لجريدة عمان:
2025-12-12@20:28:41 GMT

معبر الخراب وحارسُ الفظائع

تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT

بما أننا نستهلك الميديا بجنون هذه الأيام، اسمحوا لي أن أرصد وأُعلق على بعض ما حدث الأسبوع الماضي. اسمحوا لي أيضا أن أُشارك أفكاري المتفرقة ونحن على أعتاب سنة أخرى.

(1)

عادة ما تكون مؤتمرات المناخ السنوية مناسبة للناشطين ليسلطوا الضوء على القضايا محل اهتمامهم، والتي لا تكون حِكرا على القضايا البيئية وقضايا المناخ.

وكالمتوقع كانت إبادة الاحتلال الإسرائيلي للغزاويين حاضرة على هامش مؤتمر المناخ الأخير بدبي «كوب 28» الذي يقول المُراسلون ثمة حلقة بودكاست ظريفة من مدى مصر حول الموضوع بعنوان «العائدون من كوب: إيه اللي حصل في مؤتمر المناخ؟» أقترح الاستماع لها بكل تأكيد)، المهم أنه يبدو - حسب المراسلين- أن الأمم المتحدة -ولأول مرة- حددت الشكل الذي يُمكن للمظاهرات أن تتخذه، والشعارات التي يُمكن رفعها. لم يُسمح مثلا برفع الأعلام، بتوجيه الاتهام لدولة بعينها وتحميلها مسؤولية الكارثة الإنسانية (يُمكن القول إن آلاف الغزاويين ماتوا لكن لا يُسمح بأن يقال بأن إسرائيل قتلتهم)، يُمكن للمتظاهرين رفع شعار «أوقفوا إطلاق النار» لكن لا يُسمح لهم بالقول «أوقفوا إطلاق النار الآن». إضعاف اللغة وتفريغها من إدانة الجاني، من الانفعال، من تسمية الأشياء بشكل واضح ليس عشوائيا. يُدرك من يضعون هذه القيود أهمية اللغة، يُدركون أهمية القصة، ولهذا يُصرون على موقفهم.

(2)

كثير من منصات الإعلام «الغربي» تُصر على نحو أعمى وساذج تقريبًا على مواصلة التلويح بقصص السلام والتسامح. تنشر الجارديان مثلا تقريرا عن الطبيب الفلسطيني عزالدين أبو العيش (المرشح مرارا لنيل جائزة نوبل للسلام، والذي التقاه بيرس مورغان بدايات الحرب وقد خسر العشرات من أفراد عائلته منذ السابع من أكتوبر، وكان قد فقد بناته الثلاث في 2009) تقرير الجارديان حمل عنوان «قتلت غارة جوية إسرائيلية 22 من أقاربي، لكنني أرفض أن أكره»، وأنا أتساءل لماذا يُؤخذ منا الحق في الكراهية؟ نشأتْ عادات الثأر وترتيبات القصاص، ثم العقوبات القانونية تحديدا للتعامل مع هذا الشعور الإنساني الطبيعي عندما يُعتدى على أحبائه. واحدة من المشاكل الإجرائية (إذا ما أردنا تجنّب الجوانب النفسية) لخطاب كهذا أنه يُوهم بوجود حلول غير ممكنة على أرض الواقع.

«حشا.. حتى الكراهية استكثرناها!»

(3)

ثمة نفور -لا يحتاج فطنة لملاحظته- من متابعة الجلسات، المؤتمرات، القمم المحلية، الإقليمية، والعالمية على حد سواء. يأتي هذا من سأم وجزع من اتخاذ موقف (أو اتخاذ قرار) قوي بما يكفي للتغيير على نحو فوري أو راديكالي.

يبدو أن أهم مكسب للجيل الجديد هو التحرر من مارد المعرفة المُقيِد. يقولون: لا أحتاج لأن أكون خبيرا بالمناخ لأصبح ناشطا بيئيا أو ناقدا لسياسات الطاقة، ولا أحتاج لأن أقرأ كتب التاريخ لأعرف مع من وضد من أقف. أعني أن المعرفة بالمعنى التجريدي أساسية، مهمة، وهي أيضا محرِرة. يكمن الإشكال في استخدامها كأداة تسلُّط. فإقران حقك في التعبير عن رأيك، بمدى معرفتك بمجال ما، مُثبط، مُعطل، وظالم. ثمة حساسية تُخبر المرء أن نوعا من الظلم واقع عليه شخصيا أو على إنسان آخر، وهي تفوق في كثير من الأحيان أهمية امتلاك المعارف، أو أدوات الجِدال المنطقي.

(4)

دارت الأيام فعلا. ربما عجّل دورتها الحدث الاستثنائي الذي نعيشه. أشياء ظننا أننا كبرنا عليها. تجاوزناها. تعود لتأخذ مكانها. يعود مظفر النواب، ويعود الفيتوري، وأمل دنقل، بل ويعود نزار. تعود الأناشيد.. تعود الدفوف..

حساباتنا للأمور غريبة. عندما تُفكر بما هو مهم لك فعلا. بأكثر شيء يُمكن أن يُرضي ضميرك، وما تفعله بالمقابل.. شتان شتان بين ما تتمنى وما تفعل. وهذه الفجوة التي هي أساس كل غضب، ويأس، وانفصال، تأكلنا. كما يحق لها تماما أن تفعل. إلا أن هذا ليس غريبا تماما عنا. إننا نعرف قدرتنا على المضي ضد سعادتنا، لكن كنا نعتقد أنه ضرب من تدمير الذات، لم نعرف أن لنا قدرة على تحمل عذابات الآخرين كامتداد لعاداتنا التدميرية.

«أصيح بالخليج»، الخليج الذي صار معبرا للخراب، وحارسا للفظائع. أنت من بين الجميع تعرف العطش. أين دروس الصحراء منك؟ لطالما كانت مياهك، ضفافك، ورمالك مؤتمنة، ما الذي تغير؟ متى صرت مستخفا بالأرواح، همجيا، وأرعن؟ القسوة نعرفها. ما لا نعرفه عنك هو تعمدها. كذا يا خليج.. كذا؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فتح معبر رفح يقترب..مصر تعتمد شركة بديلة وتُنهي حقبة هلا المثيرة للجدل

تتواصل الاتصالات الإقليمية والدولية بوتيرة مكثفة خلال الساعات الأخيرة استعداداً لإعادة فتح معبر رفح البري بين مصر وقطاع غزة في الاتجاهين، وذلك فور إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة، أو عقب تسلّم الاحتلال الإسرائيلي جثة آخر محتجز لديه داخل القطاع. وكشف مصدر مطّلع لـ"العربي الجديد" أن ترتيبات التشغيل أصبحت شبه جاهزة في ظل تفاهمات تلزم جميع الأطراف بإعادة فتح المعبر وفق ضوابط دقيقة تضمن حركة سفر منظمة وآمنة.

وبحسب المصدر، الذي يعمل في منطقة المعابر على الحدود المصرية، فإن المرحلة الأولى من تشغيل المعبر ستخصص لسفر المرضى والجرحى وحملة الإقامات في الخارج والجوازات الأجنبية، إلى جانب الطلاب، على أن تعقبها مرحلة ثانية تشمل فتح باب السفر أمام الحالات المدنية الأخرى من سكان غزة وفق احتياجاتهم. وأضاف أن مصر وضعت شرطاً واضحاً يقضي بأن تتم عملية الفتح بصيغة تبادلية: مغادرة الحالات الإنسانية بالتوازي مع السماح بدخول العالقين في الخارج، خاصة الموجودين داخل مصر منذ إغلاق المعبر مع بدء الحرب. وأكد أن هذا المبدأ يُعد "جوهر الموقف المصري" وأن القاهرة ترفض بشكل قاطع تشغيل المعبر باتجاه واحد أو بصيغة تُخلّ بتوازن حركة الفلسطينيين الطبيعية.

وأوضح المصدر أن العمل في معبر رفح سيتم وفق اتفاقية 2005 الخاصة بإدارة المعابر، والتي تفرض وجود إشراف من بعثة الاتحاد الأوروبي (EUBAM) ورقابة خارجية من الاحتلال الإسرائيلي عبر منظومة مراقبة عن بُعد. أما داخل المعبر فسيكون هناك طرف فلسطيني معتمد لتسهيل إجراءات السفر، بالتنسيق الكامل مع الجانب المصري المشرف على دخول وخروج المسافرين. 

وكشف المصدر أن القاهرة تلقت بالفعل إشارات أوروبية تؤكد جاهزية بعثة الاتحاد الأوروبي للعودة إلى الانتشار فور صدور قرار إعادة التشغيل، مشيراً إلى أن الترتيبات الأمنية والإدارية باتت في مراحلها النهائية.

وفيما يتعلق بآليات السفر، أكد المصدر أنه سيتم إلغاء العمل تماماً باسم شركة "هلا" التابعة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، بعد الجدل الواسع والاتهامات التي وُجهت إليها خلال الحرب بشأن تنظيم القوائم وآليات التنسيق. وبيّن أن الفترة المقبلة ستشهد إطلاق شركة جديدة مُخصصة لتسهيل سفر الفلسطينيين وعودتهم، مع اعتماد معايير صارمة تمنع أي تجاوزات أو شبهات. وستتولى الشركة الجديدة إدارة الطلبات وتقديم الدعم للمسافرين ضمن ضوابط مشددة وتحت رقابة مباشرة من الجهات المصرية المختصة.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

خليل اسامة

انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند فتح معبر رفح يقترب..مصر تعتمد شركة بديلة وتُنهي حقبة "هلا" المثيرة للجدل وصفت بالتاريخية.. الاحتلال ومصر على بعد أسابيع من ابرام صفقة الغاز الكبرى رئيس وزراء الاحتلال السابق يهاجم الإسرائيليين.. ما السبب؟ عاصفة شرق المتوسط: مصر خارج دائرة الخطر و"بايرون" تدخل بلاد الشام وثيقة مسرّبة تهدد بتفريق أوروبا: ترامب يسعى لفصل أربع دول عن الاتحاد الأوروبي Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اقرأ ايضاًزيندايا بفستان عمره أكثر من 25 عاما في ميت غالا وأسرار حصرية نكشفها

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على كبار القيادات المسؤولة عن الفظائع في السودان
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
  • هدوء نسبي في معبر باكارايما الحدودي بين فنزويلا والبرازيل
  • فتح معبر رفح يقترب..مصر تعتمد شركة بديلة وتُنهي حقبة هلا المثيرة للجدل
  • وفد أمني ليبي يزور معبر «رأس جدير»
  • مكان: ضغط مصري على إسرائيل لفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين
  • غزة - تنبيه مهم بشأن الحالة الجوية
  • الأمم المتحدة قلقة من احتمال تكرار ارتكاب الفظائع في الفاشر
  • إسرائيل تعيد فتح معبر “اللنبي” لدخول المساعدات إلى غزة
  • عاجل .. أميركا تعلن إستخدام قوتها ونفوذها لوقف الفظائع في السودان وتكشف عن عقوبات على الدعم السريع والداعمين وتعطيل الدعم الخارجي المالي والعسكري