رام الله- أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأيام الأخيرة سلسلة مراسيم رئاسية بتعيين 8 محافظين جدد لمحافظات الضفة الغربية، والذين أدوا اليمين القانونية أمامه بمقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله.

وجاءت التعيينات بعد نحو 7 أشهر من شغور تلك المواقع إثر إحالة 12 محافظا للتقاعد، وبعد أسابيع قليلة من إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية عن البدء بتنفيذ برنامج الإصلاح الحكومي بتوجيه من الرئيس عباس.

توجهت الجزيرة نت إلى محللين سياسيين وسألتهم عما إذا كان تعيين المحافظين الجدد يأتي ضمن خطة الإصلاح التي أعلن عنها اشتية أم استجابة للضغوط الخارجية بـ"تجديد" السلطة الفلسطينية، وهل جاءت التعيينات وفق تطلعات الشارع الفلسطيني؟ وما التغيير الذي حصل أول مرة منذ قدوم السلطة؟

الناطق باسم حركة فتح حسين حمايل يؤدي اليمين القانونية محافظا لمحافظة أريحا والأغوار (وفا) لا دماء جديدة

وفق أستاذ العلوم السياسية ورئيس جامعة القدس المفتوحة في بيت لحم الدكتور أسعد العويوي، فإن تعيينات المحافظين لا تحمل "دماء جديدة" وإن "أغلبهم هم نواب المحافظين السابقين".

وأشار إلى أن هذه التعيينات "لم يتفاعل معها الجمهور حتى داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) -التي ينحدرون منها- لأن الواقع أكبر من قضية تعيين المحافظين".

وبرأي الأكاديمي الفلسطيني، فإن عملية التجديد يجب أن تأخذ منحى آخر يتمثل في استغلال الكفاءات وتعيين شخصيات لها قبول شعبي في المجتمع.

ويضيف أن الشعب الفلسطيني يعيش واقعا خطيرا يهدد القضية الفلسطينية برمتها وهو ما يستوجب التفكير في قضايا إستراتيجية مهمة جدا لها علاقة بتفعيل النظام السياسي الفلسطيني وإشراك كل مكونات الشعب الفلسطيني في إطار إستراتيجية موحدة لمواجهة العدوان الإسرائيلي.

ويقول العويوي إن التغييرات مهمة لتمكين الشعب الفلسطيني من تصويب أداء المؤسسات، لكن الأهم أن يتم ذلك من خلال إشراك كل الطاقات الفلسطينية ووضع إستراتيجية تواجه محاولات تصفية القضية الفلسطينية التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم من الولايات المتحدة الأميركية.

اللافت في التعيينات

يقول مدير مركز يبوس للدراسات في رام الله سليمان بشارات إن التعيينات استحقاق إداري بالدرجة الأولى بعد إقالة المحافظين السابقين في أغسطس/آب 2023، إذ كان لا بد من ملء الفراغ في الهيكل الإداري للمحافظات، بدل الإبقاء على الفراغ وحالة تخبط قد تكون لها نتائج عكسية.

أما اللافت في التعيينات الجديدة فهو أنه للمرة الأولى منذ نشأة السلطة يتم تنصيب محافظين بأعمار شابة ومتوسطة، ولهذا تفسيران وفق بشارات: إما استجابة للمطالب داخل حركة فتح نفسها بضرورة ضخ دماء جديدة في الهياكل الإدارية للسلطة الفلسطينية، أو إحدى الاستجابات لمفهوم السلطة المتجددة وفقا للمطالب الخارجية وتحديدا الأوروبية والغربية.

وخلافا للمحافظين السابقين، يقول بشارات إن الجدد من ذوي الخبرة الإدارية وليسوا من خلفية أمنية فاقعة أو في صفوف متقدمة من الأجهزة الأمنية ومن أصحاب الرتب العالية: لواء، وعميد، وعقيد، "التي اعتدنا عليها منذ نشوء السلطة قبل 30 عاما".

ومن هنا يقرأ الباحث الفلسطيني في التعيينات الجديدة "محاولة للفصل بين المؤسسة العسكرية والنظام الإداري ضمن الاستجابة لبعض المطالب الخارجية".

لكن هل جاءت التعيينات وفق نبض الشارع؟ يجيب بشارات أنه "ما دام هناك غياب لأدوات ديمقراطية عملية تبقى قراءة نبض الشارع محل نقاش، لكن مقارنة بالتعيينات السابقة فإن المحافظين الجدد أقرب إلى مطالب الشارع من زاويتي العمر والابتعاد عن المؤسسة الأمنية".

تغطية صحفية| الرئيس محمود عباس يصدر مراسيم رئاسية بتعيين ثلاثة محافظين لمحافظات الخليل ونابلس وجنين.

– خالد عبد العزيز دودين، محافظًا لمحافظة الخليل.
– غسان محمد دغلس، محافظًا لمحافظة نابلس.
– كمال محمد أبو الرب، محافظًا لمحافظة جنين. pic.twitter.com/ZBFaVTy6gb

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) March 3, 2024

شوائب التعيينات

بدوره، يشير الدكتور محمد الفطافطة أستاذ العلوم السياسية والإعلام في الجامعة العربية الأميركية، إلى مهمة كل محافظ -في محافظته- كونه يمثل الرئيس وأعلى سلطة فيها، وتحفظات الشارع على دور وأداء المحافظين.

ويقول إن المحافظ يتمتع بصلاحيات واسعة في القضايا الأمنية والمدنية وحتى الاجتماعية، مشيرا إلى "سلبيات" شابت التعيينات منذ قدوم السلطة "وخاصة اختيار المحافظين من شاغلي المناصب العليا في حركة فتح أو الأجهزة الأمنية، وهو ما أثار سخط الشارع على الدوام".

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى "تورط" محافظين سابقين "في قضايا أمنية كاعتقال المقاومين شمالي الضفة، أو تصفية معارضين مثلما حصل مع الناشط المعارض نزار بنات في الخليل في يونيو/حزيران 2021، وهو ما أثار السخط على السلطة".

وتابع أن إطالة مدة بقاء المحافظين في مواقعهم أوجدت لهم ما يشبه الحصانة من المساءلة. ويرى أن التغيير الأخير لا يصب في خدمة الصالح العام للمجتمع والشعب الفلسطيني خاصة بسبب الظروف السياسية التي ينتقد فيها الناس موقف حركة فتح في ظل الحرب على غزة.

ويختم أستاذ الإعلام بأنه "لا تأثير من الناحية الإيجابية لتعيينات المحافظين على حياة الناس".

وتُقسَّم أراضي السلطة الفلسطينية إداريا إلى 16 محافظة، منها 11 في الضفة الغربية و5 محافظات في قطاع غزة.

ووفقا للمرسوم الرئاسي رقم 22 لسنة 2003 بشأن اختصاصات المحافظين، يكون لكل محافظة محافظ يصدر بتعيينه وإعفائه من منصبه قرار من رئيس السلطة.

وينص المرسوم على أن المحافظ هو ممثل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الإدارة العامة وأعلى سلطة في محافظته ويشرف على تنفيذ السياسة العامة للسلطة وعلى مرافق الخدمات والإنتاج في نطاق محافظته، كما أنه "أعلى سلطة تنفيذية ورئيس الإدارة العامة في محافظته".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات حرکة فتح

إقرأ أيضاً:

بين النكسة وطوفان الأقصى.. ماذا تغير في عقيدة المقاومة الفلسطينية؟

رام الله- في الخامس من يونيو/حزيران 1967 هزمت إسرائيل 3 من دول جوارها العربي هزيمة ساحقة في حرب دامت 6 أيام، واحتلت أجزاء واسعة من مصر والأردن وسوريا، مدمرة أغلب عتادها العسكري، حتى تحولت إلى ضابط في المنطقة تضرب كيف ومتى شاءت، إلا أن هذا الواقع تزعزع بعد معركة طوفان الأقصى.

ومع اقتراب طوفان الأقصى من إكمال شهرها السابع، تفشل ذات القوة في حسم المعركة بغزة رغم حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فما الذي تغير على مدى 57 عاما من الثورة الفلسطينية؟

يرى محللون -تحدثت إليهم الجزيرة نت- أن أبرز تغير حصل خلال العقود الماضية هو قناعة المقاتل الفلسطيني بقدرته على إدارة معركته من الداخل ودون انتظار خطوط إمداد خارجية، إضافة إلى ما يحمله من أيديولوجيا جعلت الموت والحياة سيان بالنسبة له، فضلا عن طبيعة قتال المدن والتحرك ضمن خلايا عسكرية، خلافا للقوات النظامية التي يسهل شلها كما حدث في النكسة.

مقاومون فلسطينيون سيطروا على عربة عسكرية إسرائيلية قرب غزة أثناء عملية "طوفان الأقصى" (رويترز) إرادة الحرية

يقول الخبير السياسي نهاد أبو غوش إنه "لا مجال للمقارنة بين عقلية وعقيدة جيوش عربية أو أي جيوش نظامية ليس لديها مشروع تحرري ولا تنموي ولا نهضوي، مع المقاومة التي تمثل إرادة شعب".

ويضيف أبو غوش أن معارك التحرر "لا تقاس بالإمكانيات العسكرية، مع أنها مهمة، لكن جوهرها إرادة الحرية عند الناس، ولذلك تتجدد وتبدع وتنطلق".

وهنا، يشير إلى أن المقاومة الرسمية الفلسطينية كانت قبل إغراقها بالأموال والامتيازات والسياسة العربية الرسمية، مقاومة تحررية تتخذ من الأحراش والجبال والمواقع الفدائية ملاذا، ويعيش المقاتلون حياة تقشف مستعدين لبذل أرواحهم في سبيل قضيتهم الوطنية، وهكذا كانوا في غزة أيضا في الخمسينيات وقدموا نماذج بطولية.

وأشار المحلل الفلسطيني إلى أمثلة على معارك التحرر الوطني والحروب غير المتناظرة بين قوى قوية بالمادة والآليات والسلاح والإمكانيات اللوجستية مقابل قوى تحررية محلية كما في أفغانستان وكمبوديا وجنوب أفريقيا وفيتنام وغيرها.

وحسب أبو غوش فإنه "لا يمكن للقوى الغاشمة أن تهزم الشعوب بالقوة المسلحة، ولا ينطبق ذلك فقط على المقاومة الفلسطينية، بل حدث ذلك عام 2006 مع حزب الله؛ حيث عجز الجيش الإسرائيلي عن السيطرة على قرى لبنانية لوجود قرار سياسي وإرادة لدى المقاومة لا يمكن كسرها".

لكن إذا كانت المقاومة مجرد اسم أو ماض مجيد، فإنها بالتأكيد، يقول أبو غوش، لا تستطيع الصمود، "ورأينا عام 1982 كيف أن منظمة التحرير شابها الكثير من الخلل عندما تحولت إلى ما يشبه النظام الرسمي واختلفت عما كانت عليه عند انطلاقتها في الستينيات والسبعينيات".

وفي معركة غزة ورغم استخدام كل أنواع الأسلحة والسيطرة البرية والبحرية والجوية والحصار الخانق وجرائم الإبادة، فإن المقاومة لم تنكسر ولن تنكسر، وفق أبو غوش الذي يرى أنه "كلما استشهد مقاتل جاء مقاتل جديد يكمل المسيرة، لا يمكن للاحتلال أن ينتصر في معركة كهذه تستند لإرادة الناس وإيمانها وقناعتها".

مواجهة غير تقليدية

بدوره يسوق المحلل السياسي أشرف بدر، جملة اختلافات بين النكسة وطوفان الأقصى، أساسها الفرق بين حرب خاضتها جيوش نظامية وأخرى تقودها خلايا عسكرية مسلحة بأيديولوجيا قوية.

فطبيعة المواجهة مختلفة حسب بدر "في حال المواجهة بين القوى النظامية، وهو ما حصل في النكسة، فإن الاحتلال وجه ضربة للمنظومة الجوية في الدول المحيطة وقضى على سلاح الطيران وبالتالي أصبح الجنود مكشوفين لجيش الاحتلال ليصطادهم بسهولة؛ وهو ما سبب خسارة مصر في الحرب على سبيل المثال".

أما في غزة اليوم، فيضيف بدر، "فلا يوجد حرب نظامية، إنما جيش مقابل مجموعات عسكرية نظامية موزعة، كما أنه لا وجود لمواجهة مباشرة أو فكرة الحسم العسكري بالضربة القاضية بحسب النظرية الأمنية الإسرائيلية". وتابع: "المقاومة في غزة عبارة عن مجموعات عسكرية متوزعة على جغرافيا معينة توجه ضربات مؤلمة لجيش نظامي".

وفي مقارنته بين حصار الفصائل الفلسطينية في بيروت عام 1982 وغزة اليوم، يقول بدر: "في لبنان لم تكن فكرة الأنفاق موجودة، وكان المستوى السياسي الفلسطيني يفترض أن إسرائيل لن تقوم باجتياح شامل يصل بيروت"، مضيفا أن القوة العسكرية في غزة هي نتيجة تراكم الخبرات والأنفاق والاستعداد لسيناريو المعركة البرية، ما ساعد في تحييد تأثير القوة الجوية إلى حد كبير على المقاتلين.

نجت من النكبة وسقطت في النكسة.. لماذا تأخر احتلال شرقي القدس 19 عاما؟

للمزيد: https://t.co/Yw8dhBA937 pic.twitter.com/kqReh1p36U

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) May 15, 2024

فكر المواجهة وثقافة المجتمع

من جهته، يقول مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات إن مقارنة النكسة بما يجري في غزة لا تقتصر على منظور القوة، إنما لا بد من النظر إلى جزئيتين أساسيتين، هما فكر المواجهة المتطور فلسطينيا وثقافة المجتمع.

ويوضح بشارات أن المقصود من "فكر المواجهة" هو التوجه بشكل أكبر إلى الاعتماد على الذات في خوض وإدارة المعارك خلافا لما كان عليه الحال عامي 1948 و1967 من حيث انتظار الدعم الخارجي.

وأضاف أن الإنسان الفلسطيني كان يعتقد أن قدرته على مواجهة الاحتلال وحده ضعيفة، وأنه بحاجة للإسناد من المحيط والعمق العربي والإسلامي كامتداد لفكر القومية العربية الذي كان سائدا إبان فترة حكم جمال عبد الناصر لمصر، لكن "حالة الاعتماد على الغير" لم تعد أساسا لتحركه.

ويوضح المحلل الفلسطيني أن ثمة تطورا آخر في ثقافة المجتمع الفلسطيني من فكر الهروب إلى فكر المواجهة أيضا. ويفسر ذلك بقوله إنها تمس الشريحة الأساسية وهي الحاضنة الشعبية، "ففي النكبة والنكسة كانت الحاضنة خائفة ولا تثق بالمقاومة وأدواتها وقدرتها على المواجهة، وهو ما أوجد فجوة وهروبا من إمكانية احتضان العمل النضالي".

لكن بعد 75 عاما على النكبة، والتجارب الفلسطينية الأخرى كانتفاضة الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000، مرورا بالحروب على غزة ومظاهر الصمود في حي الشيخ جراح بالقدس ومعركة البوابات الإلكترونية تبين أنها "نماذج أثبتت أنه كلما كان هناك التحام بين القاعدة الجماهيرية والحاضنة الشعبية، إلى جانب الفكر والأدوات النضالية، زادت القدرة على مواجهة الاحتلال"، بحسب بشارات.

ولهذا السبب، يضيف المحلل، بدأ يتعزز فكر الصمود والتشبث بالأرض وتحمل تبعات العمل النضالي وفكر الثقة بالمقاومة الذي لم يكن ناضجا قبل ذلك. وفي هذا الصدد، يشير إلى تحول المقاومة وما يصدر عنها من خطاب ومواقف إلى مصدر ثقة مطلقة في الشارع الفلسطيني بحيث لا يستطيع الاحتلال تمرير فكر الهزيمة والهروب.

أما المقاومة نفسها، فيرى بشارات أنها بدأت تؤمن بقدراتها وتمتلك من الخبرات، وهو ما يؤهلها لبناء أدواتها ومنهجياتها، وهذه خبرة تراكمية وليست خبرة مفاجئة داخل الحالة الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • هل تستمر الحرب في السودان؟.. خبراء يجيبون
  • هل سنشهد هدنة إنسانية بقطاع غزة في عيد الأضحى المبارك؟.. خبراء يجيبون لـ "الفجر"
  • بسبب قطع الأموال.. جيش الاحتلال يحذر الحكومة من انتفاضة ثالثة بالضفة
  • حركة فتح: توقيع 17 دولة على البيان الدولي يثبت عدم الثقة في الحكومة الإسرائيلية
  • حزب الله وإسرائيل على حافة الحرب أم التسوية؟ خبراء يجيبون
  • تعيين أعضاء جدد في مجلس رقابة البريد بنك
  • بين النكسة وطوفان الأقصى.. ماذا تغير في عقيدة المقاومة الفلسطينية؟
  • هل تفوز أرامكو السعودية في لعبة النفط والبيئة؟.. خبراء يجيبون
  • لماذا تشتعل المعارك بين حزب الله وإسرائيل الآن؟ خبراء يجيبون للجزيرة نت
  • ماكرون لنتنياهو: السلطة الفلسطينية يجب أن تتولى إدارة غزة