بقلم : د. مظهر محمد صالح ..

عقد في بروكسيل عاصمة الاتحاد الاوروبي مؤتمراً لوزراء خارجية ثمانين دوله لنصرة الديمقراطية في العراق ذلك بين 21- 22 حزيران 2005 ، بناءً على دعوة نظمها الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة , وكنت من بين اعضاء الوفد الرسمي العراقي الكبير الذي تراسه رئيس الوزراء انذاك ، وكانت تشكيلة الوفد العراقي تمثّل طيفاً سياسياً متنوعاً نظراً لطبيعة الحكومة العراقية الانتقالية في تلك الحقبة ، والتي جاءت بعد انتخابات كانون الثاني 2005 ، اي انتخابات الجمعية الوطنية ، حيث انتهينا في صباحات الاجتماع و في ساعاته الاولى التي اقيمت في مقر الاتحاد الأوروبي …في مبنى كلاسيكي يضم المفوضية الأوروبية (European Commission) ويُعد أحد أهم مقار صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي و يقع في الحي الأوروبي (European Quarter) من العاصمة البلجيكية مدينة بروكسل نفسها.


والمدهش في الامر ان الحضور الغفير من الوزراء وممثلي الدول غلبت عليهم الجدية والحماس في المشاورات الثنائية الدبلوماسية التي سبقت دخول قاعة انعقاد المؤتمر في مشاركة سياسية واسعة لم اعهدها بهذا الزخم من قبل ومن شتى الأطراف الدولية الحاضرة ، فمن المعتاد في مثل هذه المؤتمرات الدولية أن تُجرى اللقاءات الثنائية والمجاملات الدبلوماسية ضمن جدول زمني محدد، وغالبًا ما يتم توثيقها في البيانات الصحفية أو التقارير الرسمية ،ولاسيما وان المؤتمر المذكور و لكثافة واهمية حضوره انتهى باصدار بيان ختامي مشترك شدد على دعم العراق في العملية السياسية ، والأمن ، وإعادة الإعمار ، حيث اتفق المشاركون على توسيع التعاون الفني والمالي مع الحكومة العراقية.

و عبرت الدول المشاركة عن اعترافها الكامل بسيادة العراق واستقلاله.
و اللافت في الامر ان وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاميركية (الاسبق) قد شكل حضورها مفارقة مهمة في تدافع ممثلي الدول من وزراء الخارجية وغيرهم من كبار الشخصيات لإسداء التحية لها في مكتبها الرسمي في قصر المفوضية الاوروبية ونحن ننتظر ساعة الدخول الى قاعة المؤتمر ، قلت في سري ولما لا …!! وان دولتها العظمى هي التي اسقطت النظام السابق في بلادي قبل اعوام قليلة ولها قدم السبق في هذا الحشد الذي جمع صناع الدبلوماسية العالمية للاعتراف بالعراق الديموقراطي الجديد ، وانا أتطلع في الوقت نفسه الى ذلك الاصطفاف الطويل الذي سبق الجميع فيه الامين العام الاسبق للامم المتحدة كوفي عنان الذي قيل انه استغل الفرصة لطرح موضوع قرار مجلس الأمن رقم 1559 ، وهو القرار الصادر عن المجلس نفسه في 2 ايلول 2004، وكان موجّهًا بشكل رئيس إلى لبنان وسوريه ، في سياق الأزمة السياسية والأمنية اللبنانية آنذاك وانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، كما ذكرت الصحف الاوروبية وقتها .
ولكن ما ادهشني ان طابوراً طويلًا من ممثلي اعضاء الدول المشاركة قد تزاحم على مكتب الوزيرة كوندليزا رايس ولم ينفك الى اخر لحظة من الانتظار لمصافحة رئيسة الدبلوماسية الاميركية و لا ادري لماذا من دون غيرها وبشكل لا فت حقا قبل ساعة انعقاد المؤتمر ، حيث تكاثف ذلك التزاحم المنظم وانا جالس بعيداً انظر الى ذلك الحراك واحدث سري كيف يمكن لكل هولاء الرجال من بلوغ سيدة العالم في صناعة الدبلوماسية لاسداء المجاملة الباهتة او الجدية في وقت ضيق ..!! انه امر بغاية الصعوبة في تفسير مايجري في عالم جمع الاقوياء والضعفاء في فضاء دبلوماسي واحد..!! وهنا وفجاة تم الإذن للوفود المشارِكة للتوجه الى قاعة الموتمر واذا بالوزيرة السمراء اصبحت بجانبي صدفة لتهديني مصافحة حارة ناعمة عجز عن بلوغها ذلك الطابور الذي تأسيتُ علّى الكثير ممن لم يحظ في مصافحتها في عالم التصافح والابتسامات والمجاملات البروتوكولية التي تحمل مشاعر الجمع بين الغرباء والاصدقاء في لحظات تاريخية ربما هي حاسمة في السياسة الدولية. و قلت في نفسي هل هو طابور المصافحات لسيدة العالم الاولى هو نفاق أم حنكة؟اذ يصفه البعض بأنه نفاق سياسي راقٍ ويراه آخرون أداة ضرورية لاحتواء الصراعات وفتح نوافذ للسلام ، وان الفرق يكمن في النية والغرض ، فأذا كانت المجاملة تستخدم لتجنب حرب أو إذابة جليد دبلوماسي، فهي أداة ذكية.
أما إذا كانت لإخفاء او تبرير الانتهاكات ، فهي نفاق مغلف.
وقلت في لحظتها ، انه قد جائني اعظم انتصار في دبلوماسية خاطفة لم تكلفني شخصيا ذلك الطابور المتعب الذي اصطف لمصافحة وزيرة خارجية اقوى دولة في العالم احتلت بلادي واسقطت اقوى حصن من حصون دكتاتوريات الشرق الأوسط ، انها الوزيرة الصلبة السمراء كوندليزا رايس .
ولم تمضِ اسابيع على مؤتمر بروكسل لنصرة الديمقراطية في العراق لتعلن الوزيرة من قلب القاهرة برنامجها السياسي الاممي الذي سمي (الفوضى الخلاقة Creative Chaos … ) وهنا تذكرت ذلك الاقتصادي الشهير جوزيف شومبيتر صاحب نظرية التدمير الخلاق Creative Destruction و كانما كانت تنظر الى العملية الاقتصادية التي يتم من خلالها تفكيك النماذج الاقتصادية القديمة أو الوسائل الإنتاجية القائمة ، واستبدالها بأخرى أكثر ابتكارًا وكفاءةً ، ما يؤدي إلى تغيّر دائم في البنية الاقتصادية خاصة في تفسير ديناميكية الرأسمالية والابتكار.
روجت كوندليزا رايس لفكرة التدمير الخلاق(Creative Destruction) وبطريقة سياسية لتزجها هذه المرة في عالم التغييرات السياسية في الشرق الأوسط تحت مسمى الفوضى الخلاقة Creative chaos
وتفاجات بان اليد الدبلوماسية الناعمة السمراء التي تمت مصافحتها قبل اسابيع في بروكسيل باتت تلوح بخشونة سياستها في الفوضى الخلاقة التي تعني تفكيك أنظمة سياسية لإعادة بنائها ربما تمهيدا للربيع العربي….!!!
انه مفهوم سياسي مثير للجدل، اكتسب شهرة واسعة في أوائل القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد غزو العراق عام 2003. اذ يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى استراتيجية يتم من خلالها تفكيك نظام سياسي أو اجتماعي قائم، ولو بشكل فوضوي، من أجل إعادة بنائه بشكل جديد ومختلف يُفترض أنه أفضل.
انتهت تلك المصافحات الناعمة الطارئة وانتهى مؤتمر بروكسيل وانتهت بلادي الى الفوضى الخلاقة بعد ذلك المؤتمر الداعم للديمقراطية ، ودفعنا الغالي والرخيص من اجل الاستقرار الذي تنعم به بلادنا اليوم … وليس امامنا الا مسار الديموقراطية الحقة التي ينبغي الحرص عليها من دون مصافحات اجنبية سواء اكانت بايادي خشنة او ناعمة سمراء او بيضاء لتبقى عالية وبيد وطنية واحده عنوانها العراق.

د.مظهر محمد صالح

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات الفوضى الخلاقة

إقرأ أيضاً:

طلاء أخضر وهجمات معادية.. إسرائيل وفرنسا على إيقاع خصومة دبلوماسية جديدة

في ظل تصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، تفجّرت أزمة جديدة أضفت مزيدًا من التعقيد على العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، بعد أن أعلنت السفارة الإسرائيلية في باريس عن تعرض عدد من المؤسسات اليهودية لهجمات، اعتبرتها "معادية للسامية ومروّعة"، ووضعتها في سياق "الخصومة الإشكالية" التي تشهدها العلاقات بين الجانبين مؤخرًا.

السفارة الإسرائيلية تدين هجمات "معادية للسامية" في باريس

أصدرت السفارة الإسرائيلية في فرنسا، يوم السبت، بيانًا نددت فيه بما وصفته بـ"هجمات معادية للسامية منسّقة" استهدفت عددًا من المواقع ذات الطابع اليهودي في العاصمة الفرنسية باريس، من بينها ثلاثة كنس، ومطعم يهودي، ونصب تذكاري لضحايا الهولوكوست.

ووصف البيان هذه الهجمات بأنها "مروّعة"، مشيرًا إلى أن هذه الاعتداءات لا يمكن فصلها عن التوترات الأخيرة بين مسؤولين فرنسيين وإسرائيليين.

تحذير من تداعيات الخطاب السياسي

أشار بيان السفارة الإسرائيلية إلى أن ما يحدث "يأتي في سياق من التنافر بين بعض المسؤولين الفرنسيين والإسرائيليين"، في إشارة مباشرة إلى تصاعد الخلافات السياسية بين البلدين على خلفية الموقف الفرنسي من الحرب في غزة.

وأكد البيان: "نحن متضامنون مع المجتمع اليهودي ونثق تماما في السلطات الفرنسية التي ستتمكن من العثور على الجناة وسوقهم إلى العدالة".

وأضاف محذرًا: "في الوقت نفسه، لا يمكننا أن نتجاهل الخصومة الإشكالية التي شهدناها في الأسبوعين الأخيرين".

وشدّد على أن "الكلام له تأثيره"، مشيرًا إلى أن "المواقف التي أُطلقت ضد الدولة اليهودية ليست بلا تداعيات، ليس فقط على إسرائيل، بل أيضًا على المجتمعات اليهودية في العالم أجمع".

الاعتراف بفلسطين وتعليق الشراكة الأوروبية

تشهد العلاقات الفرنسية الإسرائيلية توترًا متزايدًا، خاصة بعد إعلان فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، وطرحها إمكانية تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، في خطوة أثارت غضب الحكومة الإسرائيلية.

وفي تصعيد جديد، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة، إلى "تشديد الموقف الجماعي" ضد إسرائيل إذا لم تظهر استجابة فورية "ترقى إلى مستوى الوضع الإنساني" في قطاع غزة، الذي يشهد حربًا مدمّرة مستمرة منذ عشرين شهرًا.

اتهام لماكرون بشن حملة “صليبية”

ردًا على تصريحات ماكرون، اتّهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية الرئيس الفرنسي بأنه "يخوض حملة صليبية ضد الدولة اليهودية"، في لهجة تصعيدية تكشف عمق التوتر بين الجانبين.

وفي خضم هذه التوترات، تعرّضت مؤسسات يهودية لهجمات ليلية، حيث تم إلقاء طلاء أخضر على نصب تذكاري لضحايا الهولوكوست، إضافة إلى ثلاثة كنس في العاصمة باريس، بحسب ما أفادت به تقارير صحفية فرنسية.

وأكدت النيابة العامة في باريس أنها فتحت تحقيقًا رسميًا في هذه الحوادث، وكلّفت السلطات الأمنية المحلية بمتابعة القضية تحت بند "إلحاق أضرار تم ارتكابها بدافع ديني"، بحسب ما نقلته وكالة فرانس برس.

ومن جهته، أعرب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، مساء السبت، عن "استيائه الشديد" من الهجمات التي استهدفت مؤسسات يهودية في باريس، مشيرًا في بيان صدر عن مكتبه إلى أن جده الأكبر كان أول حاخام لأحد الكنس التي تم استهدافها.

وجاء في البيان الرئاسي: "أدعو السلطات الفرنسية إلى التحرك بسرعة وحزم لسوق الجناة إلى العدالة، ولحماية المجتمع اليهودي من الكراهية ومن كل أنواع الهجمات".

وتعكس هذه الأحداث المتلاحقة تدهورًا غير مسبوق في العلاقات الفرنسية الإسرائيلية، حيث تداخلت الاعتبارات السياسية والدبلوماسية مع أبعاد دينية ومجتمعية حساسة. وبينما تؤكد باريس التزامها بموقف إنساني تجاه غزة، ترى إسرائيل في ذلك تهديدًا مباشرًا، وتربط التصعيد الميداني ضد اليهود في فرنسا بالسياقات السياسية الجارية.

في الوقت ذاته، يضع المجتمع الدولي أنظاره على كيفية تعامل السلطات الفرنسية مع الاعتداءات الأخيرة، في ظل الدعوات المتزايدة لحماية المجتمعات اليهودية وملاحقة الجناة.

ويبقى السؤال مفتوحًا حول مستقبل العلاقات بين الجانبين، في ظل اتساع الفجوة بين مواقفهما بشأن الحرب في غزة وملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

طباعة شارك فرنسا إسرائيل فرنسا وإسرائيل باريس فلسطين الاعتراف بفلسطين ماكرون

مقالات مشابهة

  • بإطلالة ناعمة وسعر مفاجئ.. ملك أحمد زاهر تتألق بفستان نسيم البحر
  • مساعٍ دبلوماسية بين لافروف وفيدان لتطويق الأزمة الليبية
  • ياسمين صبري تخطف الأنظار بإطلالة ناعمة وأنيقة في أحدث ظهور لها
  • بوريطة: الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء المغربية سيعزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف
  • طلاء أخضر وهجمات معادية.. إسرائيل وفرنسا على إيقاع خصومة دبلوماسية جديدة
  • نورمحمدوف يرفض مصافحة مذيعة شهيرة على الهواء مباشرة .. فيديو
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • فراشات ولكن من نوع آخر
  • ملك أحمد زاهر تخطف الأنظار باللون الأبيض