2024... عام «الفرز» فى سوق العقارات
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
تزايد المخاوف من اختناقات مالية محتملة فى ظل دولار منفلت وتكلفة متزايدةالتضخم يأكل فوائض العملاء ودوران رأس المال يتباطأ.. سيناريو الركود ما زال حاضرًا تصدير العقار ما زال شعارًا والمشاريع مكررة.. شركات كثيرة فشلت إبداعيًا وأتقنت التقليد
يبدو أن شركات التطوير العقارى مقبلة على مواجهة تحديات عميقة خلال العام الجارى 2024 ستكون أكثر وطأة عن كافة التحديات التى مرت على السوق العقارى على مدار السنوات الماضية فى ظل توقعات بأن العام الحارى يمكن بأنه عام الفرز.
ووفقًا لإفادات عدد من أهل الختصاص فقد رصدت «عقارات الوفد» 10 تحديات تواجه شركات التطوير العقارى وذلك على النحو التالى:
أولًا: ارتفاع تكاليف مدخلات البناء فى ظل تسعيرة منفلتة للدولار مقابل الجنيه يجعل أسعار المواد الإنشائية عرضة للانفلات السعرى هى الأخرى وشكل متسارع ومكرر خلال العام الجارى وهو الأمر الذى يفتح أبواب المخاوف من تعرض عدد من شركات التطوير العقارى لصدمات مالية أو اختناقات مالية قد تتطور إلى التعثر وربما الإفلاس.
ثانيًا: هروب السيولة من السوق المحلى بفعل ارتفاع معدلات التضخم التى تأكل معها الفوائض المالية لدى المشترين المحتملين وهو ما يعنى أن شركات التطوير العقارى مرشحة لمواجهة نوع من الركود على مستوى التسويق بسبب ارتفاع أسعار المنتجات العقارية عن القدرات الشرائية للعملاء المحتملين.
ثالثا: إمكانية الوقوع فى شرك تأخر إنجاز المشاريع عن المواعيد المجدولة للإنجاز بسبب غياب السيولة وارتفاع كلفة الإنشاء وهو الأمر الذى قد ينتج عنه عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية على مستوى تنفيذ المراحل وتسليم المنتجات العقارية للعملاء.
رابعًا: تباطؤ دوران رأس المال فى ظل تكلفة متزايدة بشكل متسارع مقابل تسويق بطىء وهو ما يعنى تجميد رؤوس أموال معتبرة فى مشاريع شبه متوقفة وهو الأمر الذى يفرز دورة استثمارية بطيئة ترهق شركات التطوير العقارى بشكل متزايد.
خامسًا: عدم القدرة على طرح افكار جديدة لتنفيذ مشاريع مبتكرة سواء من حيث التصميم أو تنوع المنتجات العقارية أو حتى على مستوى طرح برامج سداد مبتكرة وإبداعية.. فغالبية المشاريع مكررة ومتشابهة سواء كانت مشاريع سكنية أو سياحية أو خدمية وهو الأمر الذى يحرم السوق العقارى من المنافسة القادرة على استقطاب العملاء.
سادسًا: عدم الوصول إلى حلول مالية ونقدية متكاملة تعالج تناقص قيمة الجنيه مقابل الدولار وهو الأمر الذى يخلق إشكالية معقدة وعميقة لاستمرار ارتفاع كلفة الاستثمار وتناقص الجدوى الاستثمارية للمشاريع.
سابعًا: عدم قدرة قطاع واسع من شركات التطوير العقارى من النفاذ إلى الأسواق الخارجية لاستقطاب عملاء جدد من خارج السوق المحلى وهو ما يعرف بتصدير العقار فمعظم الشركات تتصارع على العميل المحلى الذى تتآكل فوائضه فى الوقت الذى تبدو فيه عاجزة عن مخاطبة عملاء من خارج السوق المحلى.
ثامنًا: تدنى مستوى الجدارة الائتمانية لشركات كثيرة فى السوق العقارى خصوصًا التى تعتمد فى الأساس على أموال العملاء فى تنفيذ المشاريع وبالتالى فإن قدرتها على الٍاستدامة ترتكر فى الأساس على أموال الغير.
تاسعًا: احتمالية مواجهة سيناريو ارتفاع معدلات تعثر العملاء عن دفع الأقساط الدورية المجدولة فى المواعيد المحددة، وهو الأمر الذى قد يتطور إلى ارتفاع معلات إلغاء العقود من قبل العملاء لعجزهم المحتمل عن الوفاء على سداد الأقساط الدورية وهو ما قد يؤدى إلى اضطرابات مالية محتملة لبعض شركات التطوير العقارى.
عاشرًا: احتمالية مواجهة الدخول فى نزاعات قضائية بسبب اضطراب السوق سواء مع مقاولى التنفيذ أو العملاء وهو الأمر الذى يكلف بعض الشركات ضغوطاً تشغيلية إضافية على وقع مثل هذه النزاعات المحتملة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: شركات التطوير العقارى السوق العقاري الدولار الجنيه وهو الأمر الذى وهو ما
إقرأ أيضاً:
فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها.
أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.
فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود.
ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه.
تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.
لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى.
ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.
ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية.
وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.
كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.
وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين.
وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.
ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.
ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.
إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة.
وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.
رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.