جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-31@00:18:05 GMT

تقلُّب الآراء

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

تقلُّب الآراء

 

 

ماجد المرهون

[email protected]

 

 

يُقال في المثل الدارج: "كل شيء إذا قلبته قلَّ، إلّا الكلام إن قلبته زاد"، ونجد دومًا مصداق ذلك في تقليب الكلام بتقلب آراء وأفكار وخطط الأساسيين من كبار القادة والساسة الغربيين والثانويين من الآسيويين وبحسب أهمية الموقف، وقد لاحظناه مؤخرًا بشكلٍ ملفت للنظر بدايةً بالرئيس الأمريكي والرحالة وزير خارجية حكومته ومع رئيس الوزراء البريطاني المثير للجدل والمستشار الألماني وإن تأخر ظهوره على مسرح الأحداث بعكس الفرنسي الذي ظهر لامعًا في البداية وبدأ بالخفوت التدريجي إلى درجة الأفول بينما لعب الياباني والهندي دور ضيف الحلقات، ليبدأ الإيطالي بالظهور بعد صمتٍ طويل يليه الأرجنتيني وربما يوجد المزيد من لاعبي الأدوار مختبئين وراء الكواليس وينتظرون دورهم في ترتيب السيناريو.

المستقرئ لمثل هذه الآراء في احتدامها وتنافسها في التصعيد والتكثيف، لن يجد غضاضة في تمييز الكاذب منها والصادق ولا صعوبة في استخلاص الحقيقة، وليس بالضرورة أن يكون ذي حنكةٍ وخبرةٍ سياسية  حتى يلاحظ تضاربها. ولكن قد يسأل لماذا تتقلب هذه الآراء وتزداد حدتها عندما تحرك أمريكا بركة الماء الراكد في تصريحات رئيسها ليتبعه البقية وعندما يسكت أسبوعًا يسكتون حتى تصفو عكارة الماء ثم تُعاد الكرة من جديد، وهل كل رؤساء هذه الدول تحركهم قوة خفية تجبرهم على تغيير آرائهم والتي غالبًا ما تتسق مع مد وجزر الرأي الأمريكي؟ يبدو ذلك كذلك بعد أن باعوا مبادئهم الأخلاقية منذ زمن بعيد.

بات واضحًا الآن أن الصهيونية هي القوة الخفية التي تحكم الولايات المتحدة الأمريكية وتتحكم بتوزيع حصص المال والأعمال وتعد بالسُلطة والنفوذ والمشاريع، وطبعًا لا أتحدث عن المشاريع الوطنية؛ فهي أمر لا بُد منه ضمن "نداء الواجب" وتُمليه الشروط الوظيفية، ولكن أتحدث عن المشاريع الشخصية للرؤوس الكبيرة من حملة ألوية القيادة بعد انتهاء فترة خدمتهم الرسمية أو عند التقاعد، مثل مشاريع شركات النفط وشركات صناعة الأدوية وأسهم شركات المال والاتصالات وصناعة التقنيات والمختبرات البيولوجية وغيرها، وليس ديك تشيني ودونالد رامسفيلد عن ذلك ببعيد، وجورج بوش الأب والابن، وتوني بلير، وهنتر ابن جو بايدن، وغيرهم الكثير والكثير من الأمثلة ولن ننتهي اليوم إن تحدثنا عنها.

لنلج الآن إلى صلب المراحل الثلاثة التي تقلب فيها الكلام وتدحرجت بينها الآراء للدول الغربية الداعمة للنازية الجديدة في الدولة الصهيونية وهي: "البداية المتوسطة والخدّاعة"؛ حيث بدأوا كلهم بالتنديد نتيجة الصفعة المفاجئة التي تلقوها يوم 7 أكتوبر على مشاريعهم، ثم التهديد بالانتقام من المقاومة باعتبارها "الإرهاب" الذي يُقوِّض خططهم ويتعارض مع مصالحهم الشخصية قبل الوطنية، ويضر بمنافعهم التي وُعِدوا بها في المستقبل الزاهر القريب، وتتخذ قنوات أخبارهم العريقة أهبة الاستعداد لبدء بث أكاذيبهم عاجلًا لتبرير تحريك البوارج والطائرات والمعدات والقوات والأسلحة والأموال للقضاء على غزة المحاصرة بالتعاون مع الجيش الصهيوني الخبير في قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء والعزل الساعين لكسب قوتهم والحيوانات وكل دابة بها روح، وتجريف المدن والشوارع والأشجار والمزارع وسرقة الممتلكات من البيوت كما سرق بنو إسرائيل ذهب المصريين قبل هروبهم من فرعون وجنوده، ويبدو أن العِرق دسّاس.

توجهت الحرب الإعلامية السريعة مع الجزء الثاني من مرحلة البداية إلى تقييد المحتويات ومحاربة الحقائق على مواقع التواصل الإجتماعي بإيعاز من الصهيونية الحاكمة، ثم مواجهة حملة التعاطف مع فلسطين بكل الأساليب، بيد أنها لم تُجد نفعًا حسب المتوقع؛ إذ كانت الموجة الشعبية أكثر وأكبر من مجابهتها والتصدي لها، وحققت عشوائيتها انتصارًا ساحقًا في الجولة الأولى ضد منهجية القنوات الكاذبة، وبناءً عليه فلا بُد من الانتقال إلى المرحلة المتوسطة، والتي تعمد إلى استخدام الوسطية وغالبًا ما تكون أكثر ميلًا للعب على الوتر العاطفي، وقد لمسنا تبيان ذلك في تعاطفهم الشديد وحزنهم العميق على عدة قتلى من الجانب الصهيوني، يُقابله تعاطف ضعيف وحزن سطحي على عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين، ولا مناص من إظهار الوسطية الإعلامية مع الجزء الثاني من المرحلة المتوسطة بعد أن بدت أكاذيبهم للأولين والآخرين في الأسبوع الأول لطوفان الأقصى، وجعل إعلامهم أكثر واقعية ونزاهة لإنقاذ شيء من خبزه المحروق واستعادة ماء وجهه المهروق بعد ما عرَّت مواقع التواصل مطابخهم الإخبارية وجعلت منهم أضحوكة للعالمين.

ومع جدليات المرحلتين السابقتين، دخل نفس القادة من الذين غضبوا وكذبوا ثم نددوا وهددوا في طور الإنسانية بغتةً دون مقدمات أو تمهيد بالحديث عن المساعدات الواجب إيصالها مع أنهم لم يحركوا ساكنًا في هذا الشأن سوى الكلام عن القتلى الذي تجاوز أخلاقيات السكوت عنه مع إحجام الكيان الصهيوني عن الإشارة إلى هذا الملف، حتى فضحهم محاميو جنوب أفريقيا من حيث لا يحتسبون، لنصل في التقليبات أخيرًا إلى المرحلة الثالثة وهي الخدعة، حين طرأ موضوع الإعتراف بفلسطين كنوع من الوعود التي يعلم الجميع أنها كاذبة، كما اعتدنا، وبالطبع لن تترد أمريكا في استخدام النقض لألف سنة أو ما بقي الكيان الصهيوني المحتل مُتماسكًا.

لقد لاحظنا بسهولة ويسر وبكل جلاءٍ وصفاء الأخلاق الغربية المُتكيِّفة مع تقلُّب المصالح المُغلَّفة بالوطنية في هذه المرحلة الحاسمة من عمر القضية الفلسطينية، وتأكد لكل شعوب العالم أن تفادي إيقاع الأذى بالآخرين هو آخر ما يفكر به قادتهم وساستهم، وعندما يتركز مفهوم الأخلاق في عدم إيذاء الآخر نجد أن الشغل الشاغل لإسرائيل هو إيذاء الآخرين بكل الطرق والسبل، وهو ما يفسر لنا الحضيض الأخلاقي الذي وصلت له الصهيونية وقادتها وجيوشها.

وهنا يطرأ سؤالان بقوة؛ هما: لماذا كل سكان وجنود الكيان المحتل وقادتهم منغمسون في عشق إيذاء غيرهم؟ وهل يتمتعون بسلام داخلي حقيقي وتصالح ذاتي مع أنفسهم بعد حجم الجرائم التي اقترفوها؟ والجواب هو أن الحقد والكره وإيذاء الآخرين قد بلغ فيهم مبلغ التوارث الجيني ولن يتغير مع هذا الجيل {وإنك إن تَذرهُم يُضلوا عِبادك ولا يلِدوا إلا فاجِرًا كَفارا} (نوح: 27).

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نسرين مالك: المجاعة في غزة جريمة متعمّدة… الأفعال أبلغ من الكلام

قالت الكاتبة والصحفية السودانية البريطانية نسرين مالك، في مقال نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، إن العبارات السياسية المكررة وبضع شاحنات من المساعدات لن تنقذ الأطفال الذين يموتون الآن في غزة، لكنها على الأقل تكشف أن القادة لا يمكنهم تجاهل الرأي العام إلى الأبد.

وأشارت الكاتبة إلى أن الأطفال هم أول من يموت في ظروف المجاعة، نظرا لاحتياجاتهم الغذائية العالية مقارنة بالبالغين، وضعف أجهزتهم المناعية التي لم تكتمل بعد، موضحة أن نوبة إسهال واحدة قد تكون قاتلة، وأن جروحهم لا تلتئم، وأنهم لا يستطيعون حتى الرضاعة لأن أمهاتهم لم يأكلن. وتابعت: "هؤلاء يموتون بمعدل يفوق ضعف معدل وفيات البالغين".

وأضافت أن 21 طفلا في غزة قضوا بسبب الجوع وسوء التغذية خلال 72 ساعة فقط من الأسبوع الماضي، لافتة إلى أن طريق الموت جوعا بطيء ومؤلم، لا سيما في منطقة تعاني من نقص شامل في الغذاء والدواء والماء النظيف والمأوى. 

وقد تجاوز عدد الوفيات بسبب الجوع 100 شخص نهاية الأسبوع، 80 منهم أطفال. ونقلت عن عامل إغاثة أن أطفالا في غزة باتوا يقولون لذويهم إنهم يريدون الموت والذهاب إلى الجنة، لأن "الجنة على الأقل فيها طعام".

مجاعة "متوقعة" و"متعمدة"
وأكدت الكاتبة أن كل هذه الوفيات، وتلك التي ستتبعها، "كان من الممكن تفاديها". فبحسب منظمة الصحة العالمية، المجاعة في غزة "من صنع الإنسان"، لكنها، تضيف الكاتبة، أكثر من ذلك: "إنها متوقعة، وبالتالي متعمّدة". 

وأوضحت أن الحصار الإسرائيلي حال دون دخول آلاف الأطنان من المساعدات أو توزيعها على المحتاجين، وفق ما أفادت به منظمات إنسانية تعمل في القطاع.

وانتقدت ما يسمى بـ"التوقف التكتيكي" للعملية العسكرية الإسرائيلية لبضع ساعات يوميا في ثلاثة مناطق داخل القطاع، للسماح بدخول جزء من المساعدات، قائلة إن ذلك لا يخفف من أزمة تفاقمت عبر الزمن. ووصفت المجاعة بأنها "المرحلة الأخيرة من حملة امتدت لعامين، وصلت إلى حدّ لا تصفه الكلمات".

وقالت الكاتبة إن ما يحدث في غزة "لا يمكن اختزاله بمجرد مفاهيم كالإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو العقاب الجماعي"، مشيرة إلى أن كل هذه الأوصاف لا تعبّر بشكل كامل عن بشاعة الواقع، حيث يُقتل الفلسطينيون في بيوتهم، وخيامهم، وعلى أسرّة المستشفيات، ويُطلق النار عليهم أثناء انتظارهم للطعام، والآن… يتضوّرون جوعا.

وتابعت: "لم يعد مهما الاسم الذي نُطلقه على ما يجري. يكفي أن ترى عظام طفل بارزة من جلده الرقيق، يُمنع عنه الغذاء من قبل جنود إسرائيليين، لتدرك أن ما يحدث جريمة تتطلب تحركا فوريا".


التنديد اللفظي لا يطعم جائعا
وانتقدت الكاتبة مواقف القادة الغربيين، واصفة إياها بـ"التهويل اللفظي" دون فعل حقيقي. ولفتت إلى منشور لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على منصة "إكس"، قالت فيه إن الصور الواردة من غزة "لا تُطاق"، وإنها دعت الاحتلال الإسرائيلي إلى "الوفاء بتعهداتها". وعلّق أحد مسؤولي منظمة "أوكسفام" على ذلك، واصفًا التصريحات الأوروبية بأنها "جوفاء" و"محيرة".

وأضافت أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثبت مرارا وتكرارا أنه لا يعتزم الالتزام بأي وعود. وذكّرت بتصريحات وزير في حكومته قال فيها: "لا توجد دولة تغذي أعداءها"، و"نحن نندفع نحو إبادة غزة"، وأن سكان القطاع "ربّوا أجيالهم على فكر كتاب كفاحي"، في إشارة إلى أدبيات النازية.

ورأت الكاتبة أن "الحقيقة هي أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك هدفا استراتيجيا واضحا لهزيمة حماس، بل تواصل تغيير أهدافها، فيما يربط نتنياهو بقاءه السياسي باستمرار الحرب إلى أجل غير مسمى".

فجوة تتسع بين الشارع والمؤسسات
وفي ظل استمرار القتل والمجاعة، أشارت مالك إلى أن حالة الاستنزاف في غزة أصبحت عاملا مزعزعا للاستقرار الإقليمي والدولي، مضيفة: "كلما انكشف حجم الدعم الغربي الصلب والبارد لأفعال إسرائيل، تراجعت مصداقية هذا الدعم وشرعيته".

ورأت أن هناك مواجهة تتبلور بين المؤسسات السياسية والجمهور، في ظل واقع لم يعد يُحتمل. واعتبرت أن التصريحات الأخيرة لقادة سياسيين كزعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر، التي جاءت في شكل "كلام عاطفي" عن غزة، ليست سوى محاولة لتنفيس الغضب الشعبي، ومنع تحوّل الأزمة إلى مشكلة سياسية داخلية لحكومات محاصَرة شعبيًا.

وقالت الكاتبة إن هذا النوع من الخطاب ليس إلا "جزءًا من لعبة مكشوفة، تهدف إلى الحفاظ على صورة إسرائيل كفاعل أخلاقي مهما بلغت انتهاكاتها، مع الإيهام بأن أي تجاوز ستتم محاسبته". لكنها أوضحت أن اللعبة تقوم على تأجيل المواجهة الحقيقية باستمرار، عبر رسم "خطوط حمراء" جديدة، ونقاط تحول متكررة، مما يجعل "نقطة القطيعة الضرورية" مع الاحتلال الإسرائيلي بعيدة باستمرار.

وأضافت: "في كل مرة تقتل فيها إسرائيل عمال الإغاثة، أو طالبي المساعدات، أو تجوّع أطفالًا حتى الموت، يبدأ الغرب موجة جديدة من التلويح بالأصابع… ثم لا يحدث شيء".


الاحتجاج.. رغم كل شيء
وفي ختام مقالها، شددت نسرين مالك على أن الاحتجاج، رغم ما يبدو عليه من ضعف أو قلة تأثير، يبقى الوسيلة الوحيدة المتاحة للضغط على القوى القادرة على كبح الاحتلال الإسرائيلي، من خلال وقف التعاون العسكري والتجاري معها.

وكتبت: "قد يبدو الاحتجاج كأنه صرخة في الفراغ، لكن التغيير الطفيف الذي حدث – مثل دخول بضع شاحنات مساعدات إلى غزة – تحقق فقط بفضل ضغط الناس في الشوارع".

وأضافت أن من الصعب التنبؤ بكيفية ترجمة هذا الضغط إلى تغيير حقيقي، خاصة بعد سنوات من الرضوخ لأساليب التهدئة الشكلية، والتي تسببت في إنهاك نفسي وذهني جماعي. وقالت: "في كل مرة نُقنع أنفسنا بأن الأمور ستتغير، يمرّ بعض الوقت، ثم نكتشف أنها لم تتغير فقط، بل ساءت".

وختمت مالك بالقول إن الهدف من هذا الخطاب الغربي الزائف هو "إسكات الجماهير بالضجيج الكلامي، وتشتيت انتباهها ببعض الانتصارات الوهمية، مثل الاعتراف بدولة فلسطينية لا تملك أي أدوات سيادية". 

وأضافت: "إنها ممارسة للتغطية على الجرائم، وتبييض للسمعة، وإدارة للرأي العام، فيما الأبرياء يموتون جوعًا. وكل ما ليس فعلاً… هو مجرد ضجيج".

مقالات مشابهة

  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • إتفضل يامناوي دااااك الشارع ماتكتر الكلام
  • مكون الحراك الجنوبي يبارك إعلان المرحلة الرابعة من الحصار البحري على العدو الصهيوني
  • أبعاد المرحلة الرابعة من الحصار البحري على كيان العدو الصهيوني
  • نسرين مالك: المجاعة في غزة جريمة متعمّدة… الأفعال أبلغ من الكلام
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • المشترك يبارك المرحلة الرابعة من التصعيد البحري ضد العدو الصهيوني
  • رئاسة مجلس الشورى تبارك قرار القوات المسلحة إعلان المرحلة الرابعة من الحصار البحري على العدو الصهيوني
  • الأحزاب المناهضة للعدوان تبارك بدء المرحلة الرابعة من الحصار البحري على العدو الصهيوني