معركة جناق قلعة.. أكبر انتصارات البحرية العثمانية
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
"جناق قلعة" معركة بحرية وقعت في فبراير/شباط 1915 بين القوات العثمانية من جهة والقوات الفرنسية والبريطانية من جهة أخرى بالقرب من مدينة "جناق قلعة- تشاناكلي" التركية، التي تقع على مضيق الدردنيل، وانتهت بانتصار العثمانيين في 18 مارس/آذار 1915 وحماية مدينة إسطنبول من سيطرة الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
معركة جناق قلعة بالعربية أو "تشاناكلي" باللغة التركية أو حملة "غاليبولي" باللغات الغربية، كلها أسماء للموقعة التي حدثت في منطقة جناق قلعة، وهي مدينة تركية تسمى اليوم "تشاناكالي"، وتطل على مضيق الدردنيل الذي يربط بحر مرمرة ببحر إيجه والبحر المتوسط.
أسباب الحربفي عام 1912؛ اندلعت حرب البلقان بين الدولة العثمانية وكل من: بلغاريا وصربيا واليونان والجبل الأسود، الذين شكلوا اتحاد البلقان بدعم من روسيا القيصرية، وكانت نتيجتها هزيمة الدولة العثمانية وخسارتها لأكثر من 80% من أراضيها في أوروبا، وتوقيع العثمانيين اتفاقية "لندن" التي أفضت إلى قيام دولة ألبانيا المستقلة.
بعد اتفاقية لندن بعام واحد اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وكانت الدولة العثمانية أحد أطرافها، إذ اتخذت جمعية الاتحاد والترقي التي كانت في بداية حكمها للبلاد قرارها بالدخول في الحرب إلى جانب ألمانيا والنمسا والمجر، حيث شارك الأسطول العثماني بجانب الأسطول الألماني بالهجوم على المواني الروسية الواقعة على البحر الأسود في منطقة القوقاز، وذلك بهدف هزيمة الدولة الروسية التي اتجهت لعقد تحالف مع بريطانيا وفرنسا.
وبدت كفة الحرب في أوروبا الغربية تميل لصالح الألمان ضد بريطانيا، وذلك بسبب حفر الجيش الألماني الخنادق بشكل كثيف في أماكن الاشتباكات، مما دفع بريطانيا للبحث عن مساحات اختراق أخرى غير برية تستطيع من خلالها مهاجمة الحليفين الألماني والعثماني، وذلك تزامنا مع المشكلات الداخلية في مجلس الحرب البريطاني؛ بسبب إخفاق خطة وزير الحربية البريطاني هربرت كتشنر، التي ركزت على المعركة في أوروبا الغربية، وأهملت باقي الجبهات المشتعلة مع الألمان والعثمانيين.
مع بدايات عام 1915؛ انقسمت الحكومة البريطانية إلى فريقين، أولهما يقوده وزير الذخيرة جورج لويد الذي عدّ أنه يمكن التحالف مع دول البلقان المنتصرة مؤخرا على العثمانيين، وذلك بهدف ضرب ألمانيا عن طريق حليفتها العثمانية، ورأى أن هزيمة العثمانيين تُفضي حتما إلى ترك الجيش الألماني وحيدا في الحرب.
بينما رأى الفريق الثاني بقيادة هربرت كتشنر ووزير البحرية ونستون تشرشل أنه من المحال أن يتم الهجوم على العثمانيين فقط بالقوى البريطانية البحرية لأنها غير كافية، ولا بد من معركة برية بجانب المعركة البحرية، وهذا الأمر غير ممكن لأن القوات البريطانية البرية تقاتل بكامل قوتها على جبهة أوروبا الغربية.
استمر الهجوم العثماني على جنوب القوقاز تزامنا مع ثبات عسكري ألماني في أوروبا الغربية، مما جعل الإمبراطورية الروسية تضغط على بريطانيا، لأنه لو حدث انسحاب روسي من الحرب فقد كانت الجيوش الألمانية ستتمكن من تركيز قوتها على الجبهة البريطانية والفرنسية، مما كان سيُفضي إلى انهيار للدفاعات البريطانية والفرنسية أمام الجيش الألماني.
وبناء على ذلك وافقت الحكومة البريطانية على التجهز لهجوم بحري يستهدف الأراضي العثمانية، فكان على رأس القوات المخططة للهجوم الفرقة البحرية الملكية البريطانية، ورافقتها الفرقة البريطانية 29 البرية، إضافة إلى قوات أسترالية ونيوزيلندية وصلت مصر للمشاركة في الهجوم المرتقب على مضيق الدردنيل بوابة احتلال إسطنبول.
مع بداية شهر فبراير/شباط 1915 بدأ الفرنسيون والبريطانيون بتنفيذ خطتهم للمعركة التي اتفقوا على أن تكون على مراحل عدة: برية وبحرية، وشاركت فيها 5 غواصات بريطانية وغواصتان فرنسيتان، وعُيّن الأميرال البريطاني "ساكفيل كاردِن" قائدا للمعركة.
كانت الفرقة 19 بقيادة مصطفى كمال والفيلق الخامس بقيادة الجنرال الألماني ليمان فون ساندرز مسؤولين عن منطقة المعركة، إذ عيّن ساندرز بداية رئيسا للبعثة العسكرية الألمانية في تركيا عام 1913 ثم لاحقا مع بداية معركة جناق قلعة تولى رئاسة الفيلق الخامس.
واعتمد التكتيك العسكري العثماني على زرع الألغام البحرية بكثافة في المضيق، مما عرقل حركة القوات البحرية المهاجمة قبل وصولها إلى السفن والطرادات العثمانية المتركّزة في المضيق، إضافة لتجهيز فرق المدفعية على طرفي المضيق، مما أعطى الجيش العثماني أفضلية لمهاجمة السفن التي حاولت احتلال المضيق، إضافة لزيادة القوات البرية المدافعة، وذلك تحسبا لهزيمة القوات البحرية.
بدأت المعركة يوم 19 فبراير/شباط بهجوم عبر قنابل ألقتها السفن البريطانية والفرنسية تجاه النقاط العسكرية العثمانية المتمركزة على طرفي المضيق، ولكن لم يكن هناك رد عثماني مما جعل السفن المهاجمة تحاول دخول المضيق.
وواجهت السفن المتقدمة كثافة في الألغام المزروعة، ولكن القوات البريطانية استمرت بضرب القوات العسكرية العثمانية على الرغم من القنابل العثمانية الضخمة التي يصل وزن بعضها إلى 250 كلغ، مما جعل الخسائر كبيرة في النقاط العسكرية التي استهدفتها.
استمرت الهجمات بين الطرفين، إذ كان الهدف البريطاني هو إضعاف العثمانيين على طرفي المضيق، وذلك عبر قصفهم تزامنا مع هجوم بري، بهدف عزل القوات العثمانية البحرية المتمركزة بالمضيق وهزيمتها.
مع تحسن الأحوال الجوية في منتصف شهر مارس/آذار 1915؛ عززت القوات العثمانية من الألغام البحرية في المضيق، ومع دخول الأسطول البريطاني والفرنسي (المكون من 3 فرق بحرية: اثنتان بريطانية وواحدة فرنسية ) المضيق في 18 مارس/آذار؛ غرقت 3 بوارج من قوات الحلفاء، وأصيبت 3 أخرى نتيجة انفجار الألغام فيها والقصف الكثيف من طرفي المضيق من العثمانيين، مما اضطر القوات البحرية البريطانية والفرنسية إلى الانسحاب باتجاه مصر.
وكان يوم 18 مارس/آذار هو تاريخ نهاية المعركة البحرية التي انتصر فيها العثمانيون، ولكن المحاولات البريطانية استمرت من أجل إنزال بري. وشارك في هذه المحاولات فيلق المشاة الشرقي الفرنسي واللواء 29 الهولندي، تزامنا مع خطوط إمداد مستمرة، ولكن قدرة العثمانيين على الصمود حتى شهر أغسطس/آب 1915 أدت إلى انسحاب قوات الحلفاء من المنطقة، وإعلان إخفاق المحاولة البريطانية الفرنسية لاحتلال مضيق الدردنيل بوابة العاصمة إسطنبول حنيها.
نتائج المعركةانتهت العمليات العسكرية بشكل كامل في سبتمبر/أيلول 1915 وأدّت إلى 300 ألف ضحية من قوات الحلفاء المهاجمة بينهم 56 ألف قتيل، و250 ألف ضحية من القوات العثمانية بينهم 45 ألف قتيل.
وكانت القوات العثمانية في المعركة خليطا من العرب والأتراك والأكراد والقوميات والشركس والأعراق الأخرى، وبلغ تعدادها أكثر من 500 ألف مقاتل.
وظهرت خلال المعركة الشخصية العسكرية لمصطفى كمال لأول مرة، فقد كان قائدا للفرقة 19 ثم رُقّي إلى رتبة عقيد بعد المعركة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات أوروبا الغربیة مضیق الدردنیل فبرایر شباط تزامنا مع فی المضیق مارس آذار فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
قلعة بفاس.. سيرة مغربية في أرض الحب والأيديولوجيا
تقترن كلمة "ظهر المهراز" في النقاش العام بالمغرب بحالة أكاديمية وسياسية غنية، كانت مدينة فاس مسرحا لها منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، ولا يزال مفعولها ساريا في ذاكرة ووجدان آلاف الطلبة الذين مروا من ذلك الفضاء الجامعي.
وترسخ "ظهر المهراز" في الوعي الجمعي لأطياف واسعة من المغاربة، من مختلف المشارب السياسية، كعنوان رمزي لحياة أكاديمية انطلقت في العاصمة العلمية في سنوات الاستقلال الأولى، وتوالت في مسار طويل وثري لا يمكن فصله عن مغرب ما بعد الاستقلال، بما واجهه من إكراهات وتحديات في تحقيق مطالب التنمية والعدالة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ظلال سايغون.. كيف تعيش فيتنام حربها بعد نصف قرن؟list 2 of 2“اليربوع الأزرق”.. حين صنعت فرنسا مجدها النووي على أنقاض البشر والرمال الجزائريةend of listهذه التجربة، بحمولاتها السياسية والعاطفية والثقافية، هي ما حاول الإعلاميان المغربيان "عبد العزيز المسيح" و"نزار الفراوي" استعادته في كتاب "ظهر المهراز.. أرض الحب والأيديولوجيا"، باستدراج الكثير من عابري ذلك الفضاء إلى البوح بما تيسر مما عاشوه في ذلك المكان، وما ترسب في وجدانهم من مشاعر وأحاسيس وخيالات.
ومن المساهمين في ذلك البوح وجوه فكرية وأدبية ونضالية وأكاديمية بارزة، تشبعت بروح المكان وتأثرت به، وأدلت بشهادات ونصوص متباينة الرؤية والروح والأسلوب، لكنها مشبعة بحنين جارف للمكان. ولتعزيز الصور الذهنية لتلك "القلعة" (كما وصفها الكثيرون)، عمد الكاتبان إلى النبش فيما أبدعه عدد من خريجيها، لترصد صدى ظهر المهراز في مخيالهم، وكيف تبلور ذلك سردا وشعرا وسيرة.
إعلانوصدرت قبل نحو شهرين طبعة ثانية (منقحة ومزيدة) من هذا الكتاب، الذي حظي بإقبال واسع، وكان له صدى كبير في وسائل الإعلام المحلية، بما يعكس مكانة "ظهر المهراز" في تاريخ الحركة الطلابية، وفي الحراك السياسي العام الذي شهده المغرب منذ الاستقلال.
في عتبات الكتاب، يتساءل المؤلفان: "لماذا نحتفي بقلعة ظهر المهراز التي أطبقت شهرتها الآفاق، وامتد إشعاعها إلى خارج الحدود؟ ما الذي يجعلها تواصل حضورها البهي في الذاكرة الجماعية لأجيال عديدة مرت من هذا المكان العصي على النسيان؟ كيف تحولت هذه القلعة من فضاء للعلم والفكر والثقافة، ومكان للذاكرة شهد أحداثا ووقائع، إلى ذاكرة للمكان تتجاوز البعد الزمني والجغرافي؟".
وفي مختلف اللقاءات لتقديم الكتاب، كما في حديث لـ"الجزيرة نت"، تحدث المؤلفان عن سر الاهتمام بهذا المكان، والتعريف بهويته السياسية والجغرافية والاجتماعية، التي أصبحت أكبر من مجرد تلة في شرق مدينة فاس شيدت فيها، بشكل تدريجي، جامعة سيدي محمد بن عبد الله.
ويوضح الكاتبان أن هناك أسبابا كثيرة تجعل تلك القلعة النضالية تواصل حضورا مشعا في وعي ووجدان أجيال واسعة من خريجي هذه الجامعة الشهيرة، من بينها ارتباط الجامعة بتاريخ الحركة الطلابية في المغرب، الذي لم يكن وقتها يحتضن سوى جامعة واحدة، هي جامعة محمد الخامس في الرباط.
كما أن ظهر المهراز أصبح عنوانا لمغرب مصغر، بعد أن استقطب آلاف الطلاب القادمين من مختلف ربوع المغرب، وعينهم على فاس بجاذبيتها الحضارية والعلمية، وهي التي كانت على مدى قرون عاصمة سياسية وثقافية.
ولم يفت المؤلفين تعريف القارئ بهوية المكان السياسية والجغرافية والاجتماعية، وذلك في فصل كامل عن اسم قلعة "ظهر المهراز"، الذي يكاد يختزل ويغطي "كل ما في فاس"، بسبب البريق والجاذبية التي اكتسبتها هذه الجامعة الشهيرة، إلى درجة أن اسمها الرسمي "جامعة سيدي محمد بن عبد الله" يكاد يكون مجهولا وغير متداول.
إعلانهذا الاسم، الذي عرفت به هذه الجامعة، مستمد من اسم المنطقة التي احتضنتها منذ ستينيات القرن الماضي، وهي المعروفة بمنطقة "ظهر المهراز"، التي كانت قبل دخول الاستعمار الفرنسي مجالا طبيعيا بكرا، ممتدا على شكل تلة شرق مدينة فاس، أنشئت عليها ثكنات عسكرية فرنسية، تم تحويل إحداها إلى مقر لكلية الآداب عام 1961، وطيلة السبعينيات والثمانينيات، ستشهد الجامعة تأسيس كليات أخرى.
وفي ثنايا الكتاب، جاء في أولى شهادات أحد "العابرين" أن كلمة "ظهر المهراز" (المهراز تعني المدق التقليدي).
وبعد تلك الإضاءات حول المكان، يفتح الكتاب الباب لشهادات من "وحي العبور"، دشنها الناقد الأدبي سعيد يقطين باعترافه أنه مدين بالكثير إلى ظهر المهراز، الذي كان يختزل دائما في برج الماء الشامخ، الذي يبدو من مكان بعيد.
والمقصود بذلك البرج الشامخ هو خزان كبير للماء، موجود خلف كلية الآداب والعلوم الإنسانية، يرجع إلى الحقبة الاستعمارية، ويشبه في شكله المخروطي شكل "المهراز" التقليدي (المهراز كلمة بالدارجة المغربية، ومعناها المدق التقليدي).
ومن منظوره النقدي والأدبي، يقول يقطين: "لا أظن أن فضاء في مغرب السبعينيات عرف ما عرفه ظهر المهراز، وهو يسجل خصوصيته في تاريخ المغرب الحديث. ولا أدل على ذلك من أنه صار قصيدة لا تنسى لأحمد المجاطي، وعالما روائيا لأحمد المديني، ناهيك عن كون جيلين أو 3، والكثير من الطلاب والأساتذة، لكل منهم في متخيله وذاكرته صور وذكريات لا حصر لها، ولا يمكن أن تنسى أبدا".
وخلص يقطين إلى أن كتابة تاريخ ظهر المهراز "ضرورة تبين الدور الذي لعبه هذا الفضاء في تشكيل وعي جديد لدى النخبة المغربية، هذا الوعي الذي ستكون له آثاره الكبيرة على الوطن بكامله. كما أن قراءة هذا التاريخ بوعي جديد كفيل بأن يمكننا من تبين التطور الذي عرفه الفكر السياسي المغربي".
إعلانوتضمن باب الشهادات نصوصا لأسماء أصبحت ذات شأن على الصعيدين الوطني والعربي في مجالات النقد الأدبي، والإعلام، والتدريس الأكاديمي، والعمل السياسي، وقد أجمعت، بهذه الطريقة أو تلك، على أن ظهر المهراز لم تكن مجرد جامعة، بل "قلعة"، وصفها كل منهم بطريقته: تاريخية، حصينة، مجيدة، عتيدة، وهناك من ذهب إلى حد توصيفها بأنها "جمهورية داخل المملكة".
وبروح تجمع بين الأدب والتاريخ، لخص الباحث مصطفى المريزق روح ظهر المهراز في كونها "قصيدة، وقصة، ورواية، وأغنية، ولوحة، وشهادة، أبطالها هم مناضلوها، حفروا بشغبهم مضايق عميقة في نقابتهم؛ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وانصرفوا إلى ما ينفع البلاد والعباد، يغالبون التيارات الصاخبة والمضطربة، ويبحثون بين المسالك عن فجر صادق… لقد خلفت هذه التجربة تراثا نضاليا حقيقيا لم يكتب بعد، ولم يتم الاهتمام به من قبل المهتمين بهذا النوع من التجارب".
رائحة المكانوتعقبا لطيف ظهر المهراز، نبش المؤلفان في الكثير من المتون الإبداعية المغربية، وعادا منها بنصوص أدبية "تدمج ذلك الفضاء المادي والرمزي في صناعة التخييل السردي، أو توثقه بحرارة الحدث في السيرة الذاتية، أو تنشده قصيدة".
تم اقتباس تلك النصوص من عدة روايات، من بينها: رجال ظهر المهراز (2007) للروائي أحمد المديني، والسيرة الذاتية زمن الطلبة والعسكر (2012) لمحمد العمري، ونص رائحة المكان (2010) لعبد الإله بلقزيز، والسيرة الذاتية الضريح لعبد الغني أبو العزم، وسيرة التكوين وتحملني حيرتي وظنوني (2021) لسعيد بنكراد، إضافة إلى كتّاب آخرين.
وبنفس الروح الاستعادية المفعمة بالحنين، خصص المؤلفان فصلا للحديث عن وجه استثنائي من ذاكرة المكان، هو حسن الحلوي، بائع الكتب المستعملة، ولإعادة نشر قصيدة "خالدة" لأحد رواد الحركة الشعرية في المغرب، أحمد المجاطي (1936–1995)، استوحاها من أجواء ظهر المهراز.
إعلانويبدو أن حضور حسن الحلوي كان طاغيا في ذلك الفضاء، واستأنس به العابرون لسنوات طويلة حتى أضحى جزءا لا يتجزأ منه. وقد رسم الصحفي نزار الفراوي صورة قلمية بديعة لذلك "الكتبي" الفريد، ووصفه بـ"دليل الطلبة لارتياد الآفاق".
وللإشارة، فإن ظهر المهراز اكتسى أيضا طابعا يتجاوز حدود المغرب، أو بالأحرى كان فضاء ترددت فيه أصوات قادمة من خارج المغرب، من خلال مئات الطلبة القادمين من مختلف البلدان العربية، ومن خلال قامات أكاديمية بارزة من مصر والعراق وسوريا والسودان.
كما أن ظهر المهراز تنفس برئة عربية، عندما كان الحراك السياسي يتجاوز قضايا الداخل المغربي إلى أسئلة التحرر في العالم العربي، التي كانت حاضرة بقوة على إيقاع ما عاشته المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي من أحداث وتحولات كبرى.
وكانت القضية الفلسطينية هي الأكثر توهجا في كل المحطات النضالية في ذلك الحرم الجامعي، وقد استعاد أحد المشاركين في الكتاب، في إحدى السنوات، "حضور ممثل منظمة التحرير الفلسطينية واصف منصور بمناسبة يوم الأرض… وصارت قاعة فلسطين منتدى فكريا اجتمع فيه ما اجتمع في الأغوار الأثينية، وسوق عكاظ العربي، وملتقى إربد…".
ورغم كل ذلك الزخم الثقافي والأدبي والتاريخي الذي يزخر به الكتاب، فإن المؤلفين يحرصان على التأكيد أن ما قاما به لا يدعي كتابة تاريخ التجربة، ويفضلان أن يتركا أمرها للمؤرخين والباحثين، متجنبين الدخول في أتون الجدل السياسي والعودة إلى إشكاليات وقضايا تلك المرحلة.
وفي هذا الصدد، يتوسل المؤلفان بما سمياه "تاريخ الأمكنة"، ويعتبران منجزهما تثمينا لكتابة الأمكنة من أجل إعادة بناء الذاكرة الجماعية، باختلافاتها وتناقضاتها وأحلامها وأوهامها، واحتفاء بتلك القلعة ذات الرمزية التاريخية والنضالية والوجدانية.
إعلانوعلى هذا الغرار، فإن المأمول أن تكون هذه التجربة الكتابية نموذجا يستهدي به آخرون لإحياء ذاكرة فضاءات جامعية أخرى بالمغرب، كان لها حضورها السياسي والأكاديمي في بناء ذاكرة مغرب ما بعد الاستقلال، الذي لا يزال يواجه نفس إشكاليات الدمقرطة والتحديث والعدالة.