في خضم ما يجري من حشد عسكري وتحركات دولية في البحر الأحمر، لا يمكن القول بأن هذا التطور مستغرب وفريد من نوعه بعد بداية أحداث 7 أكتوبر الماضي، إذ لطالما كانت المضائق البحرية والممرات المائية محلاً للتنافس والنزاع، وخصوصاً في أوقات الصراعات والحروب، فكيف إذا كانت المنطقة المقصودة هي الشرق الأوسط في هذه الحالة!؟ وكيف إذا كان الممر المائي المذكور هو مضيق  "باب المندب" الذي يمتاز موقعه بأهمية استراتيجية وجيوسياسية كبيرة ومحورية، والذي تمر من خلاله 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا!؟

وبالفعل فقد وصلت أمواج طوفان الأقصى لتضرب مضيق باب المندب، وذلك بعد أن بدأ اليمن بشن هجمات متتالية على سفن شحن البضائع المتجهة نحو إسرائيل أو المملوكة لشركات تابعة أو داعمة لها، كان أولها في 19 نوفمبر الماضي، وهكذا توالت الهجمات وتزايد تهديد صنعاء لما اسمته الولايات المتحدة "سلامة" الحركة التجارية في هذا الممر البحري الحساس، فتمخض عن ذلك التهديد المتزايد  إعلان الولايات المتحدة ـ الحليف الأول والأقوى لإسرائيل ـ عن إطلاق تحالف دولي من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات ضم أكثر من 10 دول، لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر تحت اسم "حارس الازدهار".



وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن الهدف من التحالف هو التأكيد على التزام الولايات المتحدة وحلفائها بمواجهة التهديدات التي تدعمها إيران في المنطقة. وذلك بعد أن وصفت الولايات المتحدة وإسرائيل الهجمات الحوثية بأعمال القرصنة والتهديد لسلامة الملاحة العالمية، وهو ما رد عليه أحد المسؤولين اليمنيين بقوله أن الهجمات "خطوة شرعية ضمن عملية عسكرية معلنة ومشروعة، من أجل تشكيل ضغط سياسي واستراتيجي وعسكري على إسرائيل لوقف الحرب ورفع الحصار".

وهنا قد يطرح تساؤل حول مدى تأثير هجمات اليمن على إسرائيل وسير عملياتها العسكرية في غزة، وما هي الدوافع الحقيقية  ودلالات تشكيل تحالف "حارس الازدهار"!؟

بالتأكيد إن الجانب الاقتصادي هو الأكثر تضرراً لدى الجانب الإسرائيلي نتيجة للتهديد اليمني في البحر الأحمر، فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن حركة السفن تراجعت في ميناء إيلات الجنوبي بنسبة 80%، وذلك بعد إعلان عدة شركات شحن تغيير مسار سفنها لتجنب المرور عبر مضيق باب المندب، واختيار الدوران حول القارة الأفريقية عبر مضيق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط، وهو ما يزيد من الكلفة الاقتصادية والزمنية، مما انعكس سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي المنهك أصلاً خلال الحرب.

يحاول كيان الاحتلال "الصهيوني"، بصورة غير مباشرة تصوير أن ما يحدث في البحر الأحمر لن يؤثر عليه عبر زعمه أن 5% فقط من تجارته تمر عبر ميناء إيلات على البحر الأحمر، لكن من يتابع ردة الفعل الإسرائيلية على الهجمات اليمنية في البحر الأحمر يرى العكس، خصوصاً وأن جميع الواردات من آسيا وتحديداً الصين والهند وكوريا الجنوبية تصل إلى كيان الاحتلال عبر البحر الأحمر وهذه الواردات لا يمكن الاستهانة بها أبداً، فالولايات المتحدة تصنع في آسيا وتعتمد عليها في كل شيء فكيف بكيان الاحتلال، وبالتالي ما يفعله اليمن الآن بكل تأكيد هو أداة من أدوات الضغط على إسرائيل على جميع الأصعدة لا سيما الاقتصادية والدولية، لأن التجارة التي سوف تتأخر والتكاليف التي سوف ترفع وتجبر الدول التي تتعاون معها في آسيا على الضغط عليها.

يحاول كيان الاحتلال "الصهيوني"، بصورة غير مباشرة تصوير أن ما يحدث في البحر الأحمر لن يؤثر عليه عبر زعمه أن 5% فقط من تجارته تمر عبر ميناء إيلات على البحر الأحمر، لكن من يتابع ردة الفعل الإسرائيلية على الهجمات اليمنية في البحر الأحمر يرى العكسأما عن التحالف الدولي الذي أطلقته وقادته الولايات المتحدة فمشهد يوحي بكون هذه المبادرة ذات بعد معنوي واستراتيجي أكثر من كونها تهدف لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، لأن هناك قوة دولية موجودة بالفعل وتعمل لنفس الغرض، وهي قوة " المهام المشتركة 153" التي شكلت في أبريل 2022، وضمت 39 دولة، ومنها الولايات المتحدة والسعودية ومصر والأردن والإمارات وإسرائيل وغيرها، وذلك بهدف مكافحة "الأنشطة الإرهابية والتهريب" في البحر الأحمر وخليج عدن كما تم الإعلان عنه رسمياً، وهذا يدل على أن تحالف "حارس الازدهار" جاء كرد فعل وإثبات وجود أمريكي في خضم الصراع الحاصل، واستجابةً لضغوط الحليف الإسرائيلي الذي يرى ضرورة القيام بتحركات عسكرية تؤكد الحضور الأمريكي والإسرائيلي وتحقيق الردع المطلوب أمام تهديدات اليمن، ومن دلالات هذه الغاية إرسال إسرائيل لأحدث بوارجها الحربية - ساعر 6 - إلى البحر الأحمر.

ولكن كان من اللافت في عملية حارس الازدهار، أنه ورغم سعي الولايات المتحدة لتوسيع دائرة التحالف لأقصى درجة ممكنة، لم يستطع التحالف سوى أن يضم ما يزيد على 10 دول تقريباً ـ والعدد قابل للزيادة ـ، حيث اصطدمت دعوة واشنطن للانضمام إلى التحالف برغبة إقليمية عامة لخفض التصعيد بعد معركة طوفان الأقصى، وهذا ما يفسر موقف الدول التي نأت بنفسها عن الانضمام للتحالف الجديد، كالسعودية ومصر والإمارات، رغم أنها الدول الأعضاء الفاعلة ذاتها في قوة "المهام المشتركة 153"، ويمكن تفسير هذا الموقف بعدم رغبة تلك الدول في مزيد من التصعيد الذي يهدد أمنها واستقرارها، كما تخوفت الدول الممانعة للانضمام من احتمالية توتر علاقاتها مع إيران وأذرعها في المنطقة، فرفضت التورط في أي تصعيد محتمل مع اليمن، وخصوصاً السعودية التي رأت في الموافقة العلنية للانضمام للتحالف إجهاضاً لمساعيها التفاوضية مع صنعاء، وذلك بعد أن وصلت مفاوضات السلام بين الطرفين لمستوى جيد أوقف قصف اليمنيين لأراضيها بالصورايخ والطائرات المسيرة، هذا بالإضافة إلى رغبة الرياض في متابعة مسيرة تحسين العلاقات مع طهران، بعد موافقة السعودية وإيران على استئناف العلاقات بينهما عقب نجاح الوساطة الصينية بين الطرفين.

كما يشير ضعف الاستجابة الدولية لعملية "حارس الازدهار" إلى زيادة النفور والغضب الدولي من الموقف الأمريكي الداعم بشكل مطلق وغير مسؤول لإسرائيل، وبالتالي ازدياد عزلة موقف واشنطن تجاه الحرب في غزة، وهو ما دلّ عليه قرار الأمم المتحدة الأخير الذي دعا لوقف إنساني وفوري لإطلاق النار في 13 ديسمبر، وذلك بموافقة 153 دولة مقابل رفض 10 دول فقط للقرار، من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وكانت الولايات المتحدة قبلها بأسبوع قد استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مماثل في مجلس الأمن، وذلك في مشهد فاضح عزز السقوط الأخلاقي للولايات المتحدة أمام المجتمع الدولي كما عبر عن ذلك محللون أمريكيون.

علينا أن نعلم بأن القرار اليمني يخص فقط السفن التابعة لكيان الاحتلال أو المتهجة منه وإليه، وبالتالي أي سفن أخرى دولية يمكنها العبور والمرور بسهولة وبدون تضييق، ولكن تحاول إسرائيل والولايات المتحدة تضخيم الملف لحشد أكبر دعم ضد اليمن، والتهديدات الأمريكية ليست بجديدة أو فعالة لأن من يسبح لن يخاف من البلل، وبالتالي هل تحاول واشنطن إخافة صنعاء بالحرب التي تخوضها منذ 8 سنوات، ولم يعد سراً أن اليمن يمتلك صورايخ وطائرات مسيرة قد تضر كثيراً بالسفن الأمريكية سواء العسكرية أو الاقتصادية، وبالتالي من سيدخل معها في الحلف سيكون معرضاً لنفس الخطر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير باب المندب اليمن اليمن امن رأي مصير باب المندب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی البحر الأحمر حارس الازدهار وذلک بعد

إقرأ أيضاً:

جائزة عمر الشريف تُمنح لـ هند صبري في مهرجان البحر الأحمر السينمائي

شهد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ليلة مميزة مع تكريم النجمة هند صبري بمنحها جائزة عمر الشريف للإنجاز الفني، بالشراكة مع جوائز الجولدن جلوب، تقديراً لمسيرتها الممتدة لأكثر من عشرين عاماً التي رسّخت خلالها حضورها كواحدة من أبرز أيقونات التمثيل في العالم العربي.

اختناق فني.. حمزة العيلي يساند أحمد رفعت بعد كشف أسباب ابتعاده عن الساحة الفنية تفاصيل الوعكة الصحية لتامر حسني وخروجه من المستشفى إيمان العاصي تثير جدلًا واسعًا بسؤالها عن سبب تحريم التبني بعد نجاح الجزء الأول .. موسم جديد لـ "ورد وشوكولاتة" | تفاصيل منع شيرين عبد الوهاب من رؤية بناتها .. محاميها يكشف التفاصيل عمرو دياب يتألق في حفل خاص بأبو ظبي رمضان 2026| نور إيهاب تنضم لـ"اتنين غيرنا" مع آسر ياسين ودينا الشربيني حلمي عبد الباقي يفجر مفاجآت حول قرار التحقيق ويؤكد امتلاكه مستندات سينتيا خليفة تدخل لوكيشن تصوير"وننسى اللي كان" بجانب ياسمين عبد العزيز محمد سعد يدخل سباق عيد الفطر بفيلم "عيلة دياب عالباب"

وقد أُقيم حفل التكريم الكبير يوم 10 ديسمبر 2025 خلال السهرة الرئيسية للمهرجان، بحضور أهم المخرجين وصنّاع السينما من مختلف أنحاء العالم.

وألقت هند كلمتها قائلة: "أن أقف هنا الليلة، في حفل الجولدن جلوبز بالشراكة مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لأتسلّم جائزة تحمل اسم عمر الشريف هو شعور بالتواضع والامتنان".

ولم يكن عمر الشريف مجرد أيقونة للسينما العربية، بل جسراً بين العوالم، أثبت أن الهوية ليست حدوداً بل إرثاً يمتد، فرحلته فتحت الأبواب لأجيال من الفنانين العرب؛ وأنا واحدة منهم.

وأتلقى هذا التكريم بامتنان عميق لمهرجان البحر الأحمر السينمائي على إيمانه بقصصنا، وللمجتمع السينمائي العالمي على احتضانه لأصوات منطقتنا بكل هذا الدفء.

وتؤكد هند أن السينما قادرة على عبور الثقافات واللغات والحدود تماماً كما فعل عمر الشريف، وتحمل هذه الجائزة كتذكير بمواصلة السعي وراء حكايات جريئة وإنسانية وعالمية.

كما قدمت شكرها لرئيسة الجولدن جلوبز هيلين هوهن، ولأصدقائها في مهرجان البحر الأحمر: "رئيسة المجلس جوانا الرشيد، والرئيس التنفيذي فيصل بالطيور، والمديرة التنفيذية شيفاني بانديا مالهوترا"، مؤكدة أنها منذ مشاركتها في الدورة الأولى كعضو لجنة تحكيم وحتى الآن تشعر بأنهم أصبحوا عائلة واحدة.

وجاء هذا التكريم احتفاءً بإسهامات هند العميقة في تطوير السينما العربية، باعتبارها من "الأساطير وصانعي الدرب" الذين أثروا في الأجيال الجديدة، وهي جائزة سبق أن نالها كبار الفن، ما يجعل اختيارها امتداداً طبيعياً لمسيرتها المميزة.

ويواصل المهرجان الاحتفاء بقدرة هند صبري على تجسيد شخصيات تحمل صدقاً عاطفياً نادراً، بداية من انطلاقتها في صمت القصور، وصولاً إلى أعمال ارتبطت بذاكرة الجمهور مثل: أحلى الأوقات، عمارة يعقوبيان، إبراهيم الأبيض، الجزيرة، بنات ألفة وكيرة والجن، مشيداً بدورها في الارتقاء بالسرد السينمائي العربي وإلهام الجمهور داخل المنطقة وخارجها.

ويُذكر أيضاً أن أحدث أعمال هند المرتقبة هو عودتها لموسم رمضان 2026 من خلال مسلسلها الجديد "مناعة" المبني على قصة حقيقية مثيرة للجدل، إلى جانب تحضير فيلمها القادم "أضعف خلقه" بطولة أحمد حلمي ومن تأليف وإخراج عمر هلال، والمقرر أن يكون من أبرز أعمال العام الجديد.

مقالات مشابهة

  • مادورو يتهم الولايات المتحدة بـالقرصنة.. وترامب يعلن قرب بدء مكافحة تهريب المخدرات برًا
  • درة تسعرض أناقتها في ختام مهرجان البحر الأحمر.. شاهد
  • استراتيجية الأمن القومي 2025 الأمريكية تعيد تشكيل نظرة واشنطن للعالم
  • رويترز: الولايات المتحدة تستعد لاعتراض السفن التي تنقل النفط الفنزويلي
  • جائزة عمر الشريف تُمنح لـ هند صبري في مهرجان البحر الأحمر السينمائي
  • رموز شجرة الكريسماس ودلالاتها
  • مجلة أمريكية تكشف تداعيات انقلاب الإنتقالي شرق اليمن على أمن البحر الأحمر
  • مجلة أمريكية: ما يجري في شرق اليمن يؤثر على الأمن البحري في البحر الأحمر
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • ما دوافع سحب الرياض قوات درع الوطن الموالية لها من جنوب اليمن؟