بين الأمل والإحباط مسافة كبيرة، قد تسقط فيها دول أو تتقدم، قد تتخلف فيها شعوب أو تتطور، وعندما قال الكبير عبدالرحمن الشرقاوى: الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، فقد كان يلخص خطورة الكلمة وأنها أكثر تأثيرًا من الجيوش فى التدمير، وعندما نرصد ما يجرى حولنا ونتابع المحبطين الذين تخصصوا فى نشر الروح التشاؤمية واليأس بين المصريين، فسندرك أن هذا فى غالبه ليس مجرد تصرفات شخصية ولا نفوس محبطة لظروف خاصة بهم، وإنما هو أمر مستهدف وجزء من الحرب القذرة على مصر وأهلها، فالمطلوب أن يعيش المصريون دائمًا حالة من الإحباط وتسيطر عليهم روح التشاؤم، فلا يرون سوى الخطر ولا يعترفون بأى نجاح أو إنجاز، ولا يعترفون بأى حكومة ولا يصدقون أى مسئول.
وعندما تصبح هذه سمة شعب فالطبيعة أن تتحول الدولة إلى ساحة رفض وغضب وكراهية واعتراض وخوف وقلق، لتكون النتيجة فى النهاية تدمير، فالمحبط لن يساهم فى بناء، والمتشائم لن يكون داعما لأى عمل إيجابى، والغاضب لن يحترم قانون، والمعترض لن يلتزم ولن يحافظ على وطن، بل سيتحول إلى مخرب ومعول هدم.
هذه هى الحالة المطلوب أن تعيشها مصر، أن نكون شعب من المحبطين والمتشائمين، والطريق إلى هذا بسيط ولا يحتاج لجهد كبير من المتأمرين وإنما فقط يتطلب استخدام وسائل الاعلام المختلفة وخاصة السوشيال ميديا فى نشر اكاذيب وافتراءات وتشويه كل ما يتم من بناء والتشكيك فى كل قرار أو توجه أو مؤسسة وطنية، حتى يتسرب اليأس والإحباط إلى نفوس المواطنين، يتم التركيز على السلبيات، وتسويد كل شيء، كل قرار يفسر على أنه لخدمة الفاسدين، وكل مشروع يتم تصويره على أنه اهدار لأموال الشعب، وكل استثمار يسمى بيع للبلد، وكل موقف يفسر على أنه موجه من الخارج، وكل مسئول يوصف بأنه خائن، وكل نائب مزور، وكل كاتب صحفى أو اعلامى يصنف بأنه موجه يزيف الحقائق،
عندما تحاصر مثل هذه الأكاذيب المواطن خاصة فى ظروف أزمات اقتصادية وتضخم ولا تترك له مساحة للتنفس أو رؤية الحقيقة، فالطبيعة أنه سيتحول إلى متشائم وناقم، لا يقبل شيئًا، بل وقد لا يشعر بالانتماء للبلد، فيتحول إلى عدو دون أن يدرى.
علينا جميعًا أن ننتبه إلى هذا الخطر وأن نشر الإحباط وترويج السلبيات ليس مجرد عمل فردى بل هو مخطط، وعلينا جميعًا التصدى له ومواجهته، على كل المصريين والمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية أن يتحملوا مسئولياتهم الوطنية فى المواجهة بتعزيز الوعى من خلال كل ما هو إيجابى، ونشر التفاؤل، ولدينا الكثير مما يمكن أن نستخدمه لنشر هذا التفاؤل، لكن لا يجب أن نترك الفرصة لهؤلاء المتربصين بنا لأنهم اخطر علينا من العدو المباشر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مسافة كبيرة الحرب القذرة
إقرأ أيضاً:
مطاردة غير مرئية… «كان كيس أسود» يكشف شبح القمامة في حياتنا
يشارك الفيلم الروائي القصير «كان كيس أسود» في الدورة العاشرة من مهرجان السينما الدولي للمقهى بالمغرب، ليقدم رؤية سينمائية مبتكرة تمزج بين الواقعية الاجتماعية والفانتازيا الرمزية، من خلال حكاية تبدو بسيطة في ظاهرها لكنها تحمل دلالات بيئية ونفسية عميقة.
تدور أحداث الفيلم في مدينة الإسكندرية، حيث يتابع المشاهد شابًا يدخل في تجربة غير مألوفة بعدما يرمي كيسًا أسود في الشارع بإهمال ودون اكتراث. تبدأ سلسلة من الأحداث الغريبة حين يتحول هذا الكيس إلى شبح يطارده في كل مكان: في يقظته ونومه ، في الشوارع ، في البيت ، وفي كل تفاصيل يومه، ومع الوقت، يكتشف البطل أن ما يطارده ليس مجرد كيس بلاستيكي، بل رمز لشبح القمامة الذي يتضخم ويلاحق الإنسان حين يتجاهل أثر تصرفاته الصغيرة على البيئة والمجتمع.
الفيلم لا يقدم كيسًا أسود عاديًا، بل يجسد: ثِقل الذنب وإهمال الإنسان للبيئة وتراكم الفوضى الصغيرة لتحول إلى كابوس كبير
الكيس الأسود هنا يتحول إلى رمز مرئي لـ: الفوضى والتلوث والسلوكيات اليومية غير المسؤولة والعادات التي لا يشعر بها الشخص لكنها “تعود لتطارده” في النهاية
ومع تصاعد الأحداث، يصبح البطل محاصرًا بين عالمين: عالمه الواقعي، وعالم الفانتازيا التي تكشف له حجم أثر سلوك واحد بسيط مثل رمي كيس في الشارع.
المخرج هنا يوظّف أسلوبًا بصريًا يميل إلى خلق حالة توتر خفيفة ومستمرة عبر:
الانتقالات السريعة والكادرات الضيقة التي تزيد شعور المطاردة واللعب بالظلال والضوء لإظهار الكيس ككائن حي
استخدام مساحات الإسكندرية المفتوحة لتبدو وكأنها “محاصرة” بكومة من الأكياس السوداء
الفانتازيا هنا ليست مجرد عنصر للدهشة، بل وسيلة لتمرير رسالة بيئية قوية عبر قصة مشوقة قصيرة.
الإهمال الصغير يمكن أن يتحول إلى وحش كبير يطارد الإنسان وأن القمامة التي نتجاهلها هي في الحقيقة “شبح” يفتح بابًا لمشاكل بيئية واجتماعية تتضخم بمرور الوقت.
الفيلم نجح في تحويل فعل يومي بسيط إلى قصة تحذيرية تحمل عمقًا فنيًا ورسالة إنسانية واضحة، مما يجعل «كان كيس أسود» عملًا لافتًا في سياق الأفلام القصيرة ذات البعد الرمزي والبيئي.