، ويُوقِعَه في المعصيةِ، فيَنْبغي الحَذَرُ الشَّديدُ منه.
وقد زُرعت الأهواء والشهوات في نفوس الآدميين، وذلك ليحصلوا على ما ينفعهم، ويدفعوا عن أنفسهم الضرر بغضبهم، ورُزقوا بالعقول للعدل بين الأمور والموازنة بينها، إلا أن الشيطان يحرّض الإنسان على الإسراف فيما يُبعد عن نفسه أو يقرّب، والواجب على العاقل أنْ يحذر من الشيطان العدو منذ زمن آدم عليه السلام، كما أنّ الله تعالى حذّر العباد منه، وأمرهم باجتنابه، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).
ومن الجدير بالذكر أن كل إنسان له قرين يأمره بالتقصير في واجباته، ويدفعه إلى فعل الشر والضرر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: (ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ . قالوا : وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قال : وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ . غيرَ أنَّ في حديثِ سفيانَ . وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ ، وقرينُهُ منَ الملائكةِ).
وبناء عليه فالواجب على كلّ مسلم الحذر من إغواء الشيطان ووساوسه، فالطريق التي يسلكها القرين تتمثّل بإيقاع العبد في معصية الله تعالى، ثمّ يقيّده بها، فيمنعه من الخير والبر في الأفعال والسلوكيات، كأن يمنعه من الإمامة بالناس في الصلاة، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بحجة المعصية التي اقترفها.
وينسى العبد أنّ اجتناب المعاصي فرض عين عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على المسلمين، ويجب على العبد أن يعلم أن الوقوع في المعاصي لا تعدّ مبرراً لعدم التزامه بالواجبات المفروضة عليه.