أمريكا.. هكذا تتعانق القنابل وحبات الأرز!
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
أسقطت أمريكا يوم السبت الماضي 38 ألف وجبة طعام على غزة، أي أقلّ من حمولة شاحنة طعام واحدة، في تكثيف هائل لقدرة هذه الإمبراطورية على تحويل هذا العالم إلى مسرح عبثيّ كبير.
صحيح أنّ الأردن ثم مصر والإمارات وفرنسا قد سبقت الولايات المتحدة إلى إسقاط المساعدات جوّا على الغزيين الجائعين، لكن الإمبراطورية وحدها التي جعلت الموقف مشهدا من المسرح العبثي، حتى الكيان الإسرائيلي الذي يستهدف الغزيين بالإبادة الجماعية لم يجعل الأمر بهذا القدر من العبثية وجيشه يقول إنّه أنهى عملية مشتركة مع الدول الأربع المذكورة لإنزال المساعدات على غزة، أو وهو يزعم أنّه وزّع مساعدات رمضانية على سكان مدينة حمد في غزة، ولا مصر أمكنها صبغ الحرب بالعبثية؛ والمساعدات تتكدس داخل حدودها ثمّ يشارك طيرانها في إسقاط المساعدات.
القضية ليست عجزا بقدر ما هي تطابق مع الإرادة الإسرائيلية، هنا تصبح المساعدات الأمريكية كتلك الإسرائيلية المزعومة، والفرق فقط في كون "إسرائيل" هي آلة القتل المباشرة، لكن كان لا بدّ من ثقل الإمبراطورية ليتحوّل الموقف إلى حالة عالمية من العبث السادي!
التغييرات الجذرية على معنى العيش في هذا العالم تتفرّد بها الإمبراطورية، هي وحدها القادرة على تشييد مسرح بهذا الحجم الكوني فيه سماوات وطائرات ضخمة ومئات آلاف الجوعى من البشر ومئات آلاف المساكن المدمّرة؛ بحيث تتعانق فيه آلاف القذائف مع آلاف الوجبات الغذائية، وربما في اندفاعة عبثية أخرى تلقي الطائرات الأمريكية يوما ما الورود على الغزيين كي تصطبغ بدخان القنابل الأمريكية التي قتلت الغزيين للتوّ!
لا تستفرد الإمبراطورية بخشبة المسرح، ولكنها تنفرد في منح المسرح حقيقته العبثية، وكأيّ عمل درامي لا بدّ من كومبارس. في بعض الأحوال، وربما في كلّها، الجمهور جزء أصيل من الكومبارس. بهذا الاعتبار تتضح ملامح الصورة العبثية الأولى، حينما تملك الإمبراطورية القدرة على تحويل سماوات العالم وأراضيه إلى "كادر" سينمائي لطائراتها، ولكنها أعجز من أن تُدخل مساعداتها برّا إلى غزّة، أو تصغر إلى درجة أيّ دولة من توابعها تشاركها العجز نفسه وتتفوق عليها في حجم المساعدات!
لكن هذه الصورة وحدها تبقى مُضلّلة، لأنّ القضية ليست عجزا بقدر ما هي تطابق مع الإرادة الإسرائيلية، هنا تصبح المساعدات الأمريكية كتلك الإسرائيلية المزعومة، والفرق فقط في كون "إسرائيل" هي آلة القتل المباشرة، لكن كان لا بدّ من ثقل الإمبراطورية ليتحوّل الموقف إلى حالة عالمية من العبث السادي!
لا يحتاج المرء في هذه الحالة إلى البحث عن نوع المساعدات العسكرية الأمريكية وحجمها لـ"إسرائيل"، لأنّ المفارقة وحدها كافية للكشف عن الحقيقة العبثية التي تقترفها أمريكا بعظام الغزيين المسحوقة بالقنابل أو جلودهم المسحوقة بالجوع، فوجبة طعام واحدة لن تكفي جائعا واحدا يحتاج للغذاء المتدفق يوميّا كأيّ إنسان في هذا العالم، ولكن قنبلة أمريكية طُنّية واحدة من تلك التي وهبتها لـ"إسرائيل" قتلت بالتأكيد مئات الفلسطينيين دفعة واحدة! ليس مهمّا إذن عدد القنابل مقابل عدد حبات الأرز في الوجبات الأمريكية الساقطة على الغزّيين!
أمريكا هذه التي فعلت ذلك كلّه تعجز عن فرض تدفق المساعدات برّا إلى المسرح الذي شيدته بنفسها! ثمّ يجد العالم نفسه متسائلا: لماذا تلقي الولايات المتحدة جوّا المساعدات على الذين قتلتهم وجوعتهم وشردتهم ودمّرت حياتهم؟!
هذه القنابل الأمريكية كلّها إذا أضيف إليها سواها من المعدات، واحتسبت إلى جانبها المليارات المقدمة لـ"إسرائيل" والتبني الكامل للدعاية الإسرائيلية، ومنع الإمبراطورية بثقلها وقف الحرب، دون الحاجة لتذكر الدعم الاستخباراتي، أو الاعتداد بما قيل عن تدخل عسكري مباشر.. ذلك كله يعني أنّ أمريكا هي التي اقترفت هذه الكارثة الإنسانية من مئات آلاف النازحين، وعشرات آلاف القتلى والجرحى، ومئات آلاف الجوعى. أمريكا هي التي حوّلت غزّة إلى صحراء محروقة صارت المساكن فيها ندوبا مسودّة بحطامها على سطحها.
أمريكا هذه التي فعلت ذلك كلّه تعجز عن فرض تدفق المساعدات برّا إلى المسرح الذي شيدته بنفسها! ثمّ يجد العالم نفسه متسائلا: لماذا تلقي الولايات المتحدة جوّا المساعدات على الذين قتلتهم وجوعتهم وشردتهم ودمّرت حياتهم؟! بدون هذه الأسئلة التي تنصرف بالناس عن الوعي بالحقيقة العبثية، لا تكتمل تلك الحقيقة، إذ لا بدّ من تحويل العالم كلّه وفي مقدّمته ضحايا أمريكا إلى جمهور (كومبارس) يطرح الأسئلة التي لا إجابة لها، أو لا أهمية أصلا لاقتراح إجابات لها.
كلّ إجابة، ومهما بدت منطقية، تُمعن في الاصطفاف العبثي في قلب الحقيقة العبثية، لأنّ وجود المنطق في قلب العبث، هو سخرية عبثية كاملة!
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المساعدات امريكا غزة مساعدات الجوع إنزال جوي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
القوزاق.. مقاتلو الإمبراطورية الروسية الشرسون وحماة حدودها
القوزاق جماعة عرقية عسكرية نشأت في القرنين الـ15 والـ16 الميلاديين على الأطراف الجنوبية والجنوبية الشرقية لروسيا، ولعبوا دورا كبيرا في توسيع حدودها والدفاع عنها.
مع مرور الوقت ازداد عددهم باطراد بسبب تزايد اللاجئين إلى هذه الأراضي هربا من بعض القوانين أو الضرائب.
وهي مجموعة عرقية فرعية أو إثنوغرافية داخل الشعب الروسي، لديها قواسم مشتركة كثيرة مع غيرها من الروس.
وقد شكّل االقوزاق طبقة ذات تقاليد عسكرية وثقافة خاصة ونمط فريد في الحياة، إذ يحرسون الحدود ويؤدون الخدمة العسكرية، وينتمون لشعوب مختلفة (الروس والأوكرانيين والتتار والأوسيتيين).
شاركوا في حروب عديدة واستكشفوا مناطق جديدة (سيبيريا، والشرق الأقصى، والقوقاز)، ونظير إخلاصهم للدولة مُنحوا أراضي وامتيازات، وأصبحوا طبقة عسكرية مميزة في الإمبراطورية الروسية.
أصل التسميةظهرت كلمة "قوزاق" لأول مرة في مصدر مكتوب باللغة الروسية عام 1395م، وتعني "الرجل الحر" أو "العامل المستقل".
ويعتقد بعض المؤرخين أن أصل الكلمة يعود إلى اللغة التركية، وأن لها تفسيرات متعددة مثل "الرجل الحر" و"المتشرد" وحتى "السارق".
وتقول روايات أخرى إن للكلمة أصلا منغوليا، وإنها من تتشكل من مقطعين: "كو" (ويعني درع) و"زاخ" (ويعني حدود)، ومن ثم يرى أصحاب هذا التفسير أن كلمة "قوزاق" تعني حرفيا "حارس الحدود".
عاش القوزاق على حدود البلاد الخطرة، وكانت لديهم تقاليدهم وملابسهم وأغانيهم وأسلوب حياتهم الخاص، المختلف عن تقاليد الفلاحين، مع تركيز كبير على الشجاعة العسكرية والولاء للأرثوذكسية والقيصر.
حتى القرن الرابع عشر مارسوا النهب والسلب، لكن تغير الوضع في عام 1549م، عندما بدأ إيفان الرهيب بتجنيدهم في الخدمة الحكومية، وأصبحوا جزءا من القوات غير النظامية، ومنذ القرن السابع عشر أصبحوا طبقة عسكرية متميزة، وكانت مهمتهم الرئيسية هي الخدمة العسكرية والصيد وحراسة الحدود.
إعلانوصفتهم الوثائق التاريخية بـ"حماة الأرض الروسية، وشاركوا في كل معارك وحروب روسيا تقريبا منذ عهد إيفان الرهيب.
كما ساهموا بشكل كبير في اكتشاف وتطوير أراض جديدة وراء جبال الأورال وفي سيبيريا والشرق الأقصى (كوليما، وكامتشاتكا، وترانسبايكاليا، ومنطقة أمور).
حماية الحدودمن القرن الـ15 إلى القرن الـ17 وما بعده، كان القوزاق بمثابة "درع بشري" على الحدود الجنوبية والشرقية المضطربة لروسيا، وحموا البلاد من غارات جحافل السهوب وغيرها من التهديدات الخارجية، كما ساهموا في جباية ضرائبها وتسيير "جماركها".
وشارك القوزاق رسميا لأول مرة (ضمن الجيش القيصري) في غزو قازان عام 1552، ولم يكتفوا باقتحام المدينة، بل نفذوا عمليات حفر تحت قلعة المدينة ووضعوا فيها براميل بارود، وأشعلوا فيها النيران، فدمرت الأسوار جزئيا، ودخل جيش القوزاق المدينة.
شاركت قوات القوزاق في جميع الحروب الكبرى التي خاضتها روسيا تقريبا: ضد نابليون وفي القوقاز وشبه جزيرة القرم وفي الحروب الروسية التركية والحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
وإضافة إلى الخدمة العسكرية انخرط القوزاق في تنمية وإصلاح الأراضي، وفي خدمات البريد والحجر الصحي وحماية البيئة، وساهموا في تطوير البنية التحتية في المناطق النائية.
بعد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، تعرض القوزاق للقمع وصادرت السلطات ممتلكاتهم ونفذت ضدهم عمليات ترحيل جماعي، وفي تلك الفترة، حصل انقسام داخلهم، إذ أيد جزء منهم الثورة بينما حاربها الجزء الآخر.
ومُنع القوزاق من الخدمة في الجيش الأحمر حتى عام 1939، إذ رُفعت عنهم القيود تقديرا لولائهم واستعدادهم للدفاع.
وفي الحرب العالمية الثانية أعيد إحياء وحدات القوزاق في الجيش الأحمر لكنهم واجهوا أيضًا معضلة الانقسام، عندما وجد بعضهم أنفسهم في تشكيلات معادية تقاتل ضد الاتحاد السوفياتي إلى جانب ألمانيا، في تشكيلات أنشأها الألمان، لكن الكثيرين منهم مع ذلك انشقوا وانضموا إلى الجيش الأحمر.
القوزاق بعد انهيار الاتحاد السوفياتيبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 شهدت المجموعة انتعاشا، وأصبحت ظاهرة اجتماعية ثقافية وحركة اجتماعية وسياسية في روسيا.
وبالنسبة للقوزاق الذين يعيشون في المناطق الحدودية أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى انقسامات على طول حدود الدولة، فعلى سبيل المثال وجد قوزاق سيميرتشيا أنفسهم منقسمين بين كازاخستان وقيرغيزستان.
علاوة على ذلك شهدت حقبة التسعينيات من القرن العشرين نزوحا جماعيا للسلاف، بمن فيهم القوزاق، من بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة (مثل كازاخستان) إلى روسيا.
في تلك الفترة برزت فكرة إحياء القوزاق من الظل مع بداية البيريسترويكا، وبدأت جمعيات واتحادات القوزاق بالتشكل بنشاط، مثل اتحاد القوزاق الروس وجيش القوزاق السيبيري.
وفي عام 1992 اعتمد البرلمان الروسي قرارا بـ"إعادة تأهيل القوزاق"، بهدف استعادة العدالة التاريخية بعد القمع وسياسات "نزع الصفة القوزاقية" في الحقبة السوفياتية.
إحياء دورتشارك جمعيات القوزاق في روسيا المعاصرة في الحفاظ على النظام العام وحماية الغابات والاستجابة لحالات الطوارئ وحراسة حدود الدولة، كما تشارك في التثقيف العسكري للشباب والحفاظ على التقاليد.
إعلانوتحول القوزاق من مجتمع تم قمعه في الحقبة السوفياتية إلى عنصر معترف به رسميا في المجتمع الروسي مع وظائف حكومية محددة ومشاركة نشطة في الحياة الثقافية والعامة.