نابلس- بموقعها وتفاصيلها وأهدافها ونتائجها، شكلت "عملية دير إبزيع" غرب مدينة رام الله، فجر الجمعة الماضي، إضافة جديدة لعمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية -التي باتت توصف بنوعيتها- فردية كانت أم تتبناها خلايا مدعومة من بعض التنظيمات والفصائل.

وشهدت الضفة منذ مطلع مارس/آذار الجاري 5 عمليات فدائية، أوقعت قتلى وجرحى بين صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وكان وقعها أكبر بمكانها ووقتها وطريقة تنفيذها.

وباعتراف الاحتلال المباشر، أكد نوعية تلك العمليات وأن "عملية دير إبزيع" تمكن منفذها من الإعداد الجيد لها، ليس بمطاردته وتحصنه لنحو 7 ساعات، وإنما بالتخطيط مسبقا لها، وإقامته سواتر حجرية للتخفي عبرها، وفق موقع والا نيوز الإسرائيلي.

كما اشتبك المنفذ عن بعد 30 مترا مع جنود الاحتلال ببندقية مزودة بتلسكوب، وتمكن من قتل أحدهم وجرح 6 آخرين، وأظهر كفاءة في الأساليب العسكرية والدفاع والهجوم.

وهذه النوعية لم تقتصر على العمليات الفدائية فقط، بل ظهرت أيضا بتصدي المقاومين لاقتحامات جيش الاحتلال للمناطق الفلسطينية، وإعدادهم المسبق باستخدام العبوات المتفجرة محلية الصنع وغيرها من وسائل المقاومة.

يأتي هذا بينما تتحدث إسرائيل عن عثورها بكل عملية عسكرية على مستوى لواء على 30 إلى 40 عبوة متفجرة وزن بعضها 150 كيلوغراما، وأغلبها إنتاج ذاتي، وفق صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية.

مستوطنة عيلي حيث وقعت عملية فدائية مطلع مارس/آذار الحالي وأدت لمقتل مستوطنين (الجزيرة) فرديتها سر نوعيتها

وقبل "دير إبزيع" شكلت عملية مستوطنة "عيلي" جنوب نابلس حدثا فارقا أيضا، لا سيما وأنها أدت إلى مقتل مستوطنين، وتلتها عملية مستوطنة "حومش" شمال نابلس واستهداف الجنود واختراق تحصيناتهم بعبوة ناسفة، وجرح 7 منهم، ثم استدراج مقاوم لعنصرين من الشاباك قرب مستوطنة "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم وإطلاق النار عليهما مباشرة.

وبينما يحذر الاحتلال من عمليات أخرى نظرا لانتشار السلاح وسهولة وصوله للمقاومين، يُرجع خبراء ومحللون سياسيون وأمنيون تحدثوا للجزيرة نت سبب انتشار هذه العمليات إلى هول الحرب على غزة وانتهاكات الاحتلال المستمرة بالضفة، مما يعني أنها لن تزداد فقط، بل ستتطور وتأخذ أشكالا جديدة.

ويقول الخبير الأمني اللواء واصف عريقات إن العمليات الأخيرة "نوعية بشهادة الاحتلال نفسه" سواء من حيث منفذها وتوقيتها وأسلوبها واختيار الأهداف ومدى تأثيرها على الجيش والمجتمع الإسرائيليين.

ويعتبر أن هذه العمليات دفاع عن النفس أمام صلف الاحتلال وتقتيله للفلسطينيين وتقطيع أواصر الضفة ومحاصرتها اقتصاديا وعسكريا بأكثر من 700 حاجز، وأمام اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ومنع الفلسطينيين من دخوله والتضييق عليهم.

وكل ذلك -برأي الخبير الأمني- يرجح زيادة العمليات ورفع وتيرتها، ويقول إن اعتداءات الاحتلال أكبر محفز للشباب الفلسطيني ليصعد من عملياته.

وكونها "عمليات فردية" بوصف عريقات، فإن هذا سيزيد نجاحها وفعلها، لأنها معقدة بالنسبة للجهات الأمنية والاستخباراتية كونها محدودة ولا يمكن التنبؤ بها وينفذها أفراد يتخذون قراراتهم دون تشاور مع أحد، وبالتالي يختارون الزمان والمكان دون أية معلومات منتشرة.

موجة وأنماط جديدة

ومنذ عقدين، تتسم العمليات الفدائية في الضفة بتتابعها على شكل "موجات" بتقدير الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش، إذ كانت عفوية وانفعالية وينفذها شبان صغار، ثم أضحت أكثر تنظيما عبر الكتائب المنتشرة بمختلف مناطق الضفة مثل كتيبتي جنين وعرين الأسود بنابلس.

ويقول أبو غوش "إننا (الآن) أمام موجة جديدة ومتصاعدة من عمليات المقاومة، ميزتها مزيد من التنظيم والدقة وبمشاركة أكثر من أفراد الأمن ممن لديهم تدريب وخبرة بالتعامل مع السلاح وجغرافيا المكان، والنضج أيضا، فإسرائيل كانت تعتقد أن المنفذين شبان صغار يائسون وفقراء ويعانون مشاكل اجتماعية".

ويضيف "لكن أصبح لدينا أنماط جديدة من المنفذين للعمليات النوعية الفدائية، وباتت المعايير تشمل كل فلسطيني، ممن هم متزوجون ولديهم استقرار أسري ومادي، ومنهم معلمون وأطباء ورجال أعمال، وهذا يؤكد أن المقاومة رد فعل الشعب، وتعكس حالة عامة متجذرة بالثقافة والمجتمع وفي قناعات كثيرين".

وهؤلاء -كما يقول المحلل السياسي- ينفذون عملياتهم "بدوافع فردية" وليست موجهة بقرار حزبي أو رسمي، وليست بسبب البؤس أو الحالة الاقتصادية وإنما نتاج تراكم حالة القهر التي يعيشها الشعب الفلسطيني بأكمله.

وحول استمرار هذه العمليات، توقع أبو غوش زيادتها ونوعيتها أيضا، وهو ما تقوله إسرائيل نفسها، ويرى أنها ستبقى فردية أو بمجموعات صغيرة "حَلَقية" بمعنى خلايا محدودة ليست مرتبطة ببنى تنظيمية من الفصائل.

ولكن انتشارها بجميع مناطق الضفة سيظل يقلق إسرائيل، لأن كل الضفة أصبحت جبهة ومساحة اشتباك مع الاحتلال، فهناك أكثر من 300 مستوطن، وعشرات المعسكرات وحواجز الجيش.

وتشير إحصائية مركز معلومات فلسطين (معطى) إلى أنه ومنذ الحرب على غزة، نُفذت 29 عملية نوعية، أسفرت عن مقتل 18 جنديا ومستوطنا، وإصابة 111 آخرين.

متغيرات

من جهته، اعتبر عادل شديد المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي أن مقاومة الضفة وعملياتها آخذة بالازدياد والنوعية أيضا.

وأوضح أن ذلك يعكس مجموعة من المتغيرات أهمها أن الضفة اجتازت الصدمة التي حدثت عند 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي لم تشكل صدمة لإسرائيل فقط التي سعت لتبني سياسة ترهيب بداية الحرب، وإنما للحالة الفلسطينية برمتها في الضفة والداخل المحتل الذي بدأ يتحرك بفعاليات لا تدعو إلى وقف الحرب فقط، بل تؤيد غزة أيضا.

كما أن الضفة أدركت أن هناك مشروعا إسرائيليا دوليا ذاهبا باتجاه عزلها عن غزة، وإظهار أن الحرب ليست على القطاع وإنما على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقط، وبالتالي إضعاف الحالة الفلسطينية، كما يقول شديد.

ويرى أن هذا خلف استشعارا وإحساسا بالخطر، وبدأت الحالة الوطنية ترميم ذاتها عبر خلايا وأفراد نفذوا عمليات نوعية حملت رسالة سياسية أكثر من أنها عسكرية وأمنية، بأن غزة والضفة حالة وطنية واحدة، وهذا مهم كونه ألغى الشرعية الإسرائيلية للحرب، وتجزئتها عبر أدواتها للحالة الفلسطينية.

وتكمن نوعية عمليات المقاومة -حسب شديد- في أنها أخذت العبر من الدروس الماضية وارتقت وتكيفت في عملها مع الواقع الحالي، وبالرغم من أنها عمليات قليلة فإنها شكلت "حالة انتشار" بكل مدن الضفة، وهو ما سيفرض على جيش الاحتلال إعادة انتشاره بتلك المناطق، وسيؤثر على مجرى الحرب أيضا.

وعزا المحلل السياسي عدم قدرة الاحتلال -رغم كل إجراءاته الأمنية والاستخبارية على ضبط هذه العمليات ومنعها بشكل كامل- إلى تطور الخلايا والفكر المقاوم ذاتيا، ويقول "لدى الاحتلال إخفاقات كبيرة ورغم إعادة انتشاره بالضفة فإنه يدرك أنه لا يمكنه أن يمنع المقاومة بشكل عام".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات هذه العملیات أکثر من

إقرأ أيضاً:

لماذا تتركز عمليات الاحتلال بخان يونس وكيف ترد المقاومة؟

تحولت مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة إلى نقطة ارتكاز أساسية لعمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي، في وقت تعمل فيه المقاومة وفق إستراتيجية الدفاع الإستراتيجي والهجوم التكتيكي، حسب الخبير العسكري العميد إلياس حنا.

وأوضح حنا أن خان يونس باتت بين فكي كماشة حسب الشكل العملياتي الإستراتيجي، إذ يأتي الجهد الرئيسي لجيش الاحتلال من محوري كيسوفيم وموراغ، مستدلا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة شرقي المدينة.

ووفق حديث الخبير العسكري للجزيرة، فإن جيش الاحتلال يريد خان يونس خالية من السكان وكذلك من المقاومة، في حين تخوض المقاومة الدفاع الإستراتيجي، إذ لا تتخلى عن الأرض سوى بعد تكبيد القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة وتكسب مزيدا من الوقت.

وكذلك، تهاجم المقاومة تكتيكيا عندما يسمح الوقت أو يظهر هدف معين، مؤكدا أنها تستغل الفجوات والثغرات لدى جيش الاحتلال في المنطقة الأمنية العازلة.

وفي هذا السياق، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية -اليوم الأربعاء- إن 4 جنود أصيبوا في حادثين منفصلين خلال الساعات الأخيرة بالقتال في خان يونس.

وكشفت الهيئة أن "خلية مسلحة أطلقت صاروخا على دبابة في خان يونس فأصيب جنديان من الكتيبة 74 المدرعة".

إعلان

وفي وقت سابق اليوم، أعلنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- قنص جندي إسرائيلي ببندقية "الغول" القسامية شرقي بلدة عبسان الكبيرة شرقي خان يونس، وأكدت هبوط طيران مروحي للإخلاء.

بدورها، قالت سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي– إن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية بالأسلحة المناسبة مع جنود وآليات الاحتلال شمالي خان يونس، مشيرة إلى أن الاشتباكات لا تزال مستمرة.

كما ذكرت السرايا أن مقاتليها استهدفوا -صباح اليوم الأربعاء- قوة من مشاة جيش الاحتلال شرقي خان يونس بعبوة مضادة للأفراد.

وأوضحت أن مقاتليها نفذوا ما وصفته بـ"استحكام مدفعي بقذائف الهاون" على منطقة الاستهداف، مؤكدة تحقيق "إصابات دقيقة ومباشرة في صفوف القوة الراجلة وفرق النجدة".

وبشأن تغيير جيش الاحتلال إستراتيجيته العسكرية في قطاع غزة، قال حنا إن القوات والآليات الإسرائيلية كانت تدخل و"تنظف" المنطقة ثم تخرج، وتعود عندما تتوفر معلومات تكتيكية للاشتباك مع المقاومة.

أما الإستراتيجية الجديدة، فإنها ترتكز على الدخول و"التنظيف" والبقاء -حسب الخبير العسكري- من أجل إعداد العدة للمرحلة المقبلة.

وبناء على هذه الإستراتيجية الجديدة، فإن جيش الاحتلال ينتقل من الحركية إلى الثبات، في حين تنتقل المقاومة من الدفاع إلى الحركية.

وأشار حنا إلى أن رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير يحاول التأقلم وفهم كيف تتعامل المقاومة الفلسطينية في إطار إستراتيجيته المعلنة بالقضاء على المقاومة خلال 9 أشهر.

وجدد التأكيد على أن إستراتيجية زامير ترتكز على التقدم ببطء مقصود ثم القضم التدريجي للأرض واستهداف قيادات المقاومة من أجل تجنب الخسائر البشرية ودفع المقاومة لتقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

إعلان

وكان زامير قد أصدر مطلع الشهر الجاري تعليمات إلى قواته بتوسيع نطاق العملية العسكرية لتشمل مناطق إضافية في شمال قطاع غزة وجنوبه.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يغلق أبواب المسجد الأقصى بالتزامن مع «إغلاق شامل» بالضفة
  • “حماس”: عملية حرميش رد مشروع على جرائم الاحتلال
  • “حماس” تبارك عملية إطلاق النار لمقاوم فلسطيني في الضفة
  • أول تعليق من حماس على عملية إطلاق النار قرب مستوطنة حرميش
  • مستوطنون يقتحمون الأقصى بحماية الشرطة.. وتصعيد وعمليات هدم بالضفة
  • مستوطنون يقتحمون الأقصى بحماية الاحتلال.. وتصعيد وعمليات هدم بالضفة
  • لماذا تتركز عمليات الاحتلال بخان يونس وكيف ترد المقاومة؟
  • الاحتلال يهدم منزلا ومنشآت بالضفة ويعتقل 150 فلسطينيا خلال أسبوع
  • حماس تحذر من تصاعد عمليات اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى
  • بينهم أطفال ونساء.. الاحتلال يعتقل نحو 150 شخصا بالضفة الغربية خلال أسبوع