رامي الشاعر يتساءل كثيرون حول السبب في إطالة أمد الأزمة الأوكرانية، وما إذا كان لدى روسيا الإمكانيات لحسمها. كذلك يتساءلون ما إذا كانت هناك خلافات داخل أروقة صناعة القرار الروسية تؤثر على اتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن، وعن الأسباب التي “اضطرت” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاء 35 من قادة مجموعة “فاغنر” ورئيسها في الكرملين، 29 يونيو الماضي.

لقد استمر الاجتماع مع قادة “فاغنر” في الكرملين قرابة الثلاث ساعات، وتناول المجتمعون فيه أحداث 24 يونيو، فيما استمع بوتين إلى القادة، الذين “أطلعوه على تلك الأحداث” من وجهة نظرهم، وأكدوا من جانبهم على “استعدادهم لمواصلة القتال والدفاع عن الوطن، وطرح بوتين من جانبه عليهم المزيد من خيارات العمل العسكري. أوضحت في عدة مقالات سابقة أن روسيا لم ولن تعلن الحرب على أوكرانيا، الدولة الشقيقة، والشعب الشقيق، الذي تربطه بالشعب الروسي علاقات دم ومصاهرة وتاريخ مشترك وثقافة واحدة، لكن روسيا تخوض عملية عسكرية خاصة ضد النظام النازي العميل في كييف، الذي اعتلى السلطة إثر انقلاب عام 2014، واختطفها عنوة من النظام الشرعي، وابتدع قوانين عنصرية، نذكر أن أبرزها هو “حظر” اللغة الروسية في البلاد. علاوة على ذلك، قام النظام الأوكراني الذي يأتمر بأوامر واشنطن بعمليتين عسكريتين سابقتين بذريعة قمع الجمهوريتين “الانفصاليتين” وضمهما بالقوة، ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 12 ألف مواطن أوكراني لمجرد أنهم ينتمون إلى الثقافة الروسية، ويرغبون في الحفاظ على الثقافة الروسية، وعلى التاريخ الروسي لتلك المنطقة التي تنتمي تاريخياً إلى روسيا. لهذا أكرر أنه لا يوجد أي خيار آخر لإنهاء الأزمة الراهنة سوى إزاحة النظام الأوكراني الفاشي، وعودة العلاقات الروسية الأوكرانية إلى طبيعتها كعلاقات جوار وتعاون وربما وحدة كما جرى بين روسيا وبيلاروس. كما أن كل محاولات النظام الحالي لاستنزاف روسيا لحساب الغرب هي محاولات عبثية، لا سيما محاولاته البائسة للانضمام إلى “الناتو”، الذي عبر في قمته الأخيرة في فيلنيوس عن “عدم استعداده”، وربما “عدم رغبته” في انضمام أوكرانيا إليه، سوى بعد انتهاء الأزمة، وبعد استيفائها الشروط الضرورية للانضمام إلى الحلف. ولا شك أن غضب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بهذا الشأن وتصريحاته الفجة تؤكد على طبيعة الأزمة المظلمة التي تواجهها عصابته، ولا عزاء للمغفلين. فقادة أوروبا يعون ذلك المستقبل القاتم، ويدركون ما يعنيه انضمام أوكرانيا من تهديد للأمن القومي الروسي، وقد أظهر العسكريون بالفعل تخوفاً من تطور الأوضاع، والصدام المحتمل بين روسيا و”الناتو”، لما يمكن أن يسببه مثل هذا الصدام من دمار في أوروبا، وهو دمار لا يهم الولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن أن تدفع نحو سيناريو كهذا، دون أن تأبه لمصير أوروبا، تماماً كما لا تأبه لمستقبل أوكرانيا. من جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن عضوية أوكرانيا في “الناتو” تشكّل تهديداً لأمن روسيا، وتهديد انضمام أوكرانيا إلى الحلف هو أحد الأسباب الرئيسية لبدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، حيث قال، في تصريحات لبرنامج “موسكو. الكرملين. بوتين”: “أنا على يقين من أن انضمام أوكرانيا إلى (الناتو) لن يؤدي إلى تعزيز أمن أوكرانيا نفسها، وسيجعل العالم بشكل عام أكثر عرضة للخطر، وسيؤدي إلى مزيد من التوترات على الساحة الدولية”. إن إجبار الولايات المتحدة الأمريكية دول “الناتو” على دعم أوكرانيا دون قيد أو شرط، وتزويدها بالأسلحة ليس سوى محاولة لعرقلة المرحلة التي وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنهاية هيمنة الغرب، وبروز مراكز جديدة للتنمية في إطار التعددية القطبية الناشئة في العالم، والتي لا تقوم على المواجهات العسكرية والسياسية والاقتصادية بين اللاعبين الدوليين، وإنما على التوازن المتفق عليه بين القوى والمصالح بعيداً عن التنافس. إن مثل هذه التحولات التكتونية في النظام العالمي المعاصر، والتي تبرز كذلك في أوراسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تلقى مقاومة شرسة من واشنطن وحلفائها، وهو السبب الرئيسي لاستخدام أوكرانيا على النحو الذي نراه، أملاً في استنزاف روسيا، وتأخير انتقال العالم إلى التعددية القطبية. لكن روسيا، أكرر، لم ولن تعلن الحرب، ولم تستخدم سوى النذر اليسير من إمكانياتها العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى أن المجمعات الصناعية العسكرية الروسية تعمل على مدار الساعة بقدرتها الكاملة، وقد أصبحت روسيا بالفعل قادرة اليوم على مواجهة “الناتو” مجتمعاً، لا سيما بعد تجاوز روسيا لآثار الحرب الهجينة التي يخوضها الغرب ضدها منذ عقود، بهدف إحداث أزمة اقتصادية واجتماعية في البلاد. وعودة إلى شأن الاجتماع بين بوتين وقادة مجموعة “فاغنر”، فأود التأكيد هنا على أن الرئيس الروسي لم “يضطر” لهذا الاجتماع تحت أي ظرف من الظروف، وقد أعلن موقفه بكل وضوح أثناء الأحداث الشهر الماضي، وأكد على انحيازه الذي لا يتزعزع لمؤسسات الدولة، ولمصلحة الوطن والشعب، وإنما كان الاجتماع بمبادرة من بوتين، لتصفية الأجواء، وتنقية النفوس مما أسميته في مقال سابق بالزوبعة في فنجان والأزمة العابرة. (نشر المقال بتاريخ 26 يونيو الماضي باللغة العربية في صحيفة “رأي اليوم” وباللغة الروسية في صحيفة “زافترا”). ويكفي أن نذكر الانتصارات التي حققتها “فاغنر” في تحرير مدينة أرتيوموفسك (باخموت الأوكرانية)، ورغبتهم الاستمرار في الهجوم وتحقيق مكاسب أكثر استراتيجية، إلا أنه كانت لهيئة الأركان الروسية مخططات وحسابات استراتيجية أخرى، ترتبط برؤية أوسع للمشهد على أرض المعركة، ارتباطاً بمخططات الحرب الشاملة التي يخوضها الغرب ضد روسيا. هنا كان الصدام بين طرق تعبير “فاغنر” عن مشاعرهم الجياشة تجاه الوطن الأم روسيا، وما شعروا به من انتقاص للتضحيات التي قدموها، لا سيما من أرواح رفقائهم. لهذا فما أستطيع إضافته هو أن الكرملين أيضاً تصرف حينها بحصافة ورشد ومسؤولية تجاه الوطن والقانون والدولة الروسية. إن الرئيس فلاديمير بوتين يقدّر تضحيات مجموعة “فاغنر”، ويقدّر الدور البطولي الذي قاموا به في تنفيذ المهام الموكلة إليهم، لهذا قرر لقاءهم في الكرملين، وهو ما يعني تأكيداً على استمرار تلك المجموعة في أداء مهامها القتالية، مع إجراء بعض التعديلات والخيارات بالتنسيق مع قيادات الجيش الروسي. كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: انضمام أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”

رئيس حــــركة العـــــدل والمســــــاواة وزيـر الماليــة د. جبـــريل إبراهيـــــم لـ”الكرامـــــــــة” (2 _ 2)
وجود “محاباة” فى مخصصات القوات المشتركة اتهام غير صحيح
الحــــركة غير قوميـــــة في نظر هــــــــــؤلاء (….)
نؤجل صـــرف مستحقــــــــات الحــركات لهذا الســـــــبب (….)
مدخلات الطاقة الشمسيـــة معفاة من الجمارك والضرائب..
(….) هذه هي أسباب تأخر عودة الخدمات بالولايات المستردة..
المُسيّـــــــــــــرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتيــــــة”..
مدخلات الطاقة الشمسيـــة معفاة من الجمارك والضرائب..
رغم الحرب.. أداء الاقتصاد القومي بتحسن مستمر..
حوار : محمـــد جمال قنــــدول- الكرامة
قال رئيس حركة العدل والمساواة وزير المالية د. جبــريل إبراهيـــــم إنّ الاقتصاد القومي في تحسن، وذلك رغم التحديات الاستثنائية التي فرضتها الحرب.
وأضاف إبراهيــــــم في الجزء الثاني من حواره مع (الكــــــرامة) قائلًا : إنّ عودة الحكومة الاتحادية إلى العاصمة تتم بصورة تدريجية وقد باشرت بعض الوزارات عملها من العاصمة قبل أكثر من شهر والبقية في الطريق.
د. جبريل قدم إفاداتٍ قويةٍ في محاور متعددة خلال الجزء الثاني، حيث تحدث عن الاقتصاد، وعودة الحكومة للعاصمة، ودور دويلة الشر في حرب السودان والكثير.
الحركة ما زالت متهمة بأنها غير قومية، ما مصير قوات الحركة بعد الحرب؟
الحركة غير قومية في عيون أعدائها لأنهم لا يريدون لها أن تكون كذلك. ولكن الحركة قومية بأدبياتها وتنظيمها وينتمي أعضاؤها وشهداؤها إلى كل أركان السودان، وشاركت قواتها في حرب “الكرامة” في كل محاورها دون تمييز. إذن.. ما الذي يجعلها غير قومية؟!
ماذا عن الأداء المالي خلال نصف العام؟
رغم التحديات الاستثنائية التي فرضتها الحرب إلّا أنّ أداء الاقتصاد القومي في تحسن نسبي مستمر، استقر سعر الصرف لفترة ليست بالقصيرة وتراجع معدل التضخم إلى 142 بعد أن تجاوز 25% وعدنا إلى صرف المرتبات الاتحادية بنسبة 100% ووفقنا إلى زيادة الإيرادات بنسبة جعلتنا نفي بمعظم التزاماتنا تجاه الخدمات العامة، بجانب دعم المجهود الحربي ومقابلة نفقات الاستجابة الإنسانية.
حدث هذا بعد فضل الله بالزيادة الكبيرة في الإنتاج الزراعي في الموسمين السابقين والزيادة المعتبرة في إنتاج الذهب، ولا ننسى فضل السودانيين في المهاجر الذين دعموا اقتصاد بلادهم بالإنفاق السخي على أسرهم الممتدة وجيرانهم ومعارفهم الذين أجبروا على النزوح أو اللجوء. اقتصادنا قوي في أساسياته وسينطلق بسرعة كبيرة بعد نهاية الحرب وعودة الاستقرار بإذن الله.
هنالك حديث عن مخصصات القوات المشتركة، واتهام لوزير المالية بالمحاباة في هذا الجانب. هل تحصلت الحركة على ميزات إضافية باستغلال وجودكم وزيـــــــرًا للماليـــــــة؟
الإجابة قطعـــــــــــًا لا، على مال الدولة ضوابط للصرف من حاول تجاوزها وقع في المحظور ولو بعد حين.
موظف صغير في ديوان المراجعة الداخلية يستطيع إيقاف صرف مبلغ صدق به أي وزير إن كان ذلك التصديق خارجـــــــًا عن أُطر الصرف وضوابطه.
يستطيع وزير المالية صرف مستحقات حركات الكفاح المسلح الواردة في اتفاقية السلام إن توفرت الموارد ولكننا نؤجل صرفها باستمرار لضيق ذات اليد، أيضـــــًا عليه الإنفاق على المجهود الحربي للقوات المشتركة في حدود ما يصدق به القائد العام للقوات المسلحة.
عدا ذلك لا يستطيع ولا ينبغي للوزير صرف جنيه واحد لحركته، وإن كان لأحد على غير ما ذهبنا إليه فليأت به.
ذكرت من قبل تصنيف الإمارات كدولة عدوان أنّ المُسيّرات المسلحة تنطلق منها، هل هذا بناءً على معلومات؟
كل الأدلة الدامغة تشير إلى أن الإمارات هي التي تزود الميليشيا بكل العتاد الحربي ومن ضمنها المُسيّرات، ليس ذلك فقط فالجهة التي باعت المُسيّرات للإمارات أكدت أن المُسيّرات التي أسقطتها القوات المسلحة السودانية ضمن المسيرات التي باعتها للإمارات.
ليس ذلك فحسب، ولكن الدول التي باعت عينة الدانات التي تستخدم في هذه المُسيّرات أيضاً أكدت أنها باعتها للإمارات. وفوق ذلك المُسيّرات البعيدة المدى التي تستخدم لضرب محولات الكهرباء ومستودعات الوقود موجهة بأقمار صناعية لا تملكها الميليشيا. علاوة على ذلك، أكدت جهات استخبارية كثيرة أن غرفة تحكم المُسيّرات الاستراتيجية كائنة في أبوظبي، وأن المُسيّرات التي قصفت بورتسودان انطلقت من ميناء “بوصاصو” في الصومال الذي تتحكم فيه الإمارات. إذن، دور الإمارات في الحرب الخبيثة الدائرة ضد السودان بما فيها حرب المُسيّرات أكبر من أن يخفى أو يبرر لها.
ماذا قدمت الحكومة لمبادرات إدخال الطاقة الشمسيـــــــة كبديل للكهرباء، وما هي سياسة الدولة المتوقعة في ظل إقبــــال الإفــــراد والشركات على هذا المجال، البعض يطالب باعتماد الطاقة الشمسية ضمن السلع الاستراتيجية؟
الحكومة مع التحول إلى الطاقات البديلة النظيفة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية. وترتيبـــــــًا على ذلك، تبذل الحكومة ممثلة في وزارة الطاقة جهــــــــودًا حثيثة لإدخال الطاقة الشمسيـــــــة ضمن مصادر الطاقة عندنا في البلاد، كما قررت الحكومة إعفاء مدخلات الطاقة الشمسيــــــة المستوردة من القطاع الخاص من رسوم الجمارك والضرائب وهي تفضل الذين يسعون لتصنيع هذه المدخلات محليـــــــًا، كما تحتاط من أن يجعل البعض السودان مكبـــــــــًا لنفايات الطاقة الشمسيــــــة، ولذلك تقوم الهيئة العامة للمواصفــــــات والمقـــــــــاييس بدورها كاملًا في التأكد من أنّ المعدات المستوردة مستوفية للشروط والمواصفــــــات العالميـــــة المطلــــــوبة.
هل من بشريات تطمئن الشعب السوداني فيما يخص الخدمات الأســــــــاسية.. ومتى تنتقل الوزارة للعمل في الخرطوم؟
تبذل حكومات الولايات التي تمت استعادتها من سيطرة الميليشيا لإعادة خدمات المياه والكهرباء وإعادة تشغيل المستشفيات وفتح المدارس، بجانب توفير معاش العائدين من النزوح واللجوء قدر المستطاع. وتقوم وزارة المالية بدعم الولايات لتوفير هذه الخدمات الأساسية، وقد أخرت هجمات الميليشيا بالمُسيّرات على محطات الكهرباء والمستشفيات ومستودعات الوقود عودة هذه الخدمات بالسرعة المطلوبة. ولكن العمل فيها يسير على قــــــــدمٍ وســـــــاق. من ناحيةٍ أخرى، تسعى الحكومة الاتحادية إلى العودة إلى العاصمة بصورة تدريجية وقد باشرت بعض الوزارات عملها من العاصمة قبل أكثر من شهر والبقية في الطريق. عودة مطار الخرطوم للعمل ضرورة لعودة كل الحكومة والهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية للعمل من الخرطوم، والعمل فيه يسير وفق جدول زمني متفق عليه.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • شنقريحة أشرف على التمرين التكتيكي .. الجزائر تستعرض لأول مرة منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400”
  • الصراع الروسي الأوكراني بين الحسابات الإستراتيجية والانقسام في “التسوية”
  • الرئيس الفرنسي: تايوان قد تصبح أوكرانيا جديدة
  • وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود “إماراتية”
  • ماكرون يحذَر الصين: أبعدوا كوريا الشمالية عن أوكرانيا وإلا ستجدون الناتو في آسيا
  • الكرملين: روسيا مستعدة للتفاوض.. ولقاء بوتين بـ ترامب أو زيلينسكي «مشروط»
  • المتاحف الروسية تفتح نافذة على التاريخ: معرض “روسيا والشرق” يصل إلى سلطنة عمان
  • موسكو تؤكد استعدادها لعقد جولة ثانية من المحادثات المباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول
  • العليمي يكشف تفاصيل مثيرة عن لقائه بالرئيس الروسي بوتين
  • رئيس مجلس القيادة اليمني يعقد مباحثات ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين