صحار بين الإمام أحمد بن سعيد المُؤسس والسلطان هيثم بن طارق المُجدد
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
مسقط-أثير
إعداد:د. أحلام بنت حمود الجهورية، باحثة وكاتبة في التاريخ، وعضو مجلس إدارة الجمعية التاريخية العُمانية
تُعد مدينة صحار من الحواضر البارزة في التاريخ العُماني، وتُذْكر بكونها واحدة من أهم المدن التي تمتاز بذاكرة تاريخية عريقة، فكانت مركزا سياسيا وفكريا وحضاريا ومركزا اقتصاديا وسوقا من أسواق العرب منذ العصر الجاهلي قبل ظهور الإسلام.
وصحار المدينة التي استبسل في الدفاع عنها واليها السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي بعد حصار خانق لمدة 9 أشهر في قلعتها الشامخة، واستطاع طرد الفرس منها في عام 1744م، وتوج بعد هذا النصر بمفاتيح الحكم والإمامة لجهوده العظيمة وهمته الوقَّادة في الدفاع عنها، واستكمل من هناك تحرير بقية المدن العُمانية، وطرد المعتدي الخارجي، وقاد مهمة تحقيق الوحدة الداخلية.
ويؤكد مؤرخ الدولة البوسعيدية ابن رزيق في كتابه “الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين” الجهود العظيمة التي قام بها الإمام الحميد أحمد بن سعيد بن أحمد بن محمد البوسعيدي في دحر المعتدي الخارجي بقوله: ” لولاه لصارت عُمان وأهلها في حكم العجم، وأضحوا هم الملوك، وأهل عُمان لهم كسائر الخدم، فجرّع أكثرهم كأس الحِمام، لما أحاطوا بصحار، وكانوا ستين ألفا أو يزيدون في المقدار، صالحوه لما رأوا عزيمته أحدّ من حدّ السيف، ورجعوا إلى بلادهم أذلة من بعد العزازة، وأخرج من كان منهم بمسقط، فأتوه إلى بركة وهم صاغرون، وكان ما كان عليهم، إذ هم بذلك جديرون”.
ومن صحار استكمل الإمام الحميد أحمد بن سعيد البوسعيدي رحلة تأسيس الدولة البوسعيدية على مدى ٣٩ عاما واضعًا أساسا متينا من بناء الدولة العُمانية الحديثة سياسة واقتصادا وثقافة. وهو حقا كما وصفه ابن رزيق في كتابه المشار إليه: “رتب قواعد السلطنة أحسن ترتيب، وهذبها بأبلغ تهذيب”.
شهدت صحار ازدهارا اقتصاديا كبيرًا في القرون الإسلامية الأولى وجاء ذكرها على ألسنة المؤرخين والجغرافيين، وسوقها كان مشهورا، فابن حبيب (ت: 245هـ/ 859م)، في كتاب المُحَبّر عندما تحدث عن أسواق العرب المشهورة في الجاهلية ذكر صحار بقوله: “… سوق صحار بعُمان. وكانت تقوم أول يوم من رجب فتقوم خمس ليال. وكان يعشرهم فيها الجلندى بن المستكبر… ثم سوق دبا. وهي إحدى فرضتي العرب. يأتيها تجار السند والهند والصين وأهل المشرق والمغرب. فيقوم سوقها آخر يوم من رجب. وكان بيعهم فيها المساومة وكان الجلندى بن المستكبر يعشرهم فيها وفي سوق صحار. ويفعل في ذلك فعل الملوك بغيرها”.
وليس أبلغ من وصف وصفت به صحار كوصف المقدسي (ت: 380هــ/ 989م) في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، فيقول: “صحار هي قصبة عُمان، ليس على بحر الصين اليوم بلدُ أجل منه، عامر آهل حسن طيب نزِه، ذو يسار وتجار وفواكه وخيرات أسرى من زبيد وصنعاء، أسواق عجيبة وبلدة ظريفة، ممتدة على البحر، دُورهم من الآجُر والساج شاهقة نفيسة، والجامع على البحر له منارة حسنة طويلة في آخر الأسواق، ولهم آبار عجيبة وقناة حلوة، وهم في سعة من كل شيء، دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن”.
كما يصفها الاصطخري (ت: 346هـ/ 957م)، في كتاب مسالك الممالك يقول: “وعُمان مستقلة بأهلها، وهي كثيرة النخيل والفواكه الجرمية من الموز والرمان والنبق ونحو ذلك، وقصبتها صحار وهي على البحر، وبها متاجر البحر وقصد المراكب، وهي أعمر مدينة بعُمان وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على شاطئ بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار”.
أما ابن حوقل (ت: 380هـ/ 990م)، في كتاب صورة الأرض المعروف أيضا باسم المسالك والممالك والمفاوز والمهالك، فيتحدث عن عُمان، ويقول: “وعُمان ناحية ذات أقاليم مستقلة بأهلها فسحة، كثيرة النخل والفواكه الجرومية من الموز والرمان والنبق ونحو ذلك وقصبتها صحار وهي على البحر، وبها من التجار والتجارة ما لا يحصى كثرة، وهي أعمر مدينة بعُمان وأكثرها مالاً ولا يكاد يُعرف على شط بحر فارس بجميع الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالاً من صحار، ولها مدن كثيرة ويقال أن حدود أعمالها ثلاثمائة فرسخ”.
ويتحدث الادريسي (ت:559هـ/ 1166م)، في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق عن مدينة صحار فيقول: “ومدينة صحار على ضفة البحر الفارسي وهي أقدم مدن عُمان وأكثرها أموالاً قديماً وحديثاً ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم وإليها يجلب جميع بضائع اليمن ويُتجهز منها بأنواع التجارات، وأحوال أهلها واسعة ومتاجرهم مربحة وبها نخل كثير ومن الفواكه الموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار العجيبة الطيبة وكان في القديم من الزمان تسافر منها مراكب الصين فانقطع ذلك”.
في حين أن ياقوت الحموي (ت: 622هــ/ 1225م)، في كتابه معجم البلدان يذكر الكثير من المدن العُمانية، ومنها صحار، فيقول: “وصحار قصبة عُمان مما يلي الجبل وتؤام قصبتها مما يلي الساحل. وصحار مدينة طيبة الهواء والخيرات والفواكه مبنية بالآجر والساج كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها”.
وكمركز ثقافي مشع فصحار أنجبت الكثير من أعلام عُمان الذين أسهموا في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية أمثال: الربيع بن حبيب الفراهيدي ومحبوب بن الرحيل ومحمد بن محبوب، وسلمة بن مسلم العوتبي الصحاري والمختار بن عوف الأزدي المعروف بأبي حمزة الشاري وغيرهم الكثير.
ومع نهضة عُمان الحديثة والمتجددة حظيت صحار باهتمام بالغ يفيها حقها ومكانتها ودورها الحضاري في بناء عُمان، فأخذت نصيبها من مشاريع التنمية في جميع المجالات، وهي اليوم بما تملك من إمكانات وممكنات اقتصادية كبيرة من المؤمل والمتوقع أن تكون معول بناء مهم يحقق طموحات رؤية عُمان ٢٠٤٠، وطموحات جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- في استمرار الدور الحضاري المتين والمستدام لعُمان، وما صحار إلا ركيزة أساسية ومفصلية في هذا البناء وهذا الطموح وهذه الرؤية السلطانية الثاقبة التي ستدفع بعُمان خطوات عظيمة في مسيرة البناء الحضاري.
ومن صحار وهي تتحلى بهذا البذخ الحضاري والحضور البهي في حاضر عُمان ونهضتها المتجددة يطل علينا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وحرمه السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية -حفظهما الله ورعاهما- لنحتفل جميعًا بمرور ٤ سنوات من عهد جلالته الميمون وهو يكمل قيادة عُمان العظيمة شعبا ومنجزا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا إلى النماء والبهاء والرخاء بعون الله وتوفيقه.
*صورة المقال مُتداولة لوصول جلالة السلطان والسيدة الجليلة -حفظهما الله ورعاهما- إلى صحار أمس الأربعاء
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: أحمد بن سعید الع مانیة على البحر فی کتابه من صحار
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة مدينة السادات يشارك في فعاليات IRC EXPO 2025
شاركت جامعة مدينة السادات برئاسة الدكتور أحمد عزب في فعاليات المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار IRC EXPO 2025، والجمعية العمومية للمؤتمر الثلاثي السنوي للشراكة بين الأكاديميات، والمنعقد بالعاصمة الإدارية الجديدة.
جاء ذلك برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وتشريف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وبحضور لفيف من الوزراء وكبار المسؤولين الدوليين ورؤساء الجامعات والهيئات البحثية المصرية والعالمية، والذي استعرض فيه وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الرؤية الوطنية للبحث العلمي في مصر على هامش انطلاق المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار IRC EXPO 2025، والمنعقد خلال الفترة من 11 إلى 12 ديسمبر 2025 بالعاصمة الجديدة.
ومثَّل جامعة مدينة السادات في هذا الحدث العلمي الكبير وفد رسمي ضم الدكتور أحمد نوير المشرف العام على قطاع الدراسات العليا والبحوث، والمستشار أحمد سرور المستشار القانوني لرئيس الجامعة.
وقام الدكتور أحمد عزب، بجولة موسعة داخل أروقة المعرض، حيث تفقد الأجنحة المختلفة التي تعرض أحدث الابتكارات ومخرجات البحث العلمي من الجامعات والمراكز البحثية المحلية والدولية، مشيدًا بحجم المشاركة الواسعة من أكثر من 80 دولة، وما يعكسه ذلك من مكانة مصر المتنامية كمنصة إقليمية رائدة في دعم الابتكار ونقل التكنولوجيا.
وأكد رئيس الجامعة أن حضور جامعة مدينة السادات يأتي في إطار حرصها على تعزيز دورها في منظومة البحث العلمي الوطنية، ومواكبة التوجهات الاستراتيجية للدولة التي تستهدف التحول نحو اقتصاد المعرفة، ودعم القدرات الابتكارية التي أبرزتها الفعاليات من خلال ما تم عرضه من خطط وطنية ورؤى لتعزيز جهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بما يعكس بيئة بحثية متطورة تشهدها الجمهورية الجديدة.
وأشار الدكتور أحمد عزب، إلى أن الجامعة تعمل وفق رؤية واضحة تتسق مع اتجاه الدولة نحو ربط البحث العلمي بالصناعة، وتعظيم الاستفادة من المخرجات البحثية في خدمة المجتمع ودعم خطط التنمية المستدامة، مؤكدًا أن مثل هذه الفعاليات تفتح آفاقًا أوسع للتكامل بين الجامعات والمؤسسات الصناعية، ولتعزيز التعاون الدولي، وتوفير مسارات جديدة للباحثين والطلاب للمشاركة في منصات الابتكار العالمية. وخلال جولته، أكد رئيس الجامعة حرصه على تعزيز حضور جامعة مدينة السادات في المشاركات البحثية الدولية، وتوسيع الشراكات مع الهيئات الأكاديمية التي شاركت في المؤتمر، بما يسهم في دعم خطط الجامعة في مجالات الدراسات العليا والبحث العلمي ونقل التكنولوجيا.
وقدم الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في استعراضه للرؤية الوطنية الشاملة لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي حتى عام 2030، والتي ترتكز على التحول نحو اقتصاد المعرفة وربط البحث العلمي بأهداف التنمية المستدامة.
وأوضح الوزير أبرز الإنجازات التي حققها البحث العلمي والباحثون المصريون خلال الفترة الماضية في مختلف المؤشرات الدولية.
حيث أشارت نتائج مؤشر المعرفة العالمي لعام 2025 إلى أن مصر تمتلك 853 باحثًا لكل مليون مواطن، وهي بذلك في الترتيب الـ55 عالميًا من حيث عدد الباحثين لكل مليون مواطن، كما أشار المؤشر إلى 140,230 باحثًا نشروا أبحاثًا مدرجة في سكوبس خلال الفترة من 2022–2025.
وتصاعد عدد الباحثين المصريين المدرجين ضمن أفضل 2% من العلماء بقائمة ستانفورد من 396 باحثًا في عام 2019 إلى 1106 في تقرير القائمة لعام 2024.
وكشف الدكتور أيمن عاشور عن مؤشرات إيجابية هامة تعكس تطور البحث العلمي في مصر، حيث احتلت مصر المركز الـ25 عالميًا في تصنيف SCImago من حيث عدد الأبحاث التي تم الاستشهاد بها، بإجمالي يقارب 41,897 بحثًا مستشهدًا به.
كما تحتل مصر المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تصنيف سيماجو للمنطقة.
ومن جانبه، أوضح الدكتور أحمد نوير أن مشاركة الجامعة في المعرض تمثل فرصة مهمة لدعم الباحثين والاطلاع على التجارب الدولية في تحويل مخرجات البحث العلمي إلى منتجات تكنولوجية وصناعية قابلة للتسويق، فيما أكد المستشار أحمد سرور أن الجامعة تبذل جهودًا متواصلة لتعزيز الإطار المؤسسي والقانوني للتعاون البحثي مع الشركاء الدوليين بما يحقق أهداف الجامعة في التطوير والابتكار.
واختتم رئيس الجامعة مشاركته بالتأكيد على أن جامعة مدينة السادات مستمرة في دعم منظومة البحث العلمي والابتكار داخل الجامعة، وبناء شراكات استراتيجية تخدم التوجه الوطني نحو اقتصاد معرفي قادر على المنافسة الإقليمية والدولية.