نيروبي/وام
أطلقت وكالة أنباء الإمارات «وام»، في العاصمة الكينية «نيروبي»، الدراسة البحثية الثانية للكونغرس العالمي للإعلام 2023، التي تتناول اتجاهات وتحديات وفرص صناعة الإعلام العالمية.
وجاءت الدراسة، التي حملت عنوان «القيادة الحاسمة في مشهد إعلامي متزايد التعقيد»، كمخرج لمختبر مستقبل الإعلام الذي ترعاه وكالة أنباء الإمارات «وام»، وهو سلسلة من المناقشات المغلقة الصريحة يقودها قادة وخبراء صناعة الإعلام حول العالم.


وحضر فعالية إطلاق الدراسة البحثية، محمد جلال الريسي مدير عام وكالة أنباء الإمارات «وام» رئيس اللجنة العليا المنظمة للكونغرس العالمي للإعلام، ومجموعة من القيادات الإعلامية ووسائل الإعلام وعدد من المسؤولين الحكوميين والأكاديميين والمؤثرين، فيما شارك مدير عام «وام»، في حلقة نقاشية أدارتها الكاتبة والممثلة ومنتجة الأفلام دافينا ليونارد، ركزت على موضوع الدراسة وتأثيرها في المشهد الإعلامي الكيني والإفريقي مثل تغيير سلوك الجمهور.
وشارك في الحلقة النقاشية أوشينغ رابورو، رئيس التحرير في «Standard Media Group»، إحدى أكبر الصحف الكينية، ووكانيكا سيغال، محرر الأعمال في مجلة «تقرير إفريقيا»، وجوزيف أوديندو، المحاضر الأول في جامعة الآغا خان للإعلام في نيروبي.
وشدد جوزيف أوديندو، على أهمية محو الأمية الرقمية عند تدريب الصحفيين الناشئين، مشيراً إلى الحاجة إلى مراجعة المناهج الجامعية لمواكبة التطورات التكنولوجية الجديدة.
وركزت النقاشات بشكل خاص على دور الذكاء الاصطناعي، حيث أكد أوشينغ رابورو أن تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية لتسخيرها في دعم الصحافة في المنطقة.
وقال: «يتم تطوير معظم أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة باستخدام مواد ومعطيات من خارج إفريقيا وكينيا بشكل خاص. ويجب علينا تسليط الضوء على الحاجة إلى تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجات جمهورنا المحلي.
وأكد سعادة محمد جلال الريسي هذه الآراء حيث سلط الضوء على أهمية حماية حقوق المؤسسات الإعلامية والصحفيين في إطار السعي العالمي لتسخير التكنولوجيا الحديثة، مشدداً على أهمية التعاون الدولي.
وقال: «علينا أن نعمل معاً على المستوى الدولي لسن القوانين واللوائح اللازمة في مجال الذكاء الاصطناعي لحماية حقوق النشر».
وأضاف الريسي: «يشهد قطاع الإعلام تغيرات متسارعة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة. ونسعى من خلال هذه الورقة البحثية إلى تحديد القرارات التي يتعين على قادة قطاع الإعلام اتخاذها- مثل الجاهزية لدمج الذكاء الاصطناعي في الأنشطة الإعلامية- وهي قرارات قد تؤثر في القطاع بشكل هائل. ولكن ما اتضح لنا من خلال الجلسة الحوارية التي عقدناها اليوم والمناقشات التي جرت خلال الكونغرس العالمي للإعلام هو التفاؤل السائد عبر قطاع الإعلام حول المستقبل. وبطبيعة الحال، سوف تواجهنا تحديات، لكن من المبشر أن نرى مدى شغف قادة القطاع ببذل الجهود المطلوبة لصياغة ملامح مستقبله وضمان استدامته، في كينيا والعالم».
وتابع: «كما هو واضح من مناقشات اليوم، فإن هناك حالة من التفاؤل تسود وسائل الإعلام بشكل أساسي بشأن المستقبل، وبالطبع، فإن هناك تحديات أمامنا، لكن من المشجع للغاية أن نرى كيف أن قادة وسائل الإعلام متحمسون لصياغة صناعة الإعلام المستدامة في المستقبل، في كينيا وعلى مستوى العالم».
وتتكون الدراسة، من ثمانية فصول تناقش إحياء الصحافة المطبوعة، وأثر الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام، والطرق الحديثة لفهم الجمهور، وكيفية الاستفادة من قوة الألعاب الرياضية النسائية داخل الملعب وخارجه، ودور التكنولوجيا في تحفيز مشاركة الجمهور الرياضي، والذكاء الاصطناعي والوعي الإعلامي، والصحافة البيئية، وصحافة البيانات كأداة قوية في الأيدي المناسبة، فيما جرى تدعيم الدراسة برأي أربعة من خبراء الإعلام والمحللين من مختلف دول العالم.
وجاء الفصل الأول تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي في الإعلام.. تغيير جذري أم موجة أخرى من مد الابتكار؟»، وهو يبحث في النقاش المباشر حول الذكاء الاصطناعي ودوره في غرف الأخبار، ويؤكد أن لديه القدرة على إيقاف التراجع البطيء لوسائل الإعلام التقليدية، على الرغم من وجود مخاطر وجودية بالفعل، حيث يتناول كذلك المخاوف المتزايدة حول فقدان الوظائف وقدرة الذكاء الاصطناعي على دعم نمو المؤسسات الإخبارية الأصغر حجماً وتشجيع تنوع أكبر في الأخبار.
ويتناول الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان «إحياء الصحافة المطبوعة.. تحديات وآفاق مستقبلية» ظاهرة «إجهاد الأخبار» التي باتت تشكل تحدياً رئيسياً أمام الصحافة التقليدية في ظل التعرض المفرط لمحتوى الأخبار، خاصة تلك المتعلقة بالمواضيع المثيرة للجدل، حيث سلط هذا الفصل الضوء على المخاطر التي قد تُلحقها هذه الظاهرة بالصحافة، مثل تزايد اللامبالاة تجاه القضايا المطروحة، وضعف الثقة في المؤسسات الإعلامية، وازدياد صعوبة تمييز الحقائق من المعلومات المضللة.
وعلى الرغم من ذلك، يُظهر هذا الفصل تفاؤلاً متزايدا حول إمكانية إحياء وسائل الإعلام المطبوعة، حيث تَتطلع هذه الصناعة إلى استحداث نهج جديد يمزج بين أفضل جوانب تراثها العريق وتوقعات الجمهور المعاصر وتوجهاتهم في ما يتعلق بنوعية وجودة الأخبار.
وأكد الفصل الثالث، تحت عنوان «فهم الجماهير بطريقة جديدة»، أن العالم يشهد تغيرات سريعة في خصائص وسمات مستهلكي الأخبار، وذلك مع ازدياد الاعتماد على منصات المحتوى القائمة على الفيديو مثل «يوتيوب» و«تيك توك»، ما يفرض تحديات جديدة على صناعة الإعلام، ويفتح آفاقاً واسعة لابتكار طرق جديدة للتفاعل مع الجمهور.
ويبحث الفصل الرابع «الاستفادة من قوة الرياضة النسائية داخل وخارج الملعب»، في تصاعد أهمية المنصات الرقمية وتأثيرها في عمل الصحفيات الرياضيات، حيث تتآكل الحواجز التقليدية أمام الأفراد المهمشين، وخاصة النساء، ببطء، ونتيجة لذلك تظهر بعض النتائج الإيجابية مثل نمو عائدات الرياضات النسائية، وزيادة عدد المشاهدين، والاهتمام المتزايد بشكل عام بإنجازات النساء في الرياضة.
ويخلص هذا الفصل إلى أن ثمة فرصة حقيقية أمام الصحفيات الرياضيات للتركيز على حلول وأدوات من شأنها تعزيز العلاقة بين النساء الممارسات للرياضة والجمهور.
وأكد الفصل الخامس «دور التكنولوجيا في تعزيز تفاعل الجمهور الرياضي»، أن التكنولوجيا تحدث ثورة هائلة في الصحافة الرياضية الحديثة، حيث بات للتقنيات الحديثة مثل تحليل البيانات والواقع المعزز وجود قوي في مسارات التغطية الصحفية؛، إذ أدى هذا التطور إلى تغيير جذري في طريقة تفاعل الجماهير مع المحتوى الرياضي.
ويبحث هذا الفصل في كيفية دمج التقنيات الجديدة بشكل فعال في مستقبل الصحافة الرياضية لتقديم محتوى متنوع لجماهير محددة، كما يناقش التأثيرات الأخلاقية لهذه العلاقة المتطورة بين التكنولوجيا والصحافة.
وأكد الفصل السادس «الذكاء الاصطناعي والوعي الإعلامي.. الحدود الجديدة للمعلومات المضللة»، أن ظهور أدوات مثل «ChatGPT» أثر بشكل كبير في المشهد الإعلامي؛ إذ أحدث تحديات جديدة لكل من منتجي ومستهلكي المحتوى الإعلامي.
ويبين هذا الفصل، أنه على الرغم من وجود جوانب إيجابية للذكاء الاصطناعي، فإنه معرض أيضاً لخطر الاستغلال من قبل البعض لإنشاء معلومات مضللة، مشيراً إلى أنه مع تنامي استخدام وسائل الإعلام لتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن هناك حاجة إلى تعزيز الثقافة الإعلامية بين الصحفيين، كما ينبغي للحكومات تثقيف الجمهور حول هذه التهديدات.
ويخلص هذا الفصل إلى أن الصناعة يجب أن تصبح أكثر يقظة، وأن تتحدى المعلومات المضللة بنشاط، وأن تكثف الجهود لمكافحة تلوث المعلومات.
وأكد الفصل السابع «الصحافة البيئية.. جسر الهوة بين القراء والقضايا البيئية»، أنه مع ازدياد تأثير تغير المناخ في المجتمعات، برزت الصحافة البيئية بصفتها جزءاً لا يتجزأ من الأخبار السائدة، وعلى الرغم من اتساع نطاق التغطية، تُثار مخاوف حول صعوبة تفاعل الجماهير مع هذه الأخبار ما لم تحدث أزمة كبيرة.
ويسلط هذا الفصل الضوء على دور الصحفيين في تفهم علم المناخ المعقد، ونقل المعلومات بفاعلية، وتعزيز الشعور بالمسؤولية.
ويختتم الفصل بالتأكيد على ضرورة سعي صناعة الإعلام، وخاصة هيئات البث العامة، إلى إعادة إشراك الجمهور من خلال: سد الفجوات بين القراء والقضايا البيئية الحرجة، وتبسيط المعلومات العلمية، وطرح حلول قابلة للتطبيق.
ويناقش الفصل الثامن والأخير «صحافة البيانات.. أداة قوية في الأيدي الصحيحة»، بشكل نقدي دور البيانات المتنامي الأهمية في صناعة الأخبار، مع التركيز على التحديات التي تواجه الصحفيين في تحويل البيانات الخام إلى قصص إخبارية قيّمة.
ويسلط الفصل الضوء على إدراك الصناعة لأهمية ترجمة البيانات وتفسيرها للجمهور، مع التأكيد على المخاطر المترتبة على استخدام البيانات غير الموثوقة أو المتحيزة، مشيراً إلى صعود صحافة البيانات، مع إبراز نقاط الخلاف حول كيفية نشرها واختيار ممثلي وسائل الإعلام لاستخدامها.
ويأتي نشر الدراسة البحثية الثانية، بعد اختتام النسخة الثانية للكونغرس العالمي للإعلام 2023 الذي عقد في نوفمبر الماضي في أبوظبي بتنظيم من مجموعة «أدنيك» بالشراكة مع وكالة أنباء الإمارات «وام»، وشهد حضور ما يقارب 24000 خبير وزائر على مدى ثلاثة أيام لمعالجة القضايا الأكثر إلحاحا التي تواجه صناعة الإعلام العالمية.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات وكالة أنباء الإمارات كينيا للکونغرس العالمی للإعلام وکالة أنباء الإمارات الذکاء الاصطناعی الدراسة البحثیة وسائل الإعلام صناعة الإعلام على الرغم من وأکد الفصل الضوء على هذا الفصل

إقرأ أيضاً:

حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي

كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.

إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.

تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».

انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.

طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».

أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!

حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».

ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».

الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.

كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.

وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.

في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.

مقالات مشابهة

  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • خبراء يكشفون خطر الذكاء الاصطناعي على الدماغ
  • «إي آند» تطلق برنامج خريجي الذكاء الاصطناعي لعام 2025
  • موعد بدء الدراسة 2025-2026 في مصر للجامعات.. «التعليم العالي» تعلن خريطة العام الجديد
  • موعد بداية الترم الأول للعام الدراسي الجديد 2026 في المدارس والجامعات
  • موعد بدء الدراسة في العام الجديد 2025 - 2026
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
  • موعد بدء العام الدراسي الجديد 2025-2026 في المدارس والجامعات رسميا
  • هل تنفجر معدلات النمو الاقتصادي في زمن الذكاء الاصطناعي؟