تعد الصناعات الإبداعية، محركًا أسآسيا للتطور والنمو فى المجتمعات والدول، خاصة تلك التى استطاعت وضع استراتيجيات واضحة للعمل على تحويل الفكر الإبداعى إلى منتج وخدمات يمكن وضعها فى سياق التداول والاستهلاك، وسلطنة عُمان ليست بعيدة عن هذه الصناعات والأسس الموضوعة من أجل العمل عليها، فقد قامت المؤسسات الحكومية والخاصة بالعمل معًا على تحقيق استدامة حقيقية لهذه الصناعات، فى شتى المجالات الإبداعية المادية وغير المادية، كما تعمل حاليًّا على مشروعين استراتيجيين للقوة الناعمة يشملان الثقافة والرياضة والإعلام والهوية والحضارة لتعظيم مكانتها وتاريخها ونقلها للأجيال القادمة.


الاستدامة فى مجال صناعة وإنتاج الأفلام الوثائقية
فى بداية الحديث تطرق عبدالرحمن بن سعيد المسكرى، رئيس قسم التحرير بمجلة نزوى، إلى الاستدامة فى مجال صناعة وإنتاج الأفلام الوثائقية تجربة وزارة الإعلام ممثّلة فى مجلة نزوى من خلال إنتاج «فيلم بيت العجائب»، وهنا يشير إلى إيجاد استدامة فاعلة ملموسة فى قطاع صناعة وإنتاج الأفلام الوثائقية من خلال الاشتغال على حقيقة التاريخ والثقافة والفكر الإنسانى وإبراز الهوية الوطنية مع أهمية التسويق لها كمنتج ثقافى فكرى له ديمومته الخاصة من خلال السبل والمحفزات، ويقول: تتكئ سلطنة عُمان على موروثٍ حضارى عميقٍ وعريق؛ تشكّل عبر قرون طويلة من الفعل الحضارى لإنسان عُمان؛ تراكمٌ معرفى ضخم فى شتى صنوف العلوم والآداب والفنون، وخزينٌ من الملاحمِ والقصص والأحداث، كل ذلك يحكى خلاصة تجاربه، وحصيلة أفكاره، ومجمل تفاعلاته مع محيطه على مرّ الحقب والعصور، وامتداداته الحضارية فى شتى بقاع الأرض التى وصل إليها.
وأضاف: كل هذا يدفع إلى الحديث عن أهمية الاعتناء بالإنجاز الحضارى لعُمان فى مختلف المجالات، ترسيخًا لدوره فى بناء الهويّة الوطنية العُمانيّة الحديثة، وتعظيمًا للقيم الرّفيعة التى تركها الأسلاف، الذين حفروا بأزاميل العزمِ والصّبر والإرادة الحرةّ ملاحم الإنجاز فى صخرة التاريخ، وتركوا شواهد لا تمّحى من صفحة الحضارة والمعرفة الإنسانية.
ووضح أن تراث عُمان الحضارى رأسمال فكرى لا يقدر بثمن، ولا تضاهيه أى قيمة؛ ونحن نتحدث عن الاستدامة فى الصناعات الإبداعية لا يمكن إغفال أهمية الاستثمار فى التراث الفكرى فى شتّى صنوفه؛ بوصفه رافدًا محوريًّا من روافد الصناعات الثقافية متعددة المجالات والاتجاهات؛ لذلك ينبغى الاعتناء به، والاستثمار فيه، ونقله للأجيال القادمة فى صيغ تقنية متقدّمة، تتلاءم ومعطيات التلقّى المعاصرة.
إرساء صناعات إبداعية مستدامة يشكل رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا لسلطنة عُمان
وقال رئيس قسم التحرير بمجلة نزوى: إن تبنى سياسة استراتيجية من شأنها استدامة الاستثمار فى الصناعات الإبداعيّة سيسهم فى تحقيق عدد من الأهداف الوطنية العليا، فإلى جانب ترسيخ الهوية الوطنية الحديثة، وتعزيز ما يعرف بالقوة الناعمة للبلاد؛ فإن العمل على إرساء صناعات إبداعية مستدامة يمكن أن يشكل رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا لسلطنة عُمان، إذا ما تهيأت البنية الأساسية لمثل هذه الصناعات من تشريعات وأنظمة، وتأهيل الكوادر الوطنية، وتعزيز الكِيانات القانونية الرّاعية للصناعات الإبداعية فى مختلف أشكالها.
ويشير: ثمة مسارات وبرامج عديدة لاستثمار هذا الخزين الفكرى والتاريخى فى سلطنة عُمان، ما نحتاجه هو إيجاد مناخات ثقافيّة داعمةٍ للاستثمار فى اقتصاد المعرفة، وسياسات وممارسات تدفع إلى خلق سوق تتدافع فيها منتجات الثقافة والإبداع.
فيلم العجائب يجسد الوجود العُمانى فى زنجبار وشرق أفريقيا
بالنسبة إلى تجربة وزارة الإعلام ممثلة فى مجلة نزوى، فى إنتاج فيلم العجائب الوجود العُمانى فى زنجبار وشرق أفريقيا، فقد أنتجت الوزارة فيلمًا وثائقيًّا يتكون من ثلاثة أجزاء، يهدف الفيلم بأجزائه الثلاثة إلى إلقاء الضوء على الإسهامات الحضارية الطليعية للعُمانيين فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى زنجبار وشرق أفريقيا، وكل جزء من الفيلم يقدم شخصية رئيسة بالإضافة إلى شخصيات أخرى ضمن أحداث سياسية وأنشطة تجارية واجتماعية وثقافية.
وتقول مريم بنت ناصر الخربوشية، مديرة دائرة الهوية الثقافية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب: تعد صناعة الفعاليات والبرامج الثقافية بكافة أنواعها أداة من أدوات تصدير المحتوى الثقافى والهوية الثقافية، حيث تمثل الأيام الثقافية، والمهرجانات والمعارض الفنية والثقافية ومعارض الكتب التى تنفذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب محليًّا وخارجيًّا وسيلة للتواصل الحضارى والثقافى يتم من خلالها الترويج لسلطنة عُمان التى تمتلك الكثير من المقومات التى تسهم فى رفد الإبداع الثقافى فى مختلف المجالات.
ووضحت: عملت الوزارة على هذا التوجه من خلال الاستراتيجية الثقافية التى رسمت التطلعات المستقبلية للقطاع الثقافى لتكون مواكبة لأهداف رؤية عُمان 2040 وفق رؤية تنطلق منها بعنوان «عُمان وجهة ثقافية رائدة بهوية راسخة» ورسالة تسعى من خلالها الوزارة إلى تنظيم وتطوير العمل الثقافى وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع بهدف ترسيخ الهوية الثقافية وتحقيق الريادة وتنميتها واستدامتها محليًّا وعالميًّا، كما حددت الاستراتيجية عدة مجالات مرتبطة بالعمل الثقافى وهى الهوية والتراث الثقافى غير المادى والترجمة والنشر والأدب والمخطوطات والفنون البصرية والأدائية والمهرجانات والمعارض الثقافية والتواصل الثقافى والمسابقات والجوائز الثقافية والمكتبات والمراكز الثقافية والأندية والمبادرات الثقافية.
وقالت: إن الوزارة وضعت سبعة محاور تنبثق منها الأهداف الاستراتيجية، وهى محور الإبداع والتطوير الثقافى ومحور الثقافة والمجتمع ومحور الصناعات الثقافية الإبداعية ومحور الهوية الثقافية ومحور التنمية الثقافية ومحور اللوائح والتشريعات الثقافية ومحور التواصل الثقافى، وبالتركيز على محور الصناعات الثقافية الإبداعية نجد أن أهم أهدافه الاستراتيجية تتمثل فى تشجيع الوعى بأهمية الاستثمار فى المجال الثقافى، ودعم وتشجيع الاستثمار فى مشروعات ثقافية إبداعية مستدامة، وتقديم التسهيلات للمشروعات فى مجال الصناعات الإبداعية والثقافية وتعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الثقافى.
رؤية عُمان 2040 تسلط الضوء على الصناعات الإبداعية من الثقافة والمعرفة والإبداع
وتقدم نهاد بنت على الهادية، طالبة دكتوراه فى الصناعات الإبداعية فى جامعة إديث كوان فى غرب أستراليا، رؤيتها حول الصناعات الإبداعية كقوة ناعمة مستدامة وتقول: الإبداع البشرى هو جوهر الاستدامة وأحد أشكال القوة الناعمة العابرة للقارات التى تستثمر فيها الدول مؤخرًا لتحقيق أهدافها السياسية والثقافية والاقتصادية، ومن هذا المنطلق سلطت رؤية عُمان 2040، الضوء على الصناعات الإبداعية القائمة على الثقافة والمعرفة والإبداع فى أولوية المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية من خلال ربط الإعلام والثقافة والفنون والتراث بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى سلطنة عُمان، وإيجاد هوية ثقافية وطنية تواكب التطلعات العالمية، وأكدت على هذا النهج الوطنى الاستراتيجية الثقافية 2021 2040، والتى نظرت إلى الثقافة على أنها ركيزة أساسية تسهم فى إيجاد مجتمع قادر على المساهمة بفاعلية فى بناء منظومة معرفية عالمية متجددة بثوابت ثقافية راسخة.
الصناعات الإبداعية ودورها التنموى المستدام فى تنويع الاقتصاد
ووضحت أن سلطنة عُمان انطلقت نحو تعزيز هذه الصناعات بخطى ثابتة وممنهجة حيث كان أولها فهم واقع الصناعات الإبداعية ودورها التنموى المستدام فى تنويع الاقتصاد وتنمية المجتمع وتحسين التعليم من خلال مشروع «خارطة الصناعات الثقافية والإبداعية» والذى يهدف إلى اقتراح منهج لقياس البعد الاقتصادى لهذه الصناعات بما يوائم المناهج الدولية، ورصد أبرز التحديات المتعلقة بهذه الصناعات بهدف وضع الخطط والسياسات والاستراتيجيات التى تحفز دورها فى التنمية المستدامة فى سلطنة عُمان، حيث أكد المجتمع الدولى على أهمية هذه الصناعات من خلال الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة حين تم الإعلان عن عام 2021 سنة دولية للاقتصاد الإبداعى من أجل التنمية المستدامة، وذلك لتسليط الضوء على دور الاقتصاد الإبداعى فى دعم أهداف الدول نحو التنويع الاقتصادى من خلال تسخير المعرفة والإبداع البشرى والمواهب بالإضافة إلى التكنولوجيا والابتكار فى توفير مهن إبداعية مستدامة للشباب، وتنمية المجتمعات من خلال تحقيق الرفاه الاجتماعى، ودعم الثقافة من خلال الحفاظ على الموروثات الثقافية وحمايتها فكريًّا.
وتؤكد: تعمل سلطنة عُمان حاليًّا على تعزيز دور الثقافة والإعلام كقوى ناعمة من خلال الإعلان عن العمل على استراتيجية للقوة الناعمة العُمانية، وعلى الصعيد العالمى حصلت السلطنة فى مؤشر القوة الناعمة العالمى ٢٠٢٣ على الميدالية الفضية فى «الكرم»، وغيرها من الجهود التى تهدف إلى ترسيخ ثقافة عُمان وصورتها الذهنية فى الخارطة الدولية.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الهوية الوطنية المؤسسات الحكومية تحقيق استدامة استراتيجيين الصناعات الإبداعیة الصناعات الثقافیة الهویة الثقافیة هذه الصناعات الاستثمار فى ة الوطنیة الضوء على من خلال

إقرأ أيضاً:

فارس المزروعي: مهرجان سباق دلما التاريخي يسهم في صقل وترسيخ الهوية الوطنية

 
منطقة الظفرة (الاتحاد)


ثمن معالي فارس خلف المزروعي، رئيس هيئة أبوظبي للتراث، الدعم المستمر والمتابعة الدائمة من سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، للفعاليات التراثية والرياضية، ورعايته لمهرجان سباق دلما التاريخي الذي انطلقت دورته الثامنة 16 مايو ويستمر إلى اليوم، بتنظيم هيئة أبوظبي للتراث، ونادي أبوظبي للرياضات البحرية، ومجلس أبوظبي الرياضي.
وأكد معاليه خلال زيارته فعاليات المهرجان الذي يقام أيام الجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع، أن المهرجان بطبيعته والرسالة التي يضطلع بها يتسق مع أهداف «عام المجتمع»، من خلال الحفاظ على التراث، وتعزيز التواصل بين الأجيال، وترسيخ قيم التعاون والانتماء والتجارب المشتركة، كما يعكس التزام إمارة أبوظبي بحفظ التراث، وترسيخ الهوية الوطنية، وإحياء الرياضات البحرية.
وأشار معاليه إلى أن المهرجان يُعد من أهم الفعاليات التي تجمع بين الرياضات البحرية التراثية والحديثة، والأنشطة والبرامج المجتمعية، وأسهم خلال دوراته المتعاقبة في صقل وترسيخ الهوية الوطنية، وصون التراث الإماراتي، وقام بأدوار مجتمعية مهمة عبر تشجيع المجتمع المحلي ودعم الأسر المنتجة وإنعاش الاقتصاد المحلي للجزيرة.

 

أخبار ذات صلة أسعار الوقود لشهر يونيو 2025 الإمارات: دوامة القتل في غزة وصمة عار في تاريخ الإنسانية


واطلع معالي فارس خلف المزروعي على سير العمل في المهرجان، واستمع لشرح موجز من راشد خادم الرميثي، مدير المهرجان عن الأجنحة والفعاليات والمسابقات التي يشملها، كما قام بجولة شملت السوق الشعبي الذي يضم عدداً من محلات الأسر المنتجة من أهالي الجزيرة ويعرض المنتجات التراثية والصناعات التقليدية والمأكولات الشعبية الإماراتية، كما شملت الجولة القرية التراثية التي تضم ورشاً للحرف التراثية البحرية والنسائية، حيث تابع جانباً من أعمال الحرف والورش البحرية.
وضمن جولة معاليه تفقد رئيس هيئة أبوظبي للتراث أجنحة الجهات المشاركة في المهرجان مركز التواجد البلدي - بلدية منطقة الظفرة، وهيئة البيئة أبوظبي، ومتحف دلما، شركة المرفأ للطاقة، ومستشفيات الظفرة - صحة، وتعرف إلى ما تقدمه للجمهور من فعاليات توعوية وتثقيفية.
وتفقد معاليه قرية الطفل وما تقدمه من أنشطة الرسم والتلوين، وتابع نشاط الألعاب الشعبية، واطلع على منافسات كرة القدم والكرة الطائرة الشاطئية، إضافة إلى متابعة جانب من مسابقة الطبخ اليومية، وعروض فرقة أبوظبي للفنون الشعبية التي قدمت لوحات من الفنون الأدائية التراثية.

مقالات مشابهة

  • البنك الدولي يُشيد بتوجهات "عُمان 2040" نحو الاستدامة
  • لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟
  • نظام مجتمع الموانئ .. رؤية جديدة لتعزيز التكامل والتجارة البحرية في سلطنة عمان
  • «ذاكرة المدينة» مشروع ثقافي رقمي لترسيخ الهوية المصرية وحفظ التراث
  • فارس المزروعي: مهرجان سباق دلما التاريخي يسهم في صقل وترسيخ الهوية الوطنية
  • سلطنة عمان.. إنجازات بارزة في القضاء على الفقر نحو تنمية مستدامة
  • المؤتمر الزراعي الإماراتي.. حلول مستدامة للقطاع ودعم المزارعين
  • نائب: مستهدفات الصناعة بالخريطة الاستثمارية طموحة وقابلة للتحقيق وتدعم الإنتاج المحلي
  • استراتيجية غذائية شاملة ترسخ مكانة سلطنة عمان في توفير بيئة غذائية آمنة
  • سلطنة عُمان تعزز تنافسيتها بتحديث حزمة من التشريعات المحفزة للاستثمار