سرايا - قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، مساء السبت، إنها تلقت تقريرا عن حادث قرب مضيق باب المندب، على بعد 45 ميلا بحريا جنوب غربي منطقة الصليف في اليمن.

وذكر البيان أن السلطات تجري تحقيقا، بينما تم توجيه إرشادات للسفن بتوخي الحذر عند العبور.

سكاي نيوز


.

المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

إقرأ أيضاً:

قصة مطار صنعاء.. من بوابة اليمن الرئيسية إلى نافذتها المغلقة (تقرير خاص)

في قلب صنعاء، حيث تتنفس المدينة أنفاسها الأخيرة، يقف مطارها الدولي كشاهد صامت على تاريخ منكسر. لم يكن يومًا مجرد مدرج وهياكل خرسانية، بل كان نبض اليمن الحي، نافذته المشرعة على أحلام شعبه. اليوم، لم يتبق منه سوى أطلال تحكي قصة بلد نهشته الحروب، وتحوّل شريانه الحيوي إلى سجن من العزلة، وإلى حاجزٍ قاسٍ قطع أوصال اليمنيين بعالمهم الرحب.

 

رحلة التأسيس والتطوير

 

يقع مطار صنعاء الدولي في شمال العاصمة صنعاء، في منطقة بني الحارث، على ارتفاع يتجاوز 2,200 متر عن سطح البحر، ويبعد حوالي 15 كيلومترًا عن قلب المدينة.

 

إبان ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت مدارج المطار البسيطة جداً بالعمل كمهبط بدائي، اقتصر تواصله مع العالم الخارجي على طائرات ألمانيا وإيطاليا، وذلك في ظل احتكار الإمام يحيى حميد الدين وأسرته للتواصل الدولي المحدود. وقتها، لم يكن المطار يحتوي على أنظمة مراقبة دولية، وكانت خطوط الاتصال تقتصر على اللاسلكي مع أبراج المراقبة الدولية.

 

ومع بزوغ فجر الثورة السبتمبرية، في 26 سبتمبر 1962، دبّت الحياة في هذا المهبط البدائي، وارتفعت آمال اليمنيين معه، لتحول المطار من مجرد تراب إلى بوابة دولية متقدمة.

 

كانت أيادي العون من الاتحاد السوفيتي ومصر والكويت والسعودية تنسج خيوط أمل، تبني مدرجًا وصالات، لتصل اليمن بالدنيا، وتعد شعبها بغدٍ أجمل، وكان حلمًا يتسع لسماء اليمن كلها، ومطارًا جاهزًا لاستقبال العالم، وصدى لأصوات المسافرين العائدين، وأحلام المهاجرين الذين غادروا بحثًا عن بصيص أمل أو لقمة عيش كريمة.

 

 

مثل الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي أول الداعمين والمانح الرئيسي لبناء منشأة مطار صنعاء الدولي، مسهمًا بالدعم الفني والعسكري للثورة اليمنية، ومقدمًا المعدات الملاحية وخبراء في هندسة الطيران والمطارات، مما أسهم بشكل كبير في بناء المدرج الأول للمطار، وإلى جانبه، لعبت جمهورية مصر العربية دورًا بارزًا في بناء وتوسعة المطار خلال وجودها في اليمن (1962–1967) لتنفيذ أغراضها العسكرية والحربية في دعم الثورة، مما ربط صنعاء بالقاهرة برحلات جوية مستمرة.

 

افتتح المطار يوم الـ26 من سبتمبر 1973 تزامنا مع احتفالات الذكرى الحادية عشر للثورة المجيدة، بحضور الرئيس الأسبق عبدالرحمن الإرياني، ومشاركة وفد من جمهورية ألمانيا الاتحادية، التي مولت تجهيزات المطار، وكان حينها يعد من المطارات الأحدث في الجزيرة العربية.

 

ثم جاءت المرحلة الثانية من التحديثات والاستصلاحات التي استمرت خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بدعم من دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، اللتين قدمتا منحًا مالية لليمن لمشاريع التنمية ومن ضمنها مطار صنعاء، في إطار انفتاح الجمهورية اليمنية على العالم الخارجي.

 

بالإضافة إلى ذلك، شاركت منظمات دولية ومؤسسات سيادية عالمية مثل صندوق النقد الدولي وبرامج الأمم المتحدة، ومعهما فرنسا وألمانيا، في المساهمة الفاعلة التي شملت تدريب الكوادر اليمنية وتقديم المهارات اللازمة لهم في نظام الطيران، وتأسيس مرافق أرضية وأبراج المراقبة، مما جعله أكثر جاهزية للتأهل ضمن سباق المطارات الدولية المعروفة في مدن العالم.

 

بحلول نهاية السبعينيات، بات مطار صنعاء مجهزًا بصالة استقبال دولية ومدرج بطول 3,200 متر، قادرًا على استقبال طائرات كبيرة من طراز بوينغ 747، وتم تحديث مرافقه لتتناسب مع الزيادة في حركة المسافرين، حيث تم في التسعينيات توسعة صالة الركاب، وبناء مبانٍ خدمية للشحن والإدارة، وتركيب أنظمة تفتيش حديثة، وتعزيز برج المراقبة الجوية.

 

من الشراكة الثنائية إلى الناقل الموحد

 

في عام 1978، تأسست شركة "الخطوط الجوية اليمنية" المعروفة بـ (YEMENIA) في الشطر الشمالي من اليمن، كثمرة لشراكة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، التي امتلكت 49% من أسهم الشركة مقابل 51% للحكومة اليمنية، وقدمت الرياض حينها تمويلاً لشراء طائرات حديثة وتطوير الخدمات الفنية والإدارية، لتصبح هذه الشراكة رافعة أساسية للنقل الجوي في اليمن حتى ما قبل الحرب الأخيرة.

 

مع إعلان وحدة شطري اليمن في 22 مايو 1990، شهد قطاع الطيران المدني تحولاً استراتيجيًا غير مسبوق، إذ جرى دمج "الخطوط الجوية اليمنية" (صنعاء) مع "الخطوط الجوية اليمدا" (عدن) - التي كانت تابعة للشطر الجنوبي من اليمن، وتأسست في 11 مارس 1971م - تحت كيان واحد حمل اسم "الخطوط الجوية اليمنية" الموحدة.

 

 

أصبحت بموجب ذلك صنعاء المقر الرئيسي للشركة، واعتُمد مطار صنعاء الدولي كمحور رئيسي لعملياتها الجوية، معززًا مكانته كعاصمة جوية لليمن، ورغم الجدل حول تهميش مطار عدن، إلا أن الأرقام حينها كانت تؤكد أن نحو 70% من الرحلات الجوية الدولية والداخلية باتت تنطلق من مطار صنعاء.

 

تزامنًا مع ذلك، تم تحديث مرافق مطار صنعاء لتتناسب مع الزيادة في حركة المسافرين وتطلعات الدولة الموحدة، ففي التسعينيات من القرن الماضي شهد المطار توسعة شاملة لصالة الركاب، وبناء مبانٍ خدمية للشحن والإدارة، وتركيب أنظمة تفتيش حديثة، وتعزيز برج المراقبة الجوية، مما جعله مجهزًا لاستقبال أسطول اليمنية المتنامي، وحتى عام 2014، ضم أسطول الخطوط اليمنية طائرات حديثة تشمل: 2 طائرة بوينغ 737-800، 2 طائرة إيرباص A320، 1 طائرة إيرباص A310، و1 طائرة إيرباص A330 (مستأجرة). وكانت معظم الرحلات تنطلق من مطار صنعاء، الذي كان يستقبل يوميًا قرابة 15–20 رحلة دولية نحو القاهرة، جدة، بيروت، دبي، عمان، وغيرها، رابطًا اليمن بشبكة دولية واسعة.

 

وعلى الرغم من التطورات الهيكلية التي شهدها المطار بعد الوحدة، إلا أن العقود التي تلت ذلك كشفت عن تحديات إدارية جسيمة، خصوصًا مع تولي شخصيات مقربة من السلطة زمام الأمور.

 

مطار صنعاء في حقبة صالح

  

لكن ما لبثت أن طوت سنوات الوحدة أجنحتها، حتى دبت أيادي الفساد في جسد المطار، تنهش فيه وتفرغه من روحه، ففي عام 1998، سلمت أمانة الخطوط الجوية اليمنية، ومطارها الذي كان يُفترض أن يكون وجهتها الشامخة، إلى الكابتن عبدالخالق القاضي، صهر الرئيس السابق، علي عبدالله صالح.

 

كان هذا التعيين إيذانًا ببدء فصلٍ جديد لقطاع الطيران في اليمن، وتسجل تقارير صحفية أن طائرات بيعت بأسعار بخسة، محركات قُطّعت أجزاءها، وقطع غيار نهبت، وكأنها تصفية حسابات على حساب أحلام المسافرين.

 

الموظفون، الذين رأوا ثمار كدحهم تتبخر، انتفضوا بوجع وغضب، صرخاتهم تحكي قصة الفساد الذي عصف بمستقبلهم ومستقبل الناقل الوطني، كان المطار الذي وُلد ليرفع راية اليمن، يُخنق ببطء على أيدي من وكلوا بحمايته، وفقا لصحيفة النداء المحلية التي رصدت في وقتها بعضًا من ممارسات متعددة، مثل التقصير والاهمال من قبل الإدارة المعنية بالمطار.

 

شبهات فساد وتدهور الخدمات

 

خلال فترة إدارة القاضي، ظهرت تقارير تفيد بوجود فساد مالي وإداري، بما في ذلك بيع طائرات بأسعار زهيدة لشركات خاصة يملكها القاضي، ومنها بيع 15 محركًا من طراز "JT8D" الخاصة بطائرات بوينغ لطرف إيراني، وشراء مواد كيميائية منتهية الصلاحية بقيمة 250 مليون ريال يمني، وهو ما تسرب للصحافة المحلية والدولية حينها.

 

التقارير المحلية تحدثت عن بيع محركات الطائرات، وقطع الغيار المملوكة لشركة "اليمدا"، وتبخرت تلك الأموال، وذلك في ذروة إدارة عائلة صالح لليمن، بالإضافة إلى توظيف عدد كبير من الموظفين غير المؤهلين، مما زاد من الأعباء المالية على الشركة.

 

احتجاجات وإضرابات داخلية

 

أدت السياسات الإدارية المتبعة إلى احتجاجات واسعة من قبل موظفي الخطوط الجوية اليمنية، حيث نظموا إضرابات للمطالبة بإقالة القاضي، متهمين إدارته بالفساد وسوء الإدارة، ومن تلك الاحتجاجات، الإضراب الشامل الذي نفذه موظفو وطيارو الخطوط الجوية اليمنية في ديسمبر 2011، مما أدى إلى شلل في حركة الطيران اليمني.

 

كما اتهمت النقابات القاضي بتفريغ الشركة من محتواها من خلال بيع الطائرات، واستنزاف موارد الشركة، وتوظيفها لإبرام عقود كارثية ترتب عليها تحميل الشركة أعباء الشروط الجزائية المجحفة، وتسببت هذه الاحتجاجات في فوضى داخل مطار صنعاء وتعطيل العديد من الرحلات.

 

خلاصة ومآل إدارة القاضي

 

يتضح من كل ما سبق أن إدارة عبدالخالق القاضي للخطوط الجوية اليمنية تميزت بتغليب المصالح العائلية والسياسية على المهنية المؤسسية، ما أدى إلى تدهور مستوى الخدمات، واستنزاف أصول الشركة، وتحويلها إلى مورد مالي للنظام الحاكم حينها، واستفاد علي عبدالله صالح من هذه السيطرة لتعزيز نفوذ عائلته من خلال منح مناصب حساسة لأقاربه، وتأمين تمويل غير مشروع عبر ممارسات تجارية مشبوهة، شملت صفقات بيع أصول الدولة وشراكات خفية مع أطراف خارجية.

 

في المقابل، تكبدت اليمن خسائر فادحة، ليس فقط على مستوى تدهور الناقل الوطني، بل أيضًا في تقويض ثقة المسافرين، وحرمان آلاف الموظفين من حقوقهم، وإغراق الشركة في ديون وشروط مجحفة، بسبب العقود التي أُبرمت دون شفافية أو رقابة، كما تراجعت مكانة مطار صنعاء الدولي، الذي كان يُفترض أن يكون واجهة سيادية وخدمية للبلاد، ليصبح خلال سنوات قليلة ضحية للعبث الإداري وتضارب المصالح، مما هيأ لانهياره لاحقًا مع اشتداد الأزمة السياسية والحرب في البلاد، ولم تقتصر التحديات على سوء الإدارة والفساد، بل دخل المطار مرحلة جديدة من الصراع مع اندلاع الحرب الأخيرة، ليتحول من مرفق مدني إلى ساحة حرب.

 

سيطرة جماعة الحوثي فصل جديد

 

بعد إسقاطها للعاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر 2014م عززت جماعة الحوثي قبضتها على المطار، وأجرت سلسلة تغييرات تضمن لها السيطرة على المطار، ومن ذلك تعيينات لشخصيات عسكرية مقربة منها في المطار، خاصة الجانب العسكري.

 

ومع سيطرتها على مؤسسات الدولة في صنعاء عقب انقلابها، وبث إعلانها الدستوري في السادس من مارس 2015 شرعت الجماعة بعقد الاتفاقات التي عكست توجهها القادم، وارتباطها الخارجي، ومن ذلك علاقتها مع إيران، فبعد أيام قليلة على انقلابها وقعت الجماعة من خلال طيران اليمنية نهاية فبراير 2015 في العاصمة الإيرانية طهران، مذكرة تفاهم في مجال النقل الجوي تمنح بموجبها شركتا الخطوط الجوية اليمنية و "ما هان اير" الايرانية، حق تسيير رحلات مباشرة بين البلدين.

 

 

ونصت مذكرة التفاهم، بحسب وكالة سبأ الرسمية حينها للأنباء على تسيير 14 رحلة أسبوعياً في كل اتجاه لكل شركة، على أن تدخل المذكرة حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها، ووقع المذكرة من الجانب اليمني القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد حينها محمد عبد القادر، وعن الجانب الإيراني نائب رئيس سلطة الطيران المدني الإيراني كهرد كرماني.

 

وترجمة لهذه الاتفاقية وصلت إلى مطار صنعاء في الأول من مارس 2015 أول رحلة مباشرة للطيران الإيراني قادمة من مطار طهران، وهي طائرة من طراز إير باص 310، ونقلت وكالة الأنباء الألمانية وقتها عن مسؤول في مطار صنعاء الدولي قوله إن الطائرة الإيرانية كانت محملة بشحنات من المساعدات الدوائية، بينما كشفت وكالة أسوشيتدبرس عن وصول إيرانيين، من بينهم عمال إغاثة تابعين للهلال الأحمر الإيراني، فيما ذكرت معلومات إن الطائرة الإيرانية كانت تحمل شحنة مساعدات طبية مقدمة كهدية من الهلال الأحمر الإيراني للهلال الأحمر اليمني، وقال مسؤول الهلال الأحمر الإيراني سارم نزاي إن المساعدات المقدمة من الهلال الأحمر الإيراني تتضمن 12 طنا من الأجهزة والأدوية الطبية التي يحتاجها الشعب اليمني، في حين أوضح معاون السفارة الإيرانية بصنعاء سيد عابدين أن تدشين خطوط الرحلات الإيرانية من طهران إلى صنعاء سيسهم في تعزيز التعاون والنشاط الاقتصادي والسياحي بين البلدين، وأن هذا الخط الجوي سيمكن الحكومة الإيرانية من تقديم المساعدات للشعب اليمني بكل سهولة ويسر.

 

هذه الاتفاقية والتسيير للرحلات جاء ترجمة لخطاب زعيم الحوثيين الذي وعد بإيجاد بدائل اقتصادية في حال قررت السعودية وقف دعمها لليمن، وجاءت بينما كان الرئيس السابق عبدربه منصور هادي قد انتقل إلى عدن، وردا على هذه الخطوة دعا هادي دعا في كلمة له شركات الطيران العالمية إلى التعامل مباشرة مع مطار عدن الدولي، وعدم التعامل مع مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون، بينما اشتعل الجدل حول هذا الانفتاح من الحوثين نحو إيران.

 

ومع توقيع هذه الاتفاقية التي عكست السيطرة الكبيرة للحوثيين على المطار، وتسخيره لأجندتهم الداخلية والخارجية توجّه وفد من جماعة الحوثي في الثاني من مارس 2015 برئاسة صالح الصماد، الذي كان حينها يعمل كرئيس للمجلس السياسي لجماعة الحوثي إلى إيران، في رحلة أقلعت من مطار صنعاء الدولي، وذلك في أول زيارة رسمية علنية إلى طهران منذ سيطرة الجماعة على العاصمة، ورافقه فيها وكيل وزارة المالية لقطاع الإيرادات، ووكيل البنك المركزي لقطاع العمليات المصرفية الخارجية، إضافة إلى وكلاء وزارات الكهرباء والنقل والتخطيط والتعاون الدولي والصناعة، ورئيس الإدارة العامة للاستثمار، والمدير العام التنفيذي لشركة النفط.

 

ونقلت وقتها وسائل الإعلام التابعة للحوثيين عن الصماد قوله إن الوفد سيجري خلال الزيارة مباحثات مع مسؤولين في الحكومة الإيرانية تستهدف بحث آفاق تعزيز التعاون المستقبلي بين اليمن وإيران في المجالات الاقتصادية والسياسية وغيرها.

 

استهداف السعودية وحلفائها للمطار

 

إزاء هذه التطورات، وما اتصل بها من توسع للحوثيين نحو باقي المدن اليمنية، وشنها الحرب على الرئيس هادي في عدن، تدخلت المملكة العربية السعودية بتحالف عسكري، وشنت حربا في اليمن، لاستعادة الشرعية ومواجهة الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق صالح في الـ26 من مارس 2015، تحول مطار صنعاء الدولي من منشأة مدنية تخدم ملايين اليمنيين إلى هدف عسكري متكرر، تقصفه الطائرات وتغلقه القرارات السياسية، ليصبح رمزًا لتقاطع الأزمات الإنسانية والسياسية والعسكرية.

 

بدأت أولى الغارات الجوية في اليوم الأول لقصف السعودية وتحالفها حين قصفت طائراتها القتالية أجزاء من المطار، ضمن حملة استهدفت البنية التحتية الحيوية في العاصمة صنعاء، بحجة استخدامها لأغراض عسكرية من قبل الحوثيين، ووثق منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن حينها أن الغارات أصابت منشآت مدنية وأثرت بشكل كبير على حركة المساعدات.

 

أثرت الغارات التي شنتها السعودية على قدرات المطار، وتعرضت أجزاء منه للتدمير، وعلى العملية الملاحية برمتها في اليمن، وتوقفت عملية النقل من وإلى المطار، وأصبح مغلقا أمام الرحلات الداخلية والخارجية، ومثل أحد محاور المفاوضات بين الأطراف اليمنية، برعاية دولية في أكثر من دولة.

 

خلف هذا الإغلاق كارثة إنسانية واسعة، حيث تقطعت السبل بملايين اليمنيين الراغبين في السفر للعلاج أو الدراسة أو العمل، وتزايدت حالات الوفاة بين المرضى الذين لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الطبية في الخارج، وخسر آلاف الطلاب فرصهم التعليمية، بينما حُرم المغتربون من زيارة عائلاتهم، ولم تقتصر تأثير هذا الإغلاق على الاقتصاد فحسب، بل عمق من عزلة اليمنيين عن العالم، وجعل من السفر كابوسًا مستحيلًا على الغالبية العظمى منهم، مما فاقم الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد.

 

الحوثيون يحولون المطار إلى أداة للصراع

 

 منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، تحول مطار صنعاء الدولي من مرفق مدني إلى منصة استراتيجية استخدمتها الجماعة لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي، فعلى الرغم من إعلان التحالف العربي إغلاق المطار أمام الرحلات التجارية في أغسطس 2016، إلا أن الحوثيين واصلوا استخدامه عبر الرحلات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لنقل قياداتهم، وتنفيذ عمليات تهريب لخبراء وأسلحة من إيران، وفقًا لاتهامات رسمية متكررة من التحالف.

 

كما أكدت تقارير أن الجماعة كانت تستخدم المطار لاستقبال وفود عسكرية وخبراء إيرانيين وعراقيين في رحلات غير معلنة، ما جعله شريانًا لعملياتها العابرة للحدود، كما جاء في تقرير لكارنيجي.

 

ومنذ إغلاقه أمام الرحلات التجارية في أغسطس 2016، استمرت الجماعة في استغلاله لأغراض سياسية وعسكرية، مستفيدة من الرحلات الإنسانية والاستثنائية لنقل جرحاهم وقياداتهم ووفودهم إلى مفاوضات السلام (كما حدث في السويد 2018 وعمان 2022).

 

ورغم بقاء المطار مغلقًا أمام اليمنيين، خاصة المرضى والمسافرين، استمرت الجماعة في تسيير وفودها منه لحضور جولات المفاوضات في جنيف وستوكهولم ومسقط، في وقت عُزل فيه الشعب عن هذا المنفذ الحيوي، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، فيما وصفته الحكومة بـ"احتكار السفر الدولي لصالح الجماعة.

 

 

ماراثون تفاوضي وساحة ابتزاز سياسي

 

تحوّل مطار صنعاء الدولي، منذ إغلاقه أمام الرحلات التجارية في أغسطس 2016، إلى أحد أعقد ملفات التفاوض في الحرب اليمنية. وعلى مدى سنوات، تكررت مطالبات بفتحه باعتباره شريانًا إنسانيًا، إلا أن المطار لم يكن فقط قضية إنسانية، بل ورقة مساومة سياسية استخدمتها جماعة الحوثي ببراعة لانتزاع مكاسب تفاوضية. فقد شكّل المطار محورًا دائم الحضور في مختلف جولات التفاوض، من مشاورات الكويت (2016) إلى ستوكهولم (2018)، وحتى مفاوضات عمّان والهدنات المؤقتة برعاية الأمم المتحدة لاحقًا.

 

وخلال مشاورات السويد في ديسمبر 2018، برز المطار كأحد الشروط الأساسية التي طرحها الحوثيون، رافضين أي رقابة أو تفتيش خارجي على الرحلات، وهو ما أدى إلى تعثر الاتفاق بشأنه حينها، واستمرت جماعة الحوثي في الدفع بهذا الملف على طاولة كل هدنة، ملوّحة بمعاناة المدنيين في الشمال، بينما كانت تستخدم الرحلات الإنسانية لنقل وفودها السياسية والقيادات الأمنية بين صنعاء ومسقط وطهران.

 

واستمرت الضغوط الأممية، إلى أن توصلت الأطراف، برعاية عمانية، إلى تفاهم في أبريل 2022 يقضي بإعادة تشغيل المطار برحلات تجارية محدودة إلى وجهات معينة، أبرزها العاصمة الأردنية عمّان، ضمن هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة،  وبدأت أول رحلة تجارية من مطار صنعاء إلى عمّان في 16 مايو 2022، وسط ترحيب دولي وأممي باعتبارها خطوة إنسانية.

 

ومنذ تلك اللحظة، استمر المطار في العمل بشكل جزئي حتى العام 2025، مقتصرًا على رحلات تجارية محدودة إلى الأردن وأحيانًا إلى مصر، مع تخصيص السفر لفئات بعينها مثل المرضى والطلاب. وبقيت هذه الخطوة محاطة بقيود سياسية وأمنية حالت دون فتحه الكامل، وسط مطالبات حقوقية بضرورة توسيع نشاطه لتخفيف معاناة المدنيين.

 

هذا الاستخدام السياسي للمطار كمكسب تفاوضي يوضح كيف استطاعت الجماعة تحويل مرفق مدني إلى ورقة ضغط دبلوماسية، تراهن عليها في كل مفاوضات كبرى، وتوظفها ليس فقط كقضية إنسانية، بل كأداة لتثبيت سيطرتها الإدارية والسياسية في صنعاء.

 

عودة تدريجية ورحلات محدودة

 

بعد ست سنوات من الإغلاق التام أمام الرحلات التجارية، عاد مطار صنعاء الدولي للعمل بشكل جزئي في مايو 2022، في إطار تفاهمات رعتها الأمم المتحدة بوساطة سلطنة عمان، وجاءت هذه الخطوة كجزء من هدنة إنسانية بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، حيث نص الاتفاق على السماح برحلات جوية محدودة من صنعاء إلى وجهات خارجية، أبرزها العاصمة الأردنية عمّان، ثم لاحقًا إلى مطار الملكة علياء في الأردن ومطار القاهرة في مصر.

 

بدأ تنفيذ هذا الاتفاق برحلة تجارية في 16 مايو 2022، نقلت عشرات المرضى ومرافقيهم من مطار صنعاء إلى عمّان، في أول رحلة من نوعها منذ عام 2016. وقد رحّبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بهذه الخطوة، واعتبروها تقدمًا مهمًا في المسار الإنساني. غير أن تشغيل المطار ظل محدودًا للغاية، واقتصر على حالات إنسانية محددة تشمل المرضى، والطلاب، وحاملي تأشيرات الإقامة أو الدراسة في الخارج، وسط استمرار التعقيدات السياسية والأمنية التي حالت دون إعادة تشغيله بالكامل.

 

استمرت هذه الرحلات بشكل متقطع ومنظم حتى عام 2025، تحت إشراف أممي وبتنسيق مع التحالف العربي وسلطات الطيران المدني في صنعاء. ورغم محدودية عدد الرحلات والوجهات، مثّلت هذه العودة الجزئية متنفسًا إنسانيًا لعشرات الآلاف من اليمنيين، وساهمت في تخفيف الضغط الدولي على الملف الإنساني في اليمن، مع استمرار مطالب دولية وأممية بفتح المطار بالكامل أمام الحركة الجوية المنتظمة.

 

احتجاز الطائرات

 

في عام 2024، اتُهم الحوثيون باحتجاز طائرات للخطوط الجوية اليمنية داخل مطار صنعاء لمنع عودة الحجاج اليمنيين، مما أثار استياءً شعبيًا واسعًا.

#(مما أدى إلى تصعيد التوترات بين الأطراف اليمنية.  في يونيو من ذلك العام، احتجز الحوثيون أربع طائرات تابعة للشركة في مطار صنعاء الدولي، ثلاث منها كانت قد عادت من نقل الحجاج اليمنيين من جدة، بينما كانت الرابعة رابضة في المطار منذ أكثر من شهر. 

الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا اعتبرت هذا الاحتجاز "قرصنة جوية"، محملة الحوثيين مسؤولية تعطيل الرحلات الجوية وعرقلة عودة الحجاج اليمنيين، وهو ما تحدث عنه وزير الأوقاف والإرشاد، محمد بن عيضة شبيبة، الذي دعا الحجاج إلى البقاء في مساكنهم بمكة المكرمة حتى الإفراج عن الطائرات المحتجزة. 

 

من جانبهم، نفى الحوثيون الاتهامات باختطاف الطائرات، مؤكدين أن مركز شركة الخطوط الجوية اليمنية يقع في صنعاء، وأن من حقهم إدارة الطائرات وإبقائها في المطار للصيانة وإعادة جدولة الرحلات.  وزير النقل في حكومة الحوثيين شدد على أن حكومتهم مصممة على فتح وتشغيل جميع المطارات في اليمن، بما في ذلك مطار صنعاء الدولي.

 

وفي مايو 2025، تعرض مطار صنعاء لغارات جوية إسرائيلية أدت إلى تدمير ثلاث من الطائرات المحتجزة، مما تسبب في خسارة كبيرة لشركة الخطوط الجوية اليمنية.  الحكومة اليمنية حملت الحوثيين مسؤولية هذه الخسائر، معتبرة أن استمرار احتجاز الطائرات بطريقة غير قانونية أدى إلى تدمير نصف أسطول الشركة. 

هذه الأحداث تسلط الضوء على تعقيدات النزاع اليمني، حيث أصبحت الطائرات المدنية أدوات في الصراع السياسي، مما أثر سلبًا على المواطنين اليمنيين، خاصة الحجاج والمرضى الذين يعتمدون على الرحلات الجوية للتنقل.

 

الاستهداف الأمريكي البريطاني

 

وما إن تراجعت الغارات السعودية في اليمن، حتى جاء القصف الأمريكي البريطاني، ثم الإسرائيلي لاستهداف المطار، وذلك ردا على عمليات جماعة الحوثي في البحرين الأحمر والعربي، واستهدافها لمواقع في إسرائيل.

 

غارات الدولتين جاءت بشكل مشترك (أمريكية - بريطانية) أو فردية (أمريكية فقط) استهدفت المطار، ومحيطه، بحجة أنها تحتوي نشاطًا لقيادات حوثية تدعم "هجمات إقليمية"، ما زاد من تدمير منشآت المطار وتسبب بتعليق معظم الرحلات التجارية والإنسانية، وهو ما وثقته الكاميرات، وتناولته التقارير الدولية.

 

إسرائيل تقصف

 

بعد أيام من قصف جماعة الحوثي لأهداف في إسرائيل ردت تل أبيب في مهاجمة أهداف على اليمن، وشنت أولى غاراتها على الحديدة في الـ20 من يوليو 2024م، وكانت تلك الغارات مؤذنة بعدة هجمات متتالية لإسرائيل في اليمن.

 

ففي السادس والعشرين من ديسمبر 2024 شنت إسرائيل غارات على مطار صنعاء، واستهدفت برج التحكم في المطار وعطلته بشكل كامل، مستهدفة أيضا طائرات مدنية يُزعم أن الحوثيين يستخدمونها لأغراض عسكرية.

 

وقع الهجوم خلال تواجد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مطار صنعاء عقب وصوله صنعاء، ونجا من الإصابة في سلسلة الانفجارات الإسرائيلية التي استهدفت المطار، بينما أصيب أحد أفراد طاقم الطائرة الأممية، ما دفع بالأمم المتحدة، لتعليق خدمة النقل الجوي الإنساني مؤقتًا إلى مطار صنعاء، محذرة في نفس الوقت من عملية تعطيله، بينما جرت استعادة عملية الملاحة من المطار في اليوم التالي.

 

وفي تصعيد خطير وغير مسبوق، نفذت إسرائيل في السادس من مايو 2025 ضربات جوية مباشرة على مطار صنعاء، أدت إلى تدمير كلي لعدد من المرافق، بينها برج المراقبة ومستودعات الشحن، وذلك بعد تحذير بإخلاء المنطقة عقب إعلان الحوثيين إطلاق صاروخ باتجاه مطار بن غوريون.

 

وصرح مدير عام المطار في صنعاء خالد الشائف أن الخسائر تقدر بنحو 500 مليون دولار، مؤكدًا أن الضربات الإسرائيلية استهدفت البنية التحتية المدنية بشكل مباشر، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.

 

العملية جاءت عقب إعلان جماعة الحوثي مسؤوليتها عن استهداف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي، ما أسفر عن إصابات بين المدنيين الإسرائيليين، وهو ما أشعل ردًا إسرائيليًا مباشرًا ضد العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.

 

نتائج غارات إسرائيل

 

أسفرت الضربة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مطار صنعاء الدولي في مايو 2025 عن أضرار جسيمة في البنية التحتية للمطار، شملت مدرج الطيران وبرج المراقبة وعدداً من المنشآت الفنية والخدمية. ووفقاً لتصريحات إدارة المطار، فإن القصف أدى إلى خروج المطار عن الخدمة بشكل كامل، مما أعاد العزلة الجوية المفروضة على سكان شمال اليمن وأوقف الرحلات الإنسانية والتجارية المحدودة التي كانت تمر عبره.

 

تسببت الضربة في شلل جزئي للعمليات الطبية والإنسانية التي كانت تعتمد على المطار كمنفذ حيوي لنقل المرضى والإمدادات. كما زادت من تعقيد المفاوضات السياسية، إذ رأت فيها جماعة الحوثي دليلاً على تواطؤ إقليمي ودولي ضدها، بينما اعتبرتها الحكومة اليمنية نتيجة لاستغلال الحوثيين للمطار في أنشطة عسكرية عدائية.

 

مطار صنعاء يعود إلى التراب من جديد

 

ورغم ما خلفه الدمار الهائل للقصف الإسرائيلي على مطار صنعاء، فقد سعت جماعة الحوثي لإعادة افتتاحه من جديد، أمام الطائرات الدولية، وذلك بعد أيام من عملية إصلاح عاجلة لإنعاش المطار، وإعادته للخدمة.

 

وفي الخامس عشر من مايو 2025 عادت أولى الطائرات إلى مطار صنعاء، من خلال طائرة تابعة للأمم المتحدة، وعكست المشاهد الموثقة لعملية الهبوط تصاعد أعمدة الغبار، التي عكست الصيانة الأولى للمطار.

 

غير أن هذه العودة كانت مريرة في نظر اليمنيين، إذ أنها أعادت المطار إلى اللحظات الأولى لإنشائه، وعكس ذلك مدى الضرر الذي أصابه، ومدى الخسارة الناجمة عن استهداف منشأة مدنية حيوية ومهمة في اليمن.

 

بوابة مغلقة

 

ومنذ إغلاق مطار صنعاء الدولي في أغسطس 2016، تحوّل المطار من شريان حيوي إلى رمز للعزلة المفروضة على ملايين اليمنيين في الشمال. وقد كشفت تقارير دولية عن حجم الكارثة الإنسانية التي خلّفها هذا الإغلاق، إذ حُرم أكثر من 32,000 شخص من ذوي الحالات الصحية الحرجة من السفر لتلقي العلاج في الخارج، ما تسبب في وفاة العديد منهم وتدهور حالات آلاف آخرين، بحسب المجلس النرويجي للاجئين، وتؤكد شبكة الجزيرة أن الحظر المفروض على المطار لم يُعق فقط حركة المسافرين، بل عطّل كذلك عمليات الإغاثة الدولية وأغلق الباب أمام الطلاب والمرضى واللاجئين، ما جعل من المطار "معلماً للعزلة الإنسانية والسياسية.

 

في السياق ذاته، نقلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عن تقارير رسمية أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إغلاق المطار شملت توقف الرحلات التجارية وتجميد حركة شركات الطيران الوطنية، في ظل استمرار احتجاز طائرات اليمنية داخل المطار.

 

وبينما توالت الدعوات الأممية والدولية لإعادة فتح المطار، حذّرت منظمات الإغاثة من أن استمرار إغلاقه يُعد "حصارًا غير معلن" يقوّض جهود الاستجابة الإنسانية ويُعمّق معاناة السكان.


مقالات مشابهة

  • الملك تشارلز يؤكد حق كندا في تقرير المصير
  • تقرير يكشف تطورات تمديد عقد الهولندي دي يونج مع برشلونة
  • الملك تشارلز ردا على تهديدات ترامب: من حق كندا تقرير مصيرها
  • صدور تقرير معهد البحوث الصناعية عن العام 2024
  • تقرير إسرائيلي: المحكمة العليا تُشرعن حرب الإبادة في غزة
  • تقرير: الإمارات أقرب حليف عربي لـإسرائيل.. والدافع كراهية الإسلاميين
  • قصة مطار صنعاء.. من بوابة اليمن الرئيسية إلى نافذتها المغلقة (تقرير خاص)
  • آخر تقرير إسرائيليّ عن القرض الحسن.. أمرٌ خطير تم الحديث عنه!
  • اليمن: استراتيجية الجغرافيا اليمنية في مواجهة الأطماع الاستعمارية عبر العصور
  • " تشريعية البرلمان" تستعرض تقرير تعديل قانون مجلس النواب