القره داغي يكشف للجزيرة نت خطط علماء المسلمين لدعم غزة
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
الدوحةـ أكد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ علي محيي الدين القره داغي أن الاتحاد قام بدور كبير ومهم في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والتنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي التي تُقترف يوميا بحق أهل غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضاف الشيخ القره داغي -في حوار مع الجزيرة نت- أن الاتحاد كان له دور مهم في تحريك الشارع الإسلامي وتنفيذ إضراب عام شاركت فيه شعوب عدد من الدول العربية والإسلامية، لافتا إلى مشاريع أخرى ستُطرح -خلال الأيام القادمة لدعم غزة- على دول إسلامية كبرى مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا.
وكشف رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن وفداً مشكلا من الاتحاد برئاسته يرتب مع مصر من أجل الدخول إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح.
وأضاف أنه تم الاتفاق على تسيير 100 سفينة دعما للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، داعيا الدول المطلة على البحر المتوسط لحمايتها حتى تصل إلى غزة.
وأشاد الدكتور القرة داغي بموقف دولة جنوب أفريقيا بشأن الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، مستنكرا عدم دعم عدد كبير من الدول العربية والإسلامية لهذه الخطوة.
عاجل
الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تنتخب فضيلة الشيخ الدكتور علي محي الدين القره داغي رئيساً للاتحاد
أعانه الله على أداء الأمانة وألهمه التوفيق والسداد لما فيه الخير للأمة الإسلامية pic.twitter.com/klDamUiwbr
— الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (فرع قطر) (@iums_qbranch) January 8, 2024
وفيما يلي نص الحوار:
أصبح دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يقتصر على بيانات التأييد والمعارضة، رغم عضويته الواسعة من علماء وخطباء ودعاة في العالمين العربي والإسلامي، فماذا كان دور الاتحاد في تحريك الشارع تجاه حرب غزة؟كان للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين دور مهم جدا في قضية تحريك الشارع الإسلامي والعربي والإنساني نحو التفاعل مع عملية طوفان الأقصى والتنديد بما حدث في قطاع غزة من تدمير وبالهجمة النازية للاحتلال الإسرائيلي التي وصلت إلى مرحلة الإبادة الحقيقية.
فعلى سبيل المثال صدرت مجموعة من البيانات وكذلك فتاوى مؤثرة وبخاصة الفتوى الجامعة التي أصدرناها بوجوب الدفاع والحماية والوقاية وبذل كل الجهود ووجوب المقاومة، ووجوب، كل في مكانه، الحكام من حيث قدراتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، والشعوب كذلك، فكان لهذا البيان الذي أصدرناه تأثير كبير.
ما مدى تأثير هذا البيان؟اعتقد أن هذا البيان الذي أصدرناه كان أكثر البيانات انتشاراً في العالم، كذلك أصدرنا بياناً آخر في قضية الإضراب العام وكان له صدى وتطبيق في الدول والحكومات العربية والإسلامية مثل لبنان والعراق واليمن والأردن، ودول أخرى، حيث نفذت هذه الدول إضرابا شاملا عرف بـ "إضراب يوم الاثنين" الموافق 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، وعبرت شعوب هذه الدول عن قدرتها وإمكانياتها في التأثير.
حقيقةً كان للاتحاد دور بارز في تحريك الشارع، بالإضافة إلى أننا من بداية "طوفان الأقصى" ومرحلة الغزو الهمجي أصدرنا فتاوى وبيانات بضرورة قيام الخطباء بتذكير الناس بهذه القضية ووجوب نصرة أهلنا في فلسطين وأن خذلانهم محرما شرعا.
ما الإجراءات التي اتخذها وسيتخذها الاتحاد خلال الفترة القادمة بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟خلال الفترة السابقة استعملنا كل وسائلنا لإدانة العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى ما ذكرته سالفا، وحقيقة قمت أنا شخصياً كممثل للاتحاد بزيارة عدة دول لدعم هذه القضية، منها زيارة تركيا 3 مرات لمقابلة كبار المسؤولين فيها، وزيارة لماليزيا أيضاً وقابلنا مسؤولين مهمين فيها، وأفغانستان وأوزبكستان وغيرهما، وكانت اللقاءات على مستوى عالٍ جدا.
وخلال الأيام القادمة، سنطرح على دول إسلامية كبرى مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا عدة مشاريع لدعم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أننا طرحنا على الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط فكرة أننا نحن في الاتحاد مستعدون لترتيب وتجهيز 50 سفينة كبيرة محملة بالمواد الغذائية والطبية وخدمات الإيواء للشعب الفلسطيني، وذلك من خلال علاقاتنا مع المؤسسات الإسلامية الخيرية والعالمية، ونحن جاهزون لتنفيذ هذا المشروع.
ولكن من سيحمي هذ السفن وكيف ستصل للشعب الفلسطيني في ظل العدوان المتواصل؟نعم طالبنا الدول العربية والإسلامية المطلة على البحر المتوسط بحماية هذه السفن، وأرسلنا لبعض رؤساء الدول ووزراء الشؤون الإسلامية رسائل مباشرة وطالبناهم بحماية سفن المساعدات. وعندما ذهبت إلى ماليزيا، كان يبدو أنهم سمعوا بهذه المبادرة، وأخبرونا أنهم مستعدون لإرسال وحماية 50 سفينة أخرى ليكون مجمل السفن 100 سفينة محملة بالمساعدات.
كلمة السيد بولنت يلدريم رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية İHH في مؤتمر طوفان الأقصى ودور الأمة في إجتماع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر:
”اجتمعنا نحن الدول الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني والعلماء، رغم ذلك لم نتمكن من فتح معبر رفح وللأسف تركنا نساء واطفال غزة في القفص..… pic.twitter.com/nmmFtYdqUh
— هيئة الإغاثة (@IHHar) January 9, 2024
إلى أين وصلتم في فكرة إنشاء تحالف دولي إسلامي إنساني لخدمة قضايا الأمة؟نادينا بإنشاء تحالف دولي إسلامي إنساني عربي لخدمة قضايا الأمة الإسلامية، وقمت باسم الاتحاد بتوجيه رسائل لبعض قادة الدول الإسلامية الكبرى، وطلبنا من هذه الدول التي تعارض حرب الإبادة في غزة أن تدعو لهذا التحالف، حيث خاطبنا فعلياً حوالي 80 دولة بهذا الخصوص، بحيث تعقد قمة لهذه الدول يتمخض عنها إعلان عالمي إنساني لحماية غزة وحماية المظلومين في كل مكان.
أيضاً من الوسائل المهمة التي تبناها "إعلان الدوحة" الذي تم بترتيب من الاتحاد، أن خصصنا يوماً كاملاً من أيام الجمعية العمومية لقضية غزة ودور الأمة في دعمها ونصرتها، وتمخض المؤتمر عن "إعلان الدوحة" للتحالف الإنساني لحماية والدفاع عن المظلومين وعلى رأسهم غزة.
ما أهمية مؤتمر غزة الذي عقد في الدوحة وما النتائج التي صدرت عنه؟مؤتمر غزة الذي عقدناه في أول عمل لرئيس الاتحاد الجديد، والذي اعتقد أنه كان في غاية الأهمية، تمخض عنه "إعلان الدوحة". ولم نكتفِ بأن يكون الإعلان بين العلماء، فنحن موجودون في 52 دولة ونضم أكثر من 100 ألف عالم، وحوالي 64 جمعية في الاتحاد، وقمنا بدعوة مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والإنسانية.
وانضم إلينا في هذا المؤتمر عدد كبير من البرلمانيين العرب والمسلمين والمنتديات الإنسانية، وحسب دراساتنا الآن نحن متجهون للوصول إلى 365 مؤسسة وجمعية إسلامية وإنسانية لدينا تواصل معها، ومن المتوقع أن تنضم إلى الاتحاد. واعتقد أنها خطوة كبيرة للضغط على حكومة الاحتلال ومن يدعمها، لوقف قتل أهلنا في فلسطين والسماح بإدخال المساعدات.
بسم الله الرحمن الرحيم
البيان الختامي
للهيئة العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عقد الاتحادُ العالمي لعلماء المسلمين هيئتَه العموميةَ السادسة بمدينة الدوحة في الفترة ما بين 24 و 28 جمادي الآخرة 1445ه الموافق له6-10 يناير 2024 بمدينة الدوحة بدولة قطر، وذلك بمشاركة تسعمائة من… pic.twitter.com/D9C7agAf3P
— د. علي القره داغي (@Ali_AlQaradaghi) January 11, 2024
ما رؤية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للتصدي لخطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم؟تمخض مؤتمر غزة، ودور الأمة في نصرتها، عن مجموعة من الإجراءات، أهمها اقتراح ذهاب علماء من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأنا أوّلهم إلى رفح ومن ثم الدخول لقطاع غزة، حتى لو كلفنا ذلك الشهادة فهي شرف لنا، وهذا أول إجراء سيتم تطبيقه بعد ترتيب الأمور مع مصر.
وقضية تهجير الفلسطينيين تثير قلق الاتحاد، لكن كلنا أمل بصمود الشعب الغزاوي البطل الذي مع كل هذه المصائب في شمال غزة وجنوبها وشرقها وغربها، ما يزال صامداً، ونحن مع هذا الصمود بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
كيف تنظرون للمقاطعة الشعبية لكثير من المنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل؟نحن السباقون للمقاطعة منذ أيام العدوان على غزة بداية القرن 21، حيث أصدر الاتحاد فتاوى بحضور فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي (رحمه الله تعالى) لمقاطعة البضائع الإسرائيلية وجوباً وفرضاً، وحرمة التعامل معها، وكذلك حرمة التعامل مع الشركات التي تدعم إسرائيل مباشرة، وهذه فتوى مؤصلة، لأن الامتناع يدخل في باب "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان".
لو تشرح لنا رؤيتكم لتطوير عمل الاتحاد وتعزيز فعاليته في المجتمعات العربية والإسلامية بعد تسلمكم رئاسته؟خلال العام 2010 قدمت خطة إستراتيجية لعمل الاتحاد، استعنت فيها بعدد من العلماء الإستراتيجيين، ووضعنا هذه الخطة وتم تقديمها إلى الجمعية العمومية واعتُمدت، وخلال 2014 تفرعت إلى خطط متعددة، واستطعنا تنفيذ الكثير منها، وبالتأكيد لم نستطع أن نحقق كل ما نريده بسبب قلة المال الذي يترتب عليه قلة الموارد البشرية.
وتم إعادة مناقشة هذه الخطة ومعالجة الملاحظات والتحديات التي تواجهها، وتم وضع 17 ملاحظة عليها عام 2018، وتم تعديل الخطة الإستراتيجية، وشكلنا لجنة للتقييم من كبار العلماء المتخصصين. وبموجبه تم تعديل الخطة والبرامج والمشاريع المنبثقة عنها، ونوقشت هذه الخطة واعتمدت خلال الدورة السادسة الأخيرة لاجتماع الجمعية العمومية للاتحاد العالمي.
المكتب الإعلامي:
تستضيف مدينة إسطنبول التركية في الفترة من 14 إلى 15 كانون الثاني/يناير 2024، مؤتمرا دوليا بعنوان "الحرية لفلسطين"، بدعم مادي ومعنوي من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وبحضور رئيس الاتحاد أ.د. علي القره داغي وبكلمة منه كما يشارك فيه مفكرون وباحثون ومتخصصون من… pic.twitter.com/mhV1iVaIFU
— د. علي القره داغي (@Ali_AlQaradaghi) January 14, 2024
كيف تنظرون إلى الدور والتأثير الذي يقوم به الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في معالجة الأزمات بسوريا وليبيا؟
بالنسبة لسوريا، فهي شغل الاتحاد الشاغل، حيث أولينا الاهتمام الأكبر بهذه القضية في بيانتنا، وسعينا في السابق والحاضر للوصول إلى نوع من التوافق الداخلي، وإلى الوحدة الداخلية للمعارضة السورية، وكذلك تشجيع بعض الدول التي لنا علاقات جيدة وقوية معها لوضع مشروع للانتهاء من هذه الأزمة بصورة تساعد إخواننا في سوريا، ومحققة لحرياتهم وطموحاتهم، وهذا مشروع نتبناه في هذه المرحلة.
وبالنسبة لليبيا، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي محمد الصلابي، هو من الكبار والمؤثرين في الساحة الليبية وله دور كبير في هذه القضية، والآن سيكون دوره مضاعفاً بالدخول في موضوع المصالحة والوحدة والوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة حتى يختار الشعب الليبي من يحكمه بإرادته.
هل لديكم أي خطة أو مبادرة تقومون بها لخفض التصعيد في السودان وإيجاد حلول سلمية لإنهاء الصراع؟نعم، لدينا مشروع سنقدمه قريبا ولكن لا يمكن الكشف عن تفاصيله الآن، يهدف لخفض التصعيد في السودان، وسيقوم أحد نواب رئيس الاتحاد وهو الدكتور عصام البشير بهذا الدور الهام والحساس، وتم تكليفه بمهمة حمل هذا المشروع نيابةً عن الاتحاد لطرحه، آملين أن يحمل بعض الحلول التي يمكن للاتحاد أن يسهم من خلالها في وقف القتال في السودان.
ما رسالتكم لجنوب أفريقيا التي رفعت دعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ وماذا تقولون للدول العربية والإسلامية حول دعم هذه الدعوى؟أصدرنا بياناً شكرنا فيه جنوب أفريقيا شكرا عظيما للدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية" في غزة، وحتى أنني خصصت جزءاً كبيراً في خطبي لموضوع جنوب أفريقيا، وعاتبت واستنكرت فيها موقف الدول العربية والإسلامية لعدم تقديمها خطوة مماثلة في هذا المجال.
فما تزال الكثير من الدول العربية والإسلامية صامتة دون أي دعم لموقف جنوب أفريقيا الذي لاقى تأييدا من عدد قليل من الدول، وسيقدم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رسالة رسمية إلى رئيس جنوب أفريقيا بواسطة سفيرها في الدوحة.
كيف يواجه الاتحاد الدعوات المعادية للإسلام والممارسات التي يرتكبها البعض من حرق للقرآن والتطاول على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟دور الاتحاد بهذا الخصوص ثنائي، فمن جانب يطالب المسلمين والدعاة بتحسين صورة المسلمين في العالم حتى يؤدي ذلك إلى تحسين صورة الإسلام نفسه، وعدم إثارة النزاعات التي تؤدي إلى إثارة المشاكل والتحديات الكبيرة.
أما الدور الثاني فهو الدعوة إلى الله والتبليغ ونشر الكتب بكل الوسائل واللغات، وقد أنشأنا لجنة للترجمة بمجموع 11 لغة، واخترنا عدداً من الكتب وترجمناها وستطبع وتُنشر في جميع وسائل الإعلام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین الدول العربیة والإسلامیة الجمعیة العمومیة للاتحاد العالمی رئیس الاتحاد جنوب أفریقیا هذه القضیة القره داغی من الاتحاد هذه الدول قطاع غزة pic twitter com من الدول
إقرأ أيضاً:
هل تصبح ثماني دول صغيرة ركيزة أوروبا ؟
الآن إذ تشهد أوروبا دوامات سياسية متقلبة تدفعها رياح الشعبوية تكتسب مجموعة من بلاد الشمال الأوروبي ثقلا؛ إذ تصبح مرساة جيوسياسية. تعرف هذه المجموعة باسم (ثمانية شمال البلطيق)، أو NB8 في المعجم الدبلوماسي، وتضم دولا صغيرة في شمال أوروبا قد لا يكون لكل منها منفردة نفوذ ذو شأن في مجال الأمن والسياسة الدوليين. ولكن منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 تنامى نفوذها معا بوصفها جماعة ضغط من أجل القوة الغربية، تطرح مزيجا بديلا مؤلفا من الأمن الديمقراطي، والتكامل الدفاعي، والمرونة المجتمعية.
أقامت الدنمارك وإستونيا وفنلندا وأيسلندا ولاتفيا ولتوانيا والنرويج والسويد نسق تعاونها الإقليمي في عام 1992 بعد نهاية الحرب الباردة على أساس اجتماعات دورية لرؤساء الوزراء، ورؤساء المجالس النيابية، ووزراء الدفاع، والخارجية، وكبار مسؤولي الحكومات. بدأ ذلك بمنتدى للبلاد الشمالية الثرية المستقرة؛ لإعادة بناء جسور مع بلاد البلطيق المجاورة التي تبادلت التجارة وغيرها معها منذ قرون، ولكنها وقعت وراء الستار الحديدي في ظل الحكم السوفييتي منذ الحرب العالمية الثانية.
ازدادت أهمية المجموعة في الحقبة الجيوسياسية الجديدة لتنافس القوى العظمى؛ إذ أصبحت مناطق القطب الشمالي، وشمال الأطلسي، وبحر البلطيق مناطق عليها نزاع استراتيجي. وقد قالت ميتي فريدريكسن رئيسة وزراء الدنمارك والرئيسة الحالية لثمانية شمال البلطيق: «إن العالم يتغير بسرعة... وأهم شيء الآن هو إعادة تسليح أوروبا». وقد جاء ذلك التصريح في معرض شرحها لما يدعو كوبنهاجن الآن إلى أن ترى أن مكانها لم يعد ضمن البلاد الداعية إلى الاقتصاد في الإنفاق والمعارضة لزيادة الإنفاق في الاتحاد الأوروبي. سوف تتولى الدنمارك أيضا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي ابتداء من يوليو بما يمنح منطقة الشمال مزيدا من الحضور.
في الوقت الذي اتسعت فيه أرض الساسة الشعبويين القوميين في وسط أوروبا بما جعل المنطقة أكثر تشككا في الفكرة الأوروبية وأقل دعما لأوكرانيا؛ تبقى منطقتا الشمال والبلطيق معقلا داعما لكييف، ولجهود الدفاع المبذولة من أوروبا والناتو، حتى لو اشتدت سياساتها بشأن الهجرة في ظل ضغوط الشعبويين فيها.
شاركت ثمانية الشمال والبلطيق منذ البداية في «تحالف الراغبين» الفرنسي البريطاني الذي تأسس لدعم أوكرانيا عسكريا وسياسيا عندما علّق دونالد ترامب المساعدة الأمريكية لكييف في محاولة لليِّ ذراع فلودومير زيلينسكي؛ كي يوافق على صفقة سلام ذات شروط روسية. فهذه الدول ـ على حد قول فريدريكسن ـ ترى في استقلال أوكرانيا وانتصارها على عدوان موسكو مصلحة حيوية لها، في ضوء قربها الجيوستراتيجي من روسيا.
يعتمد كل من حلف شمال الأطنطي والاتحاد الأوروبي اعتمادا هائلا على كتاب «الدفاع الشامل» الخاص بفنلندا والسويد في إشراك القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني في التأهب العسكري، والاستعداد المدني، والمرونة الاقتصادية في مواجهة تكتيكات الحرب الهجينة الروسية والصينية. ولنا أن نتعلم الكثير من نهجهم المجتمعي الشامل هذا.
ففنلندا على سبيل المثال -بتعداد سكانها الذي يبلغ 5.6 مليون نسمة، وقوات مسلحة تبلغ في وقت السلم أربعة وعشرين ألف مقاتل فقط- قادرة على التعبئة السريعة لجيش حربي قوامه مائة وثمانون ألف جندي، ولديها احتياطي مؤلف من ثمانمائة وسبعين ألف جندي مدرب، بفضل نظام التجنيد، وخدمة الاحتياط النظامية. وغالبا ما يكون قادة الاقتصاد ضباط احتياط أيضا. وهم يشاركون في منتديات أمن دورية، ولديهم التزامات قانونية بالحفاظ على مخزونات، والمشاركة في الخدمات اللوجستية، وامتلاك قدرة إنتاجية فائضة لأوقات الأزمات. وبخوضها حربين مع الاتحاد السوفييتي وحده في أربعينيات القرن العشرين؛ فإن في البلد ملاجئ من القنابل جيدة التجهيز، وكافية لشعبها كله.
في العام الماضي أرسلت السويد عبر البريد الإلكتروني نسخة محدثة من كتيب إلى خمسة ملايين منزل تنصح المواطنين بكيفية التصرف «في حالة الأزمة والحرب»؛ فمن النصائح تخزين غذاء غير قابل للتلف، وامتلاك مذياع ومصباح يعملان بالبطاريات، وصندوق إسعافات أولية وضروريات أخرى. وقد أوصت المفوضية الأوروبية أخيرا جميع الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات مماثلة لتهيئة شعوبها لحالات الطوارئ المحتملة.
يجتمع أعضاء ثمانية الشمال والبلطيق بانتظام قبل اجتماعات حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي -برغم أن النرويج وأيسلندا ليستا عضوين في الاتحاد الأوروبي-؛ لتنسيق جهودها الدبلوماسية عالميا. وعلى المستوى الرمزي تشترك الدول الخمس الاسكندنافية في مجمع سفارات، ومركز ثقافي في برلين عاصمة أكبر اقتصاد في أوروبا.
وفي ظل منظومة القوة المتطورة في أوروبا يحظى حلفاء الشمال والبلطيق بميزة أنها دول ديمقراطية متماثلة التفكير، وبينها إجماع عريض على دعم الدفاع والردع في مواجهة روسيا. وسوف يجعلها ذلك شركاء يمكن أن يعتمد عليها المستشار الألماني فريدريش ميرز، في وقت تواجه فيه بولندا حالة من الاضطراب السياسي، وتفتقر فيه فرنسا إلى أغلبية برلمانية، وتعاني من الديون، وتتردد إيطاليا في تكثيف جهودها الدفاعية.
لقد ربطت الدول الثماني جيوشها بالمملكة المتحدة وهولندا من خلال القوة الاستطلاعية المشتركة مع الحفاظ على قوات عالية الاستعداد مدربة على الاستجابة السريعة للأزمات. وتعمل الدول مع حلف شمال الأطلنطي لحماية الكوابل الحيوية وخطوط الأنابيب تحت الماء من محاولات التخريب الروسية والصينية.
بل لقد مضى بعض هذه الدول إلى أبعد من هذا في التكامل الدفاعي. فعلى سبيل المثال؛ أنشأت أربع قوات جوية من دول الشمال الأوروبي هذا العام فرقة شمالية داخل حلف الناتو، مهمتها تنفيذ مفهوم القوة الجوية الشمالية الذي يمكِّن الأجنحة الدنماركية والفنلندية والنرويجية والسويدية من العمل بوصفها قوة واحدة في عمليات جوية مشتركة واسعة النطاق وعالية الاستعداد. وتقيم دول البلطيق الثلاث خطا دفاعيا مشتركا على حدودها الشرقية على غرار دفاعات أوكرانيا الأمامية. وتناقش دول البلطيق مفهوما إستونيّا لـ«جدار مسيرات البلطيق» باستخدام الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار؛ لمراقبة الحدود، والحماية من الطائرات المسيرة.
وحتى لو تفوقت هذه المجموعة على قدراتها؛ فهناك حدود لنفوذ ثمانية الشمال والبلطيق. فالدول الصغيرة ذات الاقتصادات المفتوحة تعتمد في ازدهارها على التجارة الحرة، والبيئة العالمية المستقرة. وفي إطار الاتحاد الأوروبي كافحت المجموعة دون جدوى لمنع المفوضية الأوروبية من تخفيف قواعدها المتعلقة بإنفاذ المساعدات الحكومية؛ للسماح بمزيد من الدعم الفرنسي والألماني للصناعة. وعلى نطاق أوسع؛ فإن عالما يقوم على الرسوم الجمركية، والتقاعس عن العمل المناخي، و(اللاليبرالية)، ومجالات نفوذ القوى الكبرى، لا يمثل إلا احتمالا كارثيا لدول الشمال والبلطيق. فقد يكون تنامي الحمائية، وعدم الاستقرار نذيرا بكارثة في شمال أوروبا.
بول تيلور كبير زملاء زائر لمركز السياسة الأوروبية
عن الجارديان البريطانية