بنتائج أعلى من المتوقع.. كيف حاز برابوو انتصارا سهلا في الانتخابات الإندونيسية؟
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
جاكرتا- أظهرت نتائج العد السريع، الذي تجريه مراكز استطلاعات الرأي مع الناخبين في إندونيسيا عند خروجهم من مراكز الاقتراع، تقدم المرشح الرئاسي برابوو سوبيانتو بفارق شاسع عن المرشحَين الآخرين، وبأكثر من ضعف الأصوات عن الذي يليه، بما يؤهله لحسم السباق الرئاسي من الجولة الأولى.
ورغم أن النتائج الرسمية والتي ستعلنها مفوضية الانتخابات في 20 مارس/آذار القادم، بعد فرز كافة الأصوات وتلقي الاعتراضات والطعون والبت فيها، فإن نتائج العد السريع بعد فرز قرابة 90% من الأصوات، وهي نتائج غير رسمية وتصدر عن عدة مراكز إحصاء، فأظهرت حصول المرشح برابوو على ما يقارب 58% من الأصوات بالمتوسط، وهي أكثر من نسبة 50%+1 المطلوبة للفوز، فيما حصل منافسه أنيس باسويدان على نسبة تقارب 25%، وجاء ثالثا غانجار برانوو بنسبة 17%.
وتعتبر هذه النتيجة قريبة مما كانت تتوقعه استطلاعات المراكز المتخصصة ذات المصداقية في إندونيسيا، إلا إن الأصوات التي حصل عليها برابوو جاءت أعلى من المتوقع بحوالي 5%.
ويبدو أن هذه النتائج قد حسمت المشهد الانتخابي لصالح برابوو بحكم الفارق الكبير بينه وبين أنيس، فتعجل برابوو والمتحالفون معه (8 أحزاب) بالاحتفال بالانتصار السهل الذي حققوه، وأقاموا احتفالا في قاعة بمنطقة سناين جنوب جاكرتا.
وشكر برابوو في خطاب الانتصار الشعب الإندونيسي بغض النظر عن اختياراتهم في الانتخابات، فالمهم حسب رأيه أن "الانتخابات الأكبر في العالم والتي تجري في يوم واحد تمت بشكل سلس وتنظيم دقيق، دون وقوع ما يعكر نزاهتها"، وشكر مفوضية الانتخابات وكل من شارك في إنجاح العملية الانتخابية.
وأكد برابوو أنه سيشكل مع نائبه غيبران رئاسة لكل الشعب الإندونيسي، دون النظر إلى أديانهم أو مواقفهم السياسية، لكنهما سينتظران النتيجة النهائية التي ستعلنها مفوضية الانتخابات في 20 مارس/آذار القادم.
وشكر برابوو قادة إندونيسيا السابقين، من أحمد سوكارنو إلى جوكووي مرورا بسوهارتو وحبيبي وعبد الرحمن واحد وميغاواتي وسوسيلو بامبنغ يوديونو، "فجميعهم خدموا إندونيسيا ونهضوا بها".
من جانبه، قال نائبه غيبران "قبل 3 أشهر كنت مواطنا كغيري من الشباب، لذلك أشكر شباب الوطن على دعمي للوصول لهذا المنصب، وهذا لحرصهم أن يكون لهم دور في إدارة البلاد والعمل على نهضتها".
الانتصار اللافت الذي حققه برابوو، وبات على بعد خطوة من رئاسة إندونيسيا، التي سبق أن خاض من أجلها 4 محاولات على مدى 20 عاما للوصول إليها (2004 – 2024)، أثار مفاجأة لدى المراقبين، الذين توقعوا له الفوز لكن ليس بهذه السهولة.
ويقول الدكتور مدى سوكماجاتي أستاذ العلوم السياسية في جامعة غاجاه مادا "إن الرئيس الحالي جوكو ويدودو (جوكووي) له بصمة واضحة في فوز برابوو، من خلال حشد الدعم بمختلف الطرق خلف المرشح الفائز، مثل المساعدات الاجتماعية التي وزعها الرئيس قبيل الانتخابات، وهي طريقة قانونية ومن صلاحياته، لكن توقيت المساعدات خدم برابوو ونائبه (ابن جوكووي)".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "كما تدخل الرئيس بشكل غير قانوني وغير ملموس في الوقت ذاته، بدفع مسؤولي الدولة وموظفيها مثل رؤساء القرى والشرطة وموظفي الخدمة المدنية الآخرين لانتخاب برابوو".
وكان لافتا حصول حزب النضال من أجل الديمقراطية، الذي تتزعمه ميغاواتي سوكارنو بوتري، ودعم المرشح الثالث غانجار برانوو، على النسبة الأكبر في مقاعد البرلمان المركزي، بحدود 18% من الأصوات، بينما لم تتجاوز حصة غانجار من الأصوات 17%.
وهو ما يفسره سوكماجاتي بأن "الكثير من أنصار حزب النضال لم يصوتوا لمرشح الحزب غانجار، وإنما دعموا مرشح الرئيس برابوو"، علما أن الرئيس فاز في الانتخابات الأخيرة عن حزب النضال.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن ترشيح برابوو لغيبران إلى جانبه نائبا للرئيس، جذب قطاعا كبيرا من الشباب للتصويت له، ولذلك يتوقع أن يحصل على قرابة 60% من الأصوات، وهي نسبة وصفها بالعالية جدا.
من جانبه يرى المحلل والباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في جاكرتا محمد صالح أن "برابوو حقق فوزا سهلا لأنه تمكن من جمع الشخصيات السياسية المهمة في جاكرتا ومختلف مناطق إندونيسيا".
ويتفق صالح في حديثه للجزيرة نت مع ما ذهب له سوكماجاتي، من أن "العامل الحاسم في فوز برابوو هو تحالفه مع جوكووي، الذي سخر سلطاته ومؤسسات الدولة لدعم التحالف، ولولا هذا الدعم لما تمكن من الفوز بالانتخابات".
ويؤكد صالح أن "كافة المرشحين سعوا للتحالف مع جوكووي، للاستفادة من نفوذه في مؤسسات الدولة، لكنه اختار التحالف مع برابوو من خلال ترشيح ابنه، حتى يبقى له نفوذ في الحكومة القادمة".
الائتلاف الواسع الذي أسهم بالفوز السهل لبرابوو، سيخلق له صعوبة في توزيع غنائم الانتصار على 8 أحزاب، مكافأة لها على دعمها وحشد أنصارها خلفه، خصوصا أن حزب برابوو (غيرندرا) سيحصل بحدود 14% من أصوات الانتخابات التشريعية، وفق نتائج العد السريع، لذلك سيبقى بحاجة للحفاظ على ائتلافه تحت قبة البرلمان.
وعن ذلك، يعتقد سوكماجاتي أن ما وصفه بـ"الائتلاف السمين جدا" سيشكل تحديا أمام برابوو، ويتطلب حكمة كبيرة في تشكيل الحكومة القادمة، "وقد لا يكون تحالف الانتخابات هو نفسه تحالف تشكيل الحكومة".
ويرى أن التحدي الآخر الذي سيواجهه برابوو هو علاقته بالرئيس الحالي جوكووي، بعد أن يتولى الرئاسة بالفعل، والدور الذي سيبقى يلعبه الرئيس بعد انتهاء ولايته في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
ولا يستبعد سوكماجاتي أن ينفتح برابوو على حزب النضال بزعامة ميغاواتي، بحكم ثقله السياسي وتصدره الانتخابات التشريعية، ويقول "أعتقد أن الحكومة لن تكون قوية إذا لم تشمل حزب النضال".
ويرى صالح أن "برابوو سياسي قديم ونجح في انتخابات الرئاسة في محاولته الرابعة، وهذا يؤشر على وضوح رؤيته لما يريد تحقيقه"، ولذلك يعتقد أن "برابوو اتخذ من جوكووي جسرا للرئاسة وسيحافظ على تحالفه معه لعامين، ثم سيبدأ في تغيير تحالفاته"، ولا يستبعد أن يسترجع برابوو علاقته بعائلة سوهارتو للتحالف معها في الانتخابات القادمة عام 2029.
ولا يزال العد السريع للانتخابات التشريعية جاريا، لكن وفق ما تم فرزه -وهو بحدود 70%- فإن 9 أحزاب من الأحزاب الـ18 على المستوى الوطني، التي خاضت الانتخابات، لن تتمكن من دخول البرلمان القادم، لعدم تخطيها عتبة البرلمان (4% من الأصوات) والتي قد تكون بحدود 6 ملايين صوت، وفقا لنسبة التصويت من مجمل من يحق لهم الاقتراع.
وبالمجمل فإن البرلمان القادم سيتشكل من 9 أحزاب مثل البرلمان الحالي، ولا يبدو أن حصص الأحزاب ستتغير بشكل لافت، فما تم إعلانه حتى الآن في العد السريع، يقارب ما حصلت عليه الأحزاب الـ9 في الانتخابات الماضية عام 2019، ولم يحقق أي منها قفزة لافتة في هذه الانتخابات، لكن يبقى الأمر رهينا بالنتائج النهائية التي ستعلنها مفوضية الانتخابات الشهر القادم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مفوضیة الانتخابات فی الانتخابات من الأصوات
إقرأ أيضاً:
ترامب يحقق انتصارا تشريعيا بقانون الضرائب والإنفاق.. ماذا تعرف عنه؟
حقق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتصاراً سياسياً بارزاً بعد إقرار مجلس الشيوخ لمشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق، وُصف بأنه الأوسع نطاقاً منذ بداية ولايته، بقيمة إجمالية بلغت 3.3 تريليونات دولار.
المشروع الذي أطلق عليه اسم "القانون الجميل الكبير"، يشكل جوهر أجندة ترامب الاقتصادية ويجمع أبرز أولوياته في حزمة تشريعية واحدة.
ويتضمن المشروع تخفيضات ضريبية بقيمة 4.5 تريليونات دولار، يقابلها تقليصات في الإنفاق تصل إلى 1.2 تريليون دولار، ما أثار جدلاً سياسياً واسعاً داخل الكونغرس وخارجه.
وقد مرّ القانون بفارق صوت واحد فقط (51 مقابل 50)، بعد أن اضطر نائب الرئيس جي دي فانس للتدخل بصوته المرجّح لكسر التعادل.
خلافات داخلية لتمرير القانون
ورغم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، صوّت ثلاثة من الجمهوريين ضد المشروع، وهم سوزان كولينز، وتوم تيليس، وراند بول، ما كاد أن يعرقل تمريره. لكن قيادة الحزب الجمهوري نجحت في اللحظات الأخيرة بتأمين الأصوات المطلوبة.
وقال زعيم الأغلبية، جون ثيون، إن التصويت "نتيجة جهد جماعي حقيقي أثمر عن إنجاز تشريعي تاريخي".
في المقابل، هاجم زعيم الديمقراطيين في المجلس، تشاك شومر، القانون واصفاً إياه بأنه "وصمة عار ستلاحق الجمهوريين"، محذراً من آثاره الاجتماعية القاسية التي قد تشمل وفاة أشخاص وفقر الأطفال، إلى جانب ارتفاع الدين العام لمستويات غير مسبوقة.
على الصعيد الاقتصادي، قفز مؤشر بلومبيرغ للدولار فور إعلان نتيجة التصويت، بعد ستة أشهر من التراجع.
لكن المزاج الشعبي بدا أكثر حذراً، إذ أظهر استطلاع لمركز بيو أن 49% من الأمريكيين يعارضون القانون، مقابل 29% يؤيدونه، فيما لم يحدد 21% موقفهم بعد.
التحديات تنتقل إلى مجلس النواب
وبعد تمرير القانون في مجلس الشيوخ، تتجه الأنظار إلى مجلس النواب، حيث يُفترض التصويت عليه قبل الرابع من تموز/يوليو الجاري، وهو الموعد الذي حدده ترامب بنفسه.
غير أن التحديات هناك لا تقل تعقيداً، خاصة في ظل الأغلبية الجمهورية الهشة، والانقسامات الداخلية بين التيارات المحافظة والمعتدلة.
وتضغط كتلة "الحرية" اليمينية المحافظة في مجلس النواب من أجل خفض إضافي في الإنفاق، بينما يرفض معتدلون التخفيضات في برامج الرعاية الصحية والطاقة النظيفة.
وعبّرت السيناتورة ليزا موركوفسكي عن أملها أن يُدخل النواب تعديلات إضافية تسمح بإجراء مفاوضات جديدة.
تفاصيل التشريع: ضرائب، رعاية صحية، طاقة، واقتصاد
1- الإصلاحات الضريبية
يتضمن المشروع مجموعة واسعة من التعديلات على النظام الضريبي. أبرزها:
- رفع سقف خصم الضرائب المحلية والولائية (SALT) إلى 40 ألف دولار سنوياً لمدة خمس سنوات.
- إعفاء دخل البقشيش والعمل الإضافي من الضرائب حتى حدود معينة.
- خصومات على فوائد قروض السيارات للمركبات المُصنّعة محلياً.
- زيادة الائتمان الضريبي للأطفال إلى 2200 دولار، وربطه بالتضخم.
- إطلاق حسابات ادخار استثماري للأطفال تشمل مساهمة اتحادية قدرها 1000 دولار لكل مولود خلال الفترة الرئاسية الحالية.
2 - البرامج الاجتماعية والرعاية الصحية
ويعد الشق الأكثر إثارة للجدل في المشروع هو تقليص برامج الدعم الاجتماعي، خاصة "ميديكيد"، الذي سيتعرض لخفض تمويل بنحو تريليون دولار خلال عقد.
- يتوقع أن يفقد نحو 11.8 مليون شخص التغطية الصحية.
- فرض متطلبات عمل جديدة على البالغين القادرين دون أطفال.
- إنشاء صندوق بقيمة 50 مليار دولار لدعم المستشفيات الريفية.
- توسيع متطلبات العمل للمساعدات الغذائية لتشمل المستفيدين حتى سن 65 عاماً، مع مشاركة الولايات في تمويل البرنامج.
وقد حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من خطورة القانون، معتبرة أنه يعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويهدد حقوق الإنسان الأساسية.
3- الطاقة والبيئة
سعى الجمهوريون إلى تقليص الدعم الحكومي لمشاريع الطاقة النظيفة:
- إلزام مشاريع الطاقة الشمسية والرياح بالدخول في الخدمة قبل نهاية 2027 للاستفادة من الإعفاءات.
- إلغاء الائتمان الضريبي البالغ 7500 دولار للمركبات الكهربائية بحلول أيلول/سبتمبر 2025.
- التخلي عن فرض ضريبة على المشاريع التي تستخدم مكونات صينية بنسب مرتفعة.
4- الأعمال والاقتصاد
حقق قطاع الأعمال مكاسب كبيرة في مشروع القانون:
- تثبيت خصومات الاستهلاك والإطفاء والبحث والتطوير.
- رفع ائتمان الاستثمار في صناعة الرقائق الإلكترونية من 25% إلى 35%.
- تخصيص 47 مليار دولار للبنية التحتية الحدودية و45 ملياراً لمراكز احتجاز المهاجرين.
- فرض ضريبة بنسبة 1% على التحويلات المالية الخارجية، ما يثير قلق الجاليات المهاجرة.
5- التعليم والتنظيم المالي
شمل القانون تعديلات على:
- الضرائب المفروضة على الجامعات الخاصة الغنية، حيث ارتفعت من 1.4% إلى 8%.
- تقليص تمويل مكتب حماية المستهلك إلى النصف تقريباً، مما اعتبر تراجعاً عن إصلاحات ما بعد أزمة 2008.
6- الدين العام والتمويل
لمنع شبح التخلف عن السداد، رفع المشروع سقف الدين العام الأمريكي بمقدار 5 تريليونات دولار، مستفيداً من آلية "المصالحة الميزانية" لتجاوز المعارضة الديمقراطية.
لكن خبراء اقتصاد، بمن فيهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حذروا من أن المسار المالي الأمريكي بات "غير مستدام"، داعين إلى معالجات هيكلية عاجلة.
يمثل القانون علامة فارقة في المسار الاقتصادي لإدارة ترامب، وقد يكون له دور محوري في الانتخابات النصفية المقبلة.
وبينما يحتفل الجمهوريون بما يصفونه إنجازاً تاريخياً، ترى المعارضة الديمقراطية فيه مشروعاً خطيراً يعمق التفاوت الاجتماعي ويرهق الميزانية العامة.
وفي ظل استمرار الانقسام الحاد، يبقى مصير القانون معلقاً بيد مجلس النواب، في معركة سياسية مفتوحة قد تُعيد رسم خريطة السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة لسنوات قادمة.