يطفئ فيسبوك اليوم شمعته الـ20، بعد أيام قليلة من وقوف مؤسسه مارك زوكربيرغ أمام مجلس الشيوخ وأهالي مجموعة من الضحايا معتذرا عما تسببت فيه منصته الشهيرة من ألم، هذا بخلاف الفضائح العديدة التي تلاحق المنصة المتعلقة بفقدان الخصوصية، والوقت الذي يستنزفه في إبعادنا عن روابطنا ومُثلنا الاجتماعية ونشاطاتنا الأخرى.

لكن مع هذا جلست أفكر في بدايات هذا الاختراع وكيف تعرفت عليه وما هو شعوري في ذلك الوقت وكيف أصبح شعوري تجاهه الآن ولماذا تغير والدور الذي لعبه في حياتي.. وقد عادت لي الذكريات عندما عدت إلى منشوري الأول ومر شريط معرفتي بفيسبوك منذ ظهوره في الوطن العربي عام 2006 وحتى يومنا هذا.

مارك زوكربيرغ (يمين) أسس مع صديقه داستن موسكوفيتز منصة فيسبوك قبل 20 عاما (غيتي) (2006 – 2011).. البدايات دائما ما تكون بريئة

وجدت نفسي أنتقل للأسفل باتجاه بداية الجدول الزمني الخاص بي. لقد استغرق الأمر وقتا طويلا للوصول إلى هناك، ولكن للأسف لم أستطع الوصول لأول منشور حيث توقف التحميل لمنشور في منتصف عام 2010.

لكن الأمر كله بدا غريبا ومثيرا بالنسبة لي، وبدأت الذكريات تعود لي عندما أرى صورا كنت قد نشرتها في فترة ما وردود الأصدقاء عليها، وتذكرت الشعور عندما تضيف شخصا ليفتح لك قائمة بالأشخاص الآخرين، وأذكر مشاعري وأنا أرى أصدقاء لم أكن لأجتمع معهم مرة أخرى لولا فيسبوك.

ومع انضمام مئات الملايين لفيسبوك، بدأت المنصة في تغيير العالم، إلى الأفضل والأسوأ، لكن قائمة أصدقائي كبرت، ومنشوراتي تغيرت، وحتى قناعاتي التي حملتُها خلال السنوات العشرين تغيرت.

فخلال السنوات الخمس الأولى في فيسبوك والتي بدأت في عام 2007؛ بعد سنة تقريبا من إتاحته عالميا، كان الجميع مبهورا بهذه المنصة وقدرتها على ربط الأشخاص ببعضهم ومشاركتهم اللحظات المميزة في حياتهم.

وساعد ظهور آيفون على انتشار فيسبوك، فأصبحت المنصة في الفترة من عام 2006 إلى عام 2008 تقريبا، وبعد افتتاحها لعامة الناس، أكثر شعبية.

ثم في عام 2008 تقريبا، بدأت النخبة الإعلامية الكبرى والسياسيون في استخدامها، مدركين قوتها. وتجلت هذه القوة في عام 2010 تقريبا، عندما انطلقت أحداث الربيع العربي، وكنت شاهدا كيف أصبح فيسبوك أداة للجماهير للرد على السلطة.

وكان هناك شعار في ذلك الوقت: نستخدم يوتيوب لبث الثورة، وفيسبوك لتنظيمها، وتويتر لمشاركتها.

هذا الاختراع الذي توقعنا أن يساهم في رفع صوت المستضعفين، وخصوصا عندما رأينا تأثيره في الربيع العربي، ما لبث أن تغيرت أهدافه وطريقته.

كمية ما ينشره مستخدمو فيسبوك عن حياتهم الشخصية ضخمة جدا تعطي لأي شخص القدرة على عمل خريطة رقمية (غيتي) (2012 – 2017).. المال والنفوذ مصدر شرور التكنولوجيا

عُقدت في مؤتمر جيتكس بدبي عام 2012 ندوة للتوعية بشأن الخصوصية وكيف يمكن أن تتسبب منصات التواصل -ومنها فيسبوك- بانتهاك خصوصيتنا.

وأذكر كيف بدأت العديد من الجهات في الوطن العربي بعد هذه الندوة بالتحقق من صحة المعلومات الواردة فيها، ووجدت أن كمية ما ينشره المستخدمون على المنصة عن حياتهم الشخصية ضخمة جدا وتمنح أي شخص القدرة على عمل خريطة رقمية تظهر أهم المعلومات عن المستخدمين.

ففي ذلك الوقت كانت معلومات كبطاقات الهوية الشخصية ورسائل العمل وحتى تواريخ الميلاد ومعلومات الأبناء؛ من السهل الحصول عليها على المنصة للعديد من المستخدمين.

أثار هذا الأمر شركات الإعلان التي كانت تبحث عن مناجم المعلومات هذه، كما وجدت فيه فيسبوك مصدرا مهما للتمويل وزيادة الأرباح، فقد وصلت أرباحها إلى الذروة في الفترة ما بين 2010 و2015.

لكن ليست شركات الإعلان وفيسبوك وحدها فقط من كانت تبحث عن معلوماتنا وجذب اهتمامنا، فقد ظهرت في هذه الفترة طبقة من المستخدمين الذين أصبحوا يُسمَّون المؤثرين، والذين كانوا في البداية مجموعة مستخدمين يتشاركون أفكارهم السياسية والثورية، ولكن بعد الربيع العربي أصبح أغلب هذه الطبقة من التجار الذين يبيعون منشوراتهم لمن يدفع من علامات تجارية تريد أن تستفيد من متابعيهم وجمهورهم الذي يتابع منشوراتهم.

نعم لقد تحول فيسبوك في هذه الفترة إلى سوق حرة للمعلومات يبيع فيها السياسي والفنان والتاجر وحتى الأحزاب والفئات التي لم يكن لها صوت بضاعتهم، وهو ما أوجد حالة غريبة ظهرت في بدايات الانتخابات الأميركية عام 2016.

واستخدم الرئيس الأميركي باراك أوباما في حملته الانتخابية للولاية الثانية عام 2012 وسائل التواصل الاجتماعي ومنها فيسبوك للوصول إلى شريحة الشباب والدعاية لحملته الانتخابية، وبهذا يُعد الرئيس الأميركي الأول الذي استخدم المنصة في الدعاية الانتخابية.

لكن خلفه دونالد ترامب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، يعتبره البعض أول من تمكن من استخدام المنصة في مجال تحويل الرأي العام -أو ما يعرف "بالاستقطاب السياسي"- بطريقة منهجية، بحسب ما كشفته فضيحة شركة كامبردج أنالتيكا عام 2017، والتي أظهرت التأثير الكبير الذي تلعبه منصات التواصل على حياتنا، وقرعت أجراس الخطر حول العالم إيذانا بعهد جديد لهذه المنصة التي كثرت زلاتها.

مارك زوكربيرغ أمام مجلس الشيوخ وأهالي مجموعة من الضحايا معتذرا عما تسببت به منصته من ألم (رويترز) (2017 – 2023).. فيسبوك من إحياء الثورة إلى ميتا

منذ عام 2017، وجد فيسبوك نفسه باستمرار تحت تدقيق مكثف وفي قلب العديد من الخلافات، فمن انتهاكات الخصوصية إلى المخاوف المتزايدة بشأن الممارسات الاحتكارية، واجهت الشركة تدقيقا تنظيميا متزايدا وردود فعل عامة عنيفة، مع اختيار العديد من المستخدمين عدم استخدام المنصة نتيجة لذلك.

ومنذ 2017 تقريبا، استُخدم فيسبوك بنشاط لنشر المثل الحزبية المتطرفة، وأصبح بمثابة منصة تعرض المجموعات العنصرية المتطرفة بحسب عدة مواقع منها نيويورك تايمز.

كما أن إحدى المشاكل الكبيرة في تلك الفترة هي أن فيسبوك لا يسمح للباحثين بالوصول إلى بياناته لمعرفة ما يدور خلف هذه المنصة الضخمة. فهناك العديد من المجموعات -خاصة من النازيين الجدد أو الفاشيين- الذين يستخدمون المنصة بحسب تقارير لعدة مؤسسات.

وتقول مؤسسات إن المجتمع يحتاج إلى إجراء محادثة عما يجب أن تفعله التكنولوجيا بالنسبة لنا، وأنواع اللوائح اللازمة. لكن من غير الواضح ما إذا كانت هناك إرادة سياسية في قاعات الكونغرس أو مجلس إدارة شركة ميتا للقيام بذلك.

وقد أصدر الاتحاد الأوروبي مؤخرا قانونا يلزم المنصات التي تضم أكثر من 500 ألف مستخدم شهريا؛ بفتح بياناتها للباحثين. لذلك سنرى ما الذي يرغب فيسبوك في فعله للحفاظ على أهميته في سوق ضخمة.

أما في عالمنا العربي، ففي عام 2016، وبعد أن عقدت فيسبوك اتفاقية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ازداد استهداف المحتوى الفلسطيني على المنصة تحت إطار مجموعة مخصصة من السياسات، بما يشمل إغلاق أو تعليق حسابات الصحفيين والمؤسسات الإعلامية والنشطاء وأي صفحة تتحدث عن القضية، بالإضافة إلى حسابات المستخدمين العاديين، وذلك بحجة إزالة "خطاب الكراهية" أو مواجهة "معاداة السامية"، وهو ما دفع المستخدمين الفلسطينيين إلى إطلاق حملات احتجاج على الرقابة المفروضة على أصواتهم على منصة التواصل الاجتماعي الأكبر عالميا.

وكانت آخر هذه السياسات ما تشهده صفحات الناشطين الداعمين لوقف الحرب على غزة من تضييق على المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية.

وبسبب تعرض فيسبوك خلال هذه السنوات للعديد من الغرامات والقضايا المتعلقة بانتهاك الخصوصية وحماية الأطفال، فقد وجد رئيس الشركة أن الحل يكمن في تغيير اسم الشركة التي بدأت تعاني من الخسارة وعزوف العديد من المستخدمين، وهو ما فعلته في أكتوبر/تشرين الأول 2021 عندما تغير اسم الشركة إلى "ميتا"، وتحول تركيز العلامة التجارية نحو الميتافيرس؛ عالم فيسبوك الرقمي يمزج بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

وتهدف رؤية ميتا كما تقول في بيانها، إلى إعادة تعريف التفاعل والتجارب عبر الإنترنت مع مجموعة من الابتكارات، بما في ذلك سماعات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي التوليدي.

ولكن هل تستطيع ميتا أن تعيد الحياة والشغف إلى فيسبوك وتلميع صورته أمام مستخدميه العرب بهذه الألعاب التقنية الجديدة، أم أن "ميتا" هو منتج ولد ميتاً بسبب إرث فيسبوك الثقيل والسيئ في العالم العربي والذي لن يجدي نفعا أن نضع نظارات الواقع الافتراضي لنسيانه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الربیع العربی من المستخدمین المنصة فی العدید من فی ذلک فی عام

إقرأ أيضاً:

فيسبوك يعلن عن تحديثات شاملة لزيادة التفاعل في 2025

في محاولة واضحة لاستعادة ثقة المستخدمين وتعزيز التفاعل داخل منصتها، كشفت ميتا عن حزمة تحديثات واسعة تستهدف تحسين صفحة آخر الأخبار وتجربة استخدام فيسبوك بشكل عام. 

هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من الشكاوى المتزايدة بشأن غياب المحتوى المناسب وازدحام الخوارزميات بمنشورات غير ذات صلة، ما دفع الكثيرين إلى الابتعاد تدريجيًا عن المنصة. 

اليوم، تعلن ميتا أن التبسيط، والتحكم، وتجربة التصفح المرنة ستكون في قلب التغييرات الجديدة.

أولى التحسينات الكبرى تظهر في تصميم صفحة آخر الأخبار، التي أصبحت أكثر انسيابية بفضل أسلوب عرض مبتكر للمحتوى البصري، فعند نشر صور متعددة، سيقوم النظام تلقائيًا بترتيبها داخل شبكة منظمة، بما يمنح المستخدم تجربة عرض أكثر مرونة وجاذبية.

 أما عند النقر على منشور معين، فسيظهر الآن بوضع ملء الشاشة، مما يجعل التفاعل أسهل وأكثر وضوحًا.

ومن الإضافات التي لاقت ترحيبًا واسعًا، إتاحة ميزة الإعجاب بالصورة بمجرد النقر المزدوج عليها، على غرار منصات منافسة مثل إنستجرام، لكنها ميزة قد تحمل بعض المفاجآت غير المرغوب فيها أثناء تصفح صور أشخاص لا ترغب في إظهار الاهتمام بهم.

تؤكد ميتا أن البحث داخل فيسبوك أصبح أكثر ذكاءً وتفاعلية، حيث تستعرض نتائج البحث الآن ضمن تصميم شبكي يتيح استكشاف أنواع مختلفة من المحتوى بسهولة. 

كما تختبر الشركة عارضًا جديدًا بملء الشاشة يتيح التنقل بين الصور والفيديوهات دون فقدان موقع المستخدم في النتائج، مع خطط لتوسيع هذه التجربة قريبًا لتشمل أنواعًا أكثر من المحتوى.

هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من الشكاوى حول ضعف نتائج بحث فيسبوك واعتمادها على خوارزميات تقدم محتوى غير ذي صلة، وهو ما أثّر بشكل واضح على جودة التجربة اليومية للمستخدمين.

لم تُخف الشركة اعترافها بأن صفحة فيسبوك الرئيسية أصبحت غير مرضية للكثيرين، إذ امتلأت خلال السنوات الماضية بمنشورات لم يسمع المستخدمون عن أصحابها من قبل، إضافة إلى انتشار واسع لمحتوى مُولّد بالذكاء الاصطناعي منخفض الجودة.

لذا، تتيح ميتا الآن للمستخدمين تقديم ملاحظات مباشرة على منشورات فيسبوك ومقاطع ريلز بهدف تحسين دقة التوصيات، تقول الشركة إن هذه الآليات ستساعد الخوارزمية على فهم تفضيلات المستخدمين بشكل أدق، ما يعني تقليل المحتوى المزعج وزيادة ظهور منشورات الأصدقاء والصفحات المفضلة.

الكثيرون يأملون أن تنهي هذه الخطوة فترة انتشار الصور "الزائفة" الرديئة منسوبة لصفحات غير معروفة، والتي أصبحت تظهر بشكل متكرر حتى بعد اختيار "عدم رؤية المزيد من هذا المحتوى".

يأتي التحديث الجديد أيضًا بإعادة تنظيم شريط التبويب، إذ سيظهر في أماكن بارزة لتسهيل الوصول إلى ريلز، والأصدقاء، والسوق، والملف الشخصي. كما تم تحديث تصميم القائمة وتطوير عرض الإشعارات ليصبح أكثر وضوحًا.

وفي سياق مشابه، قامت ميتا بتحسين أدوات إنشاء القصص والمنشورات. أصبحت الأدوات الأساسية مثل إضافة الموسيقى أو الإشارة للأصدقاء أكثر بروزًا، بينما تم ترتيب الخيارات المتقدمة بشكل يجعل الوصول إليها أسرع بنقرتين فقط. كما تم إبراز إعدادات الجمهور وإعادة النشر بشكل أوضح لمنح المستخدم سيطرة أكبر على الخصوصية.

من التحديثات اللافتة أيضًا، إضافة نظام توصيات أصدقاء يعتمد على الاهتمامات المشتركة. فإذا عدّلت بيانات ملفك الشخصي لتشير إلى اهتمامك بخبز العجين المخمر أو التخطيط لرحلة إلى ناشفيل، سيعرض لك فيسبوك مجموعة من الأصدقاء الذين قد يساعدونك بنصائح أو يقدمون توصيات مناسبة. ورغم أن هذه الميزة تبدو مفيدة، إلا أنها تثير تساؤلات متجددة حول حجم البيانات التي تجمعها ميتا عن مستخدميها.

ورغم ذلك، تؤكد الشركة أن المستخدم يحتفظ بالتحكم الكامل في المعلومات التي يرغب في مشاركتها أو إخفائها داخل الملف الشخصي.

تبدو تحديثات فيسبوك هذا العام محاولة جادة لإعادة صياغة تجربة المستخدم، عبر التخلص من الفوضى التي سيطرت على المنصة خلال السنوات الماضية، وإذا نجحت ميتا في الاستماع لآراء المستخدمين وفهم احتياجاتهم، فقد يعود فيسبوك تدريجيًا ليصبح مساحة أكثر متعة وفاعلية بدلاً من كونه مجرد ساحة لمحتوى عشوائي.

مقالات مشابهة

  • إنستجرام يولد عناوين تلقائية للبحث دون علم المستخدمين
  • بعد طرح ديب سيك.. ميتا تتخلى عن النماذج مفتوحة المصدر
  • الشاعر جمال بخيت يُعلق على أزمة محمد صلاح عبر فيسبوك
  • الديوانية الكويتية والمحيبس العراقية.. اليونسكو تُضيف عناصر عربية جديدة لقائمة التراث غير المادي في دورتها العشرين
  • فيسبوك يعلن عن تحديثات شاملة لزيادة التفاعل في 2025
  • «ميتا» تمنح مستخدمي «إنستغرام» أدوات تحكم جديدة في الخوارزمية
  • إنستغرام” يحوّل منشورات المستخدمين إلى أدوات تسويقية آلية
  • ترامب (الخاسر )في عدم مشاركة بلده بقمة العشرين في جنوب افريقيا
  • ترامب يكذّب زعيما أوروبيا بعد "تصريح العشرين مليار دولار"
  • تحذير مصري عاجل من محاولات تجسس إسرائيلي تستهدف هواتف المستخدمين