الصراع الروسي الأوكراني بين الحسابات الإستراتيجية والانقسام في “التسوية”
تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT
البلاد – موسكو
في الوقت الذي تستعد فيه موسكو وكييف لجولة جديدة من المفاوضات في إسطنبول، تعكس التصريحات المتبادلة بين الجانبين حجم التباين العميق في الأهداف، وغياب الحد الأدنى من الثقة اللازم لبلورة تسوية سلمية قابلة للاستمرار. فموقف موسكو، الذي عبّر عنه مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، يبرز انعدام النية الروسية في منح كييف أي فرصة لالتقاط الأنفاس، ولو تحت غطاء دبلوماسي، فيما تواصل أوكرانيا حشد الدعم الغربي لتكثيف الضغط على الكرملين.
الرفض الروسي الصريح لتكرار تجربة “اتفاقيات مينسك”، التي سبق أن وُصفت بأنها فشلت في كبح جماح الصراع، يعكس تحوّلاً جذريًا في طريقة تعامل موسكو مع المسار التفاوضي. فروسيا لم تعد تنظر إلى وقف إطلاق النار كأداة للتهدئة، بل تعتبره ثغرة محتملة قد تسمح لأوكرانيا بإعادة التسلح، بدعم غربي متصاعد.
تأتي هذه الرؤية في سياق رؤية استراتيجية روسية أوسع ترى أن أي تسوية يجب أن تعالج “الأسباب الجذرية للنزاع”، وهو ما قد يشير إلى مطالب مثل حياد أوكرانيا، وضمانات ضد توسع حلف الناتو، إضافة إلى الاعتراف بسيادة روسيا على الأراضي التي ضمتها، وهي شروط تراها كييف والغرب غير مقبولة.
في المقابل، يعكس خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي توجهًا أكثر واقعية، لكن ضمن إطار تصعيدي. فدعواته إلى فرض عقوبات أشد على موسكو، خلال لقائه بوفد من مجلس الشيوخ الأميركي، تشير إلى قناعته بأن موسكو لا تنوي تقديم تنازلات حقيقية إلا تحت ضغط اقتصادي وسياسي كثيف. وإذ يصف زيلينسكي المفاوضات بأنها غطاء روسي للتحضير لهجوم جديد، فهو يعزز موقفًا متشددًا يسعى إلى تحويل الدعم الأميركي من أداة ردع إلى وسيلة لـ”إجبار روسيا على السلام”. ورغم أن ذلك قد يلقى قبولاً في أوساط واشنطن، إلا أن مخاطره تكمن في تعميق الانقسام بين الضغوط الغربية والمواقف الروسية، ما قد يؤدي إلى فشل جديد للمسار التفاوضي.
ومن المرتقب أن تقدم روسيا مذكرة تفاهم تتضمن ما تعتبره أساسًا لمعاهدة سلام مستقبلية. غير أن تباين الرؤى الجذري، وعدم وجود وسطاء قادرين على فرض صيغة متوازنة، يجعل من الجولة القادمة أقرب إلى “مفاوضات من أجل التفاوض” منها إلى بداية فعلية لحل دائم.
الاختبار الأكبر يكمن في قدرة الطرفين – وتحديدًا موسكو – على إبداء مرونة حقيقية تسمح ببناء أرضية مشتركة، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، واستمرار العمليات العسكرية في مناطق متوترة شرقي أوكرانيا.
الزيارة الأخيرة لعضوي مجلس الشيوخ الأميركي إلى كييف، وتصريحات زيلينسكي حول ضرورة “المشاركة الحقيقية للولايات المتحدة في كل مرحلة من المفاوضات”، تضع واشنطن عمليًا في موقع الطرف لا الوسيط. وهو ما قد يُضعف فرص إنجاح المفاوضات، إذ لا تنظر موسكو إلى الولايات المتحدة كوسيط نزيه، بل كطرف منحاز يسعى لإضعافها استراتيجيًا عبر دعم أوكرانيا.
ويتضح أن الحديث عن السلام بين روسيا وأوكرانيا ما زال، حتى اللحظة، بعيدًا عن التنفيذ. فروسيا ترفض أي هدنة تسمح باستعادة التوازن العسكري الأوكراني، وأوكرانيا تسعى إلى فرض السلام عبر الضغط والعقوبات. وبين الموقفين، تبقى المفاوضات المقبلة محكومة بنتائج المواجهة الميدانية، لا بنضج الحلول السياسية. وفي ظل هذا المشهد، فإن التسوية المؤجلة تُهدد بإطالة أمد الحرب، وتعميق الأزمة في قلب أوروبا.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
كييف تستهدف بـ«مسيرات» 40 طائرة حربية داخل العمق الروسي
عواصم (وكالات)
أعلن مسؤول أمني أوكراني، أمس، أن كييف دمرت أكثر من 40 طائرة روسية في هجوم بطائرات مسيرة داخل عمق الأراضي الروسية، فيما أكدت روسيا وقوع الهجمات على مطارات عسكرية، وذلك قبل يوم من إجراء جولة جديدة من المحادثات المباشرة بين الجانبين اليوم في إسطنبول.
وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الإعداد لتنفيذ الهجوم استغرق أكثر من عام ونصف العام، وأشرف عليه شخصيا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مضيفاً أن العملية تضمنت نقل الطائرات المسيرة في حاويات تحملها الشاحنات إلى عمق الأراضي الروسية.
وتردد أن المسيرات قصفت 41 قاذفة متمركزة في العديد من المطارات بعد ظهر أمس، بما في ذلك قاعدة بيلايا الجوية في منطقة إيركوتسك الروسية، التي تبعد أكثر من 4000 كيلومتر عن أوكرانيا.
من جانبها، قالت وزارة الدفاع الروسية: إن أوكرانيا شنت هجمات بطائرات مسيرة استهدفت مطارات عسكرية روسية في خمس مناطق أمس، مما تسبب في اشتعال النيران في عدة طائرات، مضيفة أن الدفاعات الجوية تصدت للهجمات في جميع المناطق باستثناء منطقتين، هما مورمانسك وإيركوتسك.
وقالت الوزارة: «في منطقتي مورمانسك وإيركوتسك، أدى إطلاق طائرات مسيرة من منطقة قريبة من القاعدتين الجويتين إلى اشتعال النيران في عدة طائرات».
في السياق، نقلت وكالة إنترفاكس عن محققين روس قولهم، إن انهيار جسري بريانسك وكورسك، قرب الحدود مع أوكرانيا ناجم عن أعمال إرهابية.
وشهدت الحادثتان المنفصلتان، اللتان أسفرتا عن مقتل وإصابة العديد من الأشخاص، خروج قطارين عن مسارهما بعد انهيار جسرين في منطقتي بريانسك وكورسك الحدوديتين خلال الليل. وقالت المتحدثة باسم لجنة التحقيق الروسية، سفيتلانا بيترينكو، إن «الحوادث المبلغ عنها تم تصنيفها على أنها أعمال إرهابية».
وفي مقاطعة بريانسك الروسية، لقي 7 أشخاص حتفهم وأصيب نحو 70 آخرون بجروح، منهم ثلاثة أطفال، وفقاً لما ذكره الحاكم ألكسندر بوجوماز، الذي أكد وقوع انفجار على الجسر.
في المقابل، أعلنت القوات الجوية الأوكرانية أمس، أن روسيا شنت أكبر هجوم باستخدام الطائرات المسيرة على أوكرانيا منذ بدء النزاع قبل ثلاث سنوات.
إلى ذلك، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، أن وفداً من كييف سيحضر جولة ثانية من المحادثات المباشرة مع روسيا في مدينة إسطنبول التركية، اليوم، فيما غادر الوفد الروسي موسكو لحضور المفاوضات المرتقبة. وقال زيلينسكي في منشور على منصات التواصل الاجتماعي: «حددت أيضاً مواقفنا قبل اجتماع اليوم في إسطنبول»، مضيفاً أنّ الوفد سيقوده وزير الدفاع رستم عمروف، كما كانت الحال في الجولة الأولى من المحادثات في مايو. في المقابل، ذكرت وكالة الإعلام الروسية نقلاً عن مصدر، أن الوفد الروسي غادر إلى إسطنبول لحضور جولة المحادثات المقررة اليوم.
إلى ذلك، يعتزم المفاوضون الأوكرانيون المشاركون في المحادثات، تقديم خريطة طريق مقترحة للجانب الروسي للتوصل إلى تسوية سلمية دائمة للحرب بين البلدين.
وتبدأ خريطة الطريق المقترحة، بوقف كامل لإطلاق النار 30 يوماً على الأقل، ويتبعه عودة جميع الأسرى الذين يحتجزهم البلدان إلى جانب الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا للأراضي التي تسيطر عليها روسيا، ثم عقد اجتماع بين الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين. وتنص خريطة الطريق على أن تعمل موسكو وكييف بمشاركة الولايات المتحدة وأوروبا، على صياغة الشروط التي يمكن للبلدين الاتفاق عليها لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.