وائل الدحدوح أيقونة إنسان وغزة الكرامة عزة مكان.. قاموس المقاومة (10)
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
يبدو لنا أن أرض فلسطين المباركة تلد كل يوم من أيقوناتها، رغم القتل والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني المجرم الذي يمارس يوميا قتل الحياة بمجازره والقصف الأعمى العشوائي؛ من خلال امتلاك سلاح الجو الذي يخوض من خلاله ما أسميته بحروب الجبان من أعلى، فنشهد مع هزائمه وخسائره كل يوم تلك الغارات التي لا تتوقف على كل ما يشير إليه ذلك من شواهد حياة الناس، ومن ثم قرر العدو أن يقصف الحجر والشجر والبشر انتقاما من أهل غزة العزة.
ما يحدث في فلسطين وفي قطاع غزة تحديدا لا يمكن تجاهله أبدا، فكيف لأي عاقل ألا يلين قلبه وعواطفه مع إخواننا في هذا القطاع، الذي شكَّلَ أيقونة للصمود ببقائه ومقاومته ضد المحتل وعدوانه الغاشم الذي لا يتوقف ويزداد شراسة وهم عُزَّل ليس لهم سلاح إلَّا الصبر، وعدوّهم مدجج بكلِّ المعدات والأسلحة العسكرية، بل ويحظى بدعم عالمي يشرع له القتل والتدمير والتهجير والفصل العنصري وممارسة جميع أشكال العنف، وفي المقابل لا يجد أهلنا في فلسطين إلَّا الخذلان والتخاذل المريب والتجاهل والتغافل الشديد.
معادلة ظالمة استمرَّت لعقود طويلة ضد الشعب الفلسطيني المقاوم، وعلى الرغم من ذلك سطر ملحمة صمود وظل يقاوم لأجل كرامته والدفاع عن مقدَّسات المسلمين وعن أرضه وشرفه. وعملية طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر والتي جاءت نتيجة للانتهاكات المتكررة من قبل الكيان والاقتحامات غير المبررة للمسجد الأقصى والتنكيل بالمصلين رجال ونساء شيوخا وأطفالا؛ تؤكد قوَّة هذا الشَّعب وصلابته وطموحه في استرداد كلِّ حقوقه المسلوبة. وقد جاء الرد من قبل المقاومة الفلسطينية بهذه العملية التي فاجأت الجميع بنتائجها والنجاح الذي حققته في إذلال جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي طالما تباهى بقوَّته الاستخباراتية والأمنية وعتاده الذي لا يقهر، إلَّا أنَّه اختُرق بعزيمة الفلسطينيين وإرادتهم القوية وصمودهم التاريخي.
ظهرت شجرة الزيتون كرمز للصمود والثبات عبر العصور، إنها شجرة لا تنحني أمام رياح الزمن، بل تظل صامدة، محافظة على شموخها وهيبتها وقوتها الكامنة العجيبة. والزيتون ليس مجرد شجرة، بل هو رمز للصمود والتحدي، يستمد قوته من أعماق الأرض الفلسطينية؛ حيث إنها قصة تحكي عن كيف يمكن للطبيعة أن تكون شاهدة على تاريخ طويل من المقاومة والتصدي.. عالم يعيش فيه الزيتون بكل ألوانه وأشكاله، وكيف يعكس هيبته وصموده جلال وصمود فلسطين، وإن "صامدون كالزيتون" هو شعار يُدَوِّي في أفق فلسطين، يروي عن عزيمة شعب يرفع رأسه للسماء، مستلهما قوته من جذوره العميقة في هذه الأرض الطيبة.
وغصن الزيتون لم يكن فقط رمزا للقوة، بل أيضا شاهدا على السلام والحكمة والوفاق والوئام عبر العصور، وفي عالمنا الحديث، يرتبط هذا الغصن بفكرة السلام، حيث تستمر آثارها في جميع أنحاء العالم، بين الصمود العالي والسلام الشامخ كانت فلسطين؛ والقدس والأقصى؛ وغزة العزة والشرف والكرامة؛ تواجه صامدة الاحتلال والغصب والطغيان.
إن أيقونة الزيتون الشجر ولدت أيقونة البشر على أرض فلسطين وغزة؛ كان الدحدوح أيقونة الصمود الواثق والصبر الجميل والاحتساب القويم مهما كان ما وقع على كاهله من حمل ثقيل. وقد كان واعيا له حينما أكد قائلا: "بينتقموا منا بالأولاد"، فهذه المآسي تعبر عن صورة الكيان الصهيوني الغاصب واستهدافه لغزة وأهلها، وكيف أنه يحاول أن يعتم على ذلك الصمود، فهو كما يقتل الحياة يقتل الحقيقة وناقليها؛ قاصدا إبادة أهل غزة إبادة جماعية؛ وعقاب كل من يكشف إجرامه في غزة.
فوائل الدحدوح الذي فقد زوجته وابنه وابنته وحفيده في قصف سابق لمنزله، فقد تكررت فاجعته مرة أخرى بفقده ابنه الأكبر، وكان قد تعرض شخصيا لإصابة جسدية شديدة بين الفقدين، وفي كل مرة كان يقف شامخا معبرا عن قوة وصبر وجلَد أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة هذا العدوان الغاصب، ويعبر بالكلمات التي يملك ناصيتها بصورة بليغة عن قراءته للحدث.
فقد ظهر بعد تشييع نجله بدقائق ووقف أمام الكاميرا وقال: "ماضون رغم الحزن والفقد، باقون على العهد في هذا الطريق الذي اخترناه طواعية وسقيناه بالدماء"، وأضاف أن الإنسان يحزن ويتألم للفقد "فكيف إذا كان الولد البكر؟"، لافتا إلى أن نجله حمزة كان كل شيء بالنسبة له، وأن هذه "دموع الحزن والفراق وليست دموع الخوف والجزع"، هي "دموع الإنسانية التي تفرقنا عن أعدائنا، نرجو أن يرضى الله عنا ويكتبنا مع الصابرين". وأوضح أن هذا الحال هو واقع الفلسطينيين الذين يودعون أحبابهم الشهداء، مناشدا العالم لينظر إلى ما يحدث في قطاع غزة وما يتعرض له الناس والصحفيون هناك.
غزة في وجدانه بأهلها، فجميع أبناء غزة هم وائل الدحدوح، فقد تعرضوا لما تعرض له؛ بعضهم أشد وبعضهم أقل، ولكن وكما قال الدحدوح: "هذا خيارنا وقدرنا ويجب أن نرضى به مهما كان نحن أملنا أن يرضى الله عنا وأن يكتبنا مع الصابرين"، مضيفا: "هذا خيار كل الناس في هذه الأرض كما تشاهدون الناس تودع أحبابها وفلذات أكبادها في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة ونحن أسوة بكل الناس نودع. ماذا عسانا أن نقول؟.. نسأل ربنا سبحانه وتعالى أن يربط على قلوبنا وقلوب كل الناس وأن يمدنا بأسباب الصبر والقوة حتى نستطيع المواصلة".
وائل المحاط بالموت في كل لحظة منذ العدوان الإسرائيلي على غزة تعرض له بشكل جزئي خلال إصابته المباشرة، عندما استهدف الكيان الصهيوني مكانه بصاروخ، كما خبره أيضا بشكل كامل في بنيه وزوجه، وصديقه، وتلاميذه من الصحفيين الذي تجاوز عددهم 109 صحفيا بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع.. لا يزال يقف شامخا مقدما إلى جانب الصابرين من أهل غزة صورة نصر لا يستطيع الكيان الصهيوني تجازوها، خاصة وأن الرجل عقب كل حادث سواء مسه في جسده (بإصابته المباشرة)، أو في قلبه (بفقدان الأحبة والأبناء والأصدقاء) يستجمع قواه ويواصل رسالته الإعلامية، وهو مؤمن بأنه يقوم بدور مهم وضروري في فضح الكيان الصهيوني ونشر سوءاته على العالمين، وأن استهداف الصحفيين وأسرهم هو أمر يقصده الكيان الاحتلالي بصورة كاملة وتامة بهدف التغطية على تلك الجرائم التي سيحاكم عليها وستظل شاهدة على إجرامه ضد الإنسانية، وقد أكد على ذلك بقوله: "أطالب العالم بأن ينظر عن كثب إلى ما يحدث في غزة".
ما تعرض له وائل الدحدوح يعبر عن واقع غزة الآن الذي وصفه بيان صحفي صادر عن مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية بأن "غزة أخطر مكان في العالم للصحفيين وعائلاتهم". كما أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ أن "غزة أصبحت مكانا للموت واليأس.. والمجاعة وشيكة". ووصفت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الوضع في قطاع غزة "لا مكان آمن فيها"... غزة تواجه "معاناة لا تطاق" مع توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية البرية".
وفي ظل هذا تستمر معاناة أهل غزة بأبنائها وأطفالها ونسائها وصحفييها، دون أفق قريب لإنهاء هذه المعاناة في ظل الدعم غير المشروط أو المحدود الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الدول الغربية، وصمت وخذلان معظم الدول العربية. إن مأساة وائل الدحدوح معبرة عن الوضع الخطير لغزة وأهلها من جانب، ومعبرة كذلك عن مستوى الصمود العظيم والصبر غير المحدود والصلابة التي لا نظير لها عند أهل غزة وأبنائها.
ولا يسعنا إلا أن ننقل أمنية وائل الدحدوح وطلبه وهو يودع ابنه الشهيد: "أتمنى أن تكون دماء ابني حمزة آخر الدماء من بين الصحفيين وآخر الدماء من بين الناس هنا في غزة وأن تقف هذه المذبحة وهذه المقتلة، ولكن أي كان الثمن فنحن ماضون هذه الرسالة الإنسانية التي كفلها القانون الدولي وهذا واجب نقوم به على أكمل وجه".
إنها رسالة الصمود كشجر الزيتون، رسالة الكرامة والعزة والشرف كما المقاومة، رسالة الصبر على المكاره محتسبا أبناءه وزوجته وحفيده كأجيال متنوعة تعبر عن استمرارية هذه المدرسة التي مثلها الدحدوح، مدرسة الصبر والعزة، وهي ليست إلا محاكاة لأهل غزة مثّل الدحدوح فيها أيقونة تعبر عن آلام أهل غزة، وعن شهدائها، وعن جرحاها، وعن هؤلاء الذين قُصفوا في المدارس والمستشفيات.. قالها الدحدوح رغم كل الفقد؛ إننا ماضون وصامدون، إنها أيقونة الصمود التي تستلهم شجر الزيتون وقد لا تعلمون أن وائل الدحدوح كان يزرع في أرض عائلته وهو يعرف جيدا ماذا يعني هذا الصمود لأشجار الزيتون المباركة، تظل هذه الشجرة تثمر أيقوناتها من البشر في عالم فلسطين وعالم غزة العزة.
twitter.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال وائل الدحدوح الصحفيين الجرائم غزة الاحتلال جرائم صحفيين وائل الدحدوح مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی وائل الدحدوح فی قطاع تعرض له أهل غزة
إقرأ أيضاً:
صرخات تحت المطر.. 1.29مليون إنسان في غزة يواجهون شتاء الموت بلا مأوى
أطلق المجلس النرويجي للاجئين (NRC) تحذيراً مروعاً يكشف عن حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مؤكداً أن ما لا يقل عن 1.29 مليون شخص لا يزالون في حاجة ماسة إلى مأوى أساسي للنجاة من قسوة فصل الشتاء.
الأرقام، التي تأتي في ظل دخول القطاع موسمه البارد، ليست مجرد إحصائيات، بل هي صرخة استغاثة لملايين العائلات التي فقدت منازلها، وتعيش الآن في ظروف لا إنسانية.
مأساة النزوح والأمطاربعد عامين من النزاع المدمر والنزوح المتواصل، يعيش غالبية سكان غزة في خيام مؤقتة وبدائية، لا توفر الحد الأدنى من الحماية ضد العوامل الجوية.
ومع بداية هطول الأمطار الغزيرة، تحولت هذه الخيام إلى مصائد حقيقية، حيث غمرت مياه الفيضانات آلاف منها، ما أدى إلى تدمير ما تبقى من ممتلكات شحيحة، وتفاقم الأوضاع الصحية والبيئية.
ووفقاً لـ NRC، فإن العديد من مواقع النزوح في جنوب وادي غزة مهددة بشكل خاص بخطر الفيضانات، في وقت تتوقع فيه منظمة الصحة العالمية أن تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة، تزيد من خطر الإصابة بـ انخفاض حرارة الجسم والأمراض.
قيود الإغاثة.. تهديد إضافيالمجلس النرويجي، الذي يقود "مجموعة المأوى" في غزة، شدد على أن المأوى ليس مجرد سقف، بل هو "وسيلة لتوفير الأمان والحماية من العنف والأمراض، ويساعد المشردين على استعادة كرامتهم".
ومن المحبط للغاية، كما أكد الأمين العام للمجلس، يان إيغلاند، أن فرق الإغاثة فقدت أسابيع حاسمة بعد اتفاقات وقف إطلاق النار، حيث لم يدخل إلى غزة سوى كميات "ضئيلة جداً" من مواد الإيواء الأساسية.
وتشير التقديرات إلى أن هناك حاجة لآلاف الشاحنات المحملة بالخيام والعوازل الشتوية لتوفير الحماية لمليوني نازح داخلياً (أكثر من 1.9 مليون نازح وفقاً لمصادر أخرى).
ومع تلبية 23% فقط من احتياجات المأوى الشتوية حتى الآن، فإن هذا الشتاء يمثل فصلاً جديداً من الألم والمخاطر التي تهدد حياة الأطفال والعائلات الهالكة من الجوع والبرد.
يدعو المجلس النرويجي للاجئين والمؤسسات الإنسانية الأخرى المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل والضغط لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، والسماح بإدخال مواد الإيواء الطارئة بشكل مكثف لإنقاذ أرواح الأبرياء قبل فوات الأوان.