لجريدة عمان:
2025-05-20@13:26:25 GMT

نوافذ: هل تصنعُ «الورش» كُتابا!

تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT

تأثرتُ في سنوات دراستي الإعدادية بفتاتين تكبرانني في العمر، كانتا تكتبان نصوصا آسرة. ربما لأنّني شعرتُ آنذاك باستحالة أن أكتب شيئا مُماثلا لما تكتبانه، اللغة والخيال الساحر والحيل السردية، تلك الكتابة التي لم أكن أفطن أساليبها بوعي آنذاك، ولكن حدسي كان يؤكد لي الفوارق بيننا. لكنَّ الفتاتين المتمتعتين بقوة أدبية لافتة، انطفأتا بمجرد الزواج وإنجاب الأبناء، وانتهى بهما الأمر إلى انطواء شاحب!

ولستُ على يقين إن كان انقطاعهما مُتعلقا بالانطباعات الاجتماعية التي تصاحبُ المرأة الكاتبة! أو لأنّهما لم تتعاملا مع الكتابة باعتبارها مشروعا يكبرُ بالدأب والممارسة، لكن كل ما أنا متأكدة منه هو اختفاؤهما المبكر!

تذكرتُ الفتاتين عندما أعلن بيت الزبير إقامة ورشة خاصة للكتابة الروائية، فتقدم عدد جيد من الشباب رغم أنّها ورشة مدفوعة.

قلتُ في نفسي: «ثمة ما تغير في الوعي العام، فعندما شاركتُ في ورشة نجوى بركات -وتمخضت عنها روايتي «التي تعد السلالم» ٢٠١٤- شعرتُ بنبرة لوم متسائلة: «هل يمكننا تعلم الكتابة حقا؟!»، لاسيما وأنّ جيلنا والأجيال التي سبقتنا، غلفت الكتابة غالبا بنظرة رومانسية باعتبارها دفقة شعورية، لا يمكن أن تصبح محط نقاش قبل اكتمالها!

ولعليّ أسأل: هل يُولد أحدنا مُصابا بعلّة الكتابة فلا يجد نفسه خارجها؟ هل نشعرُ حقا بذبذبات صغيرة في رؤوسنا تدعونا لمجازفة من هذا النوع فلا يستقيم اتزاننا دونها؟ أهي رغبة كامنة فينا أم أنّها تنمو على مهل ومشقة فيما لو توفرت لها ظروف مناسبة؟

ألحت عليّ الأسئلة دون توقف، لكن استدعاء حادثة الفتاتين أحالني على أنّ الموهبة والإلهام والاستعداد الفطري أسباب أساسية لكنها غير كافية لصناعة كاتب جيد، فالكتابة شأن قابل للتعلم.

ولعليّ أطرح السؤال من وجهة نظر مناقضة: هل يمكننا صناعة كاتب جيد فيما لو وفرنا له جميع أسباب التعلم، لكن ليس بحوزته الحساسية الأولى للكتابة؟

في الحقيقة لا نستطيع تأكيد ذلك أو نفيه، لأنّ «الإلهام» أمر غير قابل للقياس على نقيض ما نخوضه من تجارب التعلم والدربة والمران. فالكاتب - كما يقول همنجواي- لا يولد متمتعا بالمعرفة لكنه يولد مفطورا على التعلم بصورة أسرع من غيره، يُذهل بالكلمات كأنّه يقرأها لأول مرة.

إنّ ادعاء معرفة جوهر الكتابة وإمكانية تعليمه للآخرين هو محض زيف! فلا أحد يستطيع أن يُعلم أحدا الكتابة! إنّها تجربة فريدة لا تحكمها قاعدة، ولو تتبعنا سير الروائيين لوجدنا أنّ كل واحد منهم غير مطابق للآخر في الميل وفي الأساليب وفي الطقوس، فالروائي الياباني كازو إيشوغورو، على سبيل المثال، لم يكن يذهب إلى الكتابة حتى تكون لديه خطة واضحة عمّا سيكتب -كما تشير بعض المقالات- فمسودة الرواية تأخذ منه عاما كاملا، أما بناء الشخصيات والمواضيع فتأخذ أكثر من ذلك، وهذا كله قبل الشروع في الكتابة الفعلية! بينما في حوار آخر يكشف بول أوستر بأنّه: «يبدأ نصوصه من الجملة الأولى ويشقّ بها طريقه إلى الجملة الأخيرة. فالفقرة هي الوحدة الطبيعية للكتابة ووحدة تكوين البناء. وشيئاً فشيئاً تتزايد الصفحات ببطء شديد حتى النهاية»، وبالتالي ليس لأحدنا أن يتبع طريقا آخر، ليس لنا إلا أن نسلك طريقنا الخاص في كل مرّة. ولذا أجد من الضروري ألا تطبعنا «ورش الكتابة» بطابع واحد وبرؤى واهمة. وأتفاجأ حقا ممن يُصدرون أنفسهم في مهمة من هذا النوع وكل ما يفعلونه هو تعليب الكتابة بأطر مدرسية جامدة!

هذا بالتأكيد لا يعني أن نبقى أسرى نظرة رومانتيكية تُمجد مخطوطاتنا دون فحص أو اشتغال.. فالعلاقة الفردية بالكتابة لا تمنع وضعها تحت مجهر السؤال، وغربلتها ومحوها إن تطلب الأمر، دون فقدان لأصواتنا الخاصة. فلا يمكن لأي ورشة جيدة أن تحرك الكاتب الخامد فينا، ما لم يكن لدينا سؤال عميق وتأمل لديناميكية النصّ وما يعتمل فيه.

ولعلي أسأل: لو قُدر للفتاتين الموهوبتين فسحة الانضمام إلى ورشة كتابة، فرصة الاحتكاك بتجارب أنضج، فسحة نمو مشروعهما بشكل مطرد، هل كان من الممكن أن يتغير مصيرهما الآن!

لعلي أجزم بأنّ الموهبة بجوار الممارسة غير كافيتين أيضا إذا لم يقترنا بالدوافع الداخلية العميقة، تلك التي تنبعُ من شعور عميق بأننا نفقد المعنى خارج الكتابة.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

شيخة الجابري تكتب: الإمارات تصنعُ الدهشة

منذ اللحظة الأولى، وقبل أن تطأ قدمه أرض الدولة، والطائرات العسكرية الإماراتية من نوع «أف 16» ترافق طائرته، إلى أن حطت على أرض المطار الخاص، إلى أن ترجل من الطائرة، وتلقاه واستقبله بالترحاب والسلام والمحبة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وحتى مغادرته الدولة، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعبّر عن سعادته ودهشته، لما يشاهد في وطني من إنجازات لم تدهشه وحده، بل العالم بأسره.
نعم هي الإمارات الوطن الذي يصنع الدهشة، فكيفما عبرت طرق الوطن، وجلتَ في أرجاء الإمارات السبع، وجدت ما يخلب اللب، ويسلب القلب، ويروي ظمأك للجديد المبتكر، الذي لن تشاهده سوى هنا على أرض النمو والتطور الذي يسابق الزمن، والتي أصبحت الآن ثالث دولة تعمل على مشاريع الذكاء الاصطناعي الذي ستصدره قريباً للعالم.
جميعنا شاهد اللقطات التي اقتنصتها الكاميرات من طائرة الرئيس ترامب لنخلة دبي، هذا المشروع الكبير الذي يتسابق على الفوز بالإقامة فيه رجال الأعمال والأثرياء والمشاهير من كل أنحاء العالم، ويوم أن تُلتقط مشاهد من النخلة من طائرة أهم رئيس دولة في التاريخ الحديث، فهذا يعني أنها حصدت الإعجاب وأثارت الدهشة.
في زيارات الرئيس ترامب لمواقع مختارة في إمارة أبوظبي، كنّا نراه وابتسامته لا تفارق محيّاه، تعبيراً عن الإعجاب بالمنجزات الحضارية العظيمة التي تتحقق على مدار الساعة، حتى قصر الوطن، كانت نظرات الإعجاب به تكشف إلى مدى تصل لأهمية وجمال وروعة التصميم في القصر البهي. ومن الفتيات الجميلات اللاتي استقبلن الرئيس ترامب في المطار، في تعبيرٍ حيٍ عن اعتزاز الإمارات بتراثها وإرثها الوطني الضارب في عمق التاريخ، وإلى المشاهد التي نقلتنا إلى قصر الوطن، وعند صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، والإعلان بحضورهما عن تدشين مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي  الأميركي الشامل بسعة قدرها 5 جيجاوات، والذي يُعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة، نقف حقيقة أمام الدهشة العظيمة التي تصنعها الإمارات بكل اقتدار.
إن الفرحة تخالج قلوبنا جميعاً، محبة وتقديراً وامتناناً لقيادتنا الرشيدة، التي ومنذ عهد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحتى يومنا هذا، في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يتعاظم دور الإمارات الإنساني والاقتصادي والسياسي والثقافي، هذا الدور الكبير الذي يحصد إعجاب العالم ومحبته وتقديره، حفظ الله وطني وقيادته وكلّ من يعيش على أرضه من كل شر.

أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: العالم على صفيح ساخن شيخة الجابري تكتب: في السفر وحكاياته

مقالات مشابهة

  • «معًا بالوعي نحميها».. القومي للمرأة بالقليوبية ينظم ورشة عمل للرائدات الريفيات
  • الابتلاء سنة الأنبياء.. والتمكين وعد الله لا يخلفه
  • الصين تصنع سلاح جديد يضرب أي هدف على الأرض خلال 30 دقيقة .. فيديو
  • «ستراتا» تصنع القطعة رقم 100 ألف من أجزاء هياكل الطائرات
  • فنلندا تصنع جيلا جديدا من السفن الحربية لجيشها
  • شيخة الجابري تكتب: الإمارات تصنعُ الدهشة
  • د. المسّاد يكتب ..ماذا لو أصرّت المناهج على جمودها؟!
  • شما بنت محمد بن خالد تطلق مبادرة لتعزيز القراءة التحليلية والفهم العميق لدى الطلبة
  • قراءات تربوية في الاختبارات الوطنية (نافس)
  • "جامعة التقنية" تنظم الملتقى السادس لمركز الدراسات التحضيرية