العلاقات الروسية الصينية .. الخيار الاستراتيجي لمواجهة تحديات المستقبل
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
تستمرُّ العلاقات الصينيَّة ـ الروسيَّة في التوسُّع النَّوعي والكمِّي، وفي مختلف الاتِّجاهات الحيويَّة الاستراتيجيَّة الَّتي يُمكِن أن تُسهمَ في دعم القوَّة والمكانة الدوليَّة لكلتا القوَّتَيْنِ على رقعة الشطرنج العالَميَّة، خصوصًا أنَّ البيئة الأمنيَّة الدوليَّة تزداد تعقيدًا وفوضى كُلَّ يوم، ممَّا يدفع نَحْوَ ضرورة التعاون بَيْنَ الأطراف الدوليَّة ذات المصالح والتهديدات المشتركة لمواجهة تلك المخاطر الاستراتيجيَّة المتزايدة، خصوصًا تلك الَّتي تنبثق عن الصراعات الأمنيَّة العابرة للحدود الوطنيَّة أو حتَّى التنافس الاقتصادي بَيْنَ القوى الكبرى.
على العموم أيَّام قليلة تفصلنا عن العام 2024، ومن وجهة نظري الشخصيَّة، أنَّ خريطة القوى الكبرى ما زالت كما هي لَمْ تتغيَّر، حيث تبقى الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة برغم كُلِّ المخاطر والتهديدات الَّتي تحيط بها الرقم واحد، تليها روسيا كقوَّة عظمى عالَميَّة منافسة، ثمَّ الصين، إلَّا أنَّ خيار التعاون الاستراتيجي بَيْنَ روسيا والصين يُمكِن التأكيد على أنَّه يُمثِّل التهديد الأشدَّ على مكانة الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في القرن الـ21.
ما يرفع من سقف تلك المخاطر على الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة أنَّها لا تستطيع الاختيار أو تغليب طرف على طرف آخر؛ أقصد روسيا أو الصين، لأنَّ تراجع الصين يعني بروز روسيا بشكلٍ أكبر، وسقوط روسيا يعني بروز التنين الصيني الصَّاعد أصلًا كقوَّة اقتصاديَّة عالَميَّة تُهدِّد الإمبراطوريَّة الأميركيَّة اقتصاديًّا بشكلٍ واضح، عَلَيْه فإنَّ الخيار الاستراتيجي الوحيد الممكن أمام الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة اليوم هو إبقاء كُلٍّ من روسيا والصين بقدر المستطاع في دائرة التوازن الاستراتيجي.
في الجانب الآخر، من الواضح أنَّ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة لَمْ تتمكَّن حتَّى اللحظة من عزْلِ أو إبعاد الروس عن الصينيِّين أو العكس رغم أنَّها تعمل جاهدة على توسيع دائرة الخلافات بَيْنَهما، بل ما يتضح أنَّ تلك المساعي الأميركيَّة أدَّت إلى ردود فعل عكسيَّة. أقصد تزايد التعاون الروسي ـ الصيني. ويبدو أنَّ هذا التعاون سيتعزَّز خلال الفترة من 2024 ـ 2030 عَبْرَ العديد من الاتفاقيَّات والتعاون الاستراتيجي، لعلَّ أهمَّ الأسباب الَّتي أسهَمت في ذلك الفشل هو المخاوف الأميركيَّة من أنَّ عزْلَ الروس أو إضعافَهم سيؤدِّي ـ بلا شك ـ إلى بروز الصين بشكلٍ أكبر أو تقدُّمها في قائمة القوى العالَميَّة، الأمْرُ الَّذي سيُشكِّل التهديد الأكبر عَلَيْها؛ لأنَّ الصين تُشكِّل الخطر الاقتصادي والقوَّة الاقتصاديَّة الأكبر الَّتي يُمكِن أن تهدِّدَ المكانة التجاريَّة والاقتصاديَّة الأميركيَّة، ولعلَّ هذا الرأي ينطبق تمامًا على الجانب الروسي من وجهة نظر البعض.
على العموم تبقى البيئة الأمنيَّة الدوليَّة التحدِّي الأكبر للجميع على حدٍّ سواء، الخطر الَّذي يُمكِن أن يؤدِّيَ إلى سقوط البعض أو تراجع قوَّته الاستراتيجيَّة في أفضل الأحوال، حيث تُعدُّ هذه البيئة الأمنيَّة أشدَّ خطورة، وأكثر غموضًا وتعقيدًا وإثارةً للهواجس. وبتصوري الشخصي، سيكُونُ من الصَّعب الاستمرار فيها دُونَ تحالفات أو تكتُّلات، في ذات الوقت تبقى المصالح المشتركة هي الحائل الأهمَّ دُونَ تلك الصراعات والحروب العابرة للحدود الوطنيَّة. وإن كان من وجهة نظر سياسيَّة راهنة حَوْلَ الشراكة الصينيَّة ـ الروسيَّة فيُمكِن التأكيد على أنَّها شراكة استراتيجيَّة مفيدة لكلا الطرفَيْنِ في مواجهة النفوذ الأميركي وتحدِّيات البيئة الأمنيَّة الدوليَّة، ولكنَّني أتَّفق كثيرًا على أنَّ تلك الشراكة الاستراتيجيَّة أقرب إلى كونها شراكة استراتيجيَّة محدودة وليس شراكة مطْلَقة.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الولایات الم ت حدة الأمیرکی ة الأمیرکی ة الدولی تلک ال
إقرأ أيضاً:
الخارجية الصينية: سندافع بقوة عن سيادتنا وجاهزون للعمل مع واشنطن لتحسين العلاقات
عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرا عاجلا يفيد بأن الخارجية الصينية، قالت نحث اليابان على وقف خطواتها السياسية غير المسؤولة وسحب تصريحاتها بشأن تايوان.
وأوضحت الخارجية، أننا سندافع بقوة عن سيادتنا وجاهزون للعمل مع واشنطن لتحسين العلاقات.
وتراجعت الصادرات الصينية المتجهة إلى أميركا للشهر الثامن على التوالي، رغم الاتفاق التجاري الأخير بين أكبر اقتصادين في العالم، في وقت تجاوزت فيه صادرات الصين الإجمالية توقعات السوق خلال نوفمبر تشرين الثاني مع تكثيف المصانع شحناتها إلى أسواق أخرى.
وأظهرت بيانات الجمارك الصينية الصادرة يوم الاثنين ارتفاع الصادرات بنسبة 5.9% على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني، عند قياسها بالدولار الأميركي، متجاوزة توقعات المحللين في استطلاع «رويترز» بنمو يبلغ 3.8%. ويُعد هذا الارتفاع ارتداداً من الانكماش المفاجئ البالغ 1.1% في أكتوبر تشرين الأول، وهو أول تراجع للصادرات منذ مارس آذار 2024.
وفي المقابل، ارتفعت الواردات بنسبة 1.9% الشهر الماضي، لكن دون التوقعات التي أشارت إلى زيادة قدرها 3%، إذ واصل ركود سوق العقارات وتزايد المخاوف المتعلقة بالوظائف الضغط على مستويات الاستهلاك المحلي. وجاء النمو أعلى مقارنةً بارتفاع نسبته 1% في أكتوبر تشرين الأول.
وجدد المسؤولون الصينيون تعهداتهم بتعزيز الواردات والعمل على تحقيق توازن أكبر في التجارة، وسط انتقادات دولية واسعة لسياسة التوسع في الصادرات التي تنتهجها بكين.
الصادرات الصينية إلى أميركا
تراجعت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 28.6% في نوفمبر تشرين الثاني، وهو الانخفاض الثامن على التوالي، رغم التوصل إلى اتفاق تجاري بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب في كوريا الجنوبية أواخر أكتوبر تشرين الأول. كما انخفضت الواردات الصينية من الولايات المتحدة بنسبة 19% على أساس سنوي.
وقال غاري نغ، كبير الاقتصاديين في «ناتيكسيس»، إن «الهدنة التجارية لم تُنهِ حقيقة أن الولايات المتحدة ما زالت تفرض رسوماً جمركية أعلى على الصين مقارنة بالعديد من الدول الأخرى»، مضيفاً أن المصدرين الصينيين غالباً ما يستمرون في استخدام منشآت لهم في أسواق ثالثة لإعادة التصدير إلى الولايات المتحدة. وأضاف: «قد يصبح ذلك نمطاً دائماً في المستقبل».
وبحسب معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي، لا تزال الرسوم الأميركية على السلع الصينية عند نحو 47.5%، بينما تبلغ الرسوم الصينية على السلع الأميركية نحو 32%.
وبشكل تراكمي منذ بداية العام، تراجعت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة 18.9%، في حين انخفضت وارداتها من السلع الأميركية بنسبة 13.2%
لكن هذا التراجع عوّضته زيادة قوية في الشحنات المتجهة إلى أسواق أخرى، خصوصاً الاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث ارتفعت الصادرات الصينية إليهما بأكثر من 8% ونحو 15% على التوالي.
وفي الأشهر الـ11 الأولى من العام، ارتفعت صادرات الصين الإجمالية بنسبة 5.4% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، بينما انخفضت الواردات بنسبة 0.6%، ما رفع فائضها التجاري إلى 1.076 تريليون دولار حتى نهاية نوفمبر تشرين الثاني، بزيادة 21.6% على أساس سنوي.