خطاب إشارة المرور اليمني إلى الاستحقاق الحضاري
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
كان خطاب السيد القائد العلم – يحفظه الله – خطابا يغني عن ألف حديث، وألف كلمة، ويعفي من تجشُّم عناء مئات البرامج الثقافية والإعلامية، وقد يُخْمِدُ معارك وهجمات في مهادها، ويلغي خططا ومؤامرات في أوكارها، ويزيد في إيقاد شعلة حماس وثبات المجاهدين في فلسطين حماسا وثباتا، ويلهم أمما وشعوبا في أنحاء الأرض أنه بإمكانها إذا امتلكت الإرادة المستقلة إنجاز عمل أخلاقي كهذا بأقل الإمكانات، حتى في وجه الصلف والغطرسة الأمريكية التي تقهر العالم وتتبلطج عليه منذ الحرب العالمية الثانية، ومن المؤكد أنه مهر وختم الشهادة التاريخية للموقف اليمني المشرّف بأنه سيكون عاملا حاسما وأساسيا من عوامل انتصار غزة بعد ثبات وصمود مجاهديها.
لقد كانت الفكرة الأساسية فيه هي التأكيد أن اليمن اتخذت قرارها الواعي والتاريخي بمنع السفن الإسرائيلية والمتوجهة إلى إسرائيل عن وعيٍ تاريخيٍّ بتحديات وضرورات المرحلة التاريخية الحرجة، وعن معرفة عميقة بالعدو وقدراته الكبيرة التي لا يستهين بها إلا أحمق، لكنه أيضا تجاوز فيه المنسوبُ العالي من الثقة بالله والإيمان به والتوكل عليه فوارقَ التسليح بين الشعب الإيماني المؤمن وأعداء أمتنا المعتدين على كرامتها وشرفها وحياتها ووجودها في فلسطين وفي اليمن وفي جميع بقاع العالمين.
فنِّيًّا .. كان الخطاب فصيحا وبليغا كعادة السيد القائد المتمرّن على هذا النوع من الخطابات والكلمات، وكان التسلسل المنطقي هو الخيط الذي يمسك به المستمع لينطلق من الواقع إلى المفترض، ومن شرح أبعاد ومرتكبي الجريمة العالمية المعاصرة إلى تداعياتها ومآلاتها اللازمة، وفي ثناياه كان الترتيب رائعا، واللغة قويمة، والعبارات شواظا من نار على الأعداء، وبردا وسلاما على الأمة كل الأمة، إّلا من أبى، وكان التسديد على الأهداف والمقاصد مركَّزًا ودقيقا.
لم يكن السيد القائد العلم الزعيم الأوحد في عالم الخطابة السياسية والعسكرية، ولكنه الأوحد ضمن ثلة منهم ممن كانت خطاباتهم شاملة، يمتزج فيها الشرعي بالسياسي، والتاريخي بالجغرافي، والعسكري بالاقتصادي، والاجتماعي بالثقافي، والحرب الباردة بالناعمة، والحرب النفسية بالتهديد الواضح والصريح، وبعض ذلك ببعضه الآخر، وكل ذلك في خطاب واحد شامل، دع عنك ما ميّزه الله به من استهداءٍ عميق وعجيب بالقرآن الكريم يثبت كل يوم أنه هو العَلَم المقترن بهذا القرآن الكريم، والقرآن – كما يقول أخوه رائد مسيرتنا الشهيد القائد – كتابٌ عمليٌّ لا يؤتي عجائبه ونوره وهداه كاملا إلا لمن يتحرّكون عمليا على أساسه.
من السهل على هذا القائد العلم – بما حباه الله من خصائص ومميزات إيمانية وعلمية وأخلاقية وقيادية ولغوية وكاريزما طاغية – أن يهدي البشرية إلى مكامن ضعفها وتحديات أزماتها من خلال القرآن الكريم، وكم مرة وقف فيها وحيدا أمام عتاولة الطغاة المعاصرين ليحشرهم في زاوية من شر أعمالهم ومؤامراتهم.
موضوعيا .. تأتي أهمية خطاب الأمس من كونه شهادة عبور مشرِّفة لليمن إلى إنجاز الاستحقاق الحضاري التاريخي المؤمّل الذي نسعى إلى تحقيقه بعون الله، وكونه شاهدَ زمنٍ تاريخيٍّ وضاء، على مرحلة زمنية بدأت فيها الأمة لتوها تبصر طريقها، وتحدد عدوها، وتقف على أقدامها؛ لتتخذ قرارها المستقل والحر، وتتخذ المواقف الثابتة والكبيرة إزاء أطماع أعدائها وطغيانهم.
لقد عرض الخطابُ أفظعَ جريمة عالمية معاصرة، وأصّل لها بالشواهد والمشاهد، وحدّد المجرم الحقيقي كما ينبغي، وأنه اللوبي الصهيوني اليهودي عبر أدواته، من الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية ومن معهم، وأنه لا بد من موقف ديني وعربي وإسلامي وأخلاقي وإنساني، فكان هذا الموقف اليمني القاضي بمنع عبور إمدادات الجريمة واستمرارها في البحرين الأحمر والعربي، بتنفيذِ شعبٍ لا يزال يعاني من عدوانٍ عالميٍّ إجرامي من ذات المجرم وإن بأدوات أخرى؛ ليستثير ذلك الأمر المفاجئ الطغاة والمستكبرين الذين أزعجهم هذا الموقف القرآني الشجاع والجريء والحكيم، فيعلنوا أنهم بصدد إنشاء تحالف عالمي بأكثر من أربعين دولة، ثم يتمخض هذا التحالف الضخم عن فأرٍ مكوّنٍ من عشر دول منها، بعضها دول وظيفية، تقتصر وظيفتها على تقديم الخدمات الفندقية للقوات الأمريكية، وأخرى أعلنت أن احتسابها ضمن هذا التحالف كان عن طريق الخطأ، كحال إسبانيا، وتعلن دولة عظمى مثل فرنسا بأن قواتها المشاركة فيه لن تأتمر بأمر قيادته، ولكن بأمر قيادتها الوطنية في فرنسا، ثم يستر الأمريكان عوار هذا التحالف المشين بأن هناك دولا كثيرة ترغب في المشاركة فيه، ولكن سرا، وكأنهم يتوخّون أن تكون أعمالهم خالصة لوجه الله، وأنهم يخشون على أعمالهم الصالحة!! أن يدخلها شيءٌ من الرياء والعُجْب والغرور.
إنه التحالف الذي وُلِدَ ميِّتًا – كما يقول الأستاذ محمد عبدالسلام رئيس الوفد الوطني – وهو التحالف الذي وُلِدَ مشوَّها بهذه التشوهات الخطيرة التي ستلقي بظلالها على أدائه المشوّه في تركيبته، والمشوَّه أصلا في أهدافه الإجرامية، ثم أتى ظهورُ السيد القائد العلم؛ ليكون ظهوره تصعيدا بحد ذاته، وإعلانَ تحدٍّ سافرٍ لأمريكا وقوتها وصلفها وتاريخها الدموي والوحشي، ثم يعلن تهديداته الواضحة والصريحة بأنه ليس من المسموح للأمريكان حتى تنفيذ عددٍ من الضربات هنا وهناك، وأن الردّ اليماني المعهود لن يتأخر، إنها التهديدات التي عجزت عن مثلها دول عظمى، فهذه الصين – المنافسة لأمريكا في قوتها الاقتصادية والعسكرية – يتبختر الأمريكي بأساطيله ببحرها الجنوبي كما يحلو له، وها هي روسيا تغرق في أوكرانيا المدعومة أمريكيا بشكل واضح، وكلاهما لم يكن رده متناسبا مع قوته المادية.
لكنها اليمن بثلاثيتها الذهبية (القيادة الربانية، وشعبها الحي، وثقافته القرآنية)، التي برزت في موقفها ضد أفظع مجرم عالمي معاصر بروزَ الإمام علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الأحزاب، فقال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).
ومن دون شك فإن الأمريكان يفهمون أن اليمنيين يعون طبيعة الصراع معهم، وأنه لن يضرونا إلا أذى في حين قرروا توسيع جريمتهم على شعبنا، وأن هذا الشعب عصي على تطويعه وإخضاعه وثنيه عن موقفه المبدئي والأخلاقي والديني والإنساني، وأنه شعبٌ بقدر ما يمتلك من القوة الكافية لتنفيذ تهديداته، فإنه يملك أيضا فائضا كبيرا من الإرادة الإيمانية الفولاذية الصلبة، على أنه شعبٌ مجرّب تاريخيا، منذ ما قبل مولد عيسى عليه السلام بـ333 عاما، حينما اكتسح الإسكندر المقدوني العالم القديم، وعجز عن اليمن، مرورا بحملة إيليوس جاليوس عام 24 قبل الميلاد التي كسرت ظهر الإمبراطورية الرومانية، إلى الأحباش، ثم الأيوبيين، والمماليك، والبرتغاليين، والعثمانيين، والبريطانيين، وأخيرا السعوديين والإماراتيين وغيرهم من أدوات أمريكا التي شنّت عدوانها على اليمن، ويقال بأنها اليوم تبحث عن الخروج من هذا المستنقع الوبيء والوخيم الذي علِقَتْ فيه منذ تسع سنوات.
إن الأمريكان والأوروبيين يعلمون أن النتيجة البسيطة لأي صراع يفتحونه في البحر الأحمر ولو كان طفيفا، هو إغلاقه وإغلاق البحر العربي وربما المحيط الهندي تماما أمام الملاحة الدولية إلى ما شاء الله من الوقت؛ الأمر الذي يعني توقف معظم التجارة العالمية، وهذا أمر لا تتحمل نتائجه القارة العجوز في أوروبا، ولا الأمريكان، ولا غيرهم، لا سيما والبديل عن كل هذا السيناريو المميت والمدمّر أمرٌ أسهل وأعذب على جميعهم من شربة ماءٍ باردة في يوم قائظ، ألا وهو وقف الجريمة العالمية الصهيونية اليهودية في غزة.
لقد دشَّن هذا الخطابُ اليمنَ باعتبارها قوة إقليمية عربية إسلامية، وأنها مكسبٌ كبيرٌ للأمة كل الأمة، وأن فائض قوة اليمن ليس خطرا على أحد من العرب أو المسلمين، بل هو ذخر لهم أولا وأخيرا، ويمكن الاستفادة منه في قضايا الأمة الجامعة والمركزية، وأنه مصدر إلهام لكل أحرار العالم ممن يبتغون التصدي للعربدة الأمريكية.
ما يجب أن يفهمه المعنيون في الثقافة والإعلام أن هذا الخطاب غيّر وسيغير كثيرا في الذهنية العربية والعالمية السابقة، وشطب تاريخا طويلا من الدعايات المغرضة، وألغى بروباغندا طويلة وعريضة صوّرت اليمن على أنها مشروع طائفي، وعنصري، ومنحرف، وأتى في وقتٍ، آذانُ الأحرار في كل العالم له صاغية، وأعينهم شاخصة إلى منبر يماني متألق وفصيح ولبق، ومهتدٍ بخطاب الله الجامع لكل العرب والمسلمين، إذ يعتليه قائد رباني يقدِّم فيه مواقف القرآن الكريم بما فيها من شفاء لجميع المستبصرين، وهدايةٍ إلى التي هي أقوم في جميع المجالات، وعليه فمن الواجب إيصاله صوتا وصورة إلى جميع أحرار العالم المتلهفة والمفتقدة لمثل هذه الخطابات العملية العالمية.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: السید القائد
إقرأ أيضاً:
تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي.. الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام (4-11)
بقلم: الدكتور عبد الله الفكي البشير
[email protected]
ختمت البروفيسور آمال قرامي تقديمها للطبعة الثانية التي ستصدر قريباً من كتاب: الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، قائلة:
“يصدر المُؤلَف في فترة حرجة من تاريخ السودان استشرى فيها العنف وتفتت فيه النسيج الاجتماعي، وكثرت فيها الخيبات والمآسي وبرزت فيها علامات التراجع عن أهداف الثورة السودانية. فهل يكون هذا المُؤلَف ملاذ الحائرين/ات والباحثين عن فهم أسباب ما يجري؟”
البروفيسور آمال قرامي
أستاذة الفكر الإسلامي والدراسات الجندرية بالجامعة التونسية، تونس
نتابع الحديث عن خطاب السيد إسماعيل الأزهري، رئيس مجلس السيادة في السودان. لقد عبَّر السيد الأزهري عن موقفه من القضاء الشرعي، في الخطاب العام الذي ألقاه يوم الاثنين 23 ديسمبر 1968، ونشرته الصحف تحت عنوان: “نص خطاب الرئيس أزهري: ستكون الكلمة العليا للقضاة الشرعيين في هذا البلد”.
لقد غذى خطاب الأزهري مناخ الإرهاب وتخويف المعارضين للقضاء الشرعي وللقضاة الشرعيين ولرجال الدين وللدستور الإسلامي. فقد أورد محمود محمد طه حديث محمد صالح عمر عن خطاب الأزهري، وأعتبر في حديثه تخويف وإرهاب للمعارضين. قال محمد صالح عمر: “إن كلام السيد إسماعيل الأزهري كلام صحيح في جوهره، ونحن نؤيده، ونرجو صادقين أن يتحقق، وأنه الإسلام لا يعرف محاكم مدنية ولا همجية أو شرعية، وأخرى غير شرعية. ونحن نتعجب هل هي حملة ضد رئيس مجلس السيادة، أم أنها جزء من الحملات المسعورة ضد الإسلام”. علَّق محمود محمد طه، قائلاً هذا هو الإرهاب والتخويف، فعبارة “جزء من الحملات المسعورة ضد الإسلام” تخيف المعارضين والأذكياء من المثقفين. فكأن مهاجمة القضاء الشرعي، والقضاة الشرعيين تعني مهاجمة الإسلام، وكأن القضاة الشرعيين والإسلام شىء واحد، “إن هاجمت القضاة الشرعيين، هاجمت الإسلام”. وأضاف محمود محمد طه، قائلاً: هذا هو الإرهاب الذي يجوز على كثير من المثقفين، وكثير من الأذكياء. لكن، يجب التمييز بين رجال الدين والدين، والأمر الصحيح هو أن “القضاة الشرعيين ضد الإسلام، وأن من يسمون برجال الدين، عاشوا على الدين طول المدى، لم يعيشوا له ولم ينصروه في أي وقت بل شوهوه في أذهان الناس.
أثناء حديثه عن مناخ الإرهاب والتخويف، أشار محمود محمد طه لمواقف المثقفين الأذكياء من خطاب الأزهري، وقال بأنهم “علقوا وخافوا”. فاستشهد بمواقف اثنين من المثقفين، قائلاً: “أنا شديد الإحترام لرجلين من [ناسنا]، بابكر عوض الله وعبدالخالق [محجوب]” ، لكن بابكر عوض الله، مثلاً، قال: “قد جاء حديث الرئيس أزهري أبعد ما يكون من الذكاء والفطنة وبعد النظر. ولم يحالفه التوفيق قط فيما قال”. لكنه عندما جاء لمواجهة الدستور الإسلامي والدعوة للإسلام، فإن هجومه، كما يقول محمود محمد طه لم يستمر، بل “ماع”، فقد قال بابكر عوض الله: “ونحن نعتبر ما قاله حركة انصرافية لشغل الناس عن مشاكل البلاد الأساسية”. رفض محمود محمد طه قول بابكر عوض الله بأن مسألة الأزهري مسألة انصرافية، وقال إذا أخذنا المسألة انصرافية، كما قال بابكر عوض الله، فكأنه يجب علينا أن نهملها، لكن المسألة في الحقيقة أساسية، فهي تأتي بالجهالة باسم الدستور الإسلامي، ولذلك فإن خطورتها كبيرة. ثم أضاف، قائلاً: بنفس قدر تورط عبدالخالق محجوب حينما اعتبر مسألة الدعوة للدستور الإسلامي عند الأزهري، مسألة انصرافية. خلص محمود محمد طه، قائلاً: “أنا أفتكر أن الإرهاب وعدم المعرفة بالإسلام، هو الذي ساق هذين الرجلين المثقفين الشجعان، إلى تمييع هجمومهم على موقف السيد إسماعيل الأزهري”.
أيضاً، لم يكن الرئيس الأزهري بعيداً عن مؤامرات القضاة الشرعية ورجال الدين من أجل محكمة الردة، إلى جانب موقفه من محاضرة محمود محمد طه، وسعيه لجعل الكلمة العليا في البلاد للقضاء الشرعيين، كان الأزهري قد تلقى نداء الأمين داود، آنف الذكر، ونسخة من كتابه: نقض مفتريات محمود محمد طه. وقد تلقى الأمين داود رداً من مكتب رئيس مجلس السيادة، جاء في نص الرد:
القصر الجمهوري: الخرطوم
في 9 ديسمبر سنة 1968
فضيلة الأستاذ الأمين داود
جامعة أم درمان الإسلامية
تحية طيبة واحتراماً
بتوجيه من السيد الرئيس إسماعيل الأزهري أنقل إلى سيادتكم شكر فخامة السيد الرئيس على هديتكم القيمة وهي عبارة عن نسخة من مؤلفكم (نقض مفتريات محمود محمد طه).
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
عبد الرحمن أحمد المهدي
مدير مكتب السيد: رئيس مجلس السيادة
تلقى السيد الفاضل البشرى المهدي، عضو مجلس السيادة نسخة من نداء الأمين داود آنف الذكر “إلى ولاة الأمر في السودان”، ونسخة من كتابه: نقض مفتريات محمود محمد طه. وقد رد السيد الفاضل البشرى المهدي برسالة كانت بتاريخ 3 نوفمبر 1968، قبل انعقاد المحكمة باسبوعين. جاء رد الفاضل البشرى المهدي متحاملاً ولا يليق بعضو في مجلس السيادة، رأس الدولة، وهو أعلى سلطة في الدولة. وقد تفوه السيد عضو مجلس السيادة في خطابه بكلمات تعكس المستوى الخفيض لقادة السودان. كما يكشف رده عن السند والدعم الذي قدمه أعضاء مجلس السيادة إلى القضاة الشرعيين وإلى محكمة الردة، بل إن الأمين داود وجد الموافقة من أعلى سلطة في البلاد، الأمر الذي يؤكد بأن السيد الفاضل البشرى المهدي بهذا الرد كان جزءاً من مؤامرة محكمة الردة، بل طالب السيد الفاضل في خطابه باتخاذ الإجراء الرادع، قائلاً: “أرجو أن يتخذ الاجراء الرادع ضده”. أدناه نص رد السيد الفاضل البشرى المهدى:
القصر الجمهوري: الخرطوم
في 3 نوفمبر سنة 1968
صاحب الفضيلة الأستاذ السيد الأمين داود
تحية طيبة وبعد:
فقد وصلتني هديتكم القيمة المفيدة، وقد تصفحتها وسررت بما قمتم به فيها من دفاعكم عن الحق بدحضكم لمفتريات الماجن المارق من الدين محمود محمد طه لعنه الله. وأرجو أن يتخذ ضده الإجراء الرادع. هذا وأرجو أن يجزيكم الله خير الجزاء على عملكم هذا مع احترامي وسلامي.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
الفاضل البشرى المهدي: عضو مجلس السيادة
كشف السيد خضر حمد، عضو مجلس السيادة عن موقفه من مؤامرة محكمة الردة من خلال رسالة بعث بها إلى محمد خير البدوي (1926- 2016) رداً على سؤاله عن محكمة الردة. كتب محمد خير البدوي في مذكراته قائلاً: “وقد أحزنتني الفتوى التي صدرت في عهد الحكم الديمقراطي بتكفير محمود محمد طه، ورأيت فيها شططاً كبيراً واعتداءً على حرية الفكر والعقيدة. وكتبت رسالة في هذا الشأن إلى الحاج خضر حمد، عضو مجلس السيادة، فرد عليّ برسالة مطولة بتاريخ 28/4/1969″. وأضاف محمد خير البدوي بأن اقتطف من رسالة خضر حمد، فكتب قائلاً إن محمود محمد طه ادعى أنه سيدنا عيسى عليه السلام. ومحمود ما زال يحاول أن يكون نبياً يشارك محمد الرسالة، فذاك الإسلام الأول ومحمود نبي الإسلام الثاني الذي يصلح للقرن العشرين. وقد استفتينا علماء السودان ومصر ومشائخ الطرق وأصحاب السبح والدراويش والعلماء في الجامعة الإسلامية وجامعة الخرطوم وجامعة القاهرة وكلهم كفَّره وخطَّأه. هل يترك ليعير أم يُسلَّم لكوبر؟”.
من الواضح أن السيد خضر حمد، عضو مجلس السيادة، كان داعماً للقضاة الشرعيين ومسانداً لمحكمة الردة، ويتفق في ذلك مع موقف السيد إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة، ويتفق كذلك مع موقف السيد الفاضل البشرى المهدي، عضو مجلس السيادة، الذي كان أكثر تطرفاً في موقفه كما عبر عن ذلك في خطابه إلى الأمين داود.
نلتقي في الحلقة الخامسة.