عالم المصريات حسين عبد البصير: "الأساطير المصرية القديمة" موسوعة عن الديانة وكل ما يتعلق بمعتقدات القدماء| حوار
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
صدر مؤخرا لعالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية كتاب “الأساطير المصرية القديمة” وشارك به في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وحقق نجاحات كبيرة خاصة لما يحتويه من محتوى مهم عن الحضارة المصرية القديمة.
وتحدث الدكتور حسين عبد البصير مع موقع صدى البلد عن تفاصيل كتابه الجديد
في البداية كيف جاءتك فكرة كتابك الجديد "الأساطير المصرية القديمة"؟
أهلنا المصريون القدماء عظام للغاية ومبدعو مصر القديمة عباقرة ومفكروها خالدون، وسبقوا العالم أجمع برقي فكرهم الديني قبل الزمان بزمان؛ لذا فقد فكرت أن أكتب كتابًا عن الأساطير في مصر القديمة وريادة مصر القديمة في الفكر الديني أو ما نطلق عليه ميلاد الضمير في مصر القديمة؛ كي أوضح فيه عظمة الفكري الديني في مصر القديمة.
مع كل تلك التفاصيل الشيقة كيف بدأت التحضير له؟
بدأت الاستعداد منذ أكثر من ثلاث سنوات من العمل المتواصل الدؤوب وقراءة الأساطير والنصوص المصرية القديمة وأسس وكتب الديانة والحياة والموت والعالم الآخر في مصر القديمة، وكذلك كل ما يتعلق بمصر القديمة وفكرها الديني، وأيضًا قراءة كل كُتب ما عن مصر القديمة والديانة والأساطير والمعبودات المصرية القديمة حتى أعرف ما قد قيل، وأحدد ما سوف أضيفه حتى لا أكرر ما قاله الآخرون. وتم الاستقرار على الزاوية التي خرج بها الكتاب على هذا النحو المختلف عن الكتب الكثيرة الصادرة في نفس الموضوع. وجاء كتابي برؤية جديدة حديثة بسيطة ميسرة تناسب لغة العصر ولغة العلم ولغة الأدب بشكل جذاب وشيق يمتع القراء المعاصرين والقارئات المعاصرات.
مع ذلك العمل المتواصل للبحث عن المعلومات الصحيحة وعدم التكرار كيف استقبل الجمهور كتابك "الأساطير المصرية القديمة"؟
استقبل الجمهور كتابي الجديد "الأساطير المصرية القديمة" استقبالاً كبيرًا ليس له مثيل، على الرغم من أنني قد أصدرت الكثير من الكتب من قبل، وهذا العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب قد أصدرت حوالي خمسة كتب جديدة، وكان كتاب الأساطير المصرية القديمة من أهمها وتصدر المشهد بفضل الله سبحانه وتعالى. وكان الجميع في انتظاره. والكتاب ليس عن الأساطير في مصر القديمة، لكنه موسوعة عن الديانة المصرية القديمة بكل بأوجهها ومظاهرها وموضوعاتها، والآلهة المصرية القديمة وكل ما يتعلق بالكتب الدينية والمعبودات والحياة الأولى والموت والحياة بعد الموت والعالم الآخر. وأي شيء يريد أن يعرفه الإنسان عن مصر القديمة والمعتقدات الدينية الحياتية والأخروية في مصر القديمة، سوف يجده داخل هذا الكتاب. ولقد أشاد به وكتب عنه كتاب ومثقفون كبار أمثال الروائي الكبير الأستاذ إبراهيم عبد المجيد، والكاتب والإعلامي الكبير الأستاذ إبراهيم عيسى، والمذيعة المتألقة الأستاذ بسنت بكر، والكاتب الصحفي المبدع الأستاذ صابر رمضان، والكاتب الصحفي الموهوب الأستاذ محمد شبانة، وغيرهم الكثير.
في النهاية حدثنا عن أهم الأساطير التي تناولها كتابك "الأساطير المصرية القديمة"؟
-تناول كتابي عظمة الفكر الديني المصري القديم. ثم في القسم الأول، تناولت الأساطير المصرية مثل أساطير خلق الكون، وأسطورة عين شمس، وأسطورة منف، وأسطورة الأشمونين، وأسطورة طيبة، وأسطورة إيزيس وأوزيريس، وأسطورة صراع حورس وست، وأسطورة إله الشمس رع (أو "أسطورة هلاك البشرية")، وأسطورة البقرة السماوية، وأساطير رحلة إله الشمس، وأساطير ولادة الطفل الملكي، وأساطير نهاية الكون. وختمت ذلك القسم بالتعرف إلى مغزى الأساطير المصرية. وفي القسم الثاني، تناولت أساسيات الديانة المصرية مثل الكون، والملكية، والعالم الآخر، والنصوص الطقسية والسِحرية، والصلوات والترانيم، والمعابد، والطقوس والاحتفالات الرسمية، والسِحر، والوحي، والديانة الشعبية. وفي القسم الثالث، أوضحت تاريخ وتطور الديانة المصرية. وشرحت ذلك التطور في فترات ما قبل وبداية الأسرا، وفي عصر الدولتين القديمة والوسطى، وفي عصر الدولة الحديثة، ثم تناولت الملك أخناتون وديانة ربه الجديد المعبود آتون، وقدمت الترنيمة العظيمة للرب آتون، ثم ذكرت تطور الديانة المصرية القديمة في الفترات اللاحقة. وفي القسم الرابع، شرحت عقائد الدفن في كل الفترات الزمنية مثل عصور ما قبل التاريخ، وعصر ما قبل الأسرات، وعصر الأسرات المبكر، وعصر الدولة القديمة، وعصر الانتقال الأول، وعصر الدولة الوسطى، وعصر الانتقال الثاني، وعصر الدولة الحديثة، وعصر الانتقال الثالث، والعصر المتأخر، والعصر البطلمي، والعصر الروماني.
في القسم الخامس، قدمت العادات الجنائزية مثل التحنيط، وتحنيط الحيوانات، وطقسة فتح الفم، والأثاث الجنائزي، والمراكب الجنائزية، والتوابيت، والاستعداد للآخرة، ومحاكمة الموتى. وفي القسم السادس، تناولت الكتب الدينية المختلفة عبر العصور المصرية القديمة مثل نصوص الأهرام، ونصوص التوابيت، وكتاب الطريقين، وكتاب الموتى، وكتاب الإيمي دِوُات، وكتاب الكهوف، وكتاب البوابات، وكتاب الليل وكتاب النهار، وكتاب الأرض، وكتب السماء، وكتاب نوت، وكتاب التنفس، وكتاب التنفس لحور، وكتاب عبور الخلود، وكتاب سِتنا خَع إم واس ونَا نِفر كَا بِتاح، وتعويذة الكهوف الاثني عشر، وتعويذة رع. وفي القسم السابع، تناولت طبيعة الآلهة المصرية، وأضحت معنى كلمة نِثر يعني "الإله" ودلالاتها. وفي القسم الثامن، قدمت معجم الآلهة المصرية، وبه أشهر المعبودات المصرية القديمة، والتي ذكرتها في الكتاب، وهي أهم المعبودات في مصر القديمة.
وماذا عن إيزيس وأوزيريس ؟
إذا أردنا أن نعرف أهم الأساطير المصرية على الإطلاق فقد كانت دون شك أسطورة إيزيس وأوزيريس وتحكي كما عرفنا عن الحاكم الإلهي الخَيِّر أوزيريس، الذي قُتل على يد أخيه الشرير الغيور ست، الإله المرتبط بالفوضى، وقامت أخت أوزيريس وزوجته الوفية الربة إيزيس بإحيائه حتى يتمكن من إنجاب ابنه ووريث عرشه، الرب حورس. ثم دخل أوزيريس العالم السفلي وأصبح حاكم الموتى، وبمجرد أن كبر، حارب حورس عمه الشرير ست، وهزمه وأصبح ملكًا على عرش مصر، عرش أبيه الرب الطيب أوزيريس. وكان ارتباط ست بالفوضى، وتحديد أوزيريس وحورس كحاكمين شرعيين، سببًا منطقيًّا للملكية المصرية، وتتابع الملوك على عرش مصر، وتصورهم على أنهم أنصار النظام وأعداء وساحقو الفوضى. وفي الوقت نفسه، كان موت أوزيريس يعد ولادة جديدة مرتبطة بالدورة الزراعية المصرية؛ إذ كانت المحاصيل تنمو في أعقاب فيضان النيل.
وما هى رحلة الرب رع وما ما ذكرته بالكتاب؟
من الأفكار الأسطورية المهمة الأخرى، كانت رحلة الرب رع كل ليلة عبر الدِّوات (أي العالم الآخر أو العالم السفلى، وفقًا لمعتقدات المصريين القدماء). وخلال تلك الرحلة، كان الرب رع يلتقي بالرب أوزيريس، الذي كان يقوم بدوره مرة أخرى كعامل تجديد حتى تجددت حياته، وكان يحارب كل ليلة ضد الشرير "أبوفيس" أو "عِبعب"، إله الفوضى. وكانت هزيمة "أبوفيس" والاتحاد مع أوزيريس تضمن شروق الشمس، أي رع، كل صباح في اليوم التالي، وكان حدثًا يمثل ولادة جديدة وانتصارًا للنظام (الماعت) على الفوضى (الإسفت). واستوحى المصريون أساطيرهم من دورات ومظاهر الطبيعة من حولهم، ونشأت الأساطير في وقت مبكرًا للغاية من عمر الحضارة المصرية، وكان تكرار الأحداث يؤكد تكرار حدوث أحداث الأسطورة، وبذلك كانت تجدد الماعت، النظام الأساسي للكون. وكانت من بين أهم أحداث الماضي الأسطوري، أساطير الخلق، حين شكلت الآلهة الكون من الفوضى البدائية، وقصص حكم إله الشمس رع على الأرض، وأسطورة إيزيس وأوزيريس الخاصة بصراع الآلهة أوزيريس وإيزيس وحورس ضد الرب المسبب للفوضى الإله ست. وكانت أحداث الأساطير التي كانت تمثل الحاضر آنذاك هي أساطير رحلة الإله رع اليومية عبر العالم ورحلته الأخرى في العالم الآخر، أو ما يعرف بـ"الدِّوات".
لقد شملت الموضوعات المتكررة الحدوث في الأساطير المصرية الصراع بين مؤيدي الماعت وقوى الفوضى، وأكدت على أهمية دور الملك في الحفاظ على الماعت، واستمرارية الآلهة وتجددها، واختلفت تفاصيل تلك الأحداث المقدسة اختلافًا كبيرًا من نص إلى آخر، وبدت غالبًا متناقضة، والأساطير المصرية هي في الأساس مجازية؛ إذ كانت تترجم جوهر وسلوك الآلهة إلى مصطلحات يمكن للبشر فهمها، ويمثل كل شكل من أشكال الأسطورة منظورًا رمزيًّا مختلفًا، وساهم ذلك في إثراء فهم المصريين للآلهة والعالم. وأثرت الأساطير بعمق على الثقافة المصرية القديمة، وألهمت أو أثرت في الكثير من الطقوس الدينية، وقدمت الأساس الفكري للملكية المصرية، وظهرت مناظر ورموز من الأسطورة في الفن في المقابر والمعابد والتمائم.
إن هذه هي باختصار قصة الأساطير والديانة المصرية القديمة وما يرتبط بهما من الكثير من الأمور عن أسرار وعبقرية مصر القديمة في صياغة الضمير والفكر الديني للعالم كله منذ أقدم العصور.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الأساطير التاريخ المصري القديم الحضارة المصرية القديمة المصريون القدماء عالم المصريات فی مصر القدیمة العالم الآخر وفی القسم فی القسم کتاب ا
إقرأ أيضاً:
"اليوم24" يحاور مرشحا لبرلمان الطفل: أنا مرشح لكل طفل لا يصل صوته (حوار خاص )
تأسس برلمان الطفل في المغرب سنـة 1999، ويعد بمثابة هيئة تمثيلية تهدف إلى تمكين الأطفال من التعبير عن آرائهم والمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم. وهو يتكون من ممثلين منتخبين من جميع أنحاء المملكة المغربية، ويضم الأطفال من الفئة العمرية ما بين 12 و18 سنة.
يتم الترشح للانضمام إلى برلمان الطفل من خلال انتخابات محلية أو جهوية، يشارك من خلالها الأطفال في عملية اختيار مرشحين من بينهم لتمثيلهم في البرلمان، بشرط أن يكون الطفل قد بلغ السن المحددة من 12 إلى 18 سنة، وتكون لديه رغبة حقيقية في تمثيل قضايا الأطفال والمساهمة في تحسين ظروف حياتهم.
في هذا الإطار، ارتأى « اليوم24 » استضافة الطفل المرشح « زين الدين الجاحظ » البالغ من العمر 16 سنة، والذي عبر عن رغبته في دخـول غمار هاته التجربـة، بعدما استهوته فكـرة الترشح لبرلمان الطفل للمشاركة في إيصال صوت أطفال العالم القـروي والمناطق الهشة. فكـان لنـا هذا الحـوار:
بـدايـة مرحـبا بكم على موقع « اليوم24 »:
أشكر بداية موقع “اليوم 24”، هذا المنبر الوطني، على احتضانه هذا اللقاء الذي لا أراه مجرد حوار صحفي عابر، بل أعتبره إعلان انطلاق رسمي لمرحلة جديدة في مساري، مرحلة النضج، والتأثير، وصناعة الذاكرة.
أنا زين الدين الجاحظ، 16 سنة من حي سيدي البرنوصي، ذاك الحي الذي ولدت فيه بين شقوق التحدي، والذي لم يكن يوماً مجرد حي شعبي بل مدرسة كبرى للحياة.
عرفني الناس من خلال ظهوري المتكرر على شاشات التلفزة الوطنية، حيث حملت صوتي ورسائلي إلى القلوب قبل الآذان، ثم كان اسمي حاضراً بقوة في الدورة الخامسة للمسابقة الوطنية لفن الخطابة، ورغم أنني لم أظفر باللقب، فقد كنت من بين أكثر المشاركين تأثيراً، ونلت تصفيق الجمهور قبل أن أنال اعتراف لجنة التحكيم.
سـؤال: إضافة لاهتمامك بحقوق الطفل وأوضاعه، هل لديك أية اهتمامات أخرى ؟
جـواب: نعم أكيد، ففي السنة الفارطة تم ترشيحي رسمياً ضمن قائمة أفضل صناع المحتوى الشباب بالمغرب، وهي فرصة لم تأت من فراغ، بل من تراكم حكايات، ومشاعر، ورسائل صوتية ونصوصية حركت الساكن، ولامست الجرح.
لكن اللحظة الأهم في مساري حتى الآن، كانت حين أطلقت كتابي الأول بداية السنة “بين خطّين”. كتاب ليس كباقي الكتب، لأنه لم يُكتب بحبر فقط، بل بماء الذاكرة.
رويت فيه قصة الألم والضوء، في واقع صعب كـ”درب معاكيز”، وذكرت فيه صديقي ريان، الذي ساندني في أكثر الفصول سواداً، ووالدتي التي كانت لي كل الحكاية حين سكت الجميع، واحتضنتني كي لا أشعر بذلك الفراغ المفروض على أمثالي من الأطفال.
فهذا الحوار بالنسبة لي بمثابة ولادة جديدة، وإعلان نية صريحة لأقـول: « أنـا هنا، لا لأُرى، بل لأُحـدث الفرق ».
سـؤال: هل من الممكن الحديث حول الدافع الذي جعلكم تتبنون فكرة الترشح لبرلمان الطفل بالمغرب؟ وما أهمية ذلك على المستويين المحلي والوطني بالنسبة لهاته الفئة؟
جـواب: أولا، لا يسعني في هذا المقام إلا أن أعبر عن بالغ فخري واعتزازي بكون محطة برلمان الطفل المغربي تنعقد تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم، وتحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وهي رعاية ذات دلالات عميقة على العناية الملكية الفائقة التي تحظى بها الطفولة المغربية وقضاياها المصيرية.
أما عن دوافعي الشخصية للترشح، فهي تتجاوز فكرة الحضور الرمزي أو نيل لقب تمثيلي، بل هي امتداد طبيعي لمساري الإنساني والثقافي، ككاتب يعبر عن مشاعر وأصوات غالبا ما تهمش، وكشاب بدأ نشأته في بيئة شعبية تلخص واقع آلاف الأطفال في هذا الوطن.
ترشحت لأنني لا أريد فقط أن أتحدث باسم الأطفال، بل أريد أن أُحدث الأثر باسمهم، ولأجلهم.
فترشحت فقط لإيصال صوت الطفل الذي لا يجد ملعباً للعب فيه، ولأجل الطفلة التي ترى المدرسة حلماً بعيداً، ولأجل كل طفل يظن أن صوته غير مسموع… فكما أقول دائما « أنا هنا لأثبت له العكس ».
وأؤمن أن أهمية هذا الترشح تتجلى في مستويين متكاملين:
فعلى المستوى المحلي تعتبر فرصة حقيقية للاقتراب من أطفال الأحياء الشعبية، ومرافقة أصواتهم وهمومهم، وإيصالها للجهات المسؤولة برؤية نابعة من الميدان، لا من وراء المكاتب.
وعلى المستوى الوطنـي، فإن ترشحي يعتبر تتويجاً لحلم طويل، قادر على أن يكون فيه الطفل شريكاً فعلياً في السياسات العمومية، وفاعلاً حقيقياً في النقاش حول مستقبله، لا مجرد مستفيد صامت من قرارات تُفرض عليه.
سـؤال: كيف ترون واقع حقوق الطفل بالمغرب، وما هي المطالب الملحة التي ستترافعون فيها لأجل هذه الفئة الواسعة من الشعب المغربي؟
جـواب: بداية أقـول، » دعونا نواجه الحقيقة بجرأة »: « الطفل في المغرب لا يعيش حقوقه كاملة، بل يعيش على وعود مؤجلة ».
نعم، هناك مجهودات ومبادرات نبيلة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبدعم دائم من صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم من خلال المرصد الوطني لحقوق الطفل، لكن رغم ذلك لا تزال الطفولة المغربية تعاني من الهدر المدرسي، والفقر الأسري، وغياب ملاعب ومساحات لعب، مع ضعف الحماية النفسية والاجتماعية لهاته الفئـة، وتملص مؤسسات كثيرة من مسؤولياتها الدستورية والإنسانية.
أنا لا أقول هذا من باب التشكي، بل من باب المسؤولية، لأنني ولدت في أحد أكثر الأحياء تحدياً داخل جهة الدار البيضاء-سطات، وتعلمت فيها أن الصوت القوي لا يُخلق من الامتياز، بل من الألم.
ولهذا، أحمل معي إلى برلمان الطفل ثلاث قضايا كبرى، وسأجعل منها معاركي اليومية:
أولـها: العدالة المجالية في حقوق الطفل، بحيث لن أقبل أن يبقى طفل القرية والحي الشعبي خارج الحسابات، وسأدافع عن ميزانيات عادلة توجه للمناطق المهمشة، وتوفر بنية تحتية حقيقية للطفولة.
ثانيا: إرساء برنامج وطني لمحاربة الهدر المدرسي والتفكك الأسري لأن المدرسة ليست مجرد بناء، بل أمان، والأسرة ليست مجرد حضن، بل مستقبل.
وسأطالب بسياسات استعجالية لمواكبة الأسر الفقيرة نفسياً ومادياً، حتى لا يَدفع الأطفال ثمن هشاشة لا ذنب لهم فيها.
ثالثا: الاعتراف بالطفل كمشارك في السياسات العمومية، وليس مجرد موضوع فيها من خلال مطالبتي بأن يكون للطفل المغربي صوتاً رسمياً داخل المجالس المحلية، ووسائل الإعلام، والقرارات التربوية، فنحن لا نطلب الإحسان، بل نطالب بالاعتراف.
سـؤال: في خضم حديثك الحارق عن هاته القضايا الأساسية في واقع الطفل المغربـي، نستشف تشبثك بقوة بمسألة الوصول إلى برلمان الطفل، لماذا هذا الإصرار؟
جـواب: أكـيد… فأنا كتبت كتابًا وثّقت فيه الحقيقة كما عشتها، لا كما تُجملها التقارير، وكنت أحمل معي أصوات الأطفال الذين لا يملكون حتى دفترا وتحدثت عنها في شاشات الإعلام، ونافست في مسابقات وطنية ورفعت إسم جهـة الدار البيضاء سطات عاليا ولو دون تتويج، ولم أخن أبداً وجعـي ولا وجع أصدقائي في الأحياء الهشة.
ولهـذا كله، أكون أن الأحق بتمثيل جهة الدار البيضاء-سطات، لأنني ببساطة ابن هذه الجهة، وتحديدا من قلبها المنسي، حيث تنمو الأحلام وسط العتمة.
فأنا لا أطلب مقعداً للزينة أنا أُطالب بمنبر، لأحمل أحلام أطفال الجهة إلى البرلمان، لا كرقم، بل كصوت نابض، يقاتل من أجل أطفالها.
سـؤال: من خلال جولتكم في مناطق الجنوب الشرقي، ودواوير نائية، ما الذي عاينتموه علاقة بأوضاع الأطفال وحقوقهم الأساسية في بيئتهم المعيشية؟
جـواب: حين قررت أن أطلق حملتي الميدانية من هناك، من عمق الجبال، لم يكن ذلك بدافع التميز فقط، بل لأني آمنت أن أصوات الأطفال لا تصل دائماً من فوق المنصات، بل من تحت الغبار، حيث الطفولة تُهدر في صمت.
في دوار “تارغة”، التابع لإقليم ورزازات، لم أر فقط الجبال… رأيت صراعاً يومياً يعيشه الطفل، صراعاً بين البقاء والحرمان.
ومن خلال هذه الجولة، رصدت خروقات خطيرة، لا يمكن التغاضي عنها:
أول ما يصدمك هناك هو غياب أي فضاء ترفيهي للأطفال، لا ملعب، لا حديقة، لا حتى مساحة ترابية آمنة.
الطفل في « تارغة » لا يعرف اللعب، في حين أن المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل – التي صادق عليها المغرب – تضمن له الحق في “اللعب والراحة وممارسة الأنشطة الثقافية والفنية”.
وهنا نجد حرماناً مباشراً من حق اللعب، الذي يعد ركيزة نفسية لنمو الطفل.
ثم تأتي المعاناة اليومية مع الدراسة، والتي تتجلى في بُعد المؤسسات التعليمية بعدَ الابتدائي، وغياب النقل المدرسي، يجعل من كل صباح مغامرة محفوفة بالخطر.
رأيت ذلك بعيني، بل جربته بنفسي، حين قطعتُ جزءا من المسار مع أطفال الدوار، وكانت النتيجة إصابة مؤلمة في يدي اليسرى.
لذلك أرى أن هدا الأمر بمثابة خرق واضح للفصل 31 من الدستور المغربي، الذي ينص على “تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين من تعليم عصري ذي جودة ”، إضافة إلى أن هذا الأمر يخالف الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة 2030، المتعلق بضمان تعليم جيد، منصف، وشامل.
ليس هذا فقط، فالحق في العلاج أيضا غائب تماماً ففي « تارغة »، لا وجود لأي مركز صحي، ولا نقطة إسعاف، ولا حتى مسعف قريب.
في الحالات الطارئة على الطفل أن يصبر أو يسلك طرقاً وعرة لمسافات طويلة، قد تُنهي حياته قبل وصوله للمساعدة الطبية، إنها خروقات صارخة للفصل 31 من الدستور المغربي، وللهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة.
أما البيئة التي يعيش فيها هؤلاء الأطفال، فهي هشة للغاية، فالبيوت غير مجهزة، ولا صرف صحي فيها مع ضعف كبير في ربط الماء والكهرباء، والطرقات بالكاد تُسمى طرقاً، وهذا إخلال واضح بوعود الدولة ضمن البرنامج الوطني لتنمية المناطق القروية والجبلية (2017–2023)، الذي كان من المفترض أن يُحدث فرقاً في مثل هذه المناطق.
إجمـالاً، أقـول إن هناك غياباً شبه كلي لمواكبة مؤسسات الدولة ومجتمعها المدني، للأطفال، فلا وجود لجمعيات، ولا أنشطة، ولا دور شباب ولا برامج توعوية، ولا ثقافة، ولا حلم.
في دوار « تارغة »، يكبر الطفل وحده، يتعلم من الأرض، ويتخرج من مدرسة الصبر، وهذا خرق لأدوار المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، ولمضامين الاستراتيجية الوطنية لحماية الطفولة.
أنا لم آت إلى هذه الجبال لأكتب تقريرا، بل جئت كي أسمع وأحس وأعود بالحقائق، ومن هنا، من دوار « تارغة »، أعلن التزامي الكامل بأن أنقل هذا الواقع بكل صدق، داخل برلمان الطفل المغربي، وسأحول هذه الملاحظات إلى ملفات رسمية، وأقدمها باجتماعات موثقة، مع صور، وأسماء، وأدلة، كي لا تظل الجبال مجرد ظلال بعيدة عن قرارات المركز.
فأنا مرشح لكل طفل لا يصل صوته، ولكل أم نسيت الدولة أن تسألها عن أحلام أبنائها، وهذا هو عهدي، وهذه هي مسؤوليتي.
كلمات دلالية أوضاع الأطفال المغرب اوضاع اجتماعية برلمان الطفل حقوق الطفل زين الدين الجاحظ مرشح برلمان الطفل