لجريدة عمان:
2025-06-13@18:26:11 GMT

التركيز: القيمة الاجتماعية والاقتصادية

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في السنوات الأخيرة طُرحت الكثير من الأدبيات حول الأهمية الفائقة التي تمثلها قيمة «التركيز» في عصرنا الحالي، والذي يتسم بكونهِ «عصر المشتتات» بامتياز. حيث تتداخل عدة عوامل «تكنولوجية»، وإعلامية تسهم في سلب الإنسان - في أي سياق كان - قيمة التركيز كقيمة محورية ترتبط بالإنتاجية، وتحسين جودة الأداء، وتقليل نسب الخطأ.

يتحدث البعض عن الدور الذي تلعبه تحديدًا فكرة «الإشعارات Notifications» سواء من التطبيقات أو من مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني أنها أصبحت العنصر الأساس في محاصرة الفرد وسلب خصيصة الانتباه منه. وهو ما أنشأ لاحقًا ما بات يُعرف باقتصاديات الانتباه Attention economy الذي يقوم على عمليات التسويق وصناعة المحتوى المؤثر عبر الشبكات الاجتماعية – وقد كتبنا عنه تفصيلًا في مقالات سابقة – ما يعنينا هنا هو كيف يمكن لنا استشعار هذا الخطر المحوري الذي أصبح وفق الأدلة العلمية مؤثرًا على الإنتاجية الاقتصادية، والمهنية، وعلى ممارسة عمليات التعلم، وحتى على أنماط من العلاقات الاجتماعية والأسرية؟

في دراسة بعنوان: «A Diary Study of Task Switching and Interruptions» توصل الباحثون إلى إن محاولة التركيز على أكثر من شيء واحد في وقت واحد يقلل من إنتاجية الفرد بنسبة تصل إلى 40%. وهذه النسبة تساوي ما يُعرف بالمعادل المعرفي للسهر طوال الليل». هناك دراسات دورية تجريها كذلك جامعة كاليفورنيا حول آثار التشتيت في أماكن العمل، وتشير خلاصاتها إلى أن أماكن العمل اليوم أصبحت محاصرة بالتشتيت المتعدد، حيث أن متوسط الوقت المتاح للفرد للتركيز في مهمة معينة أصبح لا يتجاوز 12 دقيقة قبل أن تتم مقاطعته بأحد المشتتات، فيما تزيد المدة التي يستغرقها الفرد للعودة إلى حالة التركيز الفائقة التي كان عليها لتصل إلى 25 دقيقة في أفضل الأحوال. وفيما يتعلق بالأثر المحتمل للتشتت على عمليات التعلم نشرت Pakistan Journal of Medical Sciences دراسة مطبقة على طلبة المرحلة الجامعية، حيث تم تعريضهم لمجموعة من المشتتات الداخلية والخارجية؛ وذلك لقياس أي هذه المشتتات أكثر تأثيرًا على انتباههم وإدراكهم. كشفت النتائج أن رنين الهواتف المحمولة في الفصل كان أكثر مصادر التشتيت الإلكترونية الخارجية شيوعًا بالنسبة لـ 68% من الطلاب، وهي النسبة الغالبة. هذه نتائج عرضية من دراسات مختلفة، ويمكن أن نسرد العديد من الكتب التي لاقت صيتًا واسعًا خلال السنوات الفائتة وتمحورت حول هذه القضية، لعل أهمها كتاب «Slow Productivity» لكال نيوبورت. وكتاب «Flow» ل ميهالي كسيسنتميهالي وكتاب «مصيدة التشتت» لفرانسيس بووث.

الأبعاد الأخرى التي يمكن أن تؤثر عليها ظاهرة انعدام قيمة «التركيز» هي مجالسنا الاجتماعية والأسرية تحديدًا، قد يكون من المكرر الحديث عن الصورة الاجتماعية للمجالس التي أصبح بعضها يغلب عليها الأشخاص المجالسون لهواتفهم وتطبيقاتهم أكثر من مجالستهم لمن حولهم من الحاضرين؛ ولكن الأخطر من ذلك أنه لم يعد هناك حديث اجتماعي مكتمل، وأصبحت النقاشات المجتمعية مصدرها في الأساس ما تورده إلينا الإشعارات وتطبيقات التواصل، وبالتالي فأصبح هناك سياق عام يسيطر عليه الاجتزاء والاختزال والنفور من العمق وتقليص مساحة النقاش الناقد والتفكير الناقد.

إن النقد بوصفه مولدًا للمعرفة الحقيقية إنما ينشأ من التعمق والإحاطة، وأن التشتت يهدم في مقامه الأول قدرة الإنسان على التعمق، ومكانته من السيطرة على موضوع ما والإحاطة به شمولًا في كل أبعاده. هذا ينسحب أيضًا إلى نقاشاتنا الأسرية، ونقاشاتنا مع الأقران، والأوقات التي نعتقد أننا لتغذية ذكائنا الاجتماعي. إذن هناك عمل هيكل ومؤسساتي مطلوب للتنبه إلى هذه الظاهرة – ظاهرة التشتت – وفقدان التركيز. هناك استراتيجيات (فنية) يتحدث عنها المختصون فيما يتصل بتحييد وجودنا لبعض الوقت بعيدًا عن هواتفنا أو تطبيقاتنا، ولكن أعتقد في المقام الأول أن الوعي بخطر الظاهرة في حد ذاته مهم وحاسم. نحن بوصفنا أفرادًا وجماعات ومؤسسات منخرطون في غياب التركيز دون وعي اليوم. أحد الأشكال المؤسسة لفهم هذه الظاهرة كذلك هو إجراء الدراسات التطبيقية حولها؛ الدراسات التي يمكن أن تطرح الأسئلة المتعددة من قبيل: هل مؤسسات وأنظمة العمل مصممة بطريقة مقاومة للتشتت؟ هل تنبه طرائق التدريس ومناهج التعلم لدينا الطلبة وتدفعهم نحو أعلى مراتب التركيز؟ هل يمكننا تصميم مقاييس واضحة لقياس أثر التشتت على الإنتاجية المهنية والاقتصادية في الاقتصاد المحلي لدينا؟ هل بيئات التعلم أقل عرضة للمشتتات الداخلية والخارجية؟ هل تعي الأسر بضرورة حماية أبنائها من خطر ظاهرة التشتت وتفعل أدوات التربية والمتابعة المناسبة لذلك.

إن «الانتباه» بوصفه موردًا اقتصاديًا هو في نفس الوقت مورد اجتماعي، وهو في الآن ذاته المحور الرئيس الذي يجب أن تتمحور حول تقنيات التعلم، ومن هذا المنطلق فإن التمرن على تحرير الإنسان من «التشتت» أصبح اليوم ضرورة حضارية. مثلما هي ضرورة لزيادة الإنتاجية، وتعزيز جودة أداء الفرد في مختلف مجالات نشاطه وإنتاجه. هناك دور حاسم اليوم أيضًا على مؤسسات العمل المختلفة – خاصة في القطاع الحكومي – إلى وضع هذه المعضلة على رأس الأولويات، وتحديد البرامج التدريبية، وآليات تطوير رأس المال البشري الملائم لتمرين العاملين على ضرورة العناية بالتركيز كقيمة مهنية عليا، وقيمة ذاتية كذلك. فليس من المستبعد خلال السنوات الفائتة أن تتصدر هذه القيمة مجموعة القيم الأكثر طلبًا في أسواق العمل وفي مقابلات واختبارات التوظيف والترقي الوظيفي.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نصائح نفسية لطلاب الثانوية العامة لتحسين التركيز.. تفاصيل

قدم الدكتور وليد هندي، أخصائي نفسي، نصائح لطلاب الثانوية العامة لمنع التوتر والنوم بهدوء قبل الامتحانات، وكيفية تجنب المشاكل النفسية.

استعدادات مكثفة في بورفؤاد لعقد امتحانات الثانوية العامةامتحانات الثانوية العامة 2025| 12 إجراءً عاجلاً استعدادا لبدء الماراثون الأحدإلغاء امتحانات الثانوية العامة 2025 لهؤلاء الطلاب.. تحذير عاجل من التعليمأخبار جنوب سيناء: تلقي اعتذارات الملاحظين عن الثانوية العامة.. وخلال ساعات إعلان نتيجة الشهادة الاعدادية الأزهرية

وقال هندي، خلال لقائه مع الإعلامية رشا مجدي والإعلامية نهاد سمير، في برنامج «صباح البلد» المذاع على قناة “صدى البلد”، إن ليلة الامتحان لا ينام الطالب من كثرة القلق، موضحًا أنه على الوالدين أن يوفروا بيئة مهيئة للنوم بالإضافة إلى تقليل الضغط عليه.

وأكد أهمية نوم الطالب في مكان نظيف وتعرضه لروائح جميلة، مشيرًا إلى أن هناك دراسات علمية تؤكد أن الشخص إذا تعرض للروائح الجميلة على مدار 6 أشهر يساعده على التركيز.

ولفت إلى أن المنزل كله يجب أن يعيش في منظومة واحدة، ينام الجميع في وقت واحد، ولا ينام هو فقط بينما باقي العائلة تستمع إلى التلفزيون، فهذا خطأ.

آخر استعدادات وزارة التربية والتعليم والإدارات والمديريات التعليمية لماراثون امتحانات الثانوية العامة 2025:

توفير جميع التجهيزات اللازمة بمقار اللجان لاستقبال الطلاب والمراقبين.

توفير الأجواء اللازمة لأداء الامتحانات وتأمين اللجان وأماكن إقامة رؤساء اللجان والمراقبين وخطوط السير من وإلى اللجان وتوفير جميع احتياجاتهم.

التأكد من تواجد المراوح بجميع اللجان والتأكد من عملها بكفاءة والتهوية المناسبة لخلق مناخ ملائم للطلاب.

توفير المياه المبردة في اللجان لمساعدة الطلاب على التغلب على حرارة الجو.

التأكد من صيانة دورات المياه والتأكد من سلامة وسائل الإنارة وكفاءة الأثاث ومناسبته للمرحلة العمرية.

تجهيز وتوفير الاستراحات لاستقبال رؤساء اللجان والمراقبين الأوائل من خارج المحافظة.

تأمين اللجان الامتحانية بالمدارس وتوفير جميع سبل الراحة والهدوء أثناء فترة الامتحان.

توفير زائرة صحية فى كل لجنة امتحانية حرصا على صحة وسلامة الطلاب.

إعلان كشوف المناداة وجداول الامتحانات فى أماكن ظاهرة في اللجان.

التنبيه على منع دخول الطلاب إلى اللجان بأى أجهزة إلكترونية (موبايل، سماعات، ساعات سمارت).

التشديد على مراجعة كاميرات المراقبة داخل اللجان والتأكيد على صيانتها لرصد أى أعمال غش داخل اللجان ورصد أى مخالفات، وذلك من خلال غرف العمليات لضمان انضباط سير الامتحانات.

تشكيل غرف عمليات بالوزارة والإدارات والمديريات التعليمية لتلقى أى بلاغات والتعامل معها بشكل فوري.
 

طباعة شارك وليد هندي صباح البلد صدى البلد الامتحان الثانوية العامة طلاب الثانوية العامة

مقالات مشابهة

  • ننشر مواد الخدمات الاجتماعية والصحية في قانون العمل بعد موافقة البرلمان
  • سوريا تشارك في منتدى التحالف العالمي للعدالة الاجتماعية
  • رغم غيابه عن المونديال.. يامال الأغلى في «القيمة السوقية»
  • بيان عربي مشترك يطالب بحماية أطفال غزة ويبرز أهمية القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في قطر
  • مختص يحذر من زر في السيارة يؤثر على التركيز والتنفس .. فيديو
  • المراهق لامين جمال يتربع على عرش القيمة السوقية عالميا
  • كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان: بوابتك للتميز في مجال الخدمة المجتمعية
  • نصائح نفسية لطلاب الثانوية العامة لتحسين التركيز.. تفاصيل
  • لتحسين التركيز.. نصائح نفسية لطلاب الثانوية العامة | فيديو
  • الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية