وزير الأوقاف: الإسراء والمعراج أعظم رحلة تكريم في تاريخ الإنسانية
تاريخ النشر: 18th, January 2024 GMT
قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إنه لا شك أن رحلة الإسراء والمعراج هي أعظم رحلة في تاريخ البشرية، وباسمها سميت سورة الإسراء، حيث يقول رب العزة (عز وجل) في مفتتحها: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".
وتابع وزير الأوقاف تحت عنوان «أعظم رحلة تكريم في تاريخ الإنسانية»: قد تعلمنا من الإسراء والمعراج أن مع العسر يسرًا وبعد الشدة فرجا، ولا يغلب عسر يسرين، فحين تداعى أهل الأرض على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولقي من قومه وأهل الطائف ما لقي فتحت له السماوات العلا أبوابها في أعظم رحلة تكريم في تاريخ الإنسانية، حيث يقول الحق سبحانه: "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى" (النجم: 1-10).
وأضاف: لا شك أن رحلة الإسراء والمعراج جاءت تكريمًا لخاتم الأنبياء والمرسلين، وتسرية عنه (صلى الله عليه وسلم) بعد أن أصابه من أذى قومه وغيرهم ما أصابه، ذلك أنه (صلى الله عليه وسلم) بعد أن لقي من مشركي مكة في سبيل إبلاغ دعوة الله (عز وجل) ورسالته ما لقي من الأذى، خرج إلى الطائف لعله يجد عند أهلها النخوة أو النصرة، فكانوا أشد أذى وقسوة عليه (صلى الله عليه وسلم) من بني قومه، ذلك أنهم سلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفين، وتوجه (صلى الله عليه وسلم) إلى ربه (عز وجل) بدعائه الذي سجله التاريخ في سطور من نور: "اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك".
وبين وزير الأوقاف أن هذا الدعاء الذي يحمل كل معاني العبودية والانكسار لله وحده لا لأحد سواه، ذلك أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) كانت حركاته وسكناته خالصة لله (عز وجل) حيث يقول الحق سبحانه وتعالى مخاطبًا إياه: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام: 162)، فمقام العبودية لله (عز وجل) هو الذي سما بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى أعلى الدرجات ونيل المكرمات.
وهذا المقام يعلو بأمرين: الذكر واليقين في الله, حيث يقول سبحانه وتعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28)، ويقول سبحانه في شأن التمكين لأهل الصبر واليقين في الله (عز وجل): "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ" (السجدة:24).
وأكمل: لقد أسرى رب العزة عز وجل بنبينا (صلى اللّه عليه وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ ليربط بين المسجدين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى بالقدس الشريف برباط وثيق، ليظل هذا الرباط الوثيق حاضرا في وجدان أمة الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومن الأقصى كان المعراج بنبينا (صلى الله عليه وسلم) إلى السماوات العلا، حيث رأى (صلى الله عليه وسلم) ما رأى من آيات ربه الكبرى.
وشدد وزير الأوقاف: نتعلم من هذه الرحلة المباركة ألا نجزع عند الشدائد, إنما نتقي ونصبر ونتذلل ونتضرع لله (عز وجل) مع أخذنا بكل أسباب العلم والعمل، وإعلاء قيمة التوكل ونبذ كل ألوان التواكل.
كما أن علينا أن ندرك ونتيقن أن الأمر كله لله، وأَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، ويقول سبحانه وتعالى: "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (فاطر: 2)، ويقول الحق سبحانه: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْهُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ" (الزمر: 38).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة رحلة الإسراء والمعراج سورة الإسراء صلى الله علیه وسلم الإسراء والمعراج وزیر الأوقاف ه علیه وسلم حیث یقول فی تاریخ صلى الل عز وجل
إقرأ أيضاً:
ملتقى الجامع الأزهر يوضح المفهوم الشامل لتعظيم شعائر الله
عقد الجامع الأزهر، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" وذلك بحضور كل من؛ الدكتور علي مهدي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، والدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات، بجامعة الأزهر، وأدار اللقاء الشيخ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني بالجامع الأزهر.
وافتتح الدكتور علي مهدي، الملتقى بحديثه عن تعظيم شعائر الله، موضحًا أن التعظيم يعني الخضوع الكامل حِسًا ومعنًى، لأن الخضوع يمثل درجة عالية من الاحترام لشعائر الله سبحانه وتعالى، مستشهدًا بقول ابن عباس في تفسير تعظيم الشعائر: “إن تعظيم شعائر الله معناها: استسمانها واستحسانها”، وهذا يدل على تقديم القيمة العالية والأفضل، ويعكس كمال التقدير، وكمال المهابة والإجلال.
ويبين هذا ما رواه عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أهدى عمر "بختيًا" (نوع من الإبل)، وعُرض عليه ثلاثمائة دينار مقابلها، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله إن كان يبيعه ليشتري بثمنه بدنًا (للهدي)، أجابه النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، انحره".
ويُستفاد من هذا الحديث أنه لو جاز بيع الهدي بعد أن تعين في النذر لأذن فيه النبي، لأن البدن يكون أوفر لحمًا للمساكين من النجيب (الناقة الكريمة) الذي لا لحم فيه كثير، وهذا يؤكد على أن تقديم الأفضل والأكثر قيمة هو جزء من تعظيم شعائر الله.
وأوضح الدكتور علي مهدي أن تعظيم شعائر الله يعني الامتثال لأوامره سبحانه وتعالى، وهذا يتطلب من المسلم الخضوع الكامل والاستقامة التامة، بحيث يكون ظاهره وباطنه ملتزمًا بأمر الله تبارك وتعالى، فالمسلم مطالب بأن يكون ظاهرًا وباطنًا ملتزمًا بأوامر الله، وأن يقبل على ربه بقلب سليم، وأن يعامل خلقه بأخلاق حسنة. هذا الشمول في الالتزام هو جوهر تعظيم الشعائر، فلا يقتصر الأمر على الشعائر التعبدية الظاهرة فقط، بل يشمل كل جوانب حياة المسلم، وأن يدرك الإنسان مقام الله سبحانه وتعالى وأنه "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"، أي أن الله يعلم أدق التفاصيل وأكثرها خفاءً مما يصدر عن الإنسان، محذرا من الاحتيال على شعائر الله، لأنه هذا السلوك في تعامل العبد مع الله عز وجل وجلاله، وهو ما يبنه الحديث الشريف، أنَّ رجلًا قالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، فيما أضربُ يتيمي؟، قالَ صلى الله علهي وسلم: ما كنتَ ضاربًا منهُ ولدَكَ، غيرَ واقٍ مالَكَ بمالِهِ، ولا مُتأثِّلٍ منهُ، ومن هذا الاحتيال أيضًا التقصير في أداء الذكاة أو منعها، وهو أمر منهي عنه، لأن شعائر الله جاءت لبناء الإنسان بناء متكامل لا اعوجاج فيه ولا نقص.
من جانبه قال الدكتور ربيع الغفير إن التقوى تتجاوز كونها مجرد شعور قلبي أو نية باطنة، بل هي سلوك يترجم إلى أفعال ظاهرة وباطنة، ومن أبرز هذه الأفعال تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى، لهذا السبب، ارتبطت التقوى بتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى في آية واحدة من القرآن الكريم، ما يؤكد على العلاقة الوثيقة بينهما.
كما أن الحق سبحانه وتعالى يريد من خلقه التسليم الكامل لأمره، ويكافئ على ذلك القلوب المتوكلة عليه والتي لا ترجو سواه، هذه المكافأة هي من النتائج المباركة لتعظيم شعائر الله، إذ أن "ليس كل قلب صالح لهذه المكافأة"، فالقلوب التي تعظم شعائر الله بصدق هي وحدها المؤهلة لنيل هذه العطايا الإلهية، لأنها تجسد التقوى الحقيقية والتسليم التام، مبينًا أن تعظيم شعائر الله يمثل البوصلة التي توجه القلب والجوارح نحو مرضاة الله، فالقلب التقي هو الذي يستشعر عظمة الله في كل شعيرة، وهذا الاستشعار يدفعه للامتثال التام.
وذكر الغفير، أن تعظيم شعائر الله أوسع وأشمل من أن نقتصرها على عبادة بعينها دون غيرها من العبادات، فمفهوم شعائر الله يتعدى الطقوس الدينية الظاهرة ليشمل كل جوانب الحياة: من العلم والعبادة إلى المعاملات، وهذا الشمولية تتطلب أن يكون الالتزام بها في الظاهر والباطن، فالتقوى الحقيقية تظهر في هذا الشمول، حيث يصبح كل فعل وقول للمسلم، وكل نية في قلبه، تعظيمًا لشعائر الله إذا كان يبتغي بها وجه الله تعالى.