سياحة في كتاب الأمة والدولة (١)
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
د. ليلى الضو أبو شمال
ذكر الكاتب رفيق حبيب في كتابه ( الأمة والدولة/ بيان تحرير الأمة) بأن المفهوم السائد الذي عرف المراحل البدائية من التاريخ البشري بأنها المراحل التي يسود فيها الشكل الجماعي وظهر في الفهم الغربي أن البناء الجماعي يمثل القبلية البدائية أو النمط الاقطاعي الاستبدادي مما يعني ضمنا أن تحقيق الديمقراطية بوصفها أرقى نظام في التصور الغربي يرتبط بتجاوز البناءات الجماعية وتفكيكها ، كما يرى التصور أن بناء الدولة الحديثة يقوم على انتظام الأفراد داخل صياغ القانون والتساوي بينهم من خلال عقد اجتماعي واتفاق سياسي يتمثل في الأنظمة الرسمية والقانونية التي تمثلها الدولة.
فالفكر الغربي ربط بين قيام الدولة وبين تفكك البناءات الجماعية الأولية والبدائية والاستبدادية فيصبح التقدم في هذا المفهوم رهنا لقيام الدولة الحديثة لتكون هي البناء الجامع للبشر فيتشكل منهم مجتمع تحدده دولة وتنظمه القوانين وبذلك فإن الإنتماء الحزبي يمثل في فكرة الحداثة والتقدم الغربي الشكل المتطور للإنتماء السياسي بل والاجتماعي والذي تقوم عليه الديمقراطية ويصبح الإنتماء الأول للدولة والقانون و من خلال هيمنة القانون تتحقق للأفراد الحرية الفردية كما تتاح لهم الحقوق المتساوية والتي يصبح تحققها رهنا بالدولة كمؤسسة والقانون كنظام.
ويرى الكاتب رفيق أن بذلك الفهم فإن التحدي الذي يواجه الأمة العربية والذي يتعلق أساسا بتحقيق نهضتها والوصول إلى المكانة التي تليق بها يرتبط بتغيير بناءها الإجتماعي ، ذلك ما يردده الكثير من الباحثين الغربيين وأيضا المثقفين العرب من دعاة المشروع الغربي وفي ذلك عزيزي السوداني فلتتأمل حالك وواقعك الذي تعيشه فلعلك تجد إجابات على أسئلة كثيرة أثارت فيك الحيرة والتعجب ، وكثير من الكتابات المنتمية للمشروع الغربي وكتابات المستشرقين تحلل نموذج الأمة العربية الإسلامية في عصر نهضتها من منظور يرى أن بناء الأمة لم يكن متقدما وغلب عليه البناءات الاجتماعية الجماعية والتي تمثل شكلا أوليا غير متطور، كما يرى هؤلاء أن البنية الجماعية العربية الإسلامية شكلت بناءات متفككة لا تمثل مجتمعا بالمعنى الغربي الحديث.
وهذه المقولات تصل حد الخطورة حيث أنهم بذلك يروا أن النظام الجماعي لا يحقق التقدم ولا الحداثة، ولا يتوافق مع قيام دولة قومية حديثة، والقول الثاني يتعلق بتصوير النظام الجماعي بوصفه نظاما استبداديا لا يحقق الحرية للأفراد ولا الحقوق المتساوية وبهذا يكون النظام الجماعي عائقا أمام تحقيق الديمقراطية التي يراها أهل الحداثة ووكلاء النموذج الغربي ارقى نظام بشري حتى الان.
وخطورة هذا الأمر أنها تربط تحقيق التقدم بضرورة تجاوز البناء الاجتماعي ووضع نظام يحدد حقوق الإنسان ضمن برنامج للحداثة والتقدم ، ولكن المطلوب تفكيك البناءات التي تعد أولية وبدائية وتتعارض مع الحداثة وهو ما يعني وجود جدول أعمال لتغيير بنية الأمة العربية الإسلامية كجزء من المشروع السياسي للحداثة الغربية.
وإن كان هذا الكتاب قد تم طباعته الأولى في عام 2001 م ، أي قد مر عليه أكثر من عشرين عاما إلا أنه يؤكد على قيمة الطرح الذي قدمه الكاتب في ما تناولناه من قليل من المحتوى الكلي للكتاب، والذي يشير لواقع الأمة العربية، حيث أنهم سعوا بها للوصول إلى ما يحقق لهم من تفتيت لهذا الكيان الإجتماعي القوي والذي تحكمه أنظمة مجتمعاتها القبلية وكياناتها العائلية المنغلقة ( بحسب وصفهم لها ) ، والتي تتميز بقوة الترابط والحفاظ على الموروث القيمي ، ولكنهم نجحوا في أن يذيبوا معظم هذه المجتمعات بوهم الحضارة والمدنية، بل وصلوا بهم للتمرد على قوانين وأعراف هذا المجتمع المتمسك المتماسك، فظهر أقرانهم في تلك المجتمعات ومن أبناء هذه الكيانات من يطالب المجتمع بضرورة منح الحريات والخروج عن المألوف والدعوة بإسم حقوق الإنسان التي أضاعت كثير من انسانيته بل بلغت به حياة القطيع.
ولنا مع ذلك الكتاب بقية سياحة
leila.eldoow@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأمة العربیة
إقرأ أيضاً:
قراءة في كتاب: هندسة الوعي؛ رائد سمور
#سواليف
قراءة في كتاب: #هندسة_الوعي؛ #رائد_سمور
بقلم: د. #ذوقان_عبيدات
كان من المفروض أن أقدم هذه القراءة في حفل إشهار الكتاب مساء اليوم الخميس، ولظروف صعبة جدًا، لن أتمكن من فعل ذلك، فاستعظت عن مشاركة الحفل بنشر مداخلتي.
(١)
مقالات ذات صلةتعقيدات
يتناول الكتاب مئات المفاهيم، والموضوعات التي يصعب تصنيفها مثل: مظاهر الخداع الرقمي، وبرمجة الأشخاص، وتغييب الذات الأصلية، وآليات إخفاء الحقيقة، وقيم العصر الخوارزمي، وتسليع الإنسان،وغسيل الأفكار. ومئات المفاهيم الأخرى، كما تناول الكتب مفهوم المقاومة، والتحرر من الخوارزميات التضليلية.
ولذلك، يصعب جدًا عرض محتويات الكتاب، وإيصالها إلى القارىء، مما دفعني وبحكم أنني- من ضحايا من تمت هندستهم- إلى الخروج المؤقت من الهندسة، لأمثّل دور المقاوم الواعي، وأنا أعدّ نفسي كذلك،
لأقدم عرضًا مُسْتَلّا من زوايا متناثرة من الكتاب.
(٢)
قيم العصر ، وهندسة الوعي
لا حدود لهذه القيم، فكل ما نفعله، وما نتمنى فعله هو نتاج جهد هندسونا به. فسلوكياتنا، وأمنياتنا، ورغباتنا وحاجاتنا ليست سوى هندسة، أساسها الانسياق، وضعف المقاومة، نحن قطيع لا يقوى إلّا على السير بخطٍ مستقيم رسموه لنا، وليس من قرارنا، أو خيارنا. لكن المشكلة هي أننا لا ندرك “غنميّتنا”، بل تعدّ أنفسنا أحرارًا!
ومن مظاهر ما بُرمِجنا به جميعًا
سيادة القيم الآتية:
-الشفافية المطلقة، وعدم إخفاء أي خصوصية؛ ولذلك ننشر ما نفعله، ما نأكله، وما نقرأه، ننشر دواءنا، وسرير شفائنا، وما نشتريه ولا نكاد نخفي شيئًا.
-نصدق الصورة والخبر، ونقبل ما يقال لنا من إشاعات، ولا نتوقف لحظة للسؤال، والفحص، والشك، فكل ما يقال لنا حقيقة.
-نعيش على السطح، ونرفض العمق.نبدأ ونملُّ بسرعة، لا نتابع إلّا أغنية قصيرة، ولا نقرأ سوى نصٍ قصير جدًا. نجامل ونصمت. نعيش اللحظة. فاللحظة تاريخ، بل قد نحمل تاريخًا طويلًا لصالح لحظة. وقد نقطع علاقاتنا التاريخية مع صديق لم يضع لنا “لايكًا”.فاللحظة بديل
(٣)
خوارزميات البرمجة
إن أساليب البرمجة، وخوازمياتها تظهر في ما يأتي:
-تكرار الحدث، ونشره عدة مرات حتى يصبح جزءًا من مألوفاتنا، فنصدقه ونسلّم به من دون مناقشة.
-تزيين الهدية، ولفّها بورق أنيق يفوق قيمتها، فنذهب للشكل دون المضمون!
-إعطاؤنا الحرية الكاملة، فلا يفرضون شيئًا، بل يتقربون منّا، ينشرون ما تكتب، ولكنهم يخفون عنا ما يجب أن نعرف! لا يراقبوننا بشكل مباشر، ويشعرونك بأنك حر، ولكن هذه الحرية هي المساحة التي سمحوا لنا، ولك بها.
(٤)
لا ممنوعات
يشعرونك بأن كل شيء مسموح، يسمح لك أن تشاهد كل ما يعرضون، وتتفاعل مع ما ينشرون، ويجبرونك على السير مع الأغلبية، والّا بدوت شاذًا، فنحن جزء من قطيع، لا ندري من يقوده، لكنهم يشعرونك بأنك حر واخترت قرارك بنفسك!
فلا ممنوعات فيما يظهرونه لك!
شاهِد، علِّق، تفاعَل، عبِّر!
فما يظهرونه هو ما يجب أن تراه!
(٥)
المخفي أعظم
يُظهرون لك ما يُريدون، يُظهرون الإجابات، ويُخفون الأسئلة، يُقدمون سرديّتهم، ويُخفون جزءًا مهمّا منها، يختزلون، يختصرون، ويجتهدون لإخفاء كل ما يجب أن ترى. يقولون ما يريدون لا ما تريد، ويوهمونك بأنك أنت الفاعل مع أنك لم تفعل شيئًا.
يُظهرون لك الخبر، ويُخفون أغراضه، ونصفه الحقيقي، ومن نقله، ولماذا نشروه في ذلك الوقت!
ما يُظهرون أمامك هو: نصف خبر، وشبه حقيقة، وأنت تعتقد صدقهم!
(٦)
المقاومة هي الحل!
لكي تتخلص من هندسة وعيك، وما فعلوه فيك، عليك بالوعي والمقاومة والشك والسؤال، عليك بممارسة رقابة ذاتية من التفكير الناقد.
تأكد أن الحقيقة ليست فيما يعلن ، بل في الهامش الذي يخفون
هذا بعض كتاب رائد سمور
فهمت عليّ؟!!