محركات الأزمة الليبية اليونانية ومآلاتها
تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT
تأزم الوضع بين ليبيا واليونان مؤخرا، كشف عن ذلك التصريحات الرسمية المتبادلة بين خارجية البلدين، والملاسنة بين مندوبي ليبيا واليونان في الأمم المتحدة، ويدور التجاذب حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية في البحر المتوسط لكلا البلدين، وكانت اليونان قد أعلنت الأيام القليلة الماضية عن فتح الباب لعطاءات الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط والغاز جنوب جزيرة كريت، الأمر الذي رفضته السلطات الليبية، باعتبار أن هذه المناطق ما تزال محل نزاع، ولم يتم البت فيها بأي من طرق حل النزاعات حول الحدود والمناطق الاقتصادية البحرية.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: لماذا أقدمت أثينا على هذه الخطوة الأحادية الجانب، برغم إدراكها أنها ستثير الجانب الليبي باعتبار أن المنطقة المشار إليها هي محل نزاع، وأن الطرفين لم يتوصلا إلى تفاهم بخصوصها منذ أكثر من عقدين؟ليبيا بالمقابل، وعبر وزير النفط بحكومة الوحدة الوطنية غرب البلاد، أعلنت عن اتفاق مع شركات تركية لمسح ودراسة أربع مناطق في البحر المتوسط، وبالرغم من أن الخارجية اليونانية أقرت أن تلك المناطق لا تدخل ضمن نفوذها البحري، إلا أن وزير الدبلوماسية اليونانية حذر من استمرار التعاون الليبي التركي في البحر المتوسط.
الرد الليبي، ومن كلا الحكومتين بغرب وشرق البلاد، كان رافضا بالقطع للإعلان اليوناني عن فتح الباب لشركات التنقيب جنوب كريت، وهو وضع جديد ربما لم تتوقعه حكومة اليونان، وهذا ما دعا وزيرة خارجيتها للترتيب لزيارة ليبيا اليومين القادمين، والاجتماع بالحكومتين غربا وشرقا، مرجحا خيار الدبلوماسية لحل النزاع.
ما استفز الجانب الليبي هو تحريك أثينا لقطع بحرية في مواجهة المياه الإقليمية الليبية، وحجة اليونان هي التصدي لزوارق المهاجرين عبر الشواطئ الليبية إلى اليونان، وهنا يظهر أن اليونان اتخذت مسارا تصعيديا من خلال تحريك أدوات اقتصادية وعسكرية، إلا أنها عادت لتقديم المسار الدبلوماسي بالسعي للتباحث مع الأطراف الليبية.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: لماذا أقدمت أثينا على هذه الخطوة الأحادية الجانب، برغم إدراكها أنها ستثير الجانب الليبي باعتبار أن المنطقة المشار إليها هي محل نزاع، وأن الطرفين لم يتوصلا إلى تفاهم بخصوصها منذ أكثر من عقدين؟
بعض المراقبين رجحوا العامل الجيوالسياسي، والتطورات في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وأن أثينا تحركت بإيعاز أوروبي، أو بعض العواصم الفاعلة في الاتحاد، خاصة وأن النزاع يهم تركيا التي تناور لتجد لها مكانا على طاولة التفاوض والتوافق حول غاز شرق البحر المتوسط، الذي قدرت أحتياطيه هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية العام 2022م بحوالي 8 ترليون متر مكعب، وليس كما كان شائع من أن الاحتياطي يبلغ نحو 3 تريليون متر معكب.
وبالرغم من عدم استبعاد هذا العامل كمحرك للفعل اليوناني، إلا أن العامل الأكثر ترجيحا هو ازدياد مخاوف أثينا من تطور العلاقات التركية الليبية، خاصة مع الجبهة الشرقية ممثلة في مجلس النواب والقيادة العسكرية التابعة له، ومع جمهورية مصر، وأن التطور في العلاقة قد يخدم المصالح الاستراتيجية لأنقرة فيما يتعلق بالمصادقة على مذكرة التفاهم التي تم توقعيها العام 2019م بين أنقرة وطرابلس، ورفضها مجلس النواب والقيادة العسكرية في الرجمة.
ما يرجح هذا العامل هو التطور في مواقف جبهة الشرق بشكل إيجابي لصالح تركيا، فالموقف المتصلب من مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة الوفاق الوطني مع الحكومة التركية يبدو أنه يتغير، وقد أعلن أحد أعضاء مجلس النواب الليبي أن هناك نفسا إيجابيا ضمن المجلس تجاه المذكرة. يضاف إلى ذلك التطور في علاقة القيادة العسكرية، النافذة جدا في الشرق الليبي، مع أنقرة، هذا مع التنبيه أن مذكرة التفاهم توفر لليبيا مساحة أكبر من النفوذ الاقتصادي البحري وليس العكس.
القضية شديدة التعقيد والحساسية، والتصعيد اليوناني سيقابله تصعيد ليبي مدعوم تركياً، وأظهرت أنقرة في احتكاكات مشابهة أنها مستعدة لمواجهة أي تصعيد من اليونان بما يلائمه، وهذا ما لا تحتمله أثينا ولا ترغبه بروكسل ولا تؤيده واشنطن، وبالتالي فإن البديل هو التفاوض للوصول إلى توافق أو إرجاع الملف إلى الأرشيف.العقبة أمام تحقيق تركيا هدفها الاستراتيجي قد تكون القاهرة، ومعلوم تأثير القاهرة على القرار السياسي لجبهة الشرق الليبي، غير أن العلاقة التركية المصرية شهدت دفئا تحول إلى تشبيك اقتصادي وحتى أمني استرتيجي، خاصة في ملف السودان وأزمة مصر مع أثيوبيا حول سد النهضة، وتسعى أنقرة إلى استمالة القاهرة إلى صفها في النزاع حول ثروات شرق المتوسط، وربما يكون تصريح وزير الخارجية اليوناني حول رفض أي نشاط اقتصادي، ليبي تركي، في مناطق النفوذ بين اليونان ومصر مغازلة لمصر ومحاولة لقطع الطريق على أي تطور في الموقف المصري تجاه المصالح التركية في شرق المتوسط.
ستكشف اجتماعات وزير الخارجية اليوناني بالجانب الليبي عن اتجاه الأزمة، وقد أبانت مصادر يونانية عن قلق أثينا من موقف حكومة الشرق الليبي حيال ما أقدمت عليه اليونان بخصوص التنقيب في المناطق المتنازع عليها، والتي كانت تعتبرها قريبة منها استنادا إلى موقف الشرق من مذكرة التفاهم بين أنقرة وطرابلس، وستختبر أثينا طبيعة المواقف الليبية (الحكومتين غربا وشرقا)، وربما تراهن على أن تكون تلك المواقف براغماتية تكتيكية، وليست قيمية استراتيجية، لكسب المؤيدين إقليميا ودوليا في الصراع على الساحة المحلية.
القضية شديدة التعقيد والحساسية، والتصعيد اليوناني سيقابله تصعيد ليبي مدعوم تركياً، وأظهرت أنقرة في احتكاكات مشابهة أنها مستعدة لمواجهة أي تصعيد من اليونان بما يلائمه، وهذا ما لا تحتمله أثينا ولا ترغبه بروكسل ولا تؤيده واشنطن، وبالتالي فإن البديل هو التفاوض للوصول إلى توافق أو إرجاع الملف إلى الأرشيف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ليبيا الحدود اليونان ليبيا اليونان حدود رأي خلافات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البحر المتوسط الجانب اللیبی مذکرة التفاهم
إقرأ أيضاً:
تحقيق إعلامي يكشف وجود قاعدة عسكرية لمليشيا الدعم السريع مخبأة في الصحراء الليبية
هذا تقرير نشرته اليوم (الأحد) هيئة راديو فرنسا الدولي -RFI – وهو تقرير يوضح إلى أي مدى أصبحت الأراضي الليبية، التي تقع تحت سيطرة قوات خليفة حفتر، قاعدة خلفية تنطلق منها عمليات التشوين والامداد لمليشيا الدعم السريع.
فإلى ترجمة تقرير راديو فرنسا الدولي:
تتبع مركز أبحاث متخصص في المصادر الرقمية والمفتوحة تحركات قوات الدعم السريع السودانية عن طريق استخدام صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو والصور المنشورة على الإنترنت. ويؤكد التحقيق وجود قاعدة للجماعة في الصحراء الليبية، بالقرب من مدينة الكفرة.
أفاد مركز مرونة المعلومات (CIR) بأن الموقع يُستخدم على الأرجح كقاعدة خلفية لعمليات قوات الدعم السريع في إقليم دارفور بالسودان.
يظهر التحليل، المعنون “كيف وجدنا معسكراً عسكرياً لقوات الدعم السريع في الصحراء الليبية”، أن المركبات التي رُصدت في المعسكر الليبي ظهرت لاحقاً في مخيم زمزم للنازحين، حيث نفذت قوات الدعم السريع هجومًا في أبريل.
ذلك الهجوم قالت عنه كليمنتين نكويتا سلامي، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان – في حينه – إن ما لا يقل عن 100 شخص قُتلوا في الهجوم، من بينهم أكثر من 20 طفلًا وتسعة عمال إغاثة على الأقل.
وأضافت: “إن الهجمات على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية المدنية تُعدّ انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي. مثل هذه الأعمال بغيضة ولا تُغتفر”.
وأشارت منظمة “سي آي آر الي ” أنها حددت أيضًا صلة مباشرة بين الموقع الليبي وقائد كبير في قوات الدعم السريع شوهد لاحقًا في زمزم، أكبر مخيم للنازحين في البلاد، والذي يضم ما يقرب من مليون شخص شردتهم الحرب.
“قوافل مُجهزة بالأسلحة”
يُظهر التحقيق قوافل كبيرة من سيارات تويوتا لاند كروزر مُجهزة بالأسلحة، صُوّرت في أوقات مختلفة في الصحراء. شوهدت هذه المركبات نفسها، المتوقفة في منطقة صخرية بجنوب ليبيا، لاحقًا في مخيم زمزم.
وأفاد مركز العلاقات الدولية بأن مخيم زمزم يُستخدم الآن كقاعدة من قِبل مرتزقة كولومبيين ومقاتلين أجانب آخرين متورطين في هجمات قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
وقد حاصرت قوات الدعم السريع المدينة لمدة 18 شهرًا.
وظهرت هذه النتائج في الوقت الذي اتهمت فيه محكمة في بورتسودان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، واثنين من إخوته و13 آخرين غيابيًا بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتتعلق التهم بهجوم أبريل 2023 على مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور.
ويُتهم أحد قادة الدعم السريع ، عبد الرحمن جمعة، بقيادة الهجوم على الجنينة، والإشراف على مقتل حاكم غرب دارفور، خميس عبد الله أبكر، في يونيو 2023، وارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد آلاف من شعب المساليت، بما في ذلك دفن بعضهم أحياءً.
ووفقًا للمحكمة الخاصة لمكافحة الإرهاب والجرائم ضد الدولة، حرض المتهمون الآخرون على الهجوم وارتكبوا جرائم اغتصاب وتعذيب ونهب.
“حضور كبار جنرالات قوات الدعم السريع”
أكد تحقيق مركز التحقيقات الجنائية (CIR) أيضًا حضور اللواء حمدان الكجلي، مسؤول أمن عبد الرحيم حمدان دقلو، الرجل الثاني في قوات الدعم السريع. وقد شوهد الكجلي في عدة مناسبات، لا سيما في مركبة رُصدت في زمزم في أبريل.
يقول الباحثون إن الكجلي أصيب بجروح خطيرة قرب الفاشر في أوائل أبريل أثناء تنقله في مركبة مدرعة. نُقل إلى المستشفى التركي في نيالا، جنوب دارفور، حيث يُعالج ضحايا قوات الدعم السريع.
ويقول محققو مركز التحقيقات الجنائية إن رجالًا آخرين مسؤولين بشكل مباشر عن أمن دقلو قُتلوا.
تُظهر بعض مقاطع الفيديو زيًا مموهًا وشارة على الكتف تابعة لقوات الدعم السريع. المركبات، التي لا تحمل أرقام لوحات، تحمل سمات متطابقة – نفس الطراز، نفس الأسلحة، نفس باقات المياه.
استُخدمت أرقام مرسومة بالطلاء على أغطية السيارات وأبوابها للمساعدة في تتبع حركة المركبات عبر المواقع. ووفقًا لتحقيق مركز التحقيقات الدولية (CIR)، تُنقل معدات عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع على نطاق واسع عبر ليبيا.
وتدعم هذه المعلومات ما توصل إليه خبراء الأمم المتحدة، الذين سلطوا الضوء على انتهاكات حظر الأسلحة في عام 2024، مشيرين إلى وجود طريق إمداد من أبو ظبي إلى دارفور عبر تشاد، وكذلك عبر ليبيا.
وفي أبريل الماضي، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان، ودعا إلى وقف جميع أشكال الدعم الخارجي.
وفي يونيو، استولت قوات الدعم السريع على أراضٍ في شمال غرب السودان على طول الحدود مع ليبيا ومصر.
وتستخدم المجموعة الآن هذه المنطقة لجلب الإمدادات من ليبيا دون أي تدخل.
المحقق – محمد عثمان آدم
إنضم لقناة النيلين على واتساب