البلاد – موسكو
في الوقت الذي تستعد فيه موسكو وكييف لجولة جديدة من المفاوضات في إسطنبول، تعكس التصريحات المتبادلة بين الجانبين حجم التباين العميق في الأهداف، وغياب الحد الأدنى من الثقة اللازم لبلورة تسوية سلمية قابلة للاستمرار. فموقف موسكو، الذي عبّر عنه مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، يبرز انعدام النية الروسية في منح كييف أي فرصة لالتقاط الأنفاس، ولو تحت غطاء دبلوماسي، فيما تواصل أوكرانيا حشد الدعم الغربي لتكثيف الضغط على الكرملين.


الرفض الروسي الصريح لتكرار تجربة “اتفاقيات مينسك”، التي سبق أن وُصفت بأنها فشلت في كبح جماح الصراع، يعكس تحوّلاً جذريًا في طريقة تعامل موسكو مع المسار التفاوضي. فروسيا لم تعد تنظر إلى وقف إطلاق النار كأداة للتهدئة، بل تعتبره ثغرة محتملة قد تسمح لأوكرانيا بإعادة التسلح، بدعم غربي متصاعد.
تأتي هذه الرؤية في سياق رؤية استراتيجية روسية أوسع ترى أن أي تسوية يجب أن تعالج “الأسباب الجذرية للنزاع”، وهو ما قد يشير إلى مطالب مثل حياد أوكرانيا، وضمانات ضد توسع حلف الناتو، إضافة إلى الاعتراف بسيادة روسيا على الأراضي التي ضمتها، وهي شروط تراها كييف والغرب غير مقبولة.
في المقابل، يعكس خطاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي توجهًا أكثر واقعية، لكن ضمن إطار تصعيدي. فدعواته إلى فرض عقوبات أشد على موسكو، خلال لقائه بوفد من مجلس الشيوخ الأميركي، تشير إلى قناعته بأن موسكو لا تنوي تقديم تنازلات حقيقية إلا تحت ضغط اقتصادي وسياسي كثيف. وإذ يصف زيلينسكي المفاوضات بأنها غطاء روسي للتحضير لهجوم جديد، فهو يعزز موقفًا متشددًا يسعى إلى تحويل الدعم الأميركي من أداة ردع إلى وسيلة لـ”إجبار روسيا على السلام”. ورغم أن ذلك قد يلقى قبولاً في أوساط واشنطن، إلا أن مخاطره تكمن في تعميق الانقسام بين الضغوط الغربية والمواقف الروسية، ما قد يؤدي إلى فشل جديد للمسار التفاوضي.
ومن المرتقب أن تقدم روسيا مذكرة تفاهم تتضمن ما تعتبره أساسًا لمعاهدة سلام مستقبلية. غير أن تباين الرؤى الجذري، وعدم وجود وسطاء قادرين على فرض صيغة متوازنة، يجعل من الجولة القادمة أقرب إلى “مفاوضات من أجل التفاوض” منها إلى بداية فعلية لحل دائم.
الاختبار الأكبر يكمن في قدرة الطرفين – وتحديدًا موسكو – على إبداء مرونة حقيقية تسمح ببناء أرضية مشتركة، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، واستمرار العمليات العسكرية في مناطق متوترة شرقي أوكرانيا.
الزيارة الأخيرة لعضوي مجلس الشيوخ الأميركي إلى كييف، وتصريحات زيلينسكي حول ضرورة “المشاركة الحقيقية للولايات المتحدة في كل مرحلة من المفاوضات”، تضع واشنطن عمليًا في موقع الطرف لا الوسيط. وهو ما قد يُضعف فرص إنجاح المفاوضات، إذ لا تنظر موسكو إلى الولايات المتحدة كوسيط نزيه، بل كطرف منحاز يسعى لإضعافها استراتيجيًا عبر دعم أوكرانيا.
ويتضح أن الحديث عن السلام بين روسيا وأوكرانيا ما زال، حتى اللحظة، بعيدًا عن التنفيذ. فروسيا ترفض أي هدنة تسمح باستعادة التوازن العسكري الأوكراني، وأوكرانيا تسعى إلى فرض السلام عبر الضغط والعقوبات. وبين الموقفين، تبقى المفاوضات المقبلة محكومة بنتائج المواجهة الميدانية، لا بنضج الحلول السياسية. وفي ظل هذا المشهد، فإن التسوية المؤجلة تُهدد بإطالة أمد الحرب، وتعميق الأزمة في قلب أوروبا.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية الألماني: أوكرانيا ستتمكن من إصابة العمق الروسي

صرح وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، بأن أوكرانيا ستمتلك قريبًا القدرة على ضرب أهداف داخل روسيا، مما أثار احتمال قيام برلين بتزويدها بأسلحة بعيدة المدى.

في حديث له لصحيفة دي تسايت، لم يذكر «فادفول» أنظمة محددة، لكنه بدا وكأنه يشير إلى صاروخ توروس وهو سلاح بعيد المدى قادر على ضرب أهداف على بعد يصل إلى 500 كيلومتر، بما في ذلك داخل الأراضي الروسية.

الوزير تابع: «ستمتلك أوكرانيا الوسائل اللازمة لاستهداف الأراضي الروسية. ومع ذلك، لن نكشف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أنظمة الأسلحة التي نزود بها أوكرانيا».

يذكر أن برلين تجنبت توريد نظام توروس إلى كييف لعدة أشهر. كما عرقل المستشار السابق أولاف شولتز عملية النقل لأكثر من مرة، مشيرًا إلى خطر التصعيد.وصرح خليفته، فريدريش ميرز، منذ ذلك الحين بأنه لم يُتخذ أي قرار بشأن هذه المسألة. إلا أن ميرز، منذ توليه منصبه في مايو، اتخذ موقفًا متشددًا تجاه روسيا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن أن الخيارات الدبلوماسية في الصراع الأوكراني قد "استنفدت" وأكد التزامه بتسليح أوكرانيا. وردًا على ذلك، اتهمه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بتأجيج التصعيد بالتخلي عن الدبلوماسية.

بدورها، حذرت موسكو مرارًا وتكرارًا من أن تزويد ألمانيا بصواريخ توروس سيجعلها طرفًا مباشرًا في الصراع. وقد انتقد المسؤولون الروس منذ فترة طويلة تسليم الأسلحة الغربية لأوكرانيا، قائلين إنها تطيل أمد الأعمال العدائية وتهدد بمواجهة أوسع نطاقا.

مقالات مشابهة

  • أكدت أن مفاوضات التسوية لم تكن يوماً أولوية للغرب.. موسكو تشترط وقف تدفق الأسلحة لوقف الحرب
  • زاخاروفا: التسوية السلمية في أوكرانيا لم تكن قط على أجندة الغرب
  • الدفاع الجوي الروسي يسقط طائرتين مسيرتين استهدفا موسكو
  • وزير الخارجية الألماني: أوكرانيا ستتمكن من إصابة العمق الروسي
  • “تنمية المهارات” يختتم برنامجاً تدريبياً في إعداد الإستراتيجية الإدارية
  • الكرملين: موسكو تسعى لإقامة مناطق عازلة أوكرانيا وروسيا تتبادلان هجمات بمُسيرات بعد جولة محادثات
  • مفاوضات إسطنبول.. بدء الاجتماع الثلاثي التركي الروسي الأوكراني
  • روسيا تعرض على كييف وقفا مؤقتا لإطلاق النار لجمع جثث القتلى
  • وصول جنود روس محررين من الأسر الأوكراني إلى موسكو
  • تنفيذاً لاتفاق الأمس.. 1200 أسير روسي يصلون إلى موسكو من أوكرانيا