بوابة الوفد:
2025-12-14@08:26:20 GMT

كيف نعرف؟

تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT

سؤالٌ يطرحه الفيلسوف كما يطرحه كل معنىّ بكشف الحقائق المغيّبة المجهولة، ويقوم فى دائرة البحث العلمى بمقدار ما يقوم فى دائرة العقيدة والدين، ويُجاب عليه على مستوى العقل كما يجاب عليه على مستوى الضمائر والبصائر، ويتصل بالموضوع المعروف كما يتصل بالموضوع المجهول، وتحدّد وسائله بإزاء موضوعه إذ يحكم الموضوع وسيلته ويسير فى مقتضاها باحثاً ومنقباً ليصل إلى بغيته بعد إحكام الوسيلة فى إطار موضوعه المفروض لكن مكمن الخطأ هو الخلط بين الوسائل بغير النظر إلى طبيعة الموضوع المبحوث.

كيف نعرف؟ 

أتبدأ معرفة الله من باطن النفس أم من خارجها؟ نفس السؤال عن الإيمان: أيكون عن قناعة باطنة جُوّانيّة أم يُفرض عليك من خارج؟ لم تتحقق معرفة الله للعارفين ولا تتحقق لك أو لى مثلاً مع علمى وإيّاك بوسائل كان اتخذها من تحققت لهم المعرفة ولكنها حجبت عنك وعنى؟

وإذا كان العلم وحده لا يكفى فلماذا تجىء الجهالة بالله فينا إلى هذا الحدّ مع إنّا نحُبُّه؟ وإنْ كنا مُقَصّرين فى حقوقه غير إنّا على قدر الطاقة نرعاه؟ من أين حصّل الفقراء على تلك المعرفة؟ أبالمجهود المكتسب أم بالمواهب اللّدنيّة؟ 

ثم هل ييأس المرء من جهله بتلك المعرفة ووراؤها رُوح الله، والنقل يقرّر فى النص المكنون: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون؟

ليس أقسى على المرء من أن يرى جهوده تذهب أدراج الرياح، وبخاصّة فيما لو كانت تلك الجهود عملاً دائماً لا يعوّل عليه من واقع عكر أسود، ومن أناسِ لا يقدّرون للعمل قيمة ولا قانوناً.

هنالك يكون العزاء كل العزاء فى العُقبى، ولا يكون أبداً فى هذه العاجلة الدّنيّة، والعزاء ليس ضعفاً ولا هو بالهروب من واقع كدِر، ولكنه أمل متجدّد مع الإيمان بالله، لو لم يكن مقياسُ الخلق من الآدمى مُقدّماً على كل مقياس سواه فماذا عَسَاهَا ستكون عليه الحال؟

السؤال الفلسفى الأزلى هو نفسه السؤال الدينى.. لماذا خُلقت؟ قد تخفق الفلسفة فى الإجابة عن هذا السؤال، فى حين يجيبك الدين إجابة وافية تامة شافية كعادة الدين فى الإجابة على أسئلة المجهول. لكن الفلسفة سرعان ما تقدّم لك تصورات ربما تقبلها على ديدن القناعة العقليّة لكنها لا تشفى لك غُلّة وجدانيّة.. على مستوى النظر إن هى إلا محاولات مشكورة لرجال الفلسفة من الأسر الكريمة لكنها مع ذلك محاولات ناقصة، لأنها تخاطب جانباً واحداً فى الإنسان هو الجانب العقلى، وتهمل سائر الجوانب التى تتطلع إليها بشغف أشواق النفس الإنسانية.

قُلْ لى بربّك: ما الذى قدّمته الفلسفة شافياً كافياً فى مسائل المصير؟ لا شئ، سوى مجرّد محاولات باردة قائمة على تصورات أصحابها فيما يتصل بخلود النفس وجوهريتها وما شَابَه هذا وذاك ممّا تزداد بقراءته جدلاً ولا تزداد يقيناً. 

وفى المقابل تجد الدين يقول لك فى صراحة بالغة إنّ الغاية من الخَلْق الإنسانى هى معرفة الله! هكذا بهذه البساطة وبهذا القطع الحازم فى الإجابة على السؤال.

معرفة الله.. كيف هذا؟ أقول لك:

عندما قال الحق تعالى: «وما خَلَقْتُ الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون»، إذْ ذَاَكَ قال ابن عباس أعرف الناس بتأويل القرآن، معناها: إلاّ ليعرفون.

وعليه، فغاية الخلق المعرفة، وقد يقرّر الفلاسفة مثل ما يقرّره لك الدين، ربما، لكن وسيلة هذه المعرفة بين الدين والفلسفة هى محل خلاف، لأنك ما دمت قلت (معرفة) فقد أخَذتَ من الإنسان أسمى جزء فيه، وعطفته على الله، فيصبح هذا الإنسان عارفاً، لكنه حين يكون عارفاً لا يكون عارفاً من تلقاء نفسه، بل عارفُ هو بالله على التحقيق.

أمّا فى المجال الفلسفى، فإن هذه المعرفة مقصورة على العقل الإنسانى وحده، مستقلاً كل الاستقلال عن المصدر الذى يتلقى عنه الإنسان، وهو مصدر العرفان.

مصدرُ العرفان فى حقل الفلسفة هو العقل الإنسانى مجرّداً عن لواحقه الشعوريّة. ومصدر العرفان فى الدين، وخصوصاً الأديان الكتابيّة، هو الله تعالى، يُغذى طاقات العقل الإنسانى بشتى المعارف وشتى العلوم كلما فتحت طاقة من طاقات المعرفة فتحت معها طاقة أخرى، وهكذا بغير انقطاع.

ومدد الفتح لا ينقطع إذا كان المصدر هو الحكيم العليم: «وإنك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم». (وللحديث بقيّة)

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: كيف نعرف سؤال يطرحه الفيلسوف معرفة الله

إقرأ أيضاً:

"سِفر عاديم"

 

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"تبدو الفلسفة بالغة الألغاز بالنسبة إلى السواد من غير المُختصين، وحتى من كان بينهم من المثقفين، ولعلها تمثل وحدها من جهة أخرى المجال المُهم الذي قد يجد السواد الأعظم من معاصرينا مشقة كبيرة في تقديم تعريف له، مهما يكن تقريبيًا، لا سيما وأنَّ الفلاسفة أنفسهم يعطون غالبا الانطباع بأنهم لا يجمعون على تصور مُشترك لمادة اختصاصهم". لوك فيري (1).

*****

من أصعب ما يمكن الكتابة به وعنه هو أدب الخيال العلمي، على مختلف أنواعه كقصة قصيرة أو رواية أو مسرحية، لذلك تجد القليل فقط ممن طرق هذا الباب الصعب فتح أقفاله، ليس سهلا الولوج إلى مثل هذه الأجواء بدون قراءات مكثفة ودقيقة لما يخص هذا الفن الأدبي الراقي، ولا يمكن لأي كاتب الدخول إليه بدون خلفية فلسفية وأدبية كافية، صعب جدا التعامل مع الخيال العلمي ككاتب، لا تعلم ما هي الحبكة التي ستستنطق حروفها، هل ستكون معلوماتية أم قصص رعب أم فلسفية أم تاريخية، لها عدد من المحاور المتشابكة غير السهل التعامل معها إلا بتفرغ ذهني تام، وقدرة على الربط والسبك بين الفكرة والعبارة والمعنى.

يقول غيورغ لوكاش في كتابه المفيد "الرواية التاريخية" بخصوص الرواية التاريخية والتقنية الخاصة بها ما يلي: "إلّا أن المظهر المطلق للحياة يجب، بطبيعة الحال، أن يؤسس على المحتوى، إنه يستلزم إدراكا فعليا لعلاقات الحياة، الجوهرية والأهم من حيث الشكل، في مصير الأفراد والمجتمع، إلّا أنَّ من الواضح على هذا الأساس أيضاً أن مجرد معرفة هذه العلاقات لا يمكن أن يكفي أبدًا". (2)

قبل أيام قرأت كتاباً حديث الطباعة لكاتب أختار طرق دروب الخيال العلمي وإن برؤى فلسفية متوازنة مع مسافات تجمع تفاصيل من الدين والتاريخ، في بوتقة مجتمعة حاول فيها إدماج محتوى مع آخر وجعله في قالب روائي بحت، وإن كانت دوائره تستدير مع دوارات الدين والفلسفة والتاريخ القديم، مع إدخال بعضا من السياسة وإن على قاعدة مرور الكرام، واضح جهد الإدماج المحوري بين المتناقضات، وإظهارها ككتلة متوحدة في مبنى المعنى، وإقناع القارئ بأنها رواية تاريخية، مع أنَّها عمل فلسفي بامتياز.

الكاتب أو الروائي الذي كتب "سِفر عاديم" (3) لعله كان متمكناً لاستداركات ما يكتب، وهنا أقصد الرواية المكتوبة عن عصر ما قبل التاريخ الإنساني الوسيط والحديث، هو يكتب ويستنطق بشرَ ما قبل التاريخ؛ حيث يكتب عن ما يسمى عِلم ما قبل التاريخ، وتعريفه: هو العلم الذي يبحث في عصور ما قبل التاريخ التي تبدأ بظهور جنس الإنسان لأول مرة في حدود 2.5 مليون سنة قبل الآن، وتنتهي مع ظهور أول حضارة تاريخية بعد اختراع الكتابة مباشرة في 3200 ق. م، وهي الحضارة السومرية. (4)

كتب الكاتب عبدالعزيز بن وهف عن روايته الفارقة: هل أنت مستعد لرحلة تتجاوز حدود الواقع؟ هل سعينا للكمال منذ خطيئتنا الأولى عندما أكل آدم من الشجرة المحرمة؟ كما أراد أبونا آدم أن يكون من الملائكة ولذلك أكل من الشجرة؟

ادخُل عالم سِفر عاديم، الرواية التي تنسج خيوط الخيال العلمي والفلسفة في نسيج ملحمي واحد؛ حيث تنتظرك في هذه الرواية عوالم مُتعددة تدور في فلك مدينة واحدة:

مدينة عاديم (أفناكن- أفضل نظام ممكن): المدينة الفاضلة والمُسيطر عليها. مجتمع يعمل بدقة الساعة السويسرية؛ حيث يحكم الذكاء الاصطناعي الأكبر آتوم، ويتم تصنيف البشر إلى طبقات جينية. لكن هذا الكمال يُخفي تحته مللًا وخطيئة التغيير، ويسودها يوتيوبا تكنولوجية. عالم قبائل شين: مجتمع أبوي خشن في الصحراء، يعيش على اللذة وتجنب الألم كفلسفة أخلاقية، ويحكمه الملك القوي أنكيدو، الذي يتلاعب بالقبائل المتحدة بقيادته بالسياسة والحيل والمراوغات ببراعة. قرى بنات سمكاته: مجتمع قروي أمومي نسوي جمهوري، تحكمه تسع أخوات من القرى التسع، وصلن لها ديموقراطيًا وانتخابيًا، وتمنع وجود الذكور؛ حيث يُعتقد أنهم مصدر الشر، وتستخدم الطبقة الحاكمة المسرح لعرض دراما ومصارعه، لتحقيق الإلهاء والتزوير الدرامي للواقع والتاريخ لغاياتها السياسية. المدينة المحرمة (مدينة الخط- نيوم): الأرض القديمة المنسية، التي تحوي أسرار الأرشيف الأقدم، وتُرسل رسائلها الغامضة عبر الأحلام.

تدور القصة حول حزايل، ابن الطبقة الدنيا في عاديم، والشخصية الأخرى لاهة، عالِمة الطبقة الوسطى، اللذين يجدان نفسيهما في رحلة خارج أسوار مدينتهما بحثًا عن إجابات، ليكتشفا أنَّ الواقع ليس سوى متلازمة إله مزيف، وأن الخلود نفسه لعنة وغربة.

"سفر عاديم" هي رواية فلسفية تسأل: ما الفرق بين الحقيقة والأسطورة؟ هل الإرادة الحُرَّة وَهْمٌ؟ وهل الكمال ليس سوى الخطأ الأعظم؟ والكثير من الأسئلة في فلسفة التاريخ واللغة والميثولوجيا والفلسفة السياسية والوجودية.

قرأتُ الرواية بتمعنٍ ووجدتُ بها فكر وتفكير الكاتب وتأثره بالفلسفة، ولعله أراد وضع بصماته كمختص بالفلسفة في ثنايا هذه الرواية التاريخية، التي جمعت بين صفحاتها 10 أصحاح، بدءًا من الصحاح الأول "في البدء كان الملل"، ونهاية بالصحاح العاشر "السقوط السماوي". إنها رواية تجعلك تتصور وكأنك دخلت علم الأديان عنوةً، سيما وأسماء الفصول وكأنك تقرأ في  سفر التكوين (5)، واحتواء لمحاور الفكر المُرتَّبة في سطور رواية ليست فكرية ولا هي تاريخية وليست بالتأكيد سياسية، وإن اقتربت من مضامين الفلسفة.

وفي الصفحة 115 من الرواية الشيقة نقرأ:

"ضحك الكاهن الأعظم، وبسط يديه وقال: ثلاثة آباء فقط لبشرية وهي مختلفة ألوانها! الآباء القدامى يبدون أحيانًا أكثر سذاجة مما توحي به عظمتهم، لا ألوم من قام بالمحو، المدلولات القديمة قد تشوه الدوال.

التفت الكاهن الأعظم إلى آتوم وأكمل: اللغة ليست فقط دالًا ومدلولًا؛ بل أسلوب تفكير، أليس كذلك يا عنصر نون؟

أشارت برأسها بالإيجاب، بينما بدا على حزايل أنه لم يفهم شيئًا، فسأل: ماذا يعني الدال والمدلول؟". انتهى الاقتباس.

لا انصح المُنشغِل بقراءة الرواية؛ بل تحتاج فنجان قهوة ساخن في جلسة بعيدة عن الأعين، لأن الرواية تحتاج قراءة هادئة بذهن صافي، وإغلاق الجهاز الهاتفي، وأيضًا التخيُّل بأنك جالس على أحد مقاعد مقهى أثينا عاصمة الإغريق ومنبع الفلسفة، ويُطل على الأكروبوليس!

الرواية من إصدار منشورات جدل، لسنة 2025، ولها طبعة واحدة حتى الآن، تقع في 252 صفحة من القطع المتوسط، وتحتوي على 10 أبواب.

*****

لوك فيري، بالتعاون مع كلود كبلياي، "أجمل قصة في تاريخ الفلسفة"، ترجمة: محمود بن جماعة، دار التنوير الطبعة الأولى 2015. التمهيد ص 5- 6 . غيورغ لوكاش، الرواية التاريخية، ترجمة: د. صالح جواد الكاظم، منشورات الجمل، طبعة أولى 2021. ص 132-133 . عبدالعزيز عمر بن وهف، كاتب كويتي، يحمل بكالوريوس الفلسفة في جامعة الكويت، مؤلف رواية "سفر عاديم". الدكتور خزعل الماجدي، حضارات ما قبل التاريخ، منشورات تكوين، الطبعة الخامسة، ص 17 . سفر التكوين هو أول أسفار الكتاب المقدس العبري والعهد القديم المسيحي، ويعد مصدرًا للرواية الدينية حول قصة الخلق وبداية التاريخ الإنساني. رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • عميد كلية أصول الدين بجامعة مركز يشارك في مؤتمر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي
  • أسرة صلاح تاج الدين بالبحيرة تحصد مركزًا عالميًا مشرفًا
  • نهم السؤال وظمأ الذات
  • لأمهات.. 3 كشوفات مهمة تساعد على معرفة قصر القامة عند الأطفال- (فيديو)
  • "سِفر عاديم"
  • بالرقم القومي.. طريقة معرفة عدد الخطوط المسجلة باسمك لدى شركات المحمول
  • حكم تعويض المماطلة في سداد الدين
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • مدرب توتنهام يشعر بالملل من تكرار هذا السؤال!
  • إبراهيم عيسى: الدين عند الله هو الإسلام.. ودخول الجنة أمر إلهي