الخرطوم- قررت الحكومة السودانية تجميد عضوية البلاد في الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) التي كانت تستعد لجمع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان و"غريمه" قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي".

وعدّها مراقبون خطوة لإغلاق الباب أمام أي جهد أفريقي لحل الأزمة مع استمرار تعليق عضوية الخرطوم في الاتحاد الأفريقي، مما يجعل العودة إلى منبر جدة ضرورية لطي ملف الحرب المستمرة منذ أكثر من 9 أشهر.

وذكرت الخارجية السودانية في بيان أول أمس السبت أن البرهان أبلغ في رسالة إلى رئيس جيبوتي ومنظمة "إيغاد" إسماعيل عمر غيلة قرار حكومة الخرطوم تجميد عضويتها في المنظمة نتيجة "تجاهلها قرار السودان الذي نُقل إليها رسميا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخصه"، وهو ما لم يحدث في قمة المنظمة الاستثنائية بأوغندا الخميس الماضي.

مبررات الحكومة

وأقر الزعماء جمع البرهان وحميدتي بعد أسبوعين وبدء اتصالات لعقد مؤتمر حوار سوداني- سوداني يؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة.

ورفض مسؤول رفيع المستوى في الخارجية السودانية اتهام بلاده بالتسرع في تجميد عضويتها في "إيغاد" التي كانت من مؤسسيها في العام 1996، ويرى أن حكومته "صبرت على المنظمة ومنحتها فرصة لتصحيح مواقفها الخاطئة وتجاوزاتها بحقها".

ويروي المسؤول -الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته- في حديث للجزيرة نت أن المنظمة الأفريقية عقدت أول قمة طارئة كانت افتراضية بعد يوم من اندلاع الحرب وشكلت لجنة ثلاثية لحل الأزمة السودانية دون مشاركته رغم أنه كان رئيسا لدورتها، واعتبرها سابقة غريبة.

ويوضح أن السودان شارك في القمة الثانية في 12 يونيو/حزيران الماضي على مستوى مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة وخرجت بمقررات دون توافق معه خلافا لنظام القمة، وعدلت اللجنة الثلاثية إلى رباعية وسمت كينيا رئيسة لها دون مشاورة الخرطوم.

ويضيف المسؤول نفسه أن القمة الثالثة شارك فيها البرهان في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي وصدر في ختامها بيان لا يعبر عنها ودون مشاورة السودان، مما يخالف نُظمها التي تخرج بالتوافق.

وكشف أن القمة الأخيرة في أوغندا -التي قاطعها السودان- كانت مخصصة للخلاف بين إثيوبيا والصومال وعُقدت بطلب من الرئاسة الصومالية، وتم إقحام أزمة السودان في أجندتها دون اتفاق معه.

لا مجال للمناورة

وعن تداعيات تجميد عضوية السودان في "إيغاد"، يقول المسؤول السوداني إنه لا يوجد أثر سلبي لهذه الخطوة، لأن المنظمة لم تقدم أي إسهام إيجابي في حل الأزمة منذ اندلاعها.

ويعتقد أن قرار السودان لن يؤدي إلى إطالة أمد الحرب، بل سيحدث عكس ذلك لأن "إيغاد" كانت تتيح "للمليشيا المتمردة" فرص المناورة ومحاولة كسب الوقت لتحقيق تقدم عسكري على الأرض، وبابتعاد المنظمة عن ملف الأزمة ستضيق هذه الفرص أمام "المليشيا" ويوضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

وبشأن فرص العودة إلى منبر جدة الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة، يفيد المسؤول السوداني بأن الحكومة رهنت العودة إلى طاولة المفاوضات بتنفيذ قوات الدعم السريع التزاماتها في "إعلان جدة" الموقع في 11 مايو/أيار الماضي وما تلته من تفاهمات.

ويشدد على ضرورة التزام هذه القوات بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية والانسحاب من المدن، وإعادة ما نهبته من ممتلكات المواطنين والدولة، والإيفاء بما تم الاتفاق عليه بخصوص المساعدات الإنسانية للمتضررين.

وبشأن إمكانية تعاطي السودان مع اللجنة التي شكلها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي لحل الأزمة السودانية، يقول المتحدث باسم الخارجية السودانية السفير بابكر الصديق للجزيرة نت إن الحكومة في انتظار استلام قرار تأسيس اللجنة بشكل رسمي والاطلاع على تفويضها قبل أن تحدد موقفا بشأنها.

وكان فكي عيّن الأربعاء الماضي لجنة رفيعة المستوى من 3 أعضاء أفارقة للعمل على تسوية الصراع الدائر في السودان.

وتضم اللجنة الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لإسكات البنادق محمد شمباس، وسيمبيوسا وانديرا نائب رئيس جمهورية رواندا الأسبق، والممثل الخاص السابق للاتحاد إلى الصومال فرانسيسكو وانديرا.

وأوضح بيان المفوضية أن أعضاء اللجنة سيعملون مع جميع الأطراف المعنية بأزمة السودان، لضمان وجود عملية شاملة لاستعادة السلام والاستقرار في البلاد.

"قرار خاطئ"

وكان الاتحاد الأفريقي علق عضوية السودان بعد قرار البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 حل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ، واعتبر الاتحاد هذه الخطوة "انقلابا".

في المقابل، يصف محمد الباشا طبيق مستشار قائد الدعم السريع قرار الحكومة تجميد عضوية السودان في "إيغاد" بأنه خاطئ ويزيد عزلة البلاد، لأن المنظمة فاعلة ولديها علاقات مع المجتمع الإقليمي والدولي.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى طبيق أن "الحكمة كانت تقتضي على حكومة الأمر الواقع التي تدعي تمثيل السودان المشاركة في قمة زعماء دول المنظمة بأوغندا وتقديم ملاحظاتها بدلا من تعليق عضوية البلاد".

كما يعتبر قرار التجميد رفضا مطلقا للمبادرات الداعية إلى وقف إطلاق النار ومخرجات منبر جدة، مما سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وزيادة معاناة الشعب السوداني ومضاعفة النزوح واللجوء وتعقيد المشهد في البلاد.

ويقول طبيق إن قوات الدعم السريع مستعدة للعودة إلى منبر جدة إذا توفرت الإرادة السياسية ووجدت ضمانات من الدول الراعية للمنبر بعدم انسحاب الجيش مرة أخرى من المفاوضات وأنه جاد في وقف الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدعم السریع منبر جدة

إقرأ أيضاً:

مصرع 11 سودانياً في انهيار منجم ذهب.. ومخاوف من فوضى التعدين الأهلي

أعلنت السلطات السودانية، الأحد، مصرع 11 شخصاً وإصابة 7 آخرين بجروح متفاوتة، جراء انهيار بئر تقليدية للتنقيب عن الذهب في منطقة "هويد" الصحراوية الواقعة بين ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، في أحدث حادث يكشف عن حجم المخاطر التي يواجهها عمال المناجم الأهليون في البلاد.

وأكدت الشركة السودانية للموارد المعدنية، في بيان رسمي، أن الانهيار وقع داخل منجم "كرش الفيل" الذي يقع بين مدينتي عطبرة وهيا، مشيرة إلى أن الحصيلة أولية، وجاءت بعد تحرٍّ ميداني وتنسيق مع الجهات المختصة.

وقال البيان إن المصابين نُقلوا إلى مستشفى "أبو حمد" في الولاية الشمالية لتلقي الرعاية الطبية العاجلة، فيما لفت إلى أن الشركة كانت قد أوقفت في وقت سابق العمل بالمنجم نفسه، محذرة من مخاطره الجسيمة على حياة المواطنين.





تحذيرات سابقة وإصرار على العمل
وحذّرت الشركة من مغبة تجاهل قرارات وقف النشاط في المناجم المحفوفة بالمخاطر، داعية المواطنين إلى الالتزام بتعليمات السلامة، وعدم المجازفة بالأرواح في سبيل المكاسب السريعة، خاصة في ظل تكرار مثل هذه الحوادث خلال السنوات الماضية.

ويُعد قطاع التعدين الأهلي في السودان أحد أكبر مصادر العمل والدخل غير الرسمي، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليوني مواطن يعملون في هذا القطاع المنتشر في مناطق نائية وصحراوية، تحت ظروف قاسية ووسط انعدام شبه تام لمعايير السلامة المهنية، وهو ما يجعلهم عرضة متكررة للكوارث والانهيارات.


الذهب.. ثروة السودان وأزمته
يعتمد السودان بشكل كبير على الذهب كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي، بعد أن فقد نحو 75% من عائداته النفطية إثر انفصال جنوب السودان في عام 2011، وهو ما دفع البلاد إلى التوسع في التنقيب عن الذهب لتعويض خسائرها الاقتصادية.

وتُظهر بيانات حكومية أن الذهب يمثل أكثر من 80% من إجمالي عائدات الصادرات، ما يعزز مكانته كمورد استراتيجي في بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وتضخم قياسي وانهيار في قيمة العملة المحلية.

ويضم السودان أكثر من 40 ألف موقع تعدين أهلي، ويُنتج نحو 80% من الذهب المستخرج من البلاد من قبل عمال مناجم غير نظاميين. وتنتشر عمليات التنقيب التقليدي من أقصى شمال البلاد إلى غربها وشرقها، وتشمل مناطق صحراوية مثل عطبرة، وسلسلة جبال البحر الأحمر، وصولاً إلى إقليم دارفور.

احتياطي هائل وإنتاج متصاعد
وفقاً لتقديرات وزارة الطاقة والتعدين، يبلغ احتياطي السودان من الذهب نحو 1550 طناً، بينما بلغ إنتاجه في عام 2022 حوالي 18.6 مليون غرام، أي ما يعادل قرابة 93 طناً، ليحتل بذلك المركز الثالث أفريقياً بعد جنوب أفريقيا وغانا، بحسب بيانات المسح الجيولوجي الأمريكي.

وتسعى السلطات السودانية إلى زيادة الإنتاج عبر منح تراخيص لأكثر من 85 شركة محلية وأجنبية للتنقيب عن الذهب، أملاً في جذب الاستثمارات ورفع إيرادات الدولة، في ظل تراجع المساعدات الخارجية وشح النقد الأجنبي.

تنظيم هش.. واستنزاف للموارد
ورغم أهمية قطاع الذهب للاقتصاد السوداني، إلا أن عمليات التعدين التقليدي ما زالت تُدار في الغالب بعيداً عن الأطر الرسمية، وسط شكاوى من التهريب المنظم لكميات كبيرة من الذهب عبر الحدود، وضعف الرقابة، وتراجع العائدات الفعلية التي تدخل خزينة الدولة.

ويطرح انهيار منجم "كرش الفيل" مجدداً سؤالاً ملحاً حول قدرة السلطات على تنظيم هذا القطاع الحيوي، والحد من مخاطره البيئية والإنسانية، خصوصاً أن الحوادث المماثلة لا تكاد تغيب عن النشرات الإخبارية.

ويطالب نشطاء وخبراء في مجال الثروات الطبيعية بضرورة تقنين عمليات التعدين الأهلي، وتوفير الحد الأدنى من شروط الأمان، إلى جانب إدماج هذا القطاع في الدورة الاقتصادية الرسمية، بما يضمن حماية العمال وتحقيق مكاسب حقيقية للدولة والمجتمعات المحلية.

وفي بلد يعيش أزمات متراكمة، ويواجه شبح التفكك والحرب الأهلية، يبدو أن ثرواته المعدنية، وعلى رأسها الذهب، باتت سلاحاً ذا حدّين؛ فهي تمثل الأمل في إنعاش الاقتصاد، لكنها قد تتحول إلى لعنة ما لم تُدار بحكمة وتحت رقابة صارمة.

مقالات مشابهة

  • طرق الحياة تعود بين صنعاء وعدن.. تفاصيل الصفقة السرية التي ستُنهي سنوات القطيعة
  • مسؤول سوداني سابق يوضح تأثير العقوبات الأمريكية على الأزمة الحالية
  • السياحة تعود تدريجياً إلى أفغانستان.. وطالبان تفتح الأبواب رغم القيود
  • أوحيدة: المسار الوحيد لحل الأزمة السياسية يمرّ عبر توافق “النواب” و”الدولة”
  • مصرع 11 سودانياً في انهيار منجم ذهب.. ومخاوف من فوضى التعدين الأهلي
  • “صمود” يطرح رؤيته لإنهاء الحروب في السودان واستعادة الثورة
  • قريبا.. لقاح الملاريا في كل الولايات السودانية
  • بابكر سمرة وزير الداخلية في حكومة الأمل السودانية
  • الحكومة الليبية المكلفة تهاجم البعثة الأممية وتطلب منها مغادرة البلاد فورا
  • الكتلة الديمقراطية تطالب بدعم الحكومة وفك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي