مؤشر حرية الصحافة العالمي.. مبادئنا أنقى من تقييمكم
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
مؤشر حرية الصحافة العالمي ((World Press Freedom Index يقارن مستوى الحرية التي يتمتع بها الصحفيون والعاملون في الإعلام في (180) دولة حول العالم. هذا المؤشر تعده منظمة مراسلون بلا حدود ((Reporters Without Borders والتي تتخذ من فرنسا مقرًا لها. حيث عرفت المنظمة حرية الصحافة بأنها: المقدرة التي يتمكن منها الصحفيون سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي من اختيار الأخبار وإنتاجها ونشرها لتحقيق «المصلحة العامة» بشكل مستقل عن التدخلات السياسية والاقتصادية والقانونية وفي غياب التهديدات لسلامتهم الجسدية والعقلية.
يتم جمع بيانات مؤشر حرية الصحافة بطريقة كمية من واقع استطلاعات الرأي ونوعية من تحليل الآراء لمجموعة الخبراء أغلبهم من الصحفيين والباحثين والأكاديميين. تم تقسيم أسئلة استطلاع الرأي (الاستبيان) إلى خمسة أقسام: السياق السياسي، الإطار القانوني، السياق الاقتصادي، السياق الاجتماعي والثقافي وأخيرًا الجانب الأمني. الاستبيان يتكون من (100) درجة، وبالتالي كلما ارتفعت الدرجة الإجمالية التي تحصل عليها الدولة ارتفع ترتيبها بالمؤشر والعكس صحيح. المحصلة النهائية لنتائج درجات المؤشر تم تحديدها أيضًا بخمسة مستويات: المستوى الأول (85 إلى 100) درجة يدل بأن الحرية الصحفية جيدة، والمستوى الثاني (70 إلى 85) تصنف حرية الصحافة بأنها مقبولة، وهكذا حتى المستوى الخامس (0 إلى 40) درجة وتصنف الدولة أو الإقليم بأن حرية الصحافة بها وصلت لمرحلة خطيرة. تقدمت سلطنة عمان (8) مراتب في مؤشر حرية الصحافة، لتصل للترتيب (155) عالميا في عام (2023) ولتحافظ على المستوى الرابع خليجيا، حيث جاءت دولة قطر في الترتيب (105) عالميا والأولى خليجيا، كما حلت مملكة البحرين السادس خليجيا وحصولها على الترتيب (171) عالميا.
وما يهمنا هو الشأن الوطني، فنحن نرى بأن نتائج المؤشر لا تتناسب مع الجهود المستمرة والتي تُبذل في كل ما يتعلق بحرية الصحافة. هناك تشريعات واضحة بالنظام الأساسي للدولة تكفل حرية التعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة أو أية وسيلة في نطاق القانون، كما أن ذات النظام أفرد مادة مستقلة تتعلق بالصحافة. وبالتالي عندما تسن القوانين فلا تترك الحرية تتقاذفها رياح الانحلال الفكري فنحن مجتمع متعايش مع قيمه وعاداته وثقافته الإسلامية. وبالتالي لا أحد يريد لهذا المجتمع المتآلف مع كافة العقائد بأن تترك فضاءات حرية الصحافة لتتجاوز سنن الكون كما هو مشاهد في الدول الغربية. فعلى سبيل المثال، في فرنسا ونيذرلاند والسويد وكثير من تلك الدول، أصبحت الحرية عندهم تنال من المقدسات ومن الأنبياء والكتب السماوية بحجة حرية الرأي والتعبير الذي تتشدق بها. هذا التجاوز بتلك الدول والتي أكثرها صُنفت ضمن المراتب المتقدمة في مؤشر حرية الصحافة، يحدث بسبب غياب العقيدة، والفراغ الاجتماعي، والرغبة نحو تغيير الجنس ليكون الذكر مثل الأنثى تحت الغطاء الزائف للمثلية الجنسية، والحركات النسوية. ووصل حدهم ليضيفوا المثلية بالاتفاقيات مع الدول التي ترغب في فتح مجالات للتعايش الإنساني والاقتصادي معهم. هذا المستوى الهابط من تسييس حرية التعبير وحرية الصحافة والتي أصبحت بلا حدود غير مرغوب بها في كثير من دول العالم التي تمنع دخول هكذا مستوى من الانحلال الأخلاقي. نعم في وطننا المتسامح سلطنة عمان، هذا مرفوض مهما علا أو قل مؤشر حرية الصحافة، فقيمنا ومبادئنا أعلى من تقييم منظمة مراسلون بلا حدود.
هذا التقييم غير المنصف الذي حصلت عليه سلطنة عمان في (2023)، يلاحظ بأن المنظمة ما انفكت وتتغنى بالأحداث الصحفية التي حدثت قبل ما يزيد على ثماني سنوات، والأخبار التي لا تزال باقية في موقعها الإلكتروني حتى اليوم، فنرى بأن تلك الجريدة التي تم إغلاقها كانت تتمتع بحرية صحفية لما كان يُكتب ويُنشر قياسًا بالجرائد الأخرى وكانت تتناول قضايا مجتمعية، ولها مساحات واسعة من النقد في المجالات الاقتصادية، وقضايا الفساد «إن وجدت». ولكن عندما حادت عن الطريق ولم يكن سرد الأخبار ونشرها يتوافق مع مبدأ «المصلحة العامة» الذي ذكرته منظمة مراسلون بلا حدود في تعريفها لحرية الصحافة، وجب التدخل لحماية الوطن وحفاظًا على الرأي المعتدل في إنتاج الأخبار.
وإذا سألت منظمة مراسلون بلا حدود عن الصحافة العمانية، فإن تاريخها موغل في القدم، ولعل المطبعة السلطانية في زنجبار تعتبر من أقدم النماذج في نشر العلم والصحافة والكتابة التي غطت الشرق الأفريقي في عهد السلطان برغش بن سعيد. تلك المطبعة التي أنشأت في (1882م) استمرت تثري العلم والعلماء في مناطق كثيرة حول العالم، حتى أتت عليها أيادي الظلم والطغيان فتم هدمها في عام (1964م). الشيء الآخر كيف تحكمون على سلطنة عمان في هذا المؤشر؟ وصفحتها ناصعة البياض في وجود (صفر) محتجز من العاملين بالصحافة والإعلام، بينما في المقابل هناك دول تحتجز عددًا من الصحفيين، وتحصل على ترتيب أفضل، وسجل تلك الدول سيئ جدًا في حرية الرأي وحرية الصحافة. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع أحدًا من مواطني تلك الدول التصريح بدعمه في حق الشعب الفلسطيني، ونضاله الشريف، أو حمل العلم الفلسطيني وإلا تعرض للمساءلة القانونية.
ما لكم كيف تحكمون، ليحتل الكيان الإسرائيلي الغاشم مرتبة متقدمة عنه لدولة فلسطين المحتلة في تقييم مؤشر حرية الصحافة رغم الجرائم المتعمدة بحق الصحفيين. تلك الجرائم النكراء التي استدعت قيام منظمة مراسلون بلا حدود تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لحالات (7) من الصحفيين الفلسطينيين (مثبت بالأدلة) الذين قتلوا عمدًا في غزة للفترة من 22 أكتوبر إلى 15 ديسمبر (2023)، مع العلم بأن عدد الصحفيين الذين قتلتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي يصل عددهم إلى (66) صحفيا. ذلك التقييم لا ينصف دولة فلسطين في مؤشر حرية الصحافة بل يتنافى مع أبسط معايير الشفافية والعدالة. إلى هذه المهزلة وصلت الأمور بحيث لا يستطيع الذين يعطون الرأي المحايد والمستقل من معرفة وبيان الحقيقة، وإظهارها للإنسانية والقول إن دولة الاحتلال لا تستحق تلك المرتبة. ورغمًا عن ذلك التقييم، فإن هناك ارتفاعًا في مؤشر حرية الصحافة لدولة فلسطين بـ (+12) مرتبة في (2023) لتحصل على الترتيب (156) عالميا. في المقابل دولة الاحتلال تتراجع (-11) مرتبة لتكون في الترتيب (97).
ما هي حرية الصحافة؟ أيتها الدول التي تتربع في المستوى «الجيد» في مؤشر حرية الصحافة لسنوات طويلة، والعالم يشاهد تصرف القنوات الفضائية التابعة لتلك الدول، وهي تعارض حرية الرأي الآخر، ويصل بعضها إلى طرد الضيوف بمجرد أن قال الحقيقة الصائبة: بأن حركة حماس ليست إرهابية. مع أن هذا الرأي ذهبت إليه منظمة الأمم المتحدة، بأن حماس حركة سياسية وليست إرهابية. فأنتم من تنادون بالحرية والديمقراطية، وما تقوم بها دولكم وساساتكم يصل إلى مستوى حمايتكم للإرهاب الإسرائيلي، الذي سوف يكتبه التاريخ بأن عصرًا من تصادم الحضارات تحفرونه بأيديكم فاعتبروا يا أولي الألباب إن كنتم تعقلون.
في السياق نفسه، أين المراسلون والصحفيون، أما آن لكم أن تراجعوا تقييمكم لآلة الإرهاب الأمريكي والتي منحتموها المرتبة (45) عالميا في مؤشر حرية الصحافة. الولايات المتحدة الأمريكية وللمرة الثالثة لا ترغب بوقف المجازر الدموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح. صحيح أن من يقتل الصحفيين هم الكيان الصهيوني، ولكن الأهم من يسانده على ذلك وينشر الفوضى في العالم هي أمريكا. هذه العرقلة من الجانب الأمريكي الذي يمتلك حق النقض الفيتو يسهم مباشرة في منح الاحتلال الضوء الأخضر في قتل عدد كبير من الصحفيين من بداية حرب غزة وحتى اليوم. ولأن هذا الاستكبار العالمي وصل لمرحلة خطيرة كان لازمًا من وزير خارجية سلطنة عمان أن يطالب مثلما طلب غيره منذ سنوات، بأن يتم تعطيل حق النقض «الفيتو» الذي تستخدمه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والتي لا يهمها حماية الناس ومنع الحروب، وإنما تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية والتوسعية. تلك الدول تتغاضى عن حق الشعب الفلسطيني ولا يحرك لها ساكن ليس فقط في إطالة أمد الحرب، بل إن الحرية وصلت لتصريح بعض من ساساتهم باستباحة قتل الأطفال في غياب وصمت العالم أجمع. فأين أنتم ذاهبون أيها المراسلون، نعم إلى مرحلة بلا حدود، وفي غياب المصداقية في تقييم مؤشر حرية الصحافة للدول، ومنها سلطنة عمان التي ترى بأن المحافظة على المبادئ والوقوف مع الحق أفضل مما تنشرون.
ولكن في الجانب الآخر، أعتقد أنه من الخطأ أن نلقي اللوم كله على منظمة مراسلون بلا حدود في المستوى الذي حصلنا عليه. نحن بحاجة للتساؤل ماذا عملنا للارتقاء بمؤشر حرية الصحافة إلى المستوى الذي نراه يتوافق مع التطلعات الوطنية، وما الوسائل التي يتبعها الصحفي العماني في نشر الأخبار، وهل لدينا مراسلون بالقنوات الفضائية العالمية من أجل إيصال الرسالة السامية لسلطنة عمان في الملتقيات والمنتديات والمؤتمرات الحوارية المتعلقة بالصحافة. أيضًا ما الدور المتوقع من «الجمعية العمانية للصحفيين»؟ هل هناك رضا عن النهج والسياسات التي تتبعها في إيجاد بيئة عمل وخطط مدروسة من تأهيل الصحفيين العمانيين ليكونوا فاعلين على المستويَين الوطني والخارجي. نحن بحاجة للخروج من الصندوق الرتيب للصحافة إلى فضاءات تنويرية فكرية تلامس العقول الشابة التي أصبحت لا تهتم بما يُكتب أو يُنشر؛ لأنه لا يضيف لهم أية معرفة علمية أو اجتماعية أو اقتصادية إلا ما نذر. نريد حراكًا وتفاعلاً مستمرًا في أرجاء محافظات سلطنة عمان لتوصيل الجهود الوطنية في التنمية بأسلوب تحليلي يراعي جميع مكونات المجتمع. نريد جهودًا من الصحفيين العمانيين ليقوموا بالدفاع عن سلطنة عمان وإرثها الحضاري بأسلوب من الشفافية والمصداقية، وبهذا سوف تظل مبادئنا أنقى من تقييم مؤشر الصحافة العالمي.
حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الصحفیین
إقرأ أيضاً:
الجامعات البريطانية ترفع الحظر عن احتجاجات غزة وتؤكد حرية التعبير
أصدرت هيئة "مكتب الطلاب الرقابية" (Office for Students) في بريطانيا توجيهات جديدة حاسمة تمنع الجامعات الإنجليزية من فرض حظر شامل على احتجاجات الطلاب، مشددة على ضرورة حماية حرية التعبير، حتى عند التعامل مع القضايا المثيرة للانقسام، مثل الحرب في غزة أو الآراء المثيرة للجدل حول الهوية الجندرية.
ووفق صحيفة "الغارديان" التي أوردت الخبر، فإن التوجيهات التي نُشرت بالتزامن مع بدء العد التنازلي لتطبيق "قانون حرية التعبير في التعليم العالي" المقرر في آب / أغسطس المقبل، تمثل تغييراً جذرياً في علاقة الجامعات بحركات الطلاب. وتشير إلى أن فرض قيود دائمة على احتجاجات مثل الاعتصامات التضامنية مع غزة، كتلك التي شهدتها جامعة كامبريدج، لم يعد مقبولاً. ومع ذلك، فإن الجامعات مطالبة بمنع الاحتجاجات التي تتسم بـ"الكثافة والشدة والتطفل" إذا ما تسببت في ترهيب الطلبة اليهود، بحسب النص الرسمي.
كما دعت الهيئة الجامعات إلى ضمان حرية التعبير للمتحدثين الزائرين، ومنع ممارسات "الإبلاغ عن الآخرين" بسبب آرائهم القانونية، وعدم الضغط على الأكاديميين لتأييد وجهات نظر بعينها. وأكدت أن التعبير عن وجهات نظر مثيرة للجدل لا يجب أن يُقابل بعقوبات إدارية طالما لم يتضمن خطاب كراهية أو تحريضًا.
وفي خطوة غير مسبوقة، ستُلزم التوجيهات الجامعات بعدم محاسبة الطلبة والموظفين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي طالما كانت ضمن حدود القانون، حتى وإن أثارت جدلاً أو أضرت بسمعة المؤسسة.
وتأتي هذه التوجيهات، وفق الغارديان، بعد أن فرضت الهيئة نفسها غرامة قدرها 585 ألف جنيه إسترليني على جامعة ساسكس لفشلها في حماية حرية التعبير للأكاديمية كاثلين ستوك، التي واجهت موجة احتجاجات على خلفية آرائها حول قضايا الجندر.
وأضافت الصحيفة: "رغم الترحيب الواسع بالتوجيهات من حيث المبدأ، اعتبر خبراء قانونيون أنها لا تزال تفتقر إلى الحسم في بعض القضايا الدقيقة والمعقدة. وقال جوليان سلادين، المختص في تنظيم قطاع التعليم العالي، إن التوجيهات تقدم "قدرًا من الوضوح"، لكنها تترك الكثير للمؤسسات كي تبتّ فيه بمفردها، خاصة في ظل ما وصفه بـ"الضغوط الزمنية والصراعات المستمرة داخل الحرم الجامعي".
من جانبه، كشف استطلاع للرأي أجرته الهيئة وشمل أكاديميين بريطانيين أن 21% منهم لا يشعرون بالحرية الكاملة لمناقشة الأفكار الحساسة داخل صفوفهم الدراسية، وهي نسبة تعكس تصاعد القلق من "تأثيرات التكميم غير المباشرة" على حرية الفكر والنقاش داخل البيئة الأكاديمية.
وحسب "الغارديان" فإن هذه التوجيهات تفتح الباب لمراجعة شاملة للحدود المرسومة بين حرية التعبير وحقوق المجموعات المتضررة، وسط انقسامات عميقة داخل الجامعات البريطانية، التي باتت مسرحاً لصراعات أيديولوجية في زمن تتسارع فيه موجات الاحتجاج حول العالم.
وقانون حرية التعبير في التعليم العالي في بريطانيا، المعروف باسم Higher Education (Freedom of Speech) Act، دخل حيز التنفيذ لتعزيز حماية حرية التعبير داخل الجامعات. يهدف القانون إلى ضمان تمكين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والزائرين من التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية دون خوف من الرقابة أو العقوبات التعسفية.
كما يلزم الجامعات باتخاذ إجراءات فعالة لمنع أي محاولات لإسكات الأصوات القانونية، سواء عبر الحظر أو التضييق على الفعاليات والنقاشات، ويضع ضوابط واضحة للتعامل مع المحتوى المثير للجدل أو الخلاف. هذا القانون يمثل خطوة مهمة في مواجهة محاولات القمع الفكري داخل الحرم الجامعي، مع الحرص على تحقيق توازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع الجامعي من الإساءة أو التحريض.
وشهدت التحركات الطلابية المناصرة لفلسطين في بريطانيا تضييقات متزايدة من قبل بعض الجامعات، حيث اتخذت إجراءات صارمة ضد المشاركين في هذه الفعاليات. فقد أصدرت جامعة كوليدج لندن (UCL) قرارات بفصل سبعة طلاب بسبب مشاركتهم في احتجاجات التضامن مع فلسطين التي انطلقت في مايو من العام الماضي، كما قامت جامعة SOAS بفصل طالب واحد خلال حزيران / يونيو العام الماضي لنفس السبب.