في بداية المشوار للحركة وتسليط الأضواء عليها حاول كثير من الناس فهم ما يجري، ولكن السلطات -آنذاك- احتكرت الرواية والرأي ولم تسمح أو تتح المجال للاطلاع على حقيقة ما يجري، شنت الحروب المتعددة واستشهد المئات من أبناء الوطن في معركة الكل فيها خاسر، لا لشيء إلا أن السلطة قررت وأد حركة تتصف بالتمرد وفقاً لوجهة نظرها، واستمر الأمر حتى ظهرت الحركة وانزاحت كل تلك الأقاويل والدعايات.
كان بإمكان الشهيد القائد حسين بن بدرالدين الحوثي -رحمه الله- أن يتفق مع السلطة ويحظى بالرعاية والعناية والرفاهية، لكن المسألة بدت أنها لا تتجه إلى تحقيق الالتقاء بين مفترقين، حمل أمانة رفع راية الإيمان وأسقط الطاغوت والشيطان.
إن الأفكار العظيمة تحتاج إلى نفوس عظيمة تحملها وتبلغها حتى وإن كان الثمن بذل النفس والنفيس، ولا أدل على ذلك من استمساك النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ الرسالة متجاهلاً كل العروض الكثيرة –من مال أو جاه أو سلطان- فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، هي إذاً مسيرة متواصلة، إما الظهور والإعلاء لها أو نيل رضوان الله، ومثل ذلك المنهج سار عليه الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه-، حينما استشهد قال: « الحمد لله الذي رزقني الشهادة»، وكذلك الحسين السبط سيد شباب أهل الجنة، والإمام زيد، وغيرهم من آل بيت النبوة والعترة الطاهرة، لم يكن هناك هوان أو تخاذل أو مداهنة طالما أن المسألة اختيار بين إيمان وكفر، عدل وطغيان.
وهي ذاتها الأفكار التي سار بها الشهيد القائد وقدم دمه قرباناً في سبيل الله ونال رضوانه، نعم لقد فارق جسده الحياة لكن أفكاره هي تقود المسيرة نحو الاستقلال في كل مجالات الحياة، فكراً، وإيماناً، وسياسة، واقتصادا، وعلماً.
رفع شعار الموت لأمريكا، بعد أن أعلن أن الله هو أكبر من كل ملك، وكل طغيان وكفر، وأتبع بالموت لإسرائيل، واللعة على اليهود، وختم كل ذلك بالنصر للإسلام، تحركت أمريكا بعملائها والخونة المتعاملين معها للتشكيك والتحذير، ولم يهدأ لها بال حتى ألقت العداوة والبغضاء وأشعلت الحرب عليه، حتى لقي الله شهيداً مقبلاً غير مدبر، ما ضر أمريكا والخونة والعملاء لو أنهم لم يحاربوه، وتركوه وشأنه، لكن ذلك لن يكون، لأن التحرك الإيماني يخيفهم ويقض مضاجعهم وهي في المقام الأول والأخير سنة الله في التدافع، «وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ».
مات الشهيد القائد وعاشت أفكاره حيه يحيا بها الملايين ويهتفون بها في كل أرجاء العالم وكم من أناس يعيشون ولا يحركون حتى أنفسهم، وذلك هو الأثر للمسيرة القرآنية التي اختار السير على خطاها وهداها، وهي مسيرة متصلة ومستمرة لا تهدأ ولا تستكين، تهدي الخير للعالمين، وتحارب الظلم والإجرام والطغيان والمستكبرين، ومن أهم خصائصها وأعظمها أنها لا تتأثر بحياة إنسان وآخر، بل تستمر ويستمر عطاؤها لمن اختارها حتى لو بذل الروح في سبيلها قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) وقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ).
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حسين خوجلي: للمرة الخامسة يطلقون إشاعة لمغادرتنا لهذه الفانية (خمسة مرات يا مفترين)
إشاعة
للمرة الخامسة يطلقون إشاعة لمغادرتنا لهذه الفانية (خمسة مرات يا مفترين) ، شكرا نبيلا لكل الذين اتصلوا بنا يسألون عن الإشاعة، أطال الله عمر الجميع في الصالحات.
ولي دعاءٌ من زمان بعيد مفاده ” اللهم لا تجعلنا نغادر هذه الفانية إلا بعد أن نرى رأي العين راية التوحيد وقد رفرفت في كل العواصم من طنجة إلى جاكارتا” فإن حدث هذا وليس على الله ببعيد فترحموا علينا فنحن لا نطمع إلا أن نكون من فقراء الجنة.
ولكي نُخرج الناس من وعثاء الإشاعة تحضرني إحدى اللطائف عن الضابط الشاعر الكبير والدبلوماسي الراحل الادروب المعذب في الأرض أبو آمنة حامد، أن صحيفة الانقاذ في بداية التسعينات التي كان يترأس تحريرها الاستاذ الراحل موسى يعقوب نشرت في صفحتها الأولى خبرا مفاده رحيل الاستاذ الشاعر أبو آمنة حامد صاحب تلك الروائع من الفصحى والعامية، وأفاضت في القول عن مزايا الراحل ولم يكن الخبر صحيحاً.
ولأن الهواتف السيارة لم تنتشر بعد حكى لي الاستاذ الشاعر الوزير عبد الباسط سبدرات رد الله غربته بالحكاية التالية على طريقته اللطيفة في السرد مما يجعله احد زعماء الابداع والمؤانسة في بلادنا قال ( حين سمعت الخبر المفجع برحيل صديقنا الشاعر الظريف أبو آمنة هرعت جزعا إلى منزله الكائن باحدى الأحياء الشعبية بالخرطوم بحري، وقبل أن نغادر الخرطوم أمرت السائق أن يقف في إحدى البقالات الراقية واشتريت جوالا من السكر ودسست مبلغا محترما في ظرف واتجهت صوب بيت العزاء. وعندما دلفنا إلى الشارع الفرعي المعهود لم نجد سرادق العزاء ولم نجد اهل بحري المحتفين بالرجل وأشعاره ونكاته وسخريته من الناس والحياة. توقفت السيارة أمام منزله وكان هنالك احد جيران أبو آمنة يقف ببابه فسألناه وقبل أن يجيب أطل أبو آمنة مسرعا ودهمني قائلاً : (أنا حي ولكني لا أرزق يا عبد الباسط وعلي الطلاق الجبتو ما بترجع بيهو)
عانقته طويلا وبكينا معا ولم أصدق بأن أعين أبو آمنة قد أبقى بها الزمان البائس من دموع، أمرت السائق أن يحمل جوال السكر إلى داخل منزل المرحوم الحي ودسست في يده المظروف المالي برفق. ودعته وأسرع ليقف خلف الباب فقاطعته: إلى أين أنت ذاهب يا أبو آمنة؟
قال بضحكة مجلجلة: ذاهب لأقف وراء الباب منتظرا ضحيةً أخرى.
رحم الله أبو آمنة فكلما أضاءت سيرته أطلت رائعته:
الرهيف قلبو
بيعيش في شكو اكتر من يقينو
تستبيهو نظرة جارحة
وتحترق بالحب سنينو
ما نسيناك ما جفيناك
جايي تعمل ايه معانا .. بعدما ودرتنا
لم يكن أبو آمنة الرامز يخاطب حبيبته، بل كان يخاطب كل ما افتقده من بلاده من مودة وشوق ورضا .. إنا لله وإنا إليه راجعون
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتساب