تستمرُّ العلاقات الصينيَّة ـ الروسيَّة في التوسُّع النَّوعي والكمِّي، وفي مختلف الاتِّجاهات الحيويَّة الاستراتيجيَّة الَّتي يُمكِن أن تُسهمَ في دعم القوَّة والمكانة الدوليَّة لكلتا القوَّتَيْنِ على رقعة الشطرنج العالَميَّة، خصوصًا أنَّ البيئة الأمنيَّة الدوليَّة تزداد تعقيدًا وفوضى كُلَّ يوم، ممَّا يدفع نَحْوَ ضرورة التعاون بَيْنَ الأطراف الدوليَّة ذات المصالح والتهديدات المشتركة لمواجهة تلك المخاطر الاستراتيجيَّة المتزايدة، خصوصًا تلك الَّتي تنبثق عن الصراعات الأمنيَّة العابرة للحدود الوطنيَّة أو حتَّى التنافس الاقتصادي بَيْنَ القوى الكبرى.


على العموم أيَّام قليلة تفصلنا عن العام 2024، ومن وجهة نظري الشخصيَّة، أنَّ خريطة القوى الكبرى ما زالت كما هي لَمْ تتغيَّر، حيث تبقى الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة برغم كُلِّ المخاطر والتهديدات الَّتي تحيط بها الرقم واحد، تليها روسيا كقوَّة عظمى عالَميَّة منافسة، ثمَّ الصين، إلَّا أنَّ خيار التعاون الاستراتيجي بَيْنَ روسيا والصين يُمكِن التأكيد على أنَّه يُمثِّل التهديد الأشدَّ على مكانة الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في القرن الـ21.
ما يرفع من سقف تلك المخاطر على الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة أنَّها لا تستطيع الاختيار أو تغليب طرف على طرف آخر؛ أقصد روسيا أو الصين، لأنَّ تراجع الصين يعني بروز روسيا بشكلٍ أكبر، وسقوط روسيا يعني بروز التنين الصيني الصَّاعد أصلًا كقوَّة اقتصاديَّة عالَميَّة تُهدِّد الإمبراطوريَّة الأميركيَّة اقتصاديًّا بشكلٍ واضح، عَلَيْه فإنَّ الخيار الاستراتيجي الوحيد الممكن أمام الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة اليوم هو إبقاء كُلٍّ من روسيا والصين بقدر المستطاع في دائرة التوازن الاستراتيجي.
في الجانب الآخر، من الواضح أنَّ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة لَمْ تتمكَّن حتَّى اللحظة من عزْلِ أو إبعاد الروس عن الصينيِّين أو العكس رغم أنَّها تعمل جاهدة على توسيع دائرة الخلافات بَيْنَهما، بل ما يتضح أنَّ تلك المساعي الأميركيَّة أدَّت إلى ردود فعل عكسيَّة. أقصد تزايد التعاون الروسي ـ الصيني. ويبدو أنَّ هذا التعاون سيتعزَّز خلال الفترة من 2024 ـ 2030 عَبْرَ العديد من الاتفاقيَّات والتعاون الاستراتيجي، لعلَّ أهمَّ الأسباب الَّتي أسهَمت في ذلك الفشل هو المخاوف الأميركيَّة من أنَّ عزْلَ الروس أو إضعافَهم سيؤدِّي ـ بلا شك ـ إلى بروز الصين بشكلٍ أكبر أو تقدُّمها في قائمة القوى العالَميَّة، الأمْرُ الَّذي سيُشكِّل التهديد الأكبر عَلَيْها؛ لأنَّ الصين تُشكِّل الخطر الاقتصادي والقوَّة الاقتصاديَّة الأكبر الَّتي يُمكِن أن تهدِّدَ المكانة التجاريَّة والاقتصاديَّة الأميركيَّة، ولعلَّ هذا الرأي ينطبق تمامًا على الجانب الروسي من وجهة نظر البعض.
على العموم تبقى البيئة الأمنيَّة الدوليَّة التحدِّي الأكبر للجميع على حدٍّ سواء، الخطر الَّذي يُمكِن أن يؤدِّيَ إلى سقوط البعض أو تراجع قوَّته الاستراتيجيَّة في أفضل الأحوال، حيث تُعدُّ هذه البيئة الأمنيَّة أشدَّ خطورة، وأكثر غموضًا وتعقيدًا وإثارةً للهواجس. وبتصوري الشخصي، سيكُونُ من الصَّعب الاستمرار فيها دُونَ تحالفات أو تكتُّلات، في ذات الوقت تبقى المصالح المشتركة هي الحائل الأهمَّ دُونَ تلك الصراعات والحروب العابرة للحدود الوطنيَّة. وإن كان من وجهة نظر سياسيَّة راهنة حَوْلَ الشراكة الصينيَّة ـ الروسيَّة فيُمكِن التأكيد على أنَّها شراكة استراتيجيَّة مفيدة لكلا الطرفَيْنِ في مواجهة النفوذ الأميركي وتحدِّيات البيئة الأمنيَّة الدوليَّة، ولكنَّني أتَّفق كثيرًا على أنَّ تلك الشراكة الاستراتيجيَّة أقرب إلى كونها شراكة استراتيجيَّة محدودة وليس شراكة مطْلَقة.

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
azzammohd@hotmail.com
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الولایات الم ت حدة الأمیرکی ة الأمیرکی ة الدولی تلک ال

إقرأ أيضاً:

دبلوماسي سوري: زيارة المبعوث الأميركي لدمشق تشير إلى مساعي واشنطن للمصالحة مع العالم السني

قال الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، إن زيارة المبعوث الأميركي  لسوريا تشير إلى مساعي واشنطن لإجراء مصالحة جادة مع العالم السني، بعد أحداث سبتمبر.

وأضاف خلال مداخلة مع «العربية FM» أن طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع السعودية ملفتة للنظر، مقارنة بطريقة تعاطي إدارة بايدن السابقة.

وأشار بربندي إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية وصلت إلى نتيجة تشير إلى ضرورة إعادة المصالحة والتعايش وبناء العلاقات على أسس جديدة مع العالم العربي والسني.

ولفت الدبلوماسي السوري السابق إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببناء العلاقات مع الشعوب، وهم نمط من الحديث لم يتم من أي مسؤول أمريكي على مدار 30 عاما.

وأوضح أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأكبر من حيث التأثير في العالم العربي، لافتا إلى أن تعكسات ترامب تعكس الفهم الأمريكي للعالم العربي

الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي: زيارة المبعوث الأميركي لـ #سوريا تشير إلى مساعي #واشنطن لإجراء مصالحة جادة مع العالم السني منذ أحداث 11 سبتمبر.. وطريقة تعاطيها مع #السعودية ملفتة للنظر#ذا_ترمب_هاوس#العربيةFM pic.twitter.com/0Pk2tD8sXd

— FM العربية (@AlarabiyaFm) May 29, 2025 العلاقات العربية الأمريكيةالعلاقات السورية الأمريكيةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • ترامب يتهم الصين بخرق اتفاق الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة
  • ترامب: الصين انتهكت تماما الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة
  • العلاقات الأميركية الصينية على صفيح ساخن.. مفاوضات متعثرة وتشديد الخناق على الطلاب
  • دبلوماسي سوري: زيارة المبعوث الأميركي لدمشق تشير إلى مساعي واشنطن للمصالحة مع العالم السني
  • المغرب يطور حبوبًا مقاومة للجفاف لمواجهة تحديات التغير المناخي
  • أسعار النفط تتراجع بأكثر من 1% بفعل مخاوف الطلب الصيني وترقب عقوبات جديدة على روسيا
  • وزير قطاع الأعمال يبحث مع السفير الصيني سبل تعزيز التعاون وفرص الاستثمار
  • الولايات المتحدة توقف تصدير تقنيات حساسة رداً على قيود المعادن الصينية
  • أهمية بحر الصين الجنوبي في الصراع الأمريكي الصيني (1-3)
  • سلالة كوفيد مهيمنة في الصين تصل إلى الولايات المتحدة