“إسرائيل والسودان”: أصول علاقات سرية بين عامي 1954 و1964م
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
“Israel and Sudan”: The Origins of Clandestine Relations (1954 – 1964)
إيلي فوده وأندرو فيلسينثال Elie Podeh and Andew Flesenthal
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة لمُستَخلَص وِاستنتاجات مقال من 28 صفحة بقلم الدكتورين إيلي فوده وأندرو فيلسينثال عن تاريخ العلاقات السرية بين إسرائيل وبعض قادة السودان بين عامي 1954و1964م، نُشِرَ في شهر مايو من عام 2023م بالمجلد 28.
يعمل كاتبا المقال في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية بالقدس. وللكاتب الأول عدد كبير من الكتب والمقالات في الدوريات المحكمة، والكتابات الصحفية في مجال تخصصه.
وقد يُعد هذا المقال تحديثاً لمقال مشابه له في الموضوع، نشر في 1999م بعنوان "إسرائيل والسودان: ملحمة علاقة غامضة" تجد في هذا الرابط ترجمة له من جزئين: https://shorturl.at/bwBHU ؛ خاصة وأن الكاتبين ذكرا في مقدمة مقالهما هذا أن إسرائيل والسودان وقعا في 23 أكتوبر من عام 2020م مذكرة تهدف لتطبيع العلاقات بينهما، جاءت تتويجاً لسلسلة من المحادثات السرية بين الجانبين كانت قد بدأت في عام 2019م.
ولا يخفى أن ما ورد في هذا المقال يعبر بالطبع عن وجهة نظر كاتبيه، وهناك من السودانيين من تصدى لتفنيد ما قيل وكتب عن علاقة ما بين الإسرائيليين وحزب الأمة، منهم السيدة رباح الصادق في مقالها المنشور في 15 يونيو 2011م (https://shorturl.at/awTZ2). وهناك مقال آخر بقلم المؤرخ أحمد إبراهيم أبو شوك عنوانه: "هل زار السيد عبد الرحمن المهدي إسرائيل: الادعاء والحقيقة" (https://shorturl.at/aIR48).
المترجم
************ ********** ***********
المُستَخلَص ABSTRACT
شهدت السنوات بين 1954 و1964م مرحلتين من الصلات السرية بيم ممثلين إسرائيليين وسودانيين. وفي المرحة الأولى (بين عامي 1954 و1958م) كانت إسرائيل قد بدأت في إنشاء وتطوير صلات سرية بحزب الأمة في محاولة منها لإقامة الطبقة الجنوبية من "تحالف الأطراف" مع إثيوبيا والسودان ضد مصر الناصرية. غير أن ذلك المسعى أُحْبِطَ بعد حدوث انقلاب إبراهيم عبود في عام 1958 م. وإبان المرحلة الثانية (التي بدأت عام 1961م) أقام قسم السياسة والتخطيط الاقتصادي بوزارة الخارجية الإسرائيلية علاقات سرية ببعض المسؤولين السودانيين المحددين بغرض مساعدة السودان في منافسة مصر في عهدها الناصري، وهي الدولة المنافسة الأولى له في سوق القطن العالمي، من أجل توجيه ضربة قوية للاقتصاد المصري، وكذلك للمقاطعة العربية لإسرائيل. وعلى الرغم من أن قسم السياسة والتخطيط الاقتصادي بوزارة الخارجية الإسرائيلية كان قد قدم لنظام عبود في البدء معلومات مجهولة المصدر، إلا أنه مع مرور الوقت، تبين للجانب السوداني هوية من كانوا "يتبرعون" لهم بالمعلومات، ولم يعترضوا عليهم. ويكشف هذا المقال مدى الصلات السرية بين إسرائيل والسودان والطرق البارعة التي قاومت بها إسرائيل مصر والمقاطعة العربية.
الاستنتاجات CONCLUSIONS
أقامت إسرائيل العديد من الاتصالات المهمة مع عناصر سياسية بالسودان في غضون السنوات بين 1954 و1964م. ويمكن تقسيم ذلك العقد إلى فترتين: الأولى امتدت من عام 1954 إلى 1958م، وقد تم التركيز فيه على العلاقة بين إسرائيل وحزب الأمة؛ أما الفترة الثانية، التي امتدت بين عامي 1958 حتى 1964م، فقد تركزت على العلاقة بين إسرائيل وأعضاء في نظام الفريق عبود. وقد كانت إسرائيل تسعى في الفترتين إلى تحقيق أهداف متشابهة تمثلت في الحد بطرق سياسية واقتصادية من النفوذ المتزايد لعبد الناصر في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا. وسعت إسرائيل – بحسبانها دولةً معزولة في الشرق الأوسط – للعثور على دول حليفة لها في أطراف العالمين العربي والإسلامي، وهي تأمل في أن "لا تحدث فقط أضراراً بسوق القطن المصري، بل أن تحصل أيضاً على حلفاء"، كما جاء في تقرير صدر عن قسم السياسة والتخطيط الاقتصادي بوزارة الخارجية عام 1962م. وتبين الكثير من مواد الأرشيف الإسرائيلي أن السودان كان بالفعل قد غدا حليفاً لإسرائيل في معظم سنوات خمسينيات القرن العشرين، وحافظ على قنوات اتصال سرية صديقة معها في بدايات ستينيات القرن العشرين.
وبالنسبة للسودان، كانت إسرائيل تُعد شريكاً نافعاً له في كبح طموحات مصر الأيدلوجية والإقليمية، ومنافستها اقتصادياً، خاصة في مجال القطن. وكان السودان يرى أن العلاقة مع إسرائيل مفيدة بالنسبة له في مسألة تقوية صلاته مع القوى الفاعلة على المستوى الإقليمي والعالمي – خاصة فرنسا وبريطانيا، والتي تشاركه التظلم والشكوى من مصر الناصرية. وبالإضافة لذلك، كانت إسرائيل تشارك – بطريقة غير مباشرة – في الحفاظ على استقرار نظام عبود، وذلك بمساعدته في أمر تسويق القطن.
ومع ذلك، فإن الاختلافات بين الفترتين تصبح واضحةً عند النظر في نطاق ومدى تلك العلاقات. فعلاقات إسرائيل مع حزب الأمة، وإن كانت سرية الطابع، إلا أنها كانت واسعة وعميقة. وكان الاتصال المباشر بين المندوبين الإسرائيليين وأبرز أعضاء حزب الأمة قائماً منذ عام 1954م، واستمر حتى الإطاحة بحكومة الأمة في انقلاب قاده (الفريق إبراهيم) عبود في عام 1958م.
إن حقيقة طرح السودان وإسرائيل لفكرة إنشاء جزء جنوبي من تحالف المحيط (مع إثيوبيا) تقف شاهدةً على أهمية الاتصال السري في "عهد عبود"، رغم أن محاولة دمج السودان ضمن "محيط التحالف" باءت بالفشل. وتظهر تلك الحادثة أن التفكير الإسرائيلي في هذا التحالف كان بعيد المدى ولم يقتصر على الطبقة الشمالية (أي تركيا وإيران) فحسب. في المقابل، كانت اتصالات إسرائيل السرية في عهد عبود أكثر محدودية، حيث كانت قد أُجْرِيَتْ فقط مع دائرة صغيرة من المسؤولين، وكانت معنية فقط بالتعاون في مجال القطن.
وعندما وقف السودان متضامناً رسمياً وعملياً مع الموقف المصري عقب انتهاء مؤتمر القمة العربي في عام 1967م، قررت إسرائيل أن تستجيب لطلبات المسيحيين في جنوب السودان، وأن تساعدهم في ثورتهم/ تمردهم على النظام المركزي. وقد تم توثيق تأييد إسرائيل لمنظمة الأنانيا ونُشِرَ عن ذلك الكثير (ذكر الكاتبان هنا عناوين بعض الكتب والمقالات المحكمة عن تلك المسألة. المترجم). ولم تعد العلاقات السودانية – الإسرائيلية إلى سابق عهدها إلا بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين، وذلك في عهد الرئيس جعفر محمد نميري (1971 – 1985م)، وتجلى ذلك بصورة خاصة في ترحيل اليهود الإثيوبيين (بيتا إسرائيل Beta Israel) إلى إسرائيل. لذا لا ينبغي النظر إلى (محاولة) ضم السودان إلى اتفاقيات إبراهيم/ الاتفاقيات الإبراهيمية بحسبانه تحولاً مفاجئاً أو غير متوقع، بل ينبغي النظر إليه باعتباره تتويجاً لدوافع ومصالح خفية طويلة الأمد جمعت بين البلدين.
لقد أظهرت العلاقات بين الإسرائيليين والسودانيين بين عامي 1954 و1964م مهارة وبراعة قسم السياسة والتخطيط الاقتصادي بوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي أفلح – رغم كل الظروف غير المواتية – في إنشاء علاقات عمل مع مسؤولين سودانيين رفيعي المستوى؛ تلك العلاقات التي كادت أن تتوج بإنشاء الطبقة الجنوبية من "تحالف الأطراف" مع إثيوبيا والسودان. وعلى الرغم من فشل تلك المحاولة نتيجةً لتطورات داخلية في السودان، إلا أن قسم السياسة والتخطيط الاقتصادي بوزارة الخارجية الإسرائيلية والموساد قد نجحا رغم ذلك في إقامة تحالف اقتصادي مع السودان ضد مصر، كان في مصلحتهما معاً. ومن المثير للاهتمام، وعلى الرغم من الموساد هو الجهة المسؤولة تقليدياً عن علاقات إسرائيل السرية مع الأقطار التي ليس لإسرائيل علاقات دبلوماسية معها، إلا أن وزارة الخارجية كانت هي من قادت تلك المبادرة. وبالإضافة لذلك، وخلافاً لحالات حدثت في الماضي أو ستحدث في المستقبل، فقد تعاون قسم السياسة والتخطيط الاقتصادي والموساد في تمتين العلاقات الإسرائيلية – السودانية. وفي مقبل السنوات سيتولى الموساد بمفرده مهمة العلاقات السرية بين إسرائيل والسودان.
alibadreldin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: کانت إسرائیل بین إسرائیل السریة بین سریة بین فی عام إلا أن
إقرأ أيضاً:
“أورومتوسطي”: “إسرائيل” تجنّد عصابات ومرتزقة لارتكاب مجازر في غزة
الثورة نت/..
اتهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (حقوقي مقره جنيف)، اليوم الإثنين، قوات العدو الإسرائيلي بتجنيد عصابات محلية ومرتزقة أجانب من شركة أمنية أميركية خاصة.
وقال المرصد، في بيان، إن الهدف من هذه العصابات تنفيذ عمليات قتل جماعي للفلسطينيين المجوّعين قرب نقاط توزيع المساعدات في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، محذرًا من سياسة ممنهجة لتحويل مشاهد الإغاثة الإنسانية إلى ساحات للمجازر والفوضى، وفق وكالة “قدس برس”.
وذكر “الأورومتوسطي” أن فريقه الميداني وثق قيام جيش العدو إلى جانب عناصر من عصابة مسلحة محلية أنشأها، بإطلاق النار بشكل مباشر على مئات المدنيين الذين تجمعوا قرب نقطة لتوزيع المساعدات أقامها جيش العدو الإسرائيلي في منطقة “العَلَم” غربي رفح، ما أسفر عن استشهاد 14 مدنيًا على الأقل، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة.
وأكد المرصد أن الشهادات التي جمعها من أكثر من 12 شاهدًا، بينهم مصابون، أفادت بأن مركبات عسكرية تقل مسلحين يرتدون زيًا يحمل شعار “جهاز مكافحة الإرهاب الفلسطيني” – وهو زي تعتمده ميليشيا تعرف باسم “عصابة أبو شباب” – أطلقت الرصاص مباشرة على الحشود بعد أن أمرتهم بالتفرق، في مشهد يعكس سياسة القتل العشوائي والترويع.
وأوضح أن هذه العصابة تعمل بتنسيق مباشر مع قوات العدو الإسرائيلي، وتتخذ من مناطق سيطرة العدو مقرات لها، وهي متورطة في أعمال نهب منظمة لمساعدات إنسانية، بما في ذلك شاحنات أممية، تحت حماية طائرات استطلاع صهيونية من نوع “كوادكابتر”، حيث تُنقل المساعدات المنهوبة إلى مناطق خاضعة لسيطرة العدو وتُباع بأسعار باهظة.
وأشار “الأورومتوسطي” إلى أن قوات العدو الإسرائيلي أقحمت مرتزقة أجانب يعملون لصالح شركة أمنية أميركية في عمليات الإشراف على نقاط المساعدات، وقد وثق المرصد إطلاق أحد هؤلاء المرتزقة النار مباشرة على أحد المدنيين ما أدى إلى استشهاده، كما استخدم المرتزقة قنابل غازية لتفريق الحشود.
ولفت إلى أن حكومة العدو الإسرائيلي، وعلى لسان رئيس وزرائها، مجرم الحرب المطلوب لمحكمة الجنايات الدولي، بنيامين نتنياهو، “أقرت رسميًا بتشكيل ميليشيات محلية تُسند لها مهام أمنية وقتالية في القطاع، وهو ما يحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية القانونية المباشرة عن انتهاكاتها كقوة احتلال بموجب اتفاقيات جنيف، لا سيما في حماية المدنيين وعدم تفويض الانتهاكات”.
وأضاف أن “عناصر الشركة الأمنية الأميركية ينخرطون في أعمال قتالية بشكل مباشر، ويتلقون توجيهات عملياتية من الجيش “الإسرائيلي”، ما يجعلهم مرتزقة بموجب التعريف الدولي الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1989، التي تحظر تجنيدهم وتمويلهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة”.
ودعا المرصد إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة بشأن الجرائم المرتكبة من قبل هذه العصابات والمرتزقة، وملاحقة المتورطين قضائيًا على المستوى الدولي أو ضمن الولايات القضائية الوطنية.
وطالب بإدراج الشركة الأمنية الأميركية ضمن قوائم الشركات المتواطئة في جرائم حرب، وفرض حظر شامل على تعامل المؤسسات معها.
كما طالب المرصد، السلطة الفلسطينية بإعلان موقف حازم من هذه العصابة، والتحقيق في المزاعم المتعلقة بتنسيقها مع جهات في السلطة، واتخاذ إجراءات قانونية فورية ضد أي تواطؤ محتمل في انتهاكات تستهدف المدنيين.
شدّد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، بما يشمل فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على إسرائيل، وتجميد أصول شركات ومسؤولي العدو الإسرائيلي المتورطين، ووقف تصدير الأسلحة إليها، وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق.
وختم المرصد بيانه بالتأكيد على أن ما يجري في قطاع غزة من قتل وتجويع وتفويض للعنف يمثل نمطًا ممنهجًا لانتهاكات جسيمة ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستدعي محاسبة دولية فورية ومباشرة.
وبدعم أميركي وأوروبي، يرتكب جيش العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 54,927 مواطنا فلسطينياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 126,615 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.