عربي21:
2025-08-14@03:08:34 GMT

إسرائيل وإيران وتصدّع الحروب الوجوديّة

تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT

شكّل بنيامين نتنياهو، بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023، عنواناً لدمج بين تصميمين استراتيجيين في إسرائيل: التصميم على تدمير أي قوة في الإقليم ترفع شعار القضاء على إسرائيل، والتصميم، في الوقت ذاته، على منع قيام دولة فلسطينية، أياً كانت صيغتها.

هذا التحول يشي بتعديل على ما كان يُشكّل جوهر خطّ «حيروت-الليكود» التاريخي قبل 7 أكتوبر.


صحيح أن نتنياهو عُرِفَ، منذ صعوده الأول إلى رئاسة الحكومة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، برفضه المبدئي لـ«حل الدولتين»، وتبرّمه العلني من اتفاق الحكم الذاتي الموقع مع منظمة التحرير في 1993. بل إنه، بعد أفول نجمه مؤقتاً داخل اليمين لصالح أرييل شارون مطلع الألفية، استعاد شرعيته الحزبية والأيديولوجية من خلال اتهامه شارون بالارتداد عن مبدأ «وحدة أرض إسرائيل»، وذلك في أعقاب قمع هذا الأخير للانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومن ثم تبنّيه خيار «فك الارتباط» مع قطاع غزة، بما شمل الانسحاب وتفكيك المستوطنات، وانشقاقه عن الليكود لتأسيس حزب «كاديما»، معلناً بوضوح أن «إسرائيل لا يمكنها أن تسيطر على الفلسطينيين إلى الأبد».

غير أن نتنياهو، وحتى السابع من أكتوبر، ظل يُراهن على إدارة الصراع لا على حله، سواء في السياق الفلسطيني أو الإقليمي الأوسع.

فقد اعتقد أن بوسعه الاستثمار إلى ما لا نهاية في وضعية فلسطينية انقسامية عصيّة على التجاوز: غزة تحت حكم «حماس» ومحاصَرة، مقابل سلطة حكم ذاتي ضعيفة ومنكمشة في الضفة الغربية. وقد عمد إلى هندسة دورات تصعيد تتبعها فترات تهدئة، موازياً ذلك بإعطاء الأولوية لفتح قنوات، ثم إبرام اتفاقيات تطبيع مع دول عربية غير مجاورة، كالمغرب والسودان ودول مجلس التعاون الخليجي.
استراتيجية نتنياهو كانت، حتى يوم الهجمات، تقوم على تحييد المسألة الفلسطينية وتجفيفها ببطء، من دون الذهاب إلى مواجهة اجتثاثية شاملة.

كانت استراتيجية متناغمة تماماً مع التصور الذي وضعه زئيف جابوتنسكي، رائد «الصهيونية التنقيحية»، في مقاله الشهير عن «الجدار الحديدي»، حيث كتب مطلع العشرينيات أن العرب لن يقبلوا طوعاً بقيام دولة يهودية، وبالتالي لا بد من بناء جدار حديدي من القوة يجعلهم ييأسون من المقاومة، وعندها فقط يمكن التفاوض.

وقد عمل نتنياهو على إقامة هذا الجدار، مستنداً إلى الجدار العازل باعتباره سجنًا جماعياً للفلسطينيين، وعبر تعميق انسداد الأفق والاستثمار في الجمود، ضمن إطار تطبيع إقليمي مشروط بوضع المسألة الفلسطينية بين مزدوجين.

احتاج حزب الليكود، بعد السابع من أكتوبر، إلى إعادة تأويل معنى «الجدار الحديدي». لم يعد مقبولا لديه ترك الجماعات التي ترفع، بشكل منهجي، شعار «تدمير إسرائيل» وشأنها، بانتظار أن تتجفف أو تذبل دوافعها واندفاعاتها من وراء الجدار.

في الأساس، لم يدعُ جابوتنسكي إلى «تدمير العدو»، بل إلى عزله وتركه يتحلل خلف الجدار. وكان له انتقاد لاذع لمرامي اليسار داخل الحركة الصهيونية، معتبرًا أنهم أضاعوا الوقت والجهد في محاولة تعديل نظرة العرب إلى المشروع، متعاملين معهم كأطفال، بينما المطلوب هو التعامل مع العرب ومع أعداء الفكرة الصهيونية باعتبارهم راشدين، وفرض الإرادة عليهم بالقوة، وترك عامل الزمن وحده كفيلابسحب فكرة تدمير هذا المشروع من أذهانهم.

لكن نتنياهو، بعد 7 أكتوبر، وجد نفسه مضطرًا إلى «تعديل جابوتنسكي»، فأعلن رفضه لاحتواء «أي تهديد وجودي يختبئ خلف حدودنا مترصدًا لحظة الانقضاض». اعتمد معياراً استئصالياً يؤدي الى حرب إقليمية شاملة، وإن تعددت جولاتها ولحظاتها وامتدت لسنوات: كل من يرفع، بشكل منهجي، شعار تدمير إسرائيل، اعتبر ضالعاً في المنظومة القيمية والعنفية التي أفضت إلى 7 أكتوبر، ويجب بالتالي ضرب كل أضلاع هذه المنظومة، أحيانًا بالتتابع وأحيانًا بالتزامن.

غير أن كلفة سحب شعار «تدمير إسرائيل» تباينت من ميدان إلى آخر. ففي غزة، اقترنت بحرب على السكان أنفسهم، اتخذت سمة إبادية مستمرة. أما في لبنان، فكانت حرباً تقويضية على حزب الله، استثمرت في الانقسام اللبناني الحاد حول الحزب وسلاحه وحروبه. وفي إيران، شنت الحرب المركزة على ضرب القدرات النووية الإيرانية وهو ما تحقق إلى حد كبير وعلى ترسانتها الباليستية، وهو ما يبدو أنه لم يحقق نتيجة حاسمة، بمثل ما جرى التركيز على إضعاف هيكل «الحرس الثوري». أما مسألة تغيير النظام «ككل»، فمرتبطة بالنسبة لإسرائيل بمعيار وحيد: إما أن يفكّ هذا النظام ارتباطه بما في ذلك العقائدي والدعائي بشعار تدمير إسرائيل، وإما أن الحرب عليه ستستمر «بعد الحرب».

المفارقة هنا مزدوجة. فمن جهة، استدعى تدمير منشآت فوردو ونطنز وأصفهان تدخلاً أمريكياً مباشراً، ثم استدعى هذا التدخل، بعد بضعة أيام، «تجميد الحرب» ووقفها، ما دامت قد تجاوزت «حدودها» وأخذت المواجهة «الجو-صاروخية» فيها منحى يتعارض، خصوصاً بعد الضربات الأمريكية، مع أولوية ترامب المُعلنة بعدم توريط مشاة البحرية الأمريكية مجدداً في نزاع لا طائل منه، واستنزافي للقوة العظمى.
رغم استمرار النظام في تبنّي الموقف العقائدي الرافض لوجود إسرائيل، إلا أن ثمة ما تغيّر فعلياً في نظرته إلى الولايات المتحدة
ومن جهة أخرى، فإن هذا الأسلوب غير المسبوق في إدارة النزاع التدخل النوعي السريع لتوجيه ضربة حاسمة، ثم تجميده مباشرة يدفع إيران إلى مغادرة عصر بأكمله من الشعارات الثورية، وعلى رأسها «الموت لأمريكا».

ورغم استمرار النظام في تبنّي الموقف العقائدي الرافض لوجود إسرائيل، إلا أن ثمة ما تغيّر فعلياً في نظرته إلى الولايات المتحدة. بدلامن أن تفضي المشاركة الأمريكية، أولاً في التوطئة التضليلية للحرب الإسرائيلية على إيران، ثم في حسم مفصلها النووي عبر التدخل المباشر، إلى مزيد من الإدغام بين شعاري «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل»، فإنها تدفع اليوم في اتجاه فكّ الارتباط بينهما.

تجري إذاً، والحال هذه، عملية «إعادة توزيع» للعداء: إذ لم يعد للإيرانيين مصلحة في تصوير أمريكا وإسرائيل كجسم واحد لا ينفصل، وهذا من بعد حرب خاضتها كل من إسرائيل وأمريكا على إيران! لكن، ما تؤسسه أيام المواقعة الكبرى يتجاوز هذه العتبة: فتبنّي إسرائيل الليكودية لمنطق «الحرب الوجودية» بعد 7 أكتوبر، وذهابها الى الحرب الكلّية ضد إيران، يفتح أمام هذه الأخيرة، وللمرة الأولى بهذا القدر من الجلاء، باب مصلحة استراتيجية-ثقافية في النأي بنفسها عن منطق «الحرب الوجودية»، القائم على تقدير حتمية الإلغاء المتبادل: إما زوال إسرائيل إما سقوط النظام الإسلامي في طهران.

دعك من كل مكابرة، لقد ظهر أن هناك فجوة بيّنة بين خوض إيران الحرب بشجاعة دفاعاً عن وجودها، وبين ربط استمرار النظام فيها بالعمل على «محو» إسرائيل من الوجود.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة إيران المواجهة ترامب إيران غزة الاحتلال المواجهة ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تدمیر إسرائیل

إقرأ أيضاً:

توقعات باندلاع حرب مدمرة بين إسرائيل وإيران خلال أشهر

واشنطن – وكالات
توقّع الخبير السويدي من أصل إيراني تريتا بارسي اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين إسرائيل وإيران خلال الأشهر المقبلة، وربما قبل نهاية أغسطس الجاري، مرجّحًا أن تكون أكثر عنفًا ودموية من الحرب السابقة.

وأوضح بارسي، في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية، أن طهران تستعد لهجوم إسرائيلي محتمل، لكنها تعتزم هذه المرة تبنّي إستراتيجية هجومية حاسمة منذ البداية، بدلاً من النهج الطويل الأمد الذي اتبعته في المواجهة الأولى.

وأشار إلى أن إسرائيل سعت خلال هجومها السابق إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: جر الولايات المتحدة لصراع مباشر مع إيران، وإسقاط النظام الإيراني، وتحويل إيران إلى وضع مشابه لسوريا أو لبنان بما يتيح لها حرية القصف دون رقيب، لكنها لم تحقق سوى هدف واحد منها.

وبحسب بارسي، فإن إستراتيجية إسرائيل القائمة على "الجزّ العشبي" –أي توجيه ضربات وقائية متكررة للحفاظ على التفوق العسكري– تدفع نحو تسريع وتيرة الهجمات، فيما تعلّمت إيران من التجربة السابقة وقد ترد بقوة أكبر منذ اللحظة الأولى.

كما حذّر من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يجد نفسه أمام خيار صعب في أي مواجهة مقبلة، إما الانخراط الكامل في الحرب إلى جانب إسرائيل أو رفض الضغوط الإسرائيلية، وهو ما قد ينعكس على حسابات الأمن الإقليمي وتعقيدات السياسة الأميركية الداخلية مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي.

ويرى بارسي أن هذه الديناميكية قد تدفع إيران إلى مراجعة سياستها النووية، في ظل ما يعتبره قصورًا في قدرات الردع الحالية، مما قد يجعل التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع أكثر صعوبة.

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: نتنياهو يرفض وقف الحرب خشية المحاكمة ويضحي بمستقبل إسرائيل
  • 21 ألف معتقل في 12 يوماً.. إيران تكشف حصيلة أوسع حملة أمنية خلال حربها مع إسرائيل
  • البيت الأبيض: ترامب يسعى لوقف الحروب في العالم
  • عاجل. إسرائيل تبحث التوجّه إلى الدوحة ووفد حماس يصل القاهرة.. نتنياهو: الصفقة الجزئية أصبحت خلفنا
  • نتنياهو: إسرائيل ستسمح لسكان غزة الفارين من الحرب بالهجرة إلى الخارج
  • إيران: اعتقال 21 ألف شخص بعد الحرب مع إسرائيل
  • إيران: اعتقال 21 ألف مشتبه به خلال الحرب مع إسرائيل
  • توقعات باندلاع حرب مدمرة بين إسرائيل وإيران خلال أشهر
  • إسرائيل تكثف قصف غزة بعد تهديد نتنياهو بتوسيع الهجوم
  • إسرائيل تكثف قصفها على مدينة غزة بعد توعد نتنياهو بتوسيع الهجوم