تقع منصّة تيك توك في قلب الصّراع الصيني الأمريكي. وترجع المغامرات غير السّارة لهذه الشبكة الاجتماعية الصينية في الولايات المتحدة إلى التّعارض الحاصل بين بكين وواشنطن. إنها تقول الكثير عن مواجهةٍ تتعلّق إلى حدٍّ كبير بمسألة الثقة.

لقد كانت تيك توك، التابعة لمجموعة بايت دانس الصينية (ByteDance)، صاحبة التطبيق الأكثر تنزيلًا على الهواتف المحمولة على مستوى العالم بين عامي 2020 و2022.

يسمح التطبيق بمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة، ولديه حوالي مائة وسبعين مليون مستخدم في الولايات المتحدة، معظمهم من الشباب، لكنه قد أصبح أيضًا ضروريًا للملايين من روّاد الأعمال الصغار. تعدّ الخوارزمية الخاصة بهذا التطبيق من أكثر الخوارزميات كفاءةً فيما يتعلّق بتحديد أذواق وعادات مستخدميه وتلبية حاجاتهم «حسب الطلب».

وباختصار، لقد حقّق تطبيق تيك توك نجاحا هائلا يؤكّد أن وادي السليكون لا يحتكر الابتكار التكنولوجي أو لم يعد حكرًا عليه. يستخدم ثلث البالغين في الولايات المتحدة تيك توك، كما يستخدمه ثلث الشباب -تحت سن 30 عامًا- بغرض متابعة الأخبار السياسية والاقتصادية والدولية. ويرجع نجاح تيك توك إلى قوّته على مستوى الانتشار (الصور والبيانات) والإغواء وتأثير الإدمان.

أقرّ مجلس النواب الأمريكي في الثالث عشر من مارس الجاري مشروع قانون يهدف إلى تغيير ملكية منصّة تيك توك في السوق الأمريكية، وصُوّت عليه بأغلبية كبيرة من الحزبين (352 نائبًا صوّتوا للقانون مقابل 65 صوتًا ضدّه). يمنح نص القانون لمجموعة بايت دانس الصينية (الشركة الأم) مهلة ستة أشهر من أجل بيع تيك توك إلى شركة غير صينية (أمريكية كما يجب أن نفهم)، وإلا فسيتم حظر التطبيق على متجري آبل للتطبيقات وجوجل بلاي.

ولأن هذا القرار قد صدر عن بلدٍ يمجّد ويتباهى بفضائل المنافسة وحرية المبادرة والتجارة الحرة، فإن الضربة كانت قاسية. ولقد بُرّر ذلك بأمن الولايات المتحدة. ماذا لو قام تيك توك بجمع بيانات ملايين الأمريكيين بغرض الابتزاز؟ ماذا لو نشر تيك توك سرًّا معلوماتٍ مضلّلة وقام بالدعاية لصالح بكين؟

مصير هواوي (Huawei)

لا يزال القانون بحاجة إلى إجراء التصويت في مجلس الشيوخ، والموافقة عليه من أغلبية مؤهّلة، وهذا أمر غير محسوم. لكن الرئيس جو بايدن قد سبق وأعلن عن موقفه: إذا حصل القانون - حماية الأمريكيين من التطبيقات الخاضعة للرقابة من الخصوم الأجانب (Protecting American from Foreign Adversary Controlled Applications) - على موافقة المجلس الأعلى للكونغرس فإنه سيوقّع عليه دون تردّد. لن تكون هذه نهاية القصة، فإن بايت دانس ستعترض على بيع شركتها التابعة وسوف تلجأ إلى المحكمة العليا من أجل الدفاع عن حقوقها.

هل سيكون مصير تيك توك من نفس مصير هواوي، الشركة الصينية الرائدة الأخرى في مجال الاقتصاد الرقمي؟ تعدّ هواوي شركة رائعة ومن الشركات العالمية التي تتربّع على عرش الشركات المصنّعة للمعدّات في مجال الاتصالات والهواتف المحمولة، لكن يُحظر استخدام البنى التحتية لتقنية الجيل الخامس التي طوّرتها هذه الشركة في الولايات المتحدة واليابان وفي معظم البلدان الأوروبية. يُجمع الكثيرون أن ثمّة قاسمًا مشتركًا بين الشركتين ويتعلق بوجود اشتباهٍ كبير في إمكانية تجسسهما الإلكتروني لصالح الدولة الصينية.

وبمعنى ما، فإن شركتي هواوي وتيك توك وشركات صينية أخرى هي ضحايا لطبيعة النظام في بكين، وهذا هو جوهر الصّراع الصيني الأمريكي. عندما كانت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة تقتصر على المنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة خلال ثمانينات القرن الماضي، لم يكن الشريك الأمريكي يبالي بالطبيعة الديكتاتورية للسلطة في بكين. وحتى القمع الدموي الذي تعرّض له الشباب الصينيون الذين كانوا يحتجّون في قلب بكين بساحة تيانانمن ربيع عام 1989، لم ينجح في إبطاء وتيرة التداخل بين الاقتصادين. خاصّةً وأن واشنطن كانت ما تزال تعتقد (وهذا شأن الرئيس بيل كلينتون) أن التنمية الاقتصادية في الصين ستفضي بالضرورة إلى شكلٍ من أشكال الليبرالية السياسية.

مبدأ احترازي

ثمّة تطوّران متوازيان قد حصلا وسيكون من شأنهما أن يغيّرا العلاقة الصينية الأمريكية. يتعلق الأول بالصّعود السريع للصناعة والتكنولوجيا الصينية على مستوى سلّم القيمة. ويرتبط الثاني بالتشديد المتواصل لسياسات الحزب-الدولة مع وصول الرئيس شي جين بينج إلى السلطة في 2011-2012. عندما يقوم بلد ما بتصدير منتجات لها استخدام مزدوج (مدني وقد تكون له علاقة محتملة بالدفاع)، كما هو الحال بالنسبة إلى المنتجات الرقمية، فإن طبيعة النظام السياسي تكتسي أهمية. وبالنّظر إلى أن الحزب الشيوعي الصيني يعتمد على كل هذه التكنولوجيات بهدف تطوير أنظمة للمراقبة الرقمية داخل البلد تسمح له بالتجسّس على المجتمع المدني، فإن هناك سببًا للشك في أنه قد يميل إلى القيام بالشيء نفسه أيضا في الخارج.

إن عصر الشك والارتياب يلقي بظلاله. يشرح توماس فريدمان، أحد نجوم صحيفة نيويورك تايمز، في مقال نُشر في أبريل 2023، أن أحد العناصر الضرورية للتبادلات في المجال الواسع للاقتصاد الرقمي مفقود بين الصين والولايات المتحدة، ويتعلق الأمر بالثقة. من الأفضل أن نعتمد على الأوروبيين من أجل تأمين الخدمات اللوجستية للاتصالات الهاتفية للمستقبل حتى لو كانوا أكثر تكلفة. والحذر يملي علينا أن نحترس من المجموعة الصينية ZPMC، الشركة الرائدة عالميا في تصنيع الرافعات الجسرية للحاويات، عند تجهيز الموانئ الأمريكية. يُطبّق هذا المبدأ الاحترازي على العديد من نجوم القطاع الرقمي الصينيين. فقبل الولوج إلى السوق الأمريكية للبيانات الشخصية، «أخبرني كيف تعامل بيانات مواطنيك».

لا ريب أن الأشياء تختلط في ردّ الفعل الدفاعي هذا: حقيقة التهديد، وقليل من جنون الارتياب وجرعة من الحمائية. ويمرّ خط المواجهة بين القوتين العظميين عبر المعالجات الدقيقة. يشير استطلاع رأي حديث نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الرابع عشر من مارس إلى أن 31٪ فقط من الأمريكيين سيوافقون على حظر تيك توك، فهل سيكون المستهلك ملكًا؟

ألان فراشون صحفي وكاتب عمود في صحيفة لوموند

صحيفة لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة تیک توک

إقرأ أيضاً:

سول وواشنطن تبحثان الرد النووي حال الحرب مع كوريا الشمالية

تبحث كوريا الجنوبية والولايات المتحدة اليوم الاثنين في سول سبل تحسين تنسيق الرد النووي للحلفاء حالة نشوب حرب مع كوريا الشمالية وسط قلق بشأن ترسانة بيونغ يانغ المتنامية، حسبما صرح مسؤولون جنوبيون.

ومحادثات اليوم هي الأحدث بين الجانبين بهذا الشأن وسيترأسها تشو تشانغ راي، نائب وزير الدفاع الكوري الجنوبي لشؤون السياسة، وفيبين نارانج، القائم بأعمال مساعد وزير الدفاع الأميركي لسياسة الفضاء.

ويهدف الاجتماع الثالث للمجموعة الاستشارية النووية إلى متابعة قمة العام الماضي، والتي وعدت خلالها الولايات المتحدة بمد كوريا الجنوبية بالمزيد من المعرفة حول خططها النووية للصراع مع الشمال.

والأسبوع الماضي، التقى وزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون سيك، نظيره الأميركي لويد أوستن على هامش مؤتمر حوار "شانغري لا" الأمني السنوي في سنغافورة، حيث أكدا خلاله مجددا هدف "نزع السلاح النووي الكامل لكوريا الشمالية، ومواصلة الجهود لتعزيز الردع الموسع للولايات المتحدة".

وبعد اجتماعهما الثاني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حذر الجانبان من أن أي هجوم نووي من جانب كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها سيقابل "برد سريع وساحق وحاسم" ويؤدي إلى نهاية نظام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

وتأتي المحادثات في الوقت الذي تسارع فيه كوريا الشمالية قدما لتطوير أسلحتها النووية وأنظمة إطلاقها، مما أثار تساؤلات في كوريا الجنوبية حول اعتمادها على "الردع الموسع"، أي بشكل جوهري المظلة النووية الأميركية.

ودعا بعض السياسيين، ومن بينهم بعض كبار أعضاء حزب الرئيس يون سوك يول، كوريا الجنوبية إلى تطوير أسلحة نووية خاصة بها، وهي خطوة تعارضها واشنطن.

وفي أواخر شهر مايو/أيار الماضي، فشلت محاولة كوريا الشمالية لإطلاق قمر صناعي للاستطلاع العسكري بعد انفجار محرك صاروخي تم تطويره في الآونة الأخيرة أثناء الطيران.

ونددت سول وواشنطن بإطلاق الصاروخ باعتباره انتهاكا لعقوبات مجلس الأمن الدولي التي تحظر استخدام بيونغ يانغ للتكنولوجيا الباليستية.

وقبل أيام من قيامها بتلك التجربة تعهدت كوريا الشمالية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز قدراتها على الردع النووي ردا على تجربة نووية أجرتها الولايات المتحدة مؤخرا.

وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية "في مواجهة عدم الاستقرار الإستراتيجي في المنطقة وبقية العالم الناجم عن التصرفات الأميركية الأحادية، لا يسعنا إلا أن نعيد النظر في الإجراءات اللازمة لتعزيز وضع الردع النووي الشامل في نطاق الحق السيادي المكتسب والخيارات الممكنة"، لكنها لم توضح طبيعة هذه الإجراءات.

مقالات مشابهة

  • قطر ومصر تتسلمان رد الفصائل الفلسطينية بشأن المقترح الإسرائيلي
  • وزارة الخارجية: المملكة ترحب بتبنّي مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة
  • مليشيات الإرهاب تقول بأنها ألقت القبض على ما وصفتها بـ"شبكة تجسس أميركية إسرائيلية"
  • الجارديان: الاتحاد الأوروبي يتخذ إجراءً بشأن واردات السيارات الكهربائية الصينية
  • العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيير
  • سول وواشنطن تبحثان الرد النووي حال الحرب مع كوريا الشمالية
  • الخارجية الصينية: واشنطن تخلق خطر نشوب صراع جيوسياسي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ
  • الصين تطالب الولايات المتحدة بإلغاء مبيعات أسلحة إلى منطقة تايوان
  • لماذا لا تريد دول جنوب العالم الاحتفاظ باحتياطيات الذهب في لندن وواشنطن؟
  • لماذا لا تريد دول جنوب العالم الاحتفاظ باحتياطات الذهب في لندن وواشنطن؟