الثورة نت:
2025-05-24@18:13:26 GMT

جدلية المجتمع والثورات

تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT

اليمن ليس حضارة طارئة ولكنه بلد يمتد في عمق التاريخ ويلزمه في زمنه هذا أن يقوم بتفكيك بنيته الحضارية والتاريخية والثقافية والاجتماعية ليعيد البناء وفق أسس جديدة ذات جذر تاريخي يتسق مع تصورات الناس الحضارية حتى يستعيد مقوماته الحضارية والسياسية والثقافية ويستعيد مركزيته الإقليمية وصدارته التي كانت في غابر زمنه ولن يصل إلى مبتغاه حتى يصنع من فكرته الدينية مشروعا سياسيا واعيا وقادرا على إحداث التحولات وتحريك عجلتها .


فالحديث عن التطورات الاجتماعية والثقافية، وجدلية الاندماج الاجتماعي، والاندماج السياسي للجماعات والأحزاب والطوائف من ضرورات المرحلة التي يجب أن تبرز على سطح طاولات النقاش، فالعقل الاجتماعي والعقل الفلسفي يفترض به أن يخوض في تفاصيل الحركة الاجتماعية التي تعيد إنتاج نفسها من خلال الاشتغال على التفكيك في البنى التقليدية، وذلك بحثا عن وسائل مثلى لدعم التسامح، وقبول الآخر، والاعتراف بوجوده، والتعايش معه، واحترام معتقداته وثقافته، ولعل البحث عن تلك العلاقات الشكلية بين مكونات المجتمع المختلفة والدولة وفق المفهوم الجديد الذي أفرزته وتفرزه حركة المجتمع يقود إلى الحديث عن دمج كل الفرق والجماعات والأحزاب في إطار المفهوم الجامع الشامل الذي تستظله عبارة “المواطنة المتساوية “، حتى نتمكن من توحيد الأرض والإنسان، فعوامل التوحد أكثر من عوامل الشتات ولعل مشاعر الناس وتوحدها واعتزازها بيمنها قد برز من خلال مناصرتنا لغزة ومن خلال فوز فريق الناشئين ببطولة غرب آسيا .
ولعل إشباع مفهوم “المواطنة” – تنظيراً وجدلاً وتكثيفاً وتشريعاً وممارسة – هو الباب الذي نلج منه إلى البناء الصحيح في توطيد الروابط الاجتماعية، والمشاركة في النشاط الاجتماعي المتنوع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وبحيث نصل إلى حقيقة الاستقرار والشعور بالوجود لكل أطياف المجتمع ومكونه العام، فالتعدد ظاهرة محمودة تمنع الاستبداد وتحد من الطغيان من خلال التدافع الصامت الذي يحدث بين مؤسسات الدولة المختلفة وبين المؤسسات المدنية والذي يحدث بشكل غير مباشر وبصورة بينية، فالفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، يعمل على تفعيل خاصية التدافع الصامت من خلال المواجهة والاحتكاك بين السلطات، فالسلطات الثلاث تحتك وتتضاد مع الأخرى وبما يفضي إلى القول إن الدولة من خلال تعدد سلطاتها ستجد الدولة.
ذلك أن السلطة في ظل التعدد والتنوع، وفي ظل الأنظمة الديمقراطية الحديثة لها شكلان، شكل داخل الدولة والآخر خارجها، فالسلطة داخل الدولة – كما يرى ذلك فقهاء القانون – هي للقانون، فالدولة تكون طرفاً دستورياً محايداً، ومسؤولو الصف الأول لن يكونوا إلا موظفين، ترتبط سلطتهم بالقانون، وبالفترة الزمنية التي ينص عليها الدستور، وبحيث لن يكون بوسع أي جماعة أو حزب أو طائفة أن يتجاوزوا ذلك السقف الزمني.
أما الشكل الذي خارج الدولة فيتمثل في إعادة توزيع السلطة /النفوذ بالطريقة التي تحفظ التوازن بين المجتمع الرسمي، أي مجتمع الدولة، وبين المجتمع المدني من أحزاب ونقابات ومراكز ومراجع دينية، وهذا الشكل يخلق لحظته المتفاعلة مع الزمن، ويحد من الصراع، ويقلل من ظواهر الطغيان والاستبداد والفساد وبما يتوافق مع المصالح المرسلة للجماعات والكتل التاريخية التي تعمل حركة المجتمع على خلقها في لحظات التحول والتبدل.
وكما قلنا آنفاً في السياق، إن المفهوم يتغير تبعا لما هو كائن من حركة وتغير وتبدل وتعدد، فالوعي الاجتماعي كان في زمن ما قبل 2011م ضحية تعسف رسمي متعدد الجوانب والآليات، عمل على إخضاع مشاعر الناس وعقولهم على التصور بأن مفهوم الدولة لا يتجاوز الهيمنة السياسية ومجموعة الرموز التي يخضعون لها كالرئيس والوزير والمحافظ والشيخ، ولكنه ومن خلال ما نشهده من حركة بدأ المجتمع يعي، وبدأ يقرأ الفروق اللازمة بين مفهوم سلطة الدولة ودولة السلطة، فسلطة الدولة تعني أن جميع أجهزة الحكم فيها من مؤسسات ودستور وقوانين وقيادات تعمل في منظومة متكاملة لتحقيق الغايات الوطنية، ودولة السلطة تعني أن أجهزة الدولة ومؤسساتها وأدواتها القانونية والدستورية تعمل في منظومة واحدة لتحقيق مصالح السلطة الحاكمة ويصبح الوطن وثرواته ومواطنوه ملكاً لها.
وطبقاً لما سبق، نذهب إلى القول إن ما يحدث في واقعنا هو عملية انتقالية وتبدل في المفهوم، ومثل ذلك يضعنا في مواجهة زمن جديد يتوجب التفاعل مع متغيراته ومظاهره العامة.
فالثورات تُحدث تبدلاً في شكل العلاقة بين الدولة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية وبين فرق وطوائف المجتمع، فالتبدل والتغيير من خصائص الثورات والهزات الاجتماعية العنيفة التي حدثت في كل حقب التاريخ، ولذلك لا تكف الأخبار في تناولاتها اليومية عن حدث أو صراع أو حركة اجتماعية، فالتدافع الذي يحدث هو صراع بين ماضٍ يتشبث بالوجود وحاضر متبدل يرغب في الوجود، ومثل ذلك التدافع من سنن الله في كونه، ويحدث خوف الفساد وخوف الثبات، وتبعاً لذلك التدافع يتمايز الناس إلى جماعات وأحزاب، ويحدث أن يطغى الأقوى ويستبد، والطغيان والاستبداد من طبائع المنتصر في أي تجمع بشري ولن تحد منه إلا الفنون التي تجهد في تكثيف موضوعها في صناعة حيوات وبحيث تجعل من فردية الفرد كلية، فهي عن طريق الفن تعمل على زيادة الوعي باللحظة والوعي بالذات في إطار المجموع الوطني أو الإقليمي أو العالمي، وميزة أي حدث ثوري تكمن في قدرته على إحداث متغير في حياة الناس والمجتمع، وتلك من خصائص ثورة 21 سبتمبر، التي عملت وما تزال تعمل ونأمل أن تستمر في صناعة التحولات حتى يستعيد اليمن ريادته ويمتلك أسباب وعناصر النهوض .

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

دور القبيلة اليمنية في ترسيخ القيم الاجتماعية والحفاظ الهوية اليمنية والوطنية

يمانيون / تقرير

تُعدّ القبيلة اليمنية أحد المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي والسياسي في اليمن، وقد لعبت عبر التاريخ دورًا محوريًا في ترسيخ القيم الاجتماعية، والدفاع عن الأرض، والمحافظة على الهوية الوطنية والثقافية لليمن. وفي ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي مرّت بها البلاد، ظلّت القبيلة حاضرة ككيان فاعل في تشكيل الهوية اليمنية الجامعة.

الخلفية التاريخية للقبيلة في اليمن :
تعود جذور القبيلة اليمنية إلى آلاف السنين، وقد تشكّلت في ظل أنظمة اجتماعية تقليدية حافظت على تماسكها واستقلالها النسبي. وقد ساهمت القبائل الكبرى مثل حاشد، بكيل، مذحج، وهمدان في صناعة تاريخ اليمن، من خلال المساهمة في تأسيس الممالك القديمة مثل سبأ وحمير وقتبان. كما كانت مصدرًا مهمًا للزعامات والقيادات في الفترات المختلفة، مما يدل على مركزية القبيلة في المشهد السياسي والاجتماعي اليمني.

القبيلة كحاضنة للهوية اليمنية : 
تلعب القبيلة دورًا مهمًا في ترسيخ الهوية اليمنية من خلال الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد، وتمثّل القبائل حافظة للثقافة اليمنية من خلال اللغة، والشعر، والزي، والأعراف، والتي تعزّز الانتماء الوطني، وتُبقي على الروح الجمعية التي ترتكز عليها الهوية.

القبيلة والوطنية اليمنية : 
تُظهر التجربة اليمنية أن القبيلة كانت – في كثير من المحطات – داعمة لمفهوم الوطن والدولة، ومنها مشاركة رجال القبائل في الحروب ضد الغزاة والمستعمرين. وقد انبرت القبائل للدفاع عن وحدة اليمن، خاصة خلال أزمة عام 1994، حيث انخرطت العديد من القبائل في دعم الوحدة الوطنية.

القبيلة والدولة الحديثة :
أدى غياب الدولة المركزية القوية في بعض المراحل إلى بروز القبيلة كلاعب رئيسي، مما أوجد توازنًا بين السلطة التقليدية والدولة. ومع ذلك، فإن التحدي الرئيسي اليوم يتمثل في دمج البُعد القبلي ضمن مشروع الدولة الحديثة، عبر:
– تعزيز دور القانون فوق الأعراف.
– تمكين مشاركة القبائل في الحياة السياسية ضمن إطار مدني.
– توجيه الوعي القبلي نحو خدمة الوطن لا الجماعة، من خلال برامج التوعية والتعليم والتنمية.

القبيلة كعنصر استقرار اجتماعي :
تُعد القبيلة اليمنية وحدة اجتماعية أساسية حافظت على التوازن المجتمعي في مختلف مراحل التاريخ اليمني، خصوصًا في فترات غياب الدولة أو ضعفها. وقد أدّت القبيلة دورًا فعّالًا في الحفاظ على السلم الأهلي وتنظيم العلاقات داخل المجتمع من خلال منظومة متماسكة من الأعراف والعادات والتقاليد.

الحفاظ على النسيج الاجتماعي
لعبت القبيلة دورًا محوريًا في بناء وتماسك المجتمع اليمني، من خلال قدرتها على حل النزاعات وتفادي الانقسامات، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى مؤسسات الدولة. وكانت الأعراف القبلية مثل “التحكيم” و”الصلح” بمثابة بدائل فعّالة للأنظمة القضائية الرسمية.

القبيلة في مواجهة العدوان والحفاظ على الأمن
في ظل الحرب المتواصلة منذ عام 2015، نشطت القبائل في دعم جبهات القتال بالرجال والمبادرات المجتمعية. وقد لعب “مجلس العرف القبلي” في صنعاء دورًا محوريًا في تفعيل الوثائق القبلية، وتوحيد القبائل ضد التدخل الخارجي، وتعزيز ثقافة التحكيم والأمن الأهلي.

تنظيم العلاقات الاجتماعية عبر الأعراف
تُعد الأعراف القبلية منظومة تشريعية متكاملة، تنظم شؤون الحياة مثل الزواج، والميراث، وفض النزاعات، والعقوبات. وتقسم هذه الأعراف إلى أبواب تشبه القوانين الحديثة مثل قانون العقوبات والمرافعات والإثبات.

دور القبيلة اليمنية في حفظ القيم والنسيج الاجتماعي
تُعتبر القبيلة اليمنية أحد أبرز ركائز المجتمع، حيث لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على القيم الاجتماعية والتقاليد التي تشكّل هوية المجتمع.

تعزيز القيم الاجتماعية من خلال الأعراف القبلية
تُعد الأعراف القبلية في اليمن منظومة قانونية واجتماعية تنظم العلاقات وتحدد الحقوق والواجبات، وتسهم في السلم الاجتماعي خاصة في المناطق النائية. على سبيل المثال، يُعتبر “العيب” أحد المفاهيم التي تحظر القتل خلال فترات الصلح أو ضد المحايدين.

تعزيز التلاحم الاجتماعي
تُظهر المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزواج دور القبيلة في تعزيز الروابط الاجتماعية، من خلال التكافل والتعاون. ويؤكد الدكتور ماجد الوشلي أن هذه التقاليد تعزّز الوجود الإنساني والمعيشي للمجتمع.

الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية
تُسهم القبيلة في الحفاظ على القيم الدينية من خلال تعزيز التعاون والتكافل وتحمل المسؤولية الجماعية.

مواجهة التحديات الاجتماعية
في ظل التحديات مثل النزاعات والضغوط الاقتصادية، تدخلت القبائل لحل النزاعات وتعزيز قيم الأخوة والتسامح، مما حافظ على تماسك المجتمع.

دور القبيلة اليمنية في مواجهة الحرب الناعمة وثقافة الانحلال

في ظل الحرب الناعمة، واجهت القبيلة محاولات نشر ثقافة الانحلال الأخلاقي والاجتماعي من خلال تعزيز القيم الدينية والاجتماعية.

تعزيز الهوية الوطنية والتوعية المجتمعية
نظّمت القبائل فعاليات توعوية وثقافية للحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز التراث.
مكافحة الفكر المتطرف وواجهت القبائل الفكر المتطرف من خلال مشايخها بإصدار فتاوى وتحقيق حملات توعية، ودعم الأسر المتضررة.

ختامًا
تُعتبر القبيلة اليمنية حجر الزاوية في الحفاظ على القيم الاجتماعية والنسيج الوطني، وهي دعامة أساسية للاستقرار وتعزيز التلاحم والهوية اليمنية.

مقالات مشابهة

  • دور القبيلة اليمنية في ترسيخ القيم الاجتماعية والحفاظ الهوية اليمنية والوطنية
  • وزير الإسكان يلتقي نظيره العُماني ووزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة في قطر
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • «الوطني للتخطيط» ينظّم ملتقى التكامل الإحصائي.. آل خليفة: تعزيز العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية ورفاه المجتمع
  • محمد موسى: الدولة كانت شريكًا في صناعة دراما هادفة.. واليوم تعود للمشهد
  • محمد موسى: الدولة عاشت شريكًا في صناعة دراما هادفة .. واليوم تعود للمشهد
  • ما الدولة التي تراهن عليها أميركا للتحرر من هيمنة الصين على المعادن النادرة؟
  • «الإمارات الخيرية» تطلق حملة عيد الأضحى
  • الكنيست يمدد قانونا مؤقتا يحظر الإعلام الأجنبي الذي يمس بأمن إسرائيل
  • جلجامش الأردني .. الإستقلال الذي يُمارس ويُحتفل به