رأي اليوم:
2025-05-11@10:38:27 GMT

نخب الغفران والنسيان في اليمن

تاريخ النشر: 16th, July 2023 GMT

نخب الغفران والنسيان في اليمن

السفير علي محسن حميد ما إن تنتقل إلى رحمة ربها شخصية عامة يمنية تولت منصبا أو عدة مناصب رفيعة معظم أو طول حياتها حتى يسارع البعض بمنحها صفات لم تتجسد في سلوكها وفي مواقفها وهم بذلك إما يخدعون ذاكرتهم أو يستسهلون توظيف نعوت يمنحونها بالمجان لمن لا يستحقها بوصفهم المتوفي بصفات لم تكن ملموسة في سلوكه ولم تعززها خبرة من تعاملوا معه.

وحرصا على قيمة الكلمة لنحرص على أن لا نخترع أو نسرف في إضفاء نعوت لو سمعها المتوفي في حياته لتوارى خجلا ولقال ” بلاش حنبات” (مشاكل) رجاء لا تورطوني. لأنه يعلم أنها لم تلازم سلوكه السياسي أو إنتاجه الفكري، النثري أو  الشعري ، أو مواقفه من كثير من القضايا التي تتطلب التعبير عن موقف وعدم الصمت حيالها. على سبيل المثال عندما تُوفي ضابط في الأمن السياسي قبل عشر سنوات تقريبا وصف ب”المناضل الجسور”، مع أن طبيعة مهنته تتعارض كلية مع هذا السخاء الذي لا يمكن هضمه لأن وظيفة رجل الأمن هي أن يقف في الضفة المضادة لضفة المناضلين ومنها القمع أو التعذيب أو على الأقل النميمة المؤذية المدفوعة الثمن من المال العام .حتى الأمنيين الحزبيين فيما مضى كانوا يتفننون في تعذيب خصومهم الحزبيين. مثلا اعتاد رئيس وحدة محاربة اليسار والقوميين تعذيب بعض خصومه السياسيين حتى الموت وعندما ينتقل هذا الرجل إلى رحمة الله قد يتجنى البعض عليه وعلى الحقيقة ويصفه بالمناضل الجسور. المناضل والمناضل الجسور ثقافة مجانية سادت في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وقد أطُلق عليه شخصيا هذين الوصفين وهو منهما براء، وأطلقت ثلاثة نعوت هي ” المناضل الوطني الجسور” على شقيقه، رئيس وحدة الاغتيالات في الأمن المركزي بعد وفاته وهو المتهم بتصفية العقيد ماجد مرشد. ومنطقيا يستحيل في اليمن بالذات حيث الوظيفة العامة ،مغنم صافٍ، الجمع بين منصب رئيس الدولة وحتى منصب وزير وما  في حكمه وبين العمل النضالي. قد يكون للفرد إسهاما نضاليا ما في فترة مبكرة من حياته ولكن توليه سلطة ما يضع حدا فاصلا بين مرحلتين من حياته .لقد وُصف رئيس وزراء تداول اليمنيون طويلا عبارة نسبت إليه وهي ” إذا لم نغتنِ في عهد علي عبد الله صالح فلن نغتني أبدا”، وعند عودته من رحلة علاجية عُلقت بأمر من صالح نفسه يافطات كبيرة في محيط مطار صنعاء رحبت به ك”مناضل جسور” وعند وفاته وصِف بالكلمتين ذاتهما. إذا كان النضال مواقف ومواقف فقط، فعلينا ضبط لغتنا ولا نرص بحسن نية أحيانا نعوتا لا  صلة لها بحقيقة مواقف من نحب مجاملته بعد وفاته . وينبغي هنا استحضار المواقف النضالية الحقيقية للفقيد ونفصلها كلية عما بعدها التي قد تتضمن شبهة فساد إذا كنا نعني ونعي ما نكتب . على سبيل المثال لا الحصر ماذا كان موقف المتوفي من: ١- حربي ١٩٩٤ ضد الجنوب وصعدة بأهدافهما وتركتهما الكارثية على جميع الصعد ؟. و٢ – هل أعلن موقفا رافضا أو مستنكرا لاغتيالات الاشتراكيين قبل وبعد الوحدة وطرد أكثر من مائة ألف جنوبي من وظائفهم بعد حرب ١٩٩٤؟. و٣ – هل كان له موقف معارض على موافقة الرئيس صالح وشريكيه رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية على النفاذ النهائي لاتفاقية الطائف لعام ١٩٣٤ ؟. و٤- هل كانت له مواقف علنية ضد الفسادين المالي والإداري والمحسوبية والاستبداد والقمع والاختفاء القسري؟.  و٥- هل وقف ضد توريث السلطة للسلالة وفساد حكم الأسرة؟. .ويمكن إضافة قضايا أخرى كموقفه من المواطنة المتساوية وحكم الدستور والقانون والإصرار على كسر عداد الدستور الخ… وكبديهية ليس من حقنا انتقاد من آثر الصمت أو  حتى المداهنة لأن ذلك كان اختياره الذي لاحق لأحد التدخل فيه ولكن النقد هنا ينصب على إضفاء صفة المناضل على المهادن والمتواطئ بصمته. ومهما كانت عواطف أي شخص جياشة نحو المتوفي فليس من حقه منحه صفات لم تكن من جنس أفعاله ،كالمناضل، والمناضل الجسور ، والوطني، والرمز، والرمز الوطني الخ…..لأن في هذا امتهانا للكلمة وانتقاصا من تضحيات مناضلين حقيقيين قضوا في صمت وأن المتوفي قضى حياته معارضا ومدافعا عن حقوق الإنسان ومتصديا لانتهاكاتها من قبل السلطة وفاضحا لتزييف السلطة للانتخابات وقمعها للحريات العامة ومتصديا لنهبها المال العام ولفشلها التنموي وأنه في حياته ك” مناضل” أو “مناضل جسور” كان ما إن يغادر السجن حتى يعود إليه وأن السلطة آذته في معيشته وفي وظيفته وأقلقت أمنه وأمن أسرته وأن صوته وصل إلى مسامع منظمات دولية تناصر، عن حق أو عن باطل أو نص نص، حقوق الانسان . تقول مقولة مصرية الصحاب مش بعدد السنين وإنما بعدد المواقف. والموقف هو سيد الموقف والحَكم لهذا وذاك حيا أو ميتا. وأخيرا فإن من حق الشخصية العامة في ظل نظام قمعي أن تحرص على سكينتها و حياتها وأن لا تمارس أي دور معارض ، أو “نضالي” ، وتكتفي بحرصها على نظافة اليد واللسان والقلم . وفي هذه الحالة فما تؤديه في وظيفتها هو واجب لا يستحق ثناء لا في حياتها ولا بعد مماتها لأنها كانت تتقاضى عليه أجر كبير ،مكنها من العيش عيشة رغيدة ومن استخدام سيارة / سيارات فخمة بترو لها ومرتب سائقها وصيانتها من المال العام، وعاشت في بيت كبير وربما في قصر وكانت محروسة في مسكنها بجنود تدفع الدولة مرتباتهم وفي تحركاتها كان جنود الحراسة لا يفارقونها وربما أنها امتلكت أكثر من عقار وأكثر من رصيد مالي وبأكثر من عملة، وإذا مرضت كانت تعالج بالمال العام في الخارج وفي الغالب علمت أولادها أو بناتها بمنح حكومية في جامعات غربية وليست عربية ولم تعان من الفاقة ولا دخلت السجن و عُذّبت فيه بسبب أرائها ومعتقداتها السياسية. إذا كان هذا هو الحال فهي لا تستحق أن توصف بأنها من المناضلين. هذا إذا كنا نريد تجنب الانحراف الثقافي والسياسي وتقويم اعوجاجات لغتنا السياسية وانحياز عواطفنا تحت دافع غير موضوعي. ثقافة المواطن المدني لا تجيز هذه المبالغات المفرطة والضارة التي تعادل عمليات غسيل للسمعة وعلينا أن نمتنع عن إطلاق نعوت مجانية لم يدفع المتوفي أثمانها في حياته. لقد توفي البردوني وهو متحرر من “العاهة النضالية” مع أنه كان مناضلا حقيقيا قبل وبعد الثورة والوحدة ويتذكره الناس كشاعر وطني لم يتزلف للسلطة أو يداهنها أو يصمت على أفعالها وجرائمها. كاتب يمني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: فی حیاته

إقرأ أيضاً:

وقف الحرب لمنع المزيد من الانهيار

تاج السر عثمان بابو 1 اشرنا سابقا أن الحرب دخلت طورا جديدا باستخدام المسيرات التي أدت للمزيد من الانهيار و تدمير البنية التحتية، والمزيد من المعاناة للمواطنين بضرب محطات الكهرباء ومستودعات الوقود والمطارات والفنادق كما حدث في بورتسودان َوكوستي وكسلا وعطبرة ومروي.الخ. و هذا الدمار سوف يزيد بمتوالية هندسية، مالم تقف الحرب، واستعادة مسار الثورة والحكم المدني الديمقراطي،واستدامة الديمقراطية والسلام، فقد جعلت الحرب الحياة جحيما لا يطاق، وتعاظمت جرائمها التي لن تمر دون حساب ، فضلا عن الجرائم السابقة ضد الانسانية والابادة الجماعية كما حدث في جرائم فض الاعتصام ، وما بعد انقلاب 25 أكتوبر ، والابادة الجماعية المستمرة حتى الآن في الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور معسكر زمزم والفاشر وقبلها في الجنينة ، فضلا عن خروج المستشفيات عن العمل ونهب الأسواق والصيدليات ، وتدهور صحة البيئة ، ونزوح الملايين داخل وخارج البلاد، ومقتل وفقدان الآلاف. فقد أدت الحرب الي ارتفاع السلع الأساسية بشكل كبير ، كما في أسعار الوقود والمواد الغذائية التي تضاعفت أسعارها ، مع تصريحات لبرنامج الأغذية العالمية التي تشير إلى أن حوالي ثلث سكان السودان البالغ عددهم 46 مليون نسمة يعانون من الجوع، وقطع الكهرباء والماء والانترنت أو ضعفه، والدمار للمنازل والأحياء، ، وسرقة وحرق الأسواق والبنوك والعربات والاثاثات المنزلية من البيوت التي هجرها سكانها، وفروا بجلودهم من جحيم الحرب. فضلا عن خطورة -كما أشارت مجلة فورن بوليسي- من تمدد حرب السودان الي منطقة الساحل بأكملها ، مما يؤدي لزعزعة دول مثل: تشاد وافريقيا الوسطى ، مع تزايد التطرف في دول غرب أفريقيا ، مع انتشار الأسلحة وتجارة الأسلحة ، وصراع المصالح المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات المنطقة وتصفية الثورة ، فضلا عن تفاقم مشكلة النزوح. 2 لقد أدت الحرب للمزيد من التدهور، وهذا امتداد للخراب الذي أحدثه انقلاب الاتقاذ في 30 يونيو 1989 لكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، بما في ذلك فصل الكفاءات من الخدمة المدنية والعسكرية ، مما أدي لتكوين مليشيات الجنجويد التى تضخمت ماليا وعسكريا ، واصبحت تهدد وجود الإسلامويين في السلطة، مما أدي لنشوب الحرب الحالية ، فبدلا من تحقيق شعار الثوار بعد ثورة ديسمبر “السلطة سلطة شعب ، والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، كانت التسوية وفق الوثيقة الدستورية 2019 التي كرّست هيمنة العسكر علي السلطة والافلات من العقاب علي جرائم الإبادة الجماعية وضد الانسانية، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية ، تم تقنين الجنجويد دستوريا ، واصبح مجرما الحرب البرهان وحميدتي في رأس مجلس السيادة ( البرهان الرئيس ، وحميدني نائبه)، مما أدي لارتباطات الجنجويد الخارجية وتزايد نشاط شركات الدعم السريع الاقتصادي وتهريب الذهب، والتسليح من الإمارات وغيرها، والتدريب بواسطة “فاغنر”، مما قاد لاستحالة وجود جيشين ، وكان الاتفاق الإطارى الذي حاول تكرار تجربة الشراكة الفاشلة بالاعتراف بالدعم السريع وتضخيم دوره ، وتكريس اتفاق جوبا، أي تعدد الجيوش ، ونشب الخلاف حول مدة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، عشر سنوات كما رأي حميدني ، أم في عامين كما في رأي البرهان، مما أدي للحرب والصراع الدموى الراهن على السلطة والثروة التي كان الطرفان يحشدان لينقض احدهما على الآخر، والانفراد بالسلطة. 3 القضية العاجلة التي تهم الجميع هي قيام أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة ، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وإعادة اصلاح ما خربته الحرب، وتحقيق أهداف الثورة و مهام الفترة الانتقالية. الوسومتاج السر عثمان بابو

مقالات مشابهة

  • بتوجيه من السوداني.. المباشرة بأعمال إنشاء جسر دور النفط في ميسان
  • ترامب اوقف تحركاً دولياً قبيل الغارات الجوية كان يهدف الى بدء عملية سياسية قائمة على تقاسم السلطة في اليمن بين الحوثيين والشرعية.. عاجل
  • ليو الرابع عشر… أسبوعه البابوي الأول: خطوات واثقة نحو حبرية تبني الجسور وتدعو للوحدة
  • أزمة نفسية كلفته حياته.. وفاة شاب شنقًا في أبو النمرس
  • زوج يرتكب مجزرة بمنزل نسابته وينهي حياته جنوبي العراق
  • شخص ينهي حياته بالدقهلية
  • البابا الجديد يدعو لبناء الجسور والوحدة بين الشعوب
  • المثقف والسياسي في ملحمة غزة
  • وقف الحرب لمنع المزيد من الانهيار
  • حاول وفشل.. شاب يشرع في إنهاء حياته بمساكن دهشور