لجريدة عمان:
2025-05-10@09:08:35 GMT

متحف الجماجم البشرية

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

من إيجابيات طوفان الأقصى، أنه عرّى كثيرًا من الأنظمة والشخصيات العربية، وكذلك الدول الغربية والمنظمات التي تتشدق بحُريّة الإنسان وحقوقه ليل نهار. والواقع أنّ بعض هذه الأنظمة وهذه الشخصيات، وكذلك مواقف الدول الغربية كانت معروفة، إلا أنّ البعض كان على بصره غشاوة؛ فما فعله طوفان الأقصى هو أنه أزاح الغبار عن البعض فأصبح مكشوفًا للكل على حقيقته، ومن ذلك مواقف الدول الغربية بالذات، التي تتحمّل المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتُكبت في غزة، فما حدث ما كان ليتم لولا الدعم الأمريكي والغربي وتواطؤ عربي معيب، مع صمت دولي مريب.

لقد فضح أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس وممثلها في لبنان، المواقف الغربية العدوانية تجاه غزة، في أحد مؤتمراته الصحفية التي يعقدها في بيروت بصفة شبه يومية منذ السابع من أكتوبر الماضي، وحمّل فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن، المسؤولية الكاملة في المشاركة في عملية الإبادة التي تجري في غزة، كما اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحشد الدعم ضد المقاومة الفلسطينية، مقابل دعم الاحتلال الصهيوني في جرائمه. ومن أبرز ما جاء في هذا المؤتمر الصحفي مطالبة أسامة حمدان، الرئيس الفرنسي أن يعيد جماجم المقاتلين الجزائريين، التي تحتفظ بها فرنسا في متاحفها، قبل التحدث عن الحرية وحقوق الإنسان، وأنه «لا يتصور أن تحتفظ دولةٌ تدّعي احترام حقوق الإنسان بجماجم بشر في متاحفها»، في إشارة لتناقض مواقف هذه الدولة مع سلوكها.

أعاد أسامة حمدان، قصة الجماجم البشرية إلى الواجهة، ولم يتجن على فرنسا؛ فالقصةُ حقيقية وليست ضربًا من الخيال؛ إذ أنشأت فرنسا متحفًا أسمته «متحف الإنسان» أو «متحف التاريخ الطبيعي»، ولكنه في الواقع يسيء إلى الإنسان قبل أن يسيء لفرنسا نفسها، إذ وصفه البعض -حسب تقرير قناة «الغد» التلفزيونية- بـ«متحف العار»، حيث بنى شهرته على جماجم المقاومين الجزائريين ضد الاحتلال الفرنسي لبلادهم، ويضم فيه 18 ألف جمجمة للثوار المسلمين، الذين قطَعت رؤوسهم، وكانت تلك الجماجم تزيّن قصور حكام فرنسا، ومنها قصر الإمبراطور نابليون الثالث، الذي شيّده بالأموال التي نهبها الجيش الفرنسي من الجزائر، ووضع رؤوس الثوار الجزائريين الذين حاربوا مع الأمير عبد القادر الجزائري في مدخله، زينة يتفاخر بها على ملوك أوروبا. وإمعانًا في إهانة الجزائريين الذين قدّموا أكثر من مليون شهيد في سبيل تحرير بلادهم، استخدم قادة الجيش الفرنسي جماجم قادة المقاومة الجزائرية لتزيين قصورهم أيضًا، كأدلة على الانتصارات التي حققوها.

لم تختلف النظرة الفرنسية لشعوب الشرق عن النظرة الغربية عمومًا، إذ كان الهدف من تجميع هذه الجماجم في هذا المتحف، إثبات أنّ العنصر الفرنسي هو الأرقى والأفضل، وأنّ له الحق في أن يحكم العالم، وأن يحصل على كلّ الثروات. وما فعلته فرنسا هو ما فعله الاستعمار البريطاني البغيض في كلّ بقعة وصل إليها، وما فعله الألمان والبلجيك والهولنديون والبرتغاليون والإسبان وغيرهم.

بعد تصريح أسامة حمدان، تجولتُ في مواقع الإنترنت المختلفة لمتابعة قصة هذا المتحف، ومن أبرز ما شاهدتُ تقريرا في قناة «الحرة» عن المتحف الذي أنشأه عالم فرنسي متخصص في الأنثروبولوجيا، يدعى بول ريفييه، عام 1937، جمع فيه الجماجم من قصور الملوك والقادة الفرنسيين، واختار لهذا المتحف موقعًا متميزًا بالقرب من برج إيفل، وحصل على دعم كبير من الحكومة الفرنسية، وسوّغ ريفييه إنشاء المتحف بأنه يهدف إلى إثبات أنّ العنصر الأوروبي هو أصل البشرية.

لقد أثار ملف «جماجم المقاومين الجزائريين» جدلًا بين فرنسا والجزائر، إذ رفضت السلطات الفرنسية عرض قانون يسمح بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين إلى الجزائر، رغم أنه حظي بموافقة أغلبية النواب، بسبب حساسية القضية في العلاقات الجزائرية الفرنسية، وفي السنوات الأخيرة تحولت قضية الجماجم إلى ما سُمّي بـ «حرب الذاكرة» بين البلدين، في وقت تصر فيه الجزائر على إعادة الجماجم، كخطوة رمزية قد تكون بداية لاعتراف رسمي من فرنسا «بجرائم الاستعمار». وحسب صحيفة «الشروق» الجزائرية، عن النائب الفرنسي، كارلوس مارتنيز بيلونغو، صاحب مقترح مشروع قانون إعادة جماجم المقاومين إلى الجزائر، فإنّ السلطات الفرنسية رفضت عرض المشروع على النواب، رغم أنه حظي بموافقة قرابة ثمانين منهم حتى الآن، وذلك لحساسية الملف وتجنبًا لإعادة التوتر في علاقاتها مع الجزائر بعد عودة الدفء إليها؛ ففرنسا تعتبر طرح قضية تسليم الجماجم حساسة لدرجة أنها قد تعصف بالعلاقات الفرنسية الجزائرية، وهو ما يفسر رفض السلطات الفرنسية مناقشة القانون المقترح، ومع ذلك سلمت فرنسا للجزائر 24 جمجمة، تبين فيما بعد أنها تعود للصوص، وهو ما كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.

كان أسامة حمدان محقًا في معرض كلامه عن الرئيس الفرنسي وتشدقه بالحرية وحقوق الإنسان؛ فالاحتفاظ بتلك الجماجم في ذلك المتحف جريمة عنصرية ضد الإنسانية، ودليل على التاريخ الأسود لتعامل أوروبا مع الشعوب العربية، وظلم فرنسا وهمجيتها وتاريخها وعارها الذي ستظل الشعوب العربية تذكره.. ولكنه بالمقابل فإنّ هذا المتحف -بما ضم من جماجم أولئك الأحرار- يدل على بسالة الشعوب العربية في رفض الاستعمار، وأنّ الأمة قادرة على المقاومة والتحدي وتحقيق الانتصارات؛ وأنّ هذه الانتصارات لا تأتي إلا بالتضحية بالأرواح والدماء، فأصحاب تلك الجماجم هم أبطال تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، الذي جثم على صدور الجزائريين أكثر من مائة وثلاثين سنة، حاول فيها محو كلّ ما هو جزائري وعربي وإسلامي، ولكنه في النهاية استسلم وذهب، ولم يحتفظ إلا بتلك الجماجم.

وما يفعله الفلسطينيون حاليًا من تقديم التضحيات أمرٌ مؤلم، لكنه طريق التحرير؛ فالعبرة تكون في النهاية وإن طال المشوار، وسيأتي يوم نقول فيه: إنّ ما قدّمه الفلسطينيون في غزة من تضحيات كان سببًا في زوال الكيان الصهيوني. ومهما يكن فإنّ المستعمِرين والمحتلِين يعرفون حق المعرفة أنّهم ظلمة، وأنّ أرواح ودماء الشهداء حق، ويصدق على ذلك بيت الشاعر أحمد شوقي:

دم الـــثــوار تــعــرفـه فــرنـسـا

وتــعــلـم أنـــــه نـــــور وحــــق

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم في الشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أسامة حمدان هذا المتحف متحف ا

إقرأ أيضاً:

الإمارات تتصدر عربياً في التنمية البشرية

إسيدورا تشيريش (أبوظبي)

أخبار ذات صلة محمد بن راشد: «طيران الإمارات» جسر تنموي ينقلنا نحو المستقبل الإمارات تواصل جهودها الإنسانية لمواجهة الجوع في غزة

تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة الدول العربية في أحدث تقرير للتنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، محققة مؤشر تنمية بشرية (HDI) قدره 0.940، متفوقة عالمياً على الولايات المتحدة وكندا.
يأتي صدور التقرير، الذي يحمل عنوان «مسألة اختيار: الناس والإمكانات في عصر الذكاء الاصطناعي»، في وقت يشهد فيه التقدم العالمي تباطؤاً ملحوظاً. 
وأشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن التقدم لا يزال بطيئاً منذ صدمات عامي 2020 و2021، فيما يتوقع أن يكون عام 2024 من أضعف الأعوام في تحقيق المكاسب في التنمية البشرية منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1990، غير أن الإمارات اتخذت مساراً معاكساً، متقدمة ثماني مراتب منذ الإصدار السابق، مواصلة تحقيق نتائج قوية في مجالات الصحة والتعليم والدخل.
ويضع مؤشر التنمية البشرية البالغ 0.940 الإمارات ضمن أعلى فئة من الدول المصنفة على أنها ذات «تنمية بشرية عالية جداً».
ويبلغ متوسط مؤشر التنمية البشرية في المنطقة العربية 0.719، وهو أقل بكثير من معدل الإمارات، التي تفوقت على نظرائها الإقليميين في متوسط العمر المتوقع، وعدد سنوات التعليم المتوقع، والدخل القومي الإجمالي للفرد.
وعند أخذ عدم المساواة في الاعتبار، تظل نتائج الإمارات قوية، ما يشير إلى أن التفاوت في الدخل والتعليم والحصول على الخدمات لا يؤثر بشكل كبير على مستوى التنمية كما هو الحال في بقية دول المنطقة. 
وتبرز الإمارات أيضاً في مجال المساواة بين الجنسين، إذ تحتل المرتبة الـ13 عالمياً في مؤشر المساواة بين الجنسين (GII)، وهو مؤشر مركب يتتبع الفجوات في الصحة الإنجابية، والتمكين السياسي، والمشاركة في سوق العمل. 
وتمتاز الإمارات بانخفاض معدل وفيات الأمهات، وارتفاع نسبة تمثيل النساء في البرلمان، إضافة إلى أن عدد النساء في التعليم الثانوي يفوق عدد الرجال، وهو عكس الاتجاه السائد في معظم الدول العربية.
ويؤكد مؤشر التنمية بين الجنسين (GDI)، الذي يقارن بين قيم مؤشر التنمية البشرية للرجال والنساء، هذا الاتجاه. 
فمن بين الدول العربية، تحتل الإمارات مرتبة متقدمة من حيث التكافؤ بين الجنسين، حيث تصنَّف ضمن الفئة الأعلى من التنمية، مع فجوة ضيقة نسبياً بين نتائج الرجال والنساء في متوسط العمر المتوقع والتعليم والدخل.
وعلاوة على مجالات التنمية التقليدية، سلّط التقرير الضوء على الدور المتنامي للإمارات في القطاعات الناشئة.

مهارات الذكاء الاصطناعي
وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) التي استشهد بها التقرير، سجلت الإمارات ثالث أعلى صافي هجرة للمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي في عام 2023.
كما تتصدر دول المنطقة في انتشار المهارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي على منصة «لينكدإن»، وتقترب من المتوسط العالمي.
ورغم أن النماذج الكبرى للذكاء الاصطناعي لا تزال تتركز في الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة، أشار التقرير إلى أن نسبة ضئيلة منها تُنتج في أماكن أخرى، وذكر بالاسم فقط الإمارات والسعودية ضمن هذه الفئة.

مقالات مشابهة

  • أمريكا عدوة البشرية
  • ماكرون وتوسك يوقعان معاهدة لتعزيز العلاقات الفرنسية-البولندية
  • مجازر مايو 1945.. يوم كافأت فرنسا الجزائريين بدفنهم في قبور جماعية
  • جدل حول منزل فيروز في بيروت.. هل يتحول إلى متحف أم يتم الترميم
  • الإمارات تتصدر عربياً في التنمية البشرية
  • بلاغ هام للحجاج الجزائريين
  • قمة فرنسية سورية تجمع الرئيسين في العاصمة الفرنسية باريس
  • الرئيس الشرع خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي: لا مبرر لبقاء العقوبات بعد إسقاط النظام.. ماكرون: فرنسا ستساعد في رفعها
  • الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل السيد الرئيس أحمد الشرع في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس
  • الذكرى 28 لافتتاحه.. متحف التحنيط بـ الأقصر صرح عملاق يكشف عن عبقرية المصريين القدماء