القدس المحتلة – حالة من الترقب تسود المجتمع الإسرائيلي، حيث من المفترض أن ينتهي آخر الشهر الحالي سريان الأمر الصادر عن الحكومات المتعاقبة بمنح اليهود "الحريديم" الإعفاء من الخدمة العسكرية، مقابل دراسة التوراة في المدارس الدينية اليهودية.

وأمهلت المحكمة العليا حكومة نتنياهو حتى 31 مارس/آذار الجاري من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بشأن تجنيد الحريديم وإلزامهم بالخدمة العسكرية، حيث يصل عدد من يمكن تكليفهم في الوقت الحالي 157 ألف شخص، لكن الجيش الإسرائيلي لا يقوم بتجنيدهم، ويُعتبرون -حسب القانون- فارين من الخدمة العسكرية.

ووسط حالة الترقب التي تضع حكومة نتنياهو قبالة أزمات ائتلافية واجتماعية وسياسية، أثارت الحرب على غزة الجدل مجددا في المجتمع الإسرائيلي، حول "المساواة في العبء" وضرورة تجنيد الحريديم، وهو الجدل المستمر منذ 30 عاما بين المجتمع الأرثوذكسي المتطرف والمجتمع اليهودي العلماني، وإلى حد ما المجتمع الديني القومي أيضا.

يتهرب نحو 157 ألفا من اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية النظامية وقوات الاحتياط (الجزيرة) جدل عابر للحكومات

يشير مصطلح "اليهودية الحريدية"، أو "الحريديم"، إلى القطاع اليهودي الأرثوذكسي المحافظ، البالغ تعداده 1.3 مليون شخص، ويشكلون نحو 14% من السكان اليهود في إسرائيل، ويحرص أتباعه على الحفاظ على نمط حياة محافظ ومختلف، مع الحرص الشديد على دراسة تعاليم التوراة ومراعاة الوصايا والعادات الدينية اليهودية، إلى جانب التوصيفات الطائفية الخاصة.

وسعيا لإيجاد حل توافقي، تأسست جمعية "نيتساح يهودا" عام 1999، التي ترافق الجنود الحريديم المتشددين قبل تجنيدهم وأثناء الخدمة العسكرية وعند مغادرتهم الحياة المدنية، حيث يعمل طاقم الجمعية بالتعاون مع الجيش ووزارة الأمن على توفير بيئة للجنود الحريديم خلال الخدمة العسكرية، تضمن الحفاظ على قيم المجتمع الأرثوذكسي داخل الجيش.

ومنذ تأسيس الجمعية، بلغ عدد الخريجين من الدورات الأرثوذكسية المتطرفة في الجيش الإسرائيلي 21 ألف خريج، من أصل 64 ألفا ملزمين بخدمة الاحتياط، وتم تجنيد العديد منهم في صفوف الاحتياط خلال الحرب على غزة، بحسب بيانات مكتب التجنيد بالجيش الإسرائيلي.

ورغم التحديات العديدة بسبب البيئة التي نشأوا بها، تُظهر بيانات الجيش وجود 2800 جندي من خلفية أرثوذكسية حريدية ضمن الخدمة العسكرية النظامية، من أصل 41 ألفا ملزمين بالخدمة العسكرية، أي أن 6% فقط من الجمهور الحريدي يلتحقون بالجيش، مقارنة بـ 72% من عامة الجمهور الإسرائيلي.

ويواجه الجدل المحتدم ائتلافا حكوميا متطرفا من الأحزاب الحريدية التي تعارض قانون التجنيد بشدة، وهي حركة "شاس" برئاسة الحاخام أرييه درعي، التي ينطوي تحتها يهود "السفارديم" من أصول شرقية، وحزب "يهودية التوراة" برئاسة موشيه غافني، التي تمثل اليهود الأشكناز من أصول غربية وأوروبية.

وتتصاعد حدة الخطاب والسجال بشأن قانون التجنيد، وهو ما انعكس في تصريحات الحاخام الأكبر لليهود الحريديم "السفارديم" إسحاق يوسف، الذي قال "إذا فرضوا علينا الخدمة العسكرية بالجيش، سنسافر جميعا إلى الخارج، سوف نشتري التذاكر".

وحيال ذلك، يسعى نتنياهو لاحتواء الموقف، وإيجاد حلول تحول دون تفكك ائتلاف حكومته، والحفاظ على الحلف التاريخي مع الأحزاب الحريدية، التي تعد محورا أساسيا في ائتلاف الحكومات الإسرائيلية على مدار أكثر من 3 عقود.

وأجمعت التحليلات أن قرار عدم تجنيد اليهود الحريديم هو قرار سياسي، واتفقت أنه لا أحد من الأحزاب المشاركة في حكومة نتنياهو، التي تعتمد على 64 من أعضاء الكنيست، يريد تقويض الائتلاف الحالي، حيث منحت الحرب الجانبين مهلة في التجنيد وتقاسم العبء، لكن المهلة -بحسب تقديرات المحللين- قد انتهت.

الحريديم يعارضون الخدمة العسكرية ويستبدلونها بدراسة التوراة والديانة اليهودية (الجزيرة) كلفة التجنيد

استعرض المراسل العسكري للموقع الإلكتروني "واللا" أمير بوخبوط أزمة قانون التجنيد، وقال "يحافظ الجيش الإسرائيلي على السرية فيما يتعلق بتجنيد السكان الأرثوذكس المتطرفين، ويوضح مسؤولو الجيش أنه على الرغم من الحاجة إلى القوى البشرية، فإن الجيش الإسرائيلي ليس في عجلة من أمره لتجنيد اليهود الحريديم".

ويضيف بوخبوط "كان هناك مؤخرا عمل واسع النطاق في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، على زيادة القوة البشرية دون الاعتماد على الحريديم، حيث يتضح وكأن الجيش لا يريد تجنيدهم، وبالمقابل يبذل الجيش قصارى جهده في تشجيع تجنيد الشبان اليهود من الخارج، وتوزيع الموارد بين جميع الفروع ومناطق القيادة".

وعزا المراسل العسكري عدم رغبة الجيش بتجنيد الحريديم إلى "تيقن هيئة الأركان بعدم وجود دافع غير عادي في القطاع الحريدي للتجنيد في الجيش، كما أن ميزانية كل جندي حريدي أكبر عدة مرات من ميزانية جندي عادي، كون الحريديم يتزوجون في سن مبكرة وينجبون الكثير من الأطفال، لذلك لا يوجد حافز للجيش لتجنيدهم".

يشكل الحريديم 14% من الجمهور اليهودي في إسرائيل (الجزيرة) قانون "العبء الثقيل"

وفي قراءة لتداعيات القانون على الجانب السياسي والاجتماعي، يعتقد المحلل السياسي في موقع "زمان يسرائيل" أمير بار شالوم، أن "إسرائيل تواجه واحدة من أكبر الأزمات الاجتماعية على الإطلاق، لكن خطوط الصدع التي ستقسم المجتمع الإسرائيلي هذه المرة لن تكون سياسية بل قيمية".

وأوضح المحلل السياسي أنه "في حال لم يتم التوصل إلى حل توافقي بشأن تجنيد الحريديم حتى نهاية الشهر الحالي، ستكون حكومة نتنياهو ملزمة في أبريل/نيسان المقبل بتقديم قانون الخدمة الإلزامية الجديد وقانون الاحتياط، الذي يتضمن تمديد الخدمة العسكرية النظامية وزيادة عدد أيام الاحتياط، وهو ما بات يسمى بقانون العبء الثقيل".

ولفت إلى أن القانون المذكور ستتم الموافقة عليه أيضا من قِبل أولئك الذين لا يتحملون العبء من أعضاء الحكومة والائتلاف من الأحزاب الحريدية، علما بأن القانون يستهدف في الأساس عشرات الآلاف من الجنود النظاميين العلمانيين، ونظام قوات الاحتياط التي ما زالت في حالة تعبئة جزئية، قائلا "عندما تتعافى قوات الاحتياط من هول الحرب بغزة ستخرج ضد تمديد خدمة الاحتياط وتصر على تجنيد الحريديم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان حريات من الخدمة العسکریة الجیش الإسرائیلی تجنید الحریدیم قانون التجنید حکومة نتنیاهو

إقرأ أيضاً:

ضابط إسرائيلي يكشف عن أعداد القتلى والجرحى في الجيش

كشف ضابط بجيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل وإصابة أكثر من 10 آلاف جندي خلال الحرب على قطاع غزة، كما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بتصاعد الانتقادات داخل الجيش بشأن طرق عمل منظومة الاحتياط.

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت -اليوم الثلاثاء- عن قائد كتيبة في الجيش الإسرائيلي لم تسمه قوله "لدينا نقص في أكثر من 10 آلاف جندي قتلوا أو أصيبوا، وعدة آلاف آخرين يدخلون بشكل متكرر دائرة اضطراب ما بعد الصدمة".

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي اعترف بمقتل 3 من جنوده برتبة رقيب أول في معارك بشمال القطاع غزة أمس الاثنين، إثر استهداف عربة عسكرية من طراز هامر كانوا يستقلونها في جباليا شمال قطاع غزة، كما أصيب اثنان من رجال الإطفاء بجروح.

وقال الجيش الإسرائيلي -في بيان مقتضب اليوم الثلاثاء- إن القتلى والجرحى ينتمون إلى الكتيبة التاسعة في لواء المشاة غفعاتي.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أفادت في وقت سابق بمقتل الجنود الثلاثة وإصابة 11 -حالة اثنين منهم خطرة- جراء استهداف سيارة عسكرية من نوع هامر في جباليا شمالي قطاع غزة.

من جهتها، أعلنت كتاب القسام أن مقاتليها خاضوا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال من المسافة صفر شرق مخيم جباليا، مؤكدة إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح، وهذا أيضا ما أكدته حركة حماس.

إعلان شكاوى وانتقادات

في الأثناء نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر عسكرية أن الجيش الإسرائيلي تلقى خلال الأسابيع الماضية شكاوى وانتقادات من قبل ضباط وقادة بشأن طريق عمل منظومة الاحتياط بالجيش.

وأوضحت أن الضباط اشتكوا من السياسة الجديدة التي تسمح باستدعاء الجنود للخدمة مجددا للقتال بعد أدائهم الخدمة لأكثر من 72 يوما.

وقالت الصحيفة إن الانتقادات جاءت عقب استدعاء الجيش جنود الاحتياط بشكل مفاجئ بسبب العودة للقتال بغزة.

وكشفت المصادر أن كثيرا من ضباط الاحتياط اشتكوا أيضا من أن قادتهم لم يكونوا موجودين خلال فترة الخدمة الإضافية.

عزوف عن الخدمة

وفي هذا السياق، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى إن قضية عزوف جنود الاحتياط في إسرائيل عن الخدمة تدخل في إطار أزمة أعمق يعانيها الجيش الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هذه الأزمة تنبع من غياب الإجماع الاجتماعي والسياسي بشأن توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة.

وأشار مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن عام 2024 كان العام الذي خدم فيه جنود الاحتياط أكبر عدد من الأيام منذ حرب 1948 واصفا تلك الفترة بأنها "أطول خدمة احتياط في تاريخ إسرائيل بعد عام النكبة" حيث بلغ متوسط أيام الخدمة 130 يوما، مع ما يحمله ذلك من أعباء اجتماعية واقتصادية وعائلية، لا سيما أن جنود الاحتياط يشكلون جزءا من النسيج المدني في المجتمع الإسرائيلي ويتأثرون بالحراك والمواقف السياسية داخله.

كما أشار إلى أنه بعد هذه الأعباء، حصل جنود الاحتياط على وعود بتحديد مدة خدمتهم خلال عام 2025 إلى 75 يوما مع التعهد بالعمل على تجنيد الحريديم (المتدينين اليهود) في الجيش إلا أن ما حدث بحسب مصطفى هو العكس تماما.

وأوضح أن توسيع العمليات العسكرية في غزة لا يحظى بإجماع، مما يؤثر على دافعية الالتزام بالخدمة.

كما أن التقديرات تشير إلى أن معدل الخدمة سيتجاوز 75 يوما، بسبب رفع سقف أهداف الحرب نحو احتلال كامل لقطاع غزة، مما يعني زيادة محتملة لأيام الخدمة إلى مئات الأيام.

إعلان

وبحسب معطيات الجيش الإسرائيلي، فإن عدد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا منذ بداية الحرب ارتفع إلى 861، بينهم 419 قتلوا في المعارك البرية في غزة التي اندلعت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كما ارتفع عدد الجنود المصابين إلى 5921 بينهم 2987 أصيبوا خلال المعارك في غزة.

مقالات مشابهة

  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: هذا الكنيست انتهى
  • قانون التجنيد يُعمّق الأزمة داخل ائتلاف الاحتلال: الحاخامات يلوّحون بالانسحاب 
  • قانون التجنيد يهدد بحل الكنيست بعد تلويح الحريديم بالانسحاب
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو يضلل الحريديم ويماطل للبقاء في الحكم
  • ضابط إسرائيلي يكشف عن أعداد القتلى والجرحى في الجيش
  • حكومة الاحتلال تشتري تمديد خدمة جنود الاحتياط بالمال.. وتتهرب من تجنيد الحريديم
  • الجيش يفتح باب التجنيد / تفاصيل وشروط
  • بالفيديو.. حميدتي يظهر في خطاب غاضب يهدد ويتوعد بتوسع العمليات العسكرية .. جدة تاني مافي وقوات الدعم السريع ستصل بورتسودان ويتحدث عن الدواعش وتدمير قدرات الجيش
  • قائد القوات البرية في الجيش الإيراني: مروحياتنا جاهزة تماما للقتال ولدعم باقي القوات العسكرية
  • الجيش الإسرائيلي يشن غارات على مجمع قيادة وسيطرة حماس وسط غزة