نتنياهو يواجه معضلة سياسية كبيرة برفض الحريديم التجنيد في الجيش
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
قالت مجلة "فورين بوليسي" إن مسألة تجنيد اليهود الحريديم المتدينين، في جيش الاحتلال، واحدة من مشاكل بنيامين نتنياهو السياسية، والتي تفاقمت مع استمرار الحرب على غزة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن التهديد الأكبر الذي يخيم على حكومة نتنياهو اليوم هو مسألة ما إذا كان ينبغي تجنيد اليهود المتشددين في الجيش، وهي القضية التي ظلت قائمة دون حل لأكثر من 20 سنة.
وأفادت المجلة أنه للوهلة الأولى، قد يبدو غريبا أن اليهود الأكثر تدينا في الدولة اليهودية يرفضون الخدمة في الجيش، لكن الأرثوذكس المتطرفين، أو الحريديم، كانوا دائما يواجهون مشكلة مع الدولة اليهودية التي تم إنشاؤها بفعل بشري وليس بأمر إلهي.
وللمساعدة في كسبهم؛ قدم الأب المؤسس لدولة الاحتلال، ديفيد بن غوريون، سلسلة من التنازلات لهم في وقت قريب من الاستقلال في سنة 1948، بما في ذلك إعفاء الشباب من التجنيد الإجباري الذين "يعتبرون التوراة احتلالهم". وبعبارة أخرى؛ يقضي الرجال حياتهم في دراسة النصوص الدينية.
وأوضحت المجلة أن الأمر بدا وكأنه مشكلة بسيطة في ذلك الوقت، وكان العديد من الحريديم يقاتلون في الحرب. لقد قضت المحرقة على المجتمع الأرثوذكسي المتطرف في أوروبا، وكانت أعداده ضئيلة ومن المتوقع أن تنخفض مع الاستيعاب، وكان إجمالي عدد الذين سيتم إعفاؤهم حوالي 400 شخص.
وأضافت المجلة أنه بحلول نهاية التسعينيات، لم يعد هذا التنازل يبدو بسيطا إلى هذا الحد، فبفضل معدل الولادات المرتفع بشكل غير عادي؛ كان عدد السكان الحريديين ينمو بسرعة. واليوم، أصبحوا يمثلون حوالي 13 بالمائة من السكان، وبحلول سنة 2042 قد تصل نسبتهم إلى أكثر من 20 بالمائة، حسب تقديرات الحكومة الخاصة.
وفي الوقت نفسه، تزايد الدعم الحكومي للحريديم بشكل كبير بعد أن تولى مناحيم بيغن وحزبه الليكود السلطة في سنة 1977، مما مكن المجتمع من تحقيق هدفه المتمثل في دراسة التوراة مدى الحياة للذكور. وحتى عندما أخذوا المال من الدولة، أصبح رفض الخدمة في الجيش، بالنسبة للحريديم، أمرا مقدسا مثل الحفاظ على الشريعة اليهودية أو السبت.
وذكرت المجلة أن التحدي الجدي الأول لهذا الترتيب جاء في سنة 1998؛ عندما قضت محكمة العدل العليا بأنه ينتهك المبدأ القانوني للمساواة بين الإسرائيليين، والذي يتعلق بـ "المساواة في العبء" فيما يتعلق بالخدمة العسكرية. وبدأت بذلك ملحمة استمرت عقدين من التشريعات التي فشلت في تصحيح المشكلة، والمزيد من الطعون أمام المحاكم، والمماطلة. وفي حين أن مسودة القضية أصبحت بشكل دوري مادة رئيسية، إلا أنها تلاشت بسرعة، وكان السياسيون من اليسار واليمين يكرهون التطرق إلى هذه القضية خوفا من فقدان دعم الأحزاب السياسية الحريدية، التي غالبا ما تحافظ على توازن القوى.
وأفادت المجلة أن الجدل قد تجدد فجأة ليرجع إلى صدارة الأحداث، وذلك يرجع للسبب الأول والأهم وهو الحرب في غزة، التي جعلت حقيقة أن بعض الإسرائيليين يقاتلون ويموتون في حين لم يعد موقف آخرين أكثر وضوحا مما كان الأمر عليه في السنوات الماضية.
ومنذ دخول القوات البرية غزة في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، قُتل أكثر من 240 جنديا وجُرح الآلاف. لقد تم استدعاء المزيد من جنود الاحتياط أكثر من أي وقت مضى خلال الأربعين سنة الماضية. وقد تم التأكيد على التضحيات التي قدموها من خلال حقيقة أن معظم الإسرائيليين ينظرون إلى حملة غزة والقتال مع حزب الله في الشمال على أنها حرب بقاء على عكس أي حرب خاضتها البلاد منذ الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1973 وبات من الصعب على اليهود المتشددين تفسير عدم رغبتهم في المشاركة في التضحية.
وقالت المجلة إن ضرورة التضحية العامة لن تختفي عندما تنتهي الحرب، فلقد أحدث السابع من تشرين الأول /أكتوبر تغييرا جذريا في تفكير إسرائيل في مجال الأمن القومي خلال السنوات العشرين الماضية، والذي كان يرى أنه من الممكن احتواء التهديدات الصادرة عن حماس وحزب الله وأن التكنولوجيا يمكن أن تحل محل القوات البرية على الأرض.
ولضمان وجود عدد كاف من الجنود؛ يخطط الاحتلال لزيادة الخدمة الإلزامية وعدد الأيام التي يمكن فيها استدعاء جنود الاحتياط كل سنة. وحتى الآن، تشير التقارير إلى أن هناك نقصا بنحو 7000 جندي في الجيش النظامي، الذي يبلغ عدده حوالي 170000 جندي.
وأضافت المجلة أن حكومة نتنياهو وعدت الأحزاب الحريدية قبل الحرب بتمرير تشريع يحمي إعفاء الحريديم من الطعون أمام المحاكم في المستقبل. ومن بين الأفكار الأكثر جموحا كان تمرير قانون شبه دستوري يساوي بين دراسة التوراة والخدمة العسكرية، وبالتالي التغلب على مشكلة المساواة في الأعباء. ومع ذلك؛ وبسبب انشغالها بحملة الإصلاح القضائي، فشلت الحكومة في التحرك.
وبدلا من ذلك؛ صوَّت مجلس الوزراء لصالح منح نفسه موعدا نهائيا مشؤوما في 31 آذار/ مارس للتوصل إلى حل. وهي تطلب الآن من المحكمة العليا منحها ثلاثة أشهر أخرى، ولكن في جلسة 26 شباط/ فبراير، أبدى القضاة القليل من التعاطف مع المزيد من التأخير. وإذا لم يمدوا الموعد النهائي، فسيكون الشباب الحريديم، من حيث المبدأ، مسؤولين عن التجنيد الذي يبدأ في الأول من نيسان/ أبريل.
وأوضحت المجلة أنه إذا أدرك القادة السياسيون الحريديم أن موقف الجمهور قد تغير؛ فإنهم لم يظهروا أي علامات على ذلك. وكانت هناك موجة قصيرة من التقارير الإخبارية في بداية الحرب حول قيام رجال حريديم بالتسجيل في الخدمة العسكرية، ولكن تبين أنها مبالغ فيها. وقالت مديرية شؤون الموظفين في الجيش الإسرائيلي أمام لجنة في الكنيست الشهر الماضي إن 540 فقط قد تم تجنيدهم بالفعل.
وأضافت المجلة أن المدافعين عن الحريديم يقدمون مجموعة متنوعة من المبررات لمشروع الإعفاءات، وهم يزعمون أن الجيش لا يحتاج إليهم في الواقع، ويشيرون إلى أن العديد من الحريديم يتطوعون لخدمات الإنقاذ المدنية. ويؤكد الحاخامات المتشددون أن دراسة التوراة لا تقل أهمية عن الخدمة العسكرية لأنها تضمن الحماية الإلهية لإسرائيل.
وأشارت إلى أنه حتى العديد من المؤمنين يعترفون بأن بعض الرجال الذين يتهربون من التجنيد يتم تسجيلهم على الورق في المدارس الدينية ولكنهم لا يدرسون في الواقع. والسبب الحقيقي وراء خوف قادة الحريديم من التجنيد هو أنه يهدد الحواجز التي أقاموها بعناية شديدة: في الجيش، سيواجه المجندون الشباب غير الحريديم بطريقة جدية لأول مرة في حياتهم، وربما تعلم مهارة أو تجارة مفيدة، والأسوأ من ذلك كله هو مقابلة النساء العلمانيات، وقد لا يعود الكثير منهم أبدا.
وتابعت المجلة أن قضية الإعفاء الحريدي أو احتياجات الجيش من الأفراد تعتبر ثانوية في أحسن الأحوال بالنسبة لنتنياهو؛ فما يهمه هو الحفاظ على ائتلافه سليما. وإذا انسحب الحزبان المتدينان من مشروع القانون وحصلا على مقاعدهما الـ 18 في الكنيست، فلن يتمكن الائتلاف من البقاء. ومع ذلك، لا يستطيع نتنياهو، كما فعل في الماضي، أن يفترض أن حزبه وشركائه في الائتلاف اليميني المتطرف سيفعلون ما يطلب منهم.
وقال أعضاء الليكود الضعفاء عادة إن الحل الذي يتضمن على الأقل تجنيد بعض الحريديم أمر لا مفر منه. وحتى وزير المالية بتسلئيل سموتريش، وهو يميني متطرف متعاطف مع المصالح الأرثوذكسية المتطرفة، أدرك هذا التغيير؛ حيث قال، خلال زيارة إلى مدرسة دينية للطلاب الأرثوذكس الأكثر اعتدالا الذين يجندون: "الوضع الحالي فظيع ولا يمكن أن يستمر".
وأوضحت المجلة أن معظم هؤلاء المرتدين سوف ينضمون إلى نتنياهو؛ وهم أيضا يركزون على بقائهم السياسي. ولكن هذا قد لا يكون صحيحا في حالة الوحدة الوطنية، وهو حزب وسطي انضم إلى الائتلاف في بداية الحرب، وفي حالة وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو سياسي من حزب الليكود. وضع غالانت التحدي في 28 شباط/ فبراير عندما قال إنه لن يدعم أي مشروع قانون للتجنيد الإجباري لا يحظى بدعم الوحدة الوطنية. لقد وضع الحزب خطة معتدلة نسبيا لتجنيد الحريديم، لكن لا شيء سيوافق عليه زعماء الحريديم على الإطلاق.
ولفتت المجلة إلى أنه نتيجة لذلك، أصبح نتنياهو محاصرا. فمن ناحية هناك عناد الحريديم؛ ومن ناحية أخرى، فإن موقف غالانت يثير خطر الوحدة وحتى خروج غالانت من الائتلاف إذا لم يحصلوا على ما يريدون. ومن الناحية الفنية؛ لا يحتاج رئيس الوزراء إلى الوحدة الوطنية أو غالانت للبقاء في السلطة، لكن خروجهم من التحالف من شأنه أن يتركه في موقف صعب؛ حيث سيدير حربا معقدة مع وزراء متطرفين يفتقرون إلى الخبرة في الغالب.
وقد يشعر الحريديم بأنهم محاصرون أيضا، وفي هذه الحالة قد يفرضون انتخابات مبكرة كوسيلة لشراء الوقت. ولن يُسمح لحكومة تصريف الأعمال بالتعامل مع مثل هذه القضية الحاسمة، مما سيؤدي إلى تأجيلها حتى تشكيل حكومة جديدة.
وقالت المجلة إن نتنياهو قد يحاول التخلص من المشكلة مرة أخرى من خلال إعطاء المحكمة العليا خطة لتجنيد الحريديم تبدو جيدة على الورق ولكنها مصممة لكي تفشل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية اليهود الحريديم جيش الاحتلال غزة غزة جيش الاحتلال اليهود الحريديم صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخدمة العسکریة المجلة أن فی الجیش أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
استدعاء الاحتياط الإسرائيلي تحت المجهر.. مناورة سياسية أم ضرورة حربية؟
قبل أيام وفي إطار سعي الجيش الإسرائيلي إلى توفير النصر المطلق لنتنياهو وحكومته قرر رئيس الأركان الجديد الجنرال إيال زامير استدعاء عشرات الألوف من ضباط وجنود القوات الاحتياطية.
وبمعنى من المعاني فإن مثل هذا القرار بعد أكثر من عام ونصف على الحرب يعني فشل المجهود السابق وبدء الحرب من جديد على أسس مختلفة.
وبديهي أن هذا أثار ليس فقط تساؤلات، وإنما أيضا اعتراضات من جانب شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي، فالأمر يتصل بتعاظم الخلاف بشأن الحرب وغاياتها وأولوياتها، والأهم حول الإجابة عن السؤال: من تخدم هذه الحرب.. مصلحة وطنية أم مصلحة زعامية أو أيديولوجية؟
وجاء نشر صحيفة هآرتس جوهر النقاشات التي سبقت اتخاذ القرار في هيئة الأركان، والتي أظهرت أن الإفراج عن الأسرى جاء في آخر أهداف عملية توسيع الحرب المقررة، ليشعل الخلاف ليس فقط في الشارع والحلبة السياسية وإنما أيضا في صفوف القوات الاحتياطية.
وإذا أخذنا في الحسبان عرائض الاحتجاج ضد استمرار الحرب وعدم تبادل الأسرى التي كانت انتشرت في صفوف الجيش بدءا من سلاح الجو وانتهاء بالمشاة والمدرعات فإن التحذيرات من جانب عسكريين سابقين من توسيع الحرب تحقق ذاتها، فوسائل الإعلام الإسرائيلية ترى في إعلانات الجيش عن أن نسبة التجاوب مع استدعاءات الخدمة الاحتياطية تبلغ 80% إعلانات كاذبة، وأنها تقترب فقط من 50%.
إعلانوهذا يدلل على فجوة كبيرة تشير في الواقع إلى ما أظهرته استطلاعات الرأي، والتي تحدثت عن انهيار الثقة في الجيش وهبوطها من نحو 90% إلى نحو 51%.
ورغم أن البعض رأى في إيال زامير -الذي استدعاه اليمين لقيادة الجيش- "هجوميا" بل و"كهانيا" حسب أحد التعليقات رأى آخرون أن استدعاءه عشرات ألوف الجنود الاحتياط وإعلانه دعوة ألوف من الحريديم إلى الخدمة العسكرية ضربة لليمين.
بل اعتبر بعضهم أن هذه الدعوات محاولة لإيقاف المستوى السياسي اليميني على حجم الأثمان الباهظة المطلوب دفعها لتحقيق هدف النصر المطلق.
ومعروف أن دعوة الاحتياط ترافقت مع قرارات من المجلس الوزاري المصغر بشأن أهداف توسيع الحرب، والتي تتضمن صراحة أهدافا إجرامية وفق القانون الدولي، وبينها تهجير أهالي غزة.
ورغم دوي وضجة استدعاء القوات الاحتياطية فإن معلقين إسرائيليين بارزين -بينهم رون بن يشاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"- اعترفوا بأن الاستدعاءات صدرت حتى الآن لقادة الألوية والكتائب ولم تصدر لعموم الضباط والجنود.
كما أن عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" لاحظ أنه رغم كل الضجة بشأن تجنيد القوات الاحتياطية فإن هجوما إسرائيليا واسعا على غزة "ليس محتملا".
وكتب هرئيل "رغم الاستعدادات العملياتية فإن احتمالية هجوم إسرائيلي مستقل الآن تبدو متدنية جدا، ترامب يهتم بإظهار كل أسبوع وبشكل علني تحفظاته من الحرب، ويأمل أن تؤدي المفاوضات الجديدة مع إيران بوساطة عُمان إلى التوقيع على اتفاق نووي جديد".
وتابع "في الفترة الأخيرة دخلت إلى حيز التنفيذ تغييرات أولية في قيادة الإدارة الأميركية، وعلى رأسها نقل مايكل والتز من منصب مستشار الأمن القومي إلى منصب السفير الأميركي في الأمم المتحدة، الإقالة ترجح كفة الميزان الداخلي حول ترامب لصالح المعسكر الانفصالي الذي يتحفظ على توسيع النشاطات العسكرية الأميركية في كل الجبهات".
إعلانونشرت "واشنطن بوست" أمس أن ترامب نقل والتز من منصبه أيضا بسبب أنه كشف أن الأخير أدار بالسر محادثات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تناولت إمكانية مهاجمة إيران.
وأكثر وزير الحرب يسرائيل كاتس من إطلاق التهديدات وفتح وإغلاق أبواب الجحيم متباريا في ذلك هو ورئيسه بنيامين نتنياهو، حتى مع سموتريتش وبن غفير.
وأعطى هؤلاء الانطباع بأن كل شيء معد وجاهز لانطلاق الحملة الجبارة التي ستجلب النصر هذه المرة تحت راية "عربات غدعون" بعد أن فشلت رايات "السيوف الحديدية" أو "حرب النهضة" و"حرب الجبهات السبع"، والتي لحقتها راية "الجرأة والسيف" الدائرة حاليا.
وأُعلن عن أن 5 فرق عسكرية ستجتاح غزة من جديد، ولكن بشكل تدريجي هذه المرة، وأن العملية لن تتوقف ما إن تبدأ، وأن بدايتها ستكون نهاية زيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة.
ولم تخف جهات كثيرة في إسرائيل رغبتها في أن تفلح الوساطات في تجنيب إسرائيل عواقب ما سوف يحدث إذا لم تخضع حماس للإملاءات الإسرائيلية.
لكن رد حماس للوسطاء كان واضحا: نعم لصفقة شاملة لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى وإعادة الإعمار ولا للإملاءات الإسرائيلية، وتهديداتهم لا تخيفنا وليحتلوا غزة ويتحملوا إدارة شؤونها وستبقى المقاومة ضدهم كما كانت، ومن الجائز أن عدم تراجع إسرائيل عن منطقها المعربد يفتح الباب على مصراعيه أمام ما يمكن وصفها ببوابات الجحيم المتقابلة.
وفي احتفالات إسرائيل بذكرى إنشائها أعلن نتنياهو أن "الهدف النهائي للحرب هو الانتصار على أعدائنا"، وأن هذا يسبق إطلاق سراح الرهائن.
لكن رئيس الأركان إيال زامير المطلع على الحالة المزاجية بين جنود الاحتياط أوضح في اجتماع المجلس السياسي والأمني أن عودة المختطفين هي الأهم.
وشدد زامير على أن معظم جنود الاحتياط الذين يطيعون الأوامر ويعودون إلى الخدمة يفعلون ذلك انطلاقا من شعورهم بالواجب من أجل إطلاق سراح الأسرى.
إعلانوبحسب معلقين، يدرك نتنياهو جيدا أنه لا يستطيع البدء بتوسيع الحرب باستخدام الفرق العسكرية الخمس في غزة قبل زيارة ترامب إلى المنطقة، لكن ليس هناك ما يمنع استخدام التهديد رافعة على طريق تحقيق الهدف.
ولهذا السبب حاول زامير اختيار طريق وسط يتمثل بتصعيد تدريجي، وربما العمل في مناطق لم يعمل الجيش فيها بعد استئناف الحرب في مارس/آذار كنوع من زيادة الضغط على حماس لإبداء مرونة أكبر في المفاوضات.
ولهذا، يشدد رئيس الأركان الإسرائيلي -خلافا لنتنياهو والمستوى السياسي- على أن الهدف هو إطلاق سراح الأسرى في المقام الأول، وبعد ذلك هزيمة حماس.
وبديهي أن هذا الخلاف يترك أثرا بالغا على مدى تجاوب جنود الخدمة الاحتياطية مع أوامر الاستدعاء للخدمة، فالأمر لا يتعلق فقط بأولويات الحرب على أهميتها، وإنما كذلك بتقاسم الأعباء في تحمّل تكاليف الحرب البشرية والاقتصادية والاجتماعية، فهناك جنود احتياط يخدمون ما يقارب نصف عام في الجيش، مما قاد إلى انهيار أسرهم ومشاريعهم الاقتصادية، في حين الحريديم -وبقبول من نتنياهو واليمين- لا يلتحقون بالخدمة أبدا.
وهذا ما حدا مثلا بزعيم المعارضة يائير لبيد إلى الإعلان عن أنه منذ بدء الحرب أصدر الجيش الإسرائيلي 18 ألفا و915 أمر تجنيد للشباب الحريديم الخاضعين للتجنيد الإجباري.
ومن بين هؤلاء التحق 232 شابا، أي أقل من واحد وربع في المائة، ونحو 99% من الحريديم الذين تلقوا أمر التجنيد لم ينضموا إلى الجيش بتشجيع من حكومة نتنياهو.
وهناك 82 ألف شاب من الشباب الحريديم في سن التجنيد يتهربون اليوم من التجنيد الإجباري.
والعام الماضي بلغ عدد الحريديم الذين احتُجزوا للاستجواب لعدم التحاقهم بالخدمة العسكرية 340 شخصا، وتساءل: كم واحدا منهم رهن الاحتجاز الآن؟ على حد علمنا، واحد فقط.
وكانت هذه المعطيات بين أهم دوافع رئيس الأركان قبل أيام لإصدار أوامر استدعاء لألوف الحريديم، الأمر الذي فاجأ الحكومة والحلبة السياسية.
إعلانوفي نظره لا يمكن الكيل بمكيالين في مسألة تقاسم الأعباء، وهذا ما فاقم الأزمة التي يعاني منها ائتلاف نتنياهو الذي عجز حتى اليوم عن تمرير قانون إعفاء الحريديم من الخدمة، وهو ما يصرون حاليا على إقراره، مهددين بإسقاط الحكومة.
صراع في الليكودطالب رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين رئيس الوزراء ووزير الحرب بالحضور إلى اللجنة وتقديم تفسيرات "لماذا يستدعى الأشخاص أنفسهم مرارا وتكرارا" للخدمة الاحتياطية فيما لا يتم استدعاء آخرين؟
واستغل إدلشتاين -وهو زعيم ليكودي وسبق له أن ترأس الكنيست لسنوات بعد أن خدم وزيرا- إصدار رئيس الأركان عشرات ألوف أوامر استدعاء للخدمة الاحتياطية في نوع من الاعتراض على ما يجري.
وطالب بسن قانون يدعم ويكفل من يخدمون في الجيش ويضمن لهم امتيازات لتجاوز مثالب الوضع الراهن.
وأشاد ائتلاف منظمات لخدمة العسكرية بدعوة إدلشتاين، وقال بيان باسمه "يمر ائتلاف منظمات الخدمة العسكرية -الذي يمثل آلاف جنود الاحتياط وعائلاتهم- بأيام عصيبة مع عودة أوامر الاستدعاء، أحسن رئيس اللجنة إدلشتاين صنعا باستدعائهم، المزيد من جنود الاحتياط دون تجنيد المتدينين، هذا انتهاك للأمن القومي، أمر استدعاء آخر دون الأمر الأول، هذا ازدراء للعسكريين".
وأضاف البيان "نحن الذين ندافع عن العلم والوطن، نتوقع أن نرى من أرسلونا إلى ساحة المعركة مرارا وتكرارا يأتون إلى لجنة الخارجية والأمن، وأن نسمع منهم إجابات واضحة، لأن عائلاتنا وأعمالنا ووظائفنا وعقولنا وأجسادنا في حالة انهيار الآن، وأنتم تتعاملون مع احتياجات سياسية بدلا من احتياجات أمنية".
كما عقدت لجنة الرقابة على الدولة برئاسة عضو الكنيست ميكي ليفي جلسة طارئة لمناقشة وضع القوات الاحتياطية والنظامية في ظل الحرب الدائرة.
وعلى خلفية إرسال عشرات الآلاف من الأوامر في هذا الوقت تعاملت اللجنة مع استنزاف أفراد الخدمة الاحتياطية، حيث قدّم ممثل الجيش الإسرائيلي بيانات مثيرة للقلق بشأن حالة الذين يخدمون ومؤهلاتهم "يجب إعفاؤهم من العبء الهائل الواقع عليهم".
إعلانواعترف العميد رامي أبو رحيم -وهو من أركان القوات البرية- في المناقشات قائلا إن "انقضاء أكثر من عام ونصف العام على الحرب يفرض علينا تحديات كبيرة جدا من حيث حجم وكفاءة القوة البشرية".
وأضاف أن "هناك قدرا كبيرا من الإرهاق والتعب، سواء على المستوى الجسدي أو العقلي، لأن العديد من الوحدات النظامية كانت في قتال مستمر منذ 7 أكتوبر، لقد زادت الاحتياجات بشكل كبير في كل من الاحتياط والقوات النظامية".
وعرض رئيس قسم تخطيط القوى العاملة في جيش الدفاع الإسرائيلي العميد شاي طيب احتياجات التجنيد في هذا الوقت، وقال إن الجيش يحتاج إلى 12 ألف جندي في التشكيل النظامي وحده، منهم 7 آلاف مقاتلون والباقي قوات دعم قتالية.
وقال أيضا إنه ينبغي تخفيف بعض الأعباء الهائلة الملقاة على عاتق تشكيل الاحتياطي.
عموما، وفي ظل الحرب هناك إقرار من قيادة الجيش بأن أوامر الاستدعاء تنتهك أصلا وعد الجيش لأفراد خدمته والجمهور منذ بداية العام بأنه سيتم تجنيد أفراد الخدمة الاحتياطية في عام 2025 لمدة شهرين ونصف فقط، فكلام الليل يمحوه النهار.