لجريدة عمان:
2025-12-09@10:12:15 GMT

إيريكا تشينويث.. المقاومة المدنية

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

هل يمكن للمجتمع أن ينجح في إحداث تغيير سياسي جذري دون اللجوء إلى العنف المسلَّح؟ للوهلة الأولى قد يبدو هذا السؤال متفائلا بالنظر في سجل قرن كامل من الصراعات الدموية التي شهدها القرن العشرون، والحديث هنا ليس عن الحروب التقليدية التي تدور بين الجيوش النظامية، كما حدث خلال الحربين العالميتين مثلا أو كما يحدث اليوم في الحرب الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، إنما نتحدث عن صراعات الشعوب مع السلطات القاهرة التي تحكمها، كتلك الصراعات الواسعة التي خاضتها معظم شعوب «العالم الثالث» في سبيل تحررها إما من سلطة استعمار أو احتلال أو من سلطة محلية مستبدة.

إذ لطالما اعتُبر العنف المسلح (الكفاح المسلح) هو الطريق الأقصر إلى الحرية، مهما كان معمدا بالدم والتضحيات البشرية الباهظة، بل نُظر إلى البنادق في كثير من اللحظات الثورية على أنها الوسيلة الوحيدة لإسقاط هيمنة القوى القهرية التي غالبا ما تكون هي المبادر إلى العنف لحسم الانتفاضات الشعبية، معتمدة على تفوقها المادي والتنظيمي مقابل هشاشة المجتمع.

مع ذلك، وبالعودة إلى السؤال الافتتاحي، هل ستبقى لحظة العنف ضرورة تاريخية حتمية لا يمكن تفاديها في سبيل الحرية؟ تقترح إيريكا تشينويث خيارا بديلا للعنف من أجل التغيير، دون أن تعتمد على مزيد من التفاؤل الساذج، بل على دراسة ماسحة للصراعات العنفية واللاعُنفية على مدار أكثر من قرن، مراهنة في نفس الوقت على قدرة الذكاء الإنساني، العاطفي والبراغماتي معا، في إبداع وتطوير أساليب لا متناهية من المقاومة السلمية... ببساطة، لأن هناك ألف حل وحل قبل الضغط على الزناد وحسم الخلافات السياسة بالقتل، أي بالإلغاء الجسدي التام.

إيريكا تشينويث هي أستاذة العلاقات الدولية بكلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد بالولايات المتحدة، حيث تدير منذ سنوات «مختبر العمل اللاعنفي» الذي يجمع أكاديميين ونشطاء بجمهور من الطلاب المهتمين بمواجهة التهديدات السياسية التي تواجهها قيم الديمقراطية ومؤسساتها حول العالم. كرَّست تشينويث مجهودها الأكاديمي من أجل مساق واحد؛ وهو دراسة العنف السياسي واستنباط بدائله اعتمادا على أدوات العلوم الاجتماعية، وذلك من أجل تعزيز ثقافة المقاومة المدنية (السلمية أو اللاعنفية) كبديل لـ«وَهم» عنف القوة المهيمن على التفكير السياسي كوسيلة تغيير ناجحة (1). وقد اعترفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية بتشينويث كواحد من بين أهم 100 مفكر عالمي لعام 2013.

سردت تشينويث في أكثر من مناسبة كيف بدأت دراستها للمقاومة المدنية متشككة بجدواها العملية في تغيير الاستبداد والفساد السياسي، فضلا عن قدرتها على إسقاط نظام عنصري أو طائفي. وما هي إلا عامان حتى اشتهرت تشينويث باستنتاجها الصادم الذي توصلت إليه بالاشتراك مع ماريا ستيفان في دراستهما الدقيقة لبيانات مجمعة عن كل حملات المقاومة التي شهدتها مناطق متفرقة من عالم بين عامي 1900 و2006، العُنفيَّة منها واللاعُنفية، إذ تخلُص الدراسة المنشورة عام 2008 تحت عنوان «لماذا تنجح المقاومة المدنية: المنطق الاستراتيجي للصراع اللاعنفي»(2) إلى استنتاج يقول إن «الناس يحتملون أكثر للحصول على ما يريدون باستخدام المقاومة المدنية بدلا من التمرد المسلح».

يستطيع قارئ تشينويث أن يستعيد من الذاكرة القريبة نماذج فارقة على العصيان المدني الفعَّال، مثل «الثورة الصفراء» في الفلبين التي أطاحت برأس النظام منهية 20 عاما من ديكتاتورية فرديناند ماركوس. كما تذكرنا الباحثة الأمريكية بالمظاهرات الشعبية التي شهدتها العاصمة الجورجية تبليسي عام 2003، والتي نجحت في الإطاحة بإدوارد شيفردنادزه المتهم بتزوير الانتخابات والتستر على الفاسدين. ومع فشل الكثير من الصراعات المسلحة حول العالم وانتهائها إلى مآلات كارثية، ترى تشينويث أن المقاومة المدنية اللاعنفية تلقى اليوم وجاهة علمية أكبر في الجامعات كموضوع يستحق التأمل والدراسة، كما تتسع بمرور الوقت قاعدة الجماهير المهتمين بهذا النوع من المقاومة، أولئك الذين باتوا يؤمنون أكثر بنجاعة تطبيقاتها السلمية في التغيير السياسي، كالإضراب والمقاطعة ومسيرات التظاهر. تعلل الباحثة نجاح الحملات السلمية (بضعفين مقارنة بنجاح الحملات العنيفة) لأسباب عدة أهمها قابلية الحملات السلمية على استيعاب عدد أكبر من المشاركين من مختلف شرائح وفئات المجتمع، في حين أن العمل المسلح يفرض مواصفات بدنية وعمرية واستعدادا عسكريا لدى المشاركين فضلا عن كُلفته الباهظة: الموت. بل تذهب تشينويث إلى مفاجأة أخرى وهي «قاعدة 3.5%» التي ترى أن 3.5% من الشعب فقط كفيل لإسقاط حكومة إذا ما خرج في حراك سلمي منظم ومستمر.

في عالمنا العربي، حيث دوامات العنف التي لا تتوقف، أعتقد أننا في أمس الحاجة لنظرية إيريكا تشينويث. ولا بدَّ من مبادرة ثقافية أولى تتمثل في ترجمة كتابها المهم «المقاومة المدنية: ما يحتاج الجميع إلى معرفته» إلى اللغة العربية، تمهيدا لدراسة هذا النمط الحضاري والأخلاقي من المقاومة كحقل علمي في جامعاتنا.

هوامش:

1. www.ericachenoweth.com

2. Maria J. Stephan, Erica Chenoweth, Why Civil Resistance Works: The Strategic Logic of Nonviolent Conflict, International Security (2008) 33 (1): 7–44

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المقاومة المدنیة

إقرأ أيضاً:

انهيار صفقة التنحي بين ترامب ومادورو بسبب خلافات على الثروة والعفو والمصير السياسي

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الفنزويلي فشل خطة تهدف إلى تنحي مادورو مقابل حزمة ضمانات واسعة، بعدما تعثرت المفاوضات في اللحظات الأخيرة بسبب مطالب وُصفت بأنها «معقّدة وغير قابلة للتنفيذ».

وزير الخارجية يشارك في الجلسة النقاشية لمنتدى الدوحة حول بناء الدولة في الصومالالخليج يمدّ اليد لطهران.. البديوي يدعو لشراكة قائمة على حسن الجوار

وبحسب المصادر، فإن مادورو اشترط للاعتزال طوعاً الحصول على حق الاحتفاظ بنحو 200 مليون دولار من ثروته الخاصة، بالإضافة إلى عفو شامل عن مئة من كبار المسؤولين في حكومته وأجهزته الأمنية، إلى جانب تأمين ملاذ آمن في دولة صديقة يواصل منها إقامته السياسية.

خلافات حادة حول وجهة النفي والحكومة الانتقالية

وتشير المعلومات إلى أن هذه الشروط كانت جزءاً من إطار تفاوضي جرى التفاهم عليه مبدئياً مع إدارة ترامب، إلا أن الخلافات سرعان ما انفجرت بين الجانبين، خصوصاً حول مستقبل الحكومة الانتقالية التي كان يفترض تشكيلها بعد رحيل مادورو، وكذلك حول الوجهة التي سينفى إليها الرئيس الفنزويلي.

 طرح الرئيس الأمريكي خيار انتقال مادورو إلى الصين أو روسيا، باعتبارهما دولتين قادرتين على ضمان أمنه السياسي والشخصي، لكن مادورو تمسّك بالبقاء في دولة حليفة ضمن دائرة نفوذه التقليدي، وعلى رأسها كوبا. وفي محاولة لردم الهوة بين الطرفين، برز اسم دولة قطر كخيار وسط محتمل لاستضافته، لكن الاقتراح لم يحظَ بتوافق نهائي.

عفو محدود… ورفض لمطالب التوسّع

ورغم أن ترامب وافق، وفق التسريبات، على منح مادورو عفواً شخصياً يشمل زوجته وابنه، إضافة إلى ضمانات لمغادرة البلاد، فإن الإدارة الأميركية رفضت طلبه المتعلق بتمديد العفو ليشمل دائرة واسعة من المسؤولين المطلوبين دولياً. ويُعتقد أن هذا الشرط كان العامل الحاسم في انهيار التفاهمات.

سقوط الصفقة وعودة الجمود

ومع تعثر الخطة، عاد المشهد الفنزويلي إلى حالة الجمود السياسي المعتادة، وسط غياب أي مؤشرات على قرب إحياء المحادثات. ويُرجّح مراقبون أن انهيار الصفقة سيزيد من عزلة كاراكاس الدولية، بينما يواصل مادورو التمسك بالسلطة في ظل أزمة سياسية واقتصادية خانقة.

طباعة شارك مادورو ترامب فنزويلا الولايات المتحده صفقة التنحي

مقالات مشابهة

  • روبيو: ندعم سوريا السلمية المزدهرة التي تنعم بسلام
  • هشاشة التوافق الشيعي: الصراع على رئاسة الحكومة يفتح أبواب الشلل السياسي  
  • صحيفة الجاردين: اليمن دخل مرحلة غير مسبوقة من التغير السياسي والعسكري
  • مؤتمر ولاية صور الدولي يعيد قراءة الدور السياسي والاستراتيجي للولاية في التاريخ البحري العالمي
  • منطق الصراع داخل الشرعية.. كيف أنهى التناحر السياسي فرص مواجهة الحوثي؟
  • زامير يهاجم المستوى السياسي الإسرائيلي على خلفية 7 أكتوبر
  • انهيار صفقة التنحي بين ترامب ومادورو بسبب خلافات على الثروة والعفو والمصير السياسي
  • "كاتس" يهاجم "زامير" مجددًا.. عليك الخضوع للمستوى السياسي
  • جنوب إفريقيا .. مقـ.ـتل 11 شخصا بينهم 3 أطفال في إطلاق نار في بريتوريا
  • وكيل الخارجية العُماني يشارك في أعمال منتدى الدوحة 2025 ويؤكد دعم السلطنة لمسارات الوساطة والحلول السلمية