جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-01@03:51:43 GMT

المقاطعة.. سلاح الحرب لصنع السلام

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

المقاطعة.. سلاح الحرب لصنع السلام

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

للحروب تكلفة اقتصادية عالية على الدول المتأثرة بها، والتي تؤثر على اقتصادياتها بشكل مباشر وقوي وتخرج الدول من الحروب بخسائر اقتصادية كبيرة حتى وإن كانت منتصرة عسكرياً، وفي المقابل تعد الحروب فرصة اقتصادية كبيرة لدى الدول الأخرى التي لم تشارك في الحرب، فكما يقال (للأزمات فوائد)، ورغم قناعتي التامة بلا إنسانية المبدأ الميكافيللي "الغاية تبرر الوسيلة"، إلّا أن الحرب الدائرة في فلسطين وفي غزة بالتحديد يمكن الاستفادة منها بشكل إيجابي، ليس من الناحية الاقتصادية فحسب؛ بل حتى من ناحية القوة التي تمكننا كمسلمين وعرب من كسب معارك المستقبل القادمة.

وقبل أن يساء فهم العنوان والمقال، سوف أتطرق إلى مغزى المقدمة السابقة بشيء من التفصيل الذي يبين المقصد من هذا الطرح، فقد كانت حرب فلسطين- وما زلت- تنطلق من موقف القوي الذي يملك كل الأدوات، ليمارس الاضطهاد والتنكيل بالشعوب العربية ويشرد أبناء فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والأردن عبر تاريخ الصراع العربي الإسرلئيلي منذ التغريبة الأولى إلى هذا اليوم، أن القوة التي أمتلكها الكيان الصهيوني عبر الزمن كانت المال والاقتصاد، ومنها أستطاع أن ينمو ويكبر لدرجة أصبح يدير القوى العالمية الكبرى، ويتحكم في قرارات المنظمات الدولية ويسير العالم بأكمله لتحقيق أهدافه.

هذه القوة لم تأت من فراغ، ولم تتشكل بين عشية وضحاها؛ بل إنها جاءت بعد تخطيط ودراسة معمقة، واستغلال مستمر للأزمات التي مرت على العالم عبر التاريخ، بل يكاد أن يكون الصهاينة هم سبب مباشر لأفتعال أزمات معينة عبر التاريخ، لتحقيق مكاسبهم المالية والاقتصادية، وهكذا بُنيَ هذا الكيان إلى أن أصبح اليهود هم من يملكون رؤوس الأموال في العالم، ويتحكمون بكل تفاصيل الاقتصاد العالمي، وأصبح القرار السياسي مرتبطاً كلياً بما يرغب به هذا الكيان أو التجمع العرقي، ونشأ ما يعرف بالمجلس العالمي، وظهر مصطلح الدولة العميقة، وغيرها من المصطلحات السياسية التي تنطلق من مبدأ أن المال هو من يحكم، ومن يملكه يستطيع التحكم في القرار.

لقد جاءت هذه الحرب على غزة على غير رغبة من جميع المسلمين والعرب والعالم الإنساني، الذي يكره العنف وينبذه ويمقت الظلم ويحاربه، ولكنه شر وقع وبلاء حل، ولابد من مواجهته، فجاءت المقاطعة الاقتصادية التي أثبت من خلالها العالم الشريف من شرقه إلى غربه التزامه بها، وتبين أنها السلاح الأقوى القادر على إيقاف آلة الحرب الغاشمة، والوقوف في وجه المعتدي المحتل ومن يدعمه من قوى الشر العالمية، ولكن السؤال المطروح والذي يجب أن يظهر في كل حين هو هل تنتهي المقاطعة بنهاية الحرب؟

هذه المقاطعة هي الفرصة التي خرجت بها هذه الحرب للعالم من أجل إنقاذه من سطوة المتحكمين بالاقتصاد العالمي الداعمين لقوى الشر وهذا الكيان الغاصب بالخصوص، والذي ظل لفترات طويلة من التاريخ يحكم العالم بهذا المنطق، ولنا في كثير من حوادث التاريخ عبر وعضة في كيفية إستغلال اليهودي لغيره، وهذه صورة نمطية لليهودي في الغرب فهو يمثل الاستغلال والجشع والطمع، لمن لا يعرف ذلك من عالمنا العربي.

والاستفادة من المقاطعة اقتصاديًا يجب أن يكون محور اهتمام الحكومات العربية والإسلامية، فهي فرصة لإنعاش اقتصاداتها، خاصة تلك الدول التي لم تكن على تماس مباشر مع فلسطين المحتلة، يجب أن تحل الشركات المحلية محل الشركات العالمية التي أسسها النظام الرأسمالي العالمي، وجعلها تسيطر على اقتصاديات الدول، لابد من وجود بدائل تجعل الشعوب قادرة على الاستمرار في الاستغناء عن منتجات هذه الشركات.

ومن خلال الفترة الماضية من الحرب، وضح أن الشركات الصينية والروسية وغيرها من الشركات بدأت في وضع البدائل وتصديرها لدول المقاطعة، وبالفعل فقد بدأت مؤشرات أرباح هذه الشركات تتصاعد بشكل كبير، وهذا أمر يعرفه الاقتصاديون بشكل جيد، ويدركون أن الفرص تولد مع الأزمات، وعلى ذلك فمن الأولى أن نستفيد نحن من هذه الأزمة وذلك من خلال توجيه اقتصادنا بشكل مباشر إلى محاولة إيجاد بدائل تساهم في حل أزمة وفرة المنتجات التي تم مقاطعتها، وفي الجانب الآخر المساهمة في حل العديد من المشكلات الناتجة عن ضعف الاقتصاد، والتحول من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج.

ما شاهدناه من تصميم وإصرار من كل الشعوب لمواصلة المقاطعة، وما تظهرة الأجيال المختلفة خاصة الأجيال الناشئة من ثبات على الاستمرار أمر ملفت للنظر، فبينما كنَّا لا نتصور أن هذه الأجيال سوف تستغني عن الوجبات السريعة والمشروبات القادمة من هذه الشركات، نرى أنها أصبحت أكثر تصميمًا وإصرارًا على عدم العودة إليها، ولكن ولكي يستمروا في هذا علينا أن نوفِّر لهم البديل المناسب ونزودهم بالثقافة الصحيحة التي تغرس فيهم السلوك الصحي في الغذاء، كما أن دعم المشاريع الوطنية أمر مُهم للقضاء على هيمنة هذه الشركات التي ظلت لفترة طويلة تأخذ أموالنا لتقتل إخواننا.

إن استثمار الحرب في غزة والاستفادة من المقاطعة في خلق اقتصاد قوي يمكننا كدول من الوقوف أمام الظلم والتصدي للمنظمات والدول الداعمة لقوى الاستعمار وتجار الحرب هو انتصار لفلسطين وشعبها، وهو أولى الخطوات لرفع الظلم الواقع عليهم، والذي تسبب في اغتصاب أرضهم وتشريدهم منذ 75 عامًا؛ بل هو بوابتنا لنقف أمام العالم كالنِّد، وقتها فقط سيستمع العالم لنا وينصت ويرضخ، عندما نتحدث معه باللغة التي يفهمها، وليس فقط بالمُطالبات والمظاهرات. والله من وراء القصد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الأخ مُندهش ..!!

:: فالإنسان يندهش ثم يسأل ثم يبحث عن الإجابة، ولذلك تم تعريف الدهشة بأنها بداية المعرفة..ويبدو أن القيادي بصمود خالد عمر يوسف في بداية رحلة المعرفة، ونأمل أن يواصل باحثاً عن الإجابة..أعرب خالد عن دهشته من دعوات السلام الصادرة من دعاة الحرب في السودان للمقاتلين في الشرق الأوسط، وتساءل لماذا يُمكن حل قضية إيران بالتفاوض بينما تحسم في بلادنا بالسلاح..؟؟

:: وهنا نسأل، ماهو تعريف هذا الأخ المندهش لدُعاة الحرب بالسودان؟.. قبل الإجابة، هل تذكرون تعريف المدنيين في قاموس نشطاء (قحت)؟.. نعم، عقب الثورة، كما تشابهت على الناس المصطلحات والتعاريف السياسية، فان الكثير منها أيضاً تعرضت للتزوير ..مثلاً، المتفق عليه – لغة وإصطلاحاً وسياسياً – فالمدني هو غير المقاتل أو المحارب، وليس هناك تعريف آخر..!!

:: وتسليم السلطة للمدنيين يعني المُضي إلى صناديق الإقتراع، لينتخب حكومة المدنيين..ولكن الأمر غير ذلك في قاموس صمود، لقد احتقروا الوعي العام وسعوا إلى تعريف مصطلح المدنيين بأنهم فقط نشطاء قوى الحرية الذين شاركوا العساكر حكومة ما بعد الثورة.. واليوم، بعد أن طارت السكرة، لم يعد لهذا التعريف زبوناً ولا آذاناً صاغية..!!

:: فالوعي العام لم يعد يستمع لمزاعم النقاء المدني و(السواقة بالخلاء).. بالتأكيد هناك أحزاب ذات جماهير، وأحزاب عضويتها حمولة هايس، وأحزاب عبارة عن (قردين وحابس)، وهناك من لايملك في هذه الحياة غير كيبورد وحلقوم ربع متر وقاموس الشتائم، ويزعم انه معبود الجماهير.. وهكذ.. فالإدعاء حرية شخصية، ولكن الفيصل بين المزاعم و الحقائق هو صندوق الانتخابات..!!

:: وتعريف الأخ المندهش لدعاة الحرب، لايختلف عن تعريفه للمدنيين، أي مستهلم من ذات القاموس، قاموس تزوير المعاني.. دعاة الحرب هم من يقاتلون مع الجيش جنجويد الإمارات دفاعاً عن الأرض والعرض والنفس، أما دعاة السلام فهم داعمي الجنجويد ليحتلوا و يغتصبوا ويقتلوا و ينهبوا، تحت غطاء محاربة الكيزان و الفلول و (دولة 56)، هكذا التعريف في قاموسهم..!!

:: وبالمناسبة، عندما غادر التعايشي و حجر و علاء نقد و آخرين صمود إلى الجنجويد، ليشاركوا في حكومته، فان المندهش خالد احترم اختيارهم و قال بالنص : ( دي إختيارتهم ونحن بنحترمها)، بيد أن الداعم للجيش لايجد عند المندهش غير السب والشتم و الاتهام بدعاة الحرب، وهذا يعكس خلل الترمومتر الذي به يقيسون درجات مبادئهم ..!!

:: ثم نسأل المندهش، هل من يصفهم بدُعاة الحرب بالسودان هم الرافضين لتنفيذ اتفاق جدة بعد التوقيع عليه أمام العالم؟، وهل هم الذين وافقوا على دعوة الإيقاد بالذهاب إلى جيبوتي للتفاوض مع البرهان، ثم غابوا لأسباب فنية كما قالت جيبوتي؟، وهل هم الرافضين لتنفيذ قرار الأمم المتحدة بعدم الاعتداء على الفاشر و إنهاء حصارها؟..وهكذا..!!

:: وعليه، فمن يصفهم فتى أبوظبي بدعاة الحرب بالسودان هم من سعوا للسلام، ولم يجدوا غير رغبة الكفيل في الحرب، فيحاربون ..ولأنهم وقعّوا على اتفاق سلام في جدة وينتظرون التنفيذ، ثم بحثوا عن السلام في جيبوتي ولم يجدوا الهالك، فانهم دعوا أطراف الحرب في الشرق الأوسط للسلام ..و الآن حل السلام محل الحرب في الشرق الأوسط، لأسباب كثيرة، منها ربط العُملاء و الخوانة في رؤوس الصواريخ الإيرانية، وهذا ما كان يجب أن يفعله السودان لكي لا يُطيل أمد الحرب ..!!

الطاهر ساتي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هآرتس: ترامب نسق بشكل كامل مع نتنياهو طلب وقف محاكمته
  • طرق الحياة تعود بين صنعاء وعدن.. تفاصيل الصفقة السرية التي ستُنهي سنوات القطيعة
  • نجم جنوب إفريقيا السابق: أداء صن داونز في مونديال الأندية كان الأفضل بين الأندية الأفريقية.. والجميع لعب بشكل جيد
  • هل مقاطعة الاحتلال اقتصاديا واجب أم وهم؟
  • وزير الخارجية: الظروف الآن مواتية بشكل كبير لحل أزمة غزة وفرض السلام العادل
  • الأخ مُندهش ..!!
  • محللون وخبراء: المهلة الزمنية التي حددها ترامب لوقف إطلاق النار بغزة غير واقعية
  • الحسين (عليه السلام) صرخة المظلومين من كربلاء إلى غزة .. الثورة التي لا تموت
  • مادورو ليهود العالم: أوقفوا جنون الحرب التي يقودها نتنياهو
  • الكشف عن الخسائر المادية التي تكبدتها إسرائيل في الحرب مع إيران