مجزرة المسعفين.. تصعيد إسرائيلي جديد بجنوب لبنان
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
بيروت- تواصل إسرائيل توسيع ضرباتها جنوب لبنان من حيث المدى والنوع، كاسرة مختلف المحظورات بقواعد الاشتباك التي أرساها حزب الله منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ جاءت المجزرة بحق 7 مسعفين في بلدة الهبارية بعد أقل من 24 ساعة على أعمق هجوم جوي لإسرائيل، بالغارة التي استهدفت جرود الهرمل قرب الحدود مع سوريا، شمال شرقي لبنان.
استيقظت بلدة الهبارية، وهي إحدى قرى العرقوب في قضاء حاصبيا، المطلة على جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، على دمار مروع شبيه بمختلف القرى الحدودية، التي تحولت لساحة حرب مفتوحة، وكان الهدف مركزا إسعافيا يتبع "جمعية الإسعاف اللبنانية"، سوتّه الغارة بالأرض، واستمر انتشال الجثث والجرحى لساعات.
كان من بين الشهداء المسعفين السبعة توأمان اثنان، هما أحمد وحسين قاسم الشعار (19 عاما)، وحسب والدتهما التي قالت في تصريح تلفزيوني إنهما "كانا يقضيان الليل يوميا مع زملائهم المسعفين بالمركز، لتلبية أي نداء عاجل"، كما ودّعت بلدة الهبارية كلا من المسعفين عبد الله عطوي ومحمد الفاروق عطوي وبراء أبو قيس وعبد الرحمن الشعار ومحمد حمود.
استهداف جمعية الإسعاف
وفي بيان لها، نعت الشهداء جمعية الإسعاف اللبنانية المشرفة على جهاز الطوارئ والإغاثة، ودعت لأوسع حملة تضامن لمطالبة المجتمع الدولي بـ"إلزام إسرائيل بالكف عن هذه الجرائم، ولتأمين الحماية لكافة الطواقم الإسعافية طبقا للقانون الدولي".
كما أحدث استشهاد المسعفين بلبلة سياسية، بعدما ربط كثيرون جمعية الإسعاف بالجماعة الإسلامية، فأصدرت الأخيرة بيانا أكدت فيه عدم ارتباطها بمركز الإسعاف، وأنه يتبع حصرا لجمعية الإسعاف اللبنانية.
ورغم استقلالية جمعية الإسعاف، لكنها كانت تابعة للجمعية الطبية الإسلامية المرتبطة بدورها بالجماعة الإسلامية، حسب معلومات الجزيرة نت، وتم فك هذا الارتباط قبل سنوات، ومُنحت الجمعية الاستقلالية رسميا باسم "جمعية الإسعاف اللبنانية"، حتى لا تأخذ طابعا حزبيا.
وعقب المجزرة، صرح المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الجنوب بسام حمود بأن "استهداف الاحتلال للمركز الإنساني تجاوز للخطوط الحمراء".
وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قد زعم أنه "تم القضاء داخل المبنى على قيادي مركزي ينتمي للجماعة الإسلامية"، واتهمه بالضلوع في تنفيذ هجمات.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستهدف فيها المسعفون جنوب لبنان، فقد سبق أن استشهد 7 مسعفين يعملون بالدفاع المدني– الهيئة الصحية الإسلامية (التابعة لحزب الله)، بـ3 ضربات متفرقة، وقد نعاهم الحزب:
الأولى: يوم 11 يناير/كانون الثاني الماضي، حين استشهد المسعفان علي محمود الشيخ وساجد رمزي قاسم، إثر استهداف مركز إسعافي في بلدة حانين. الثانية: يوم 22 فبراير/شباط، حين استشهد المسعفان حسين محمد خليل ومحمد يعقوب إسماعيل في بلدة بليدا. الثالثة: في الرابع من مارس/آذار، واستشهد فيها 3 مسعفين في بلدة العديسة، وهم حسين محمد إبراهيم وعباس أحمد حجيج وعلي حسن سويدان.ودانت وزارة الصحة -في بيان لها- استهداف المسعفين ببلدة الهبارية، وقالت إن "هذه الاعتداءات تخالف القوانين الدولية واتفاقية جنيف، التي تشدد على ضرورة تحييد المراكز الصحية والعاملين الصحيين".
وقال رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة هشام فواز للجزيرة نت إن "إسرائيل تهدد سلامة الطواقم الصحية والدفاع المدني جنوبا، وهي التي تواجه أساسا صعوبات كبيرة بالحركة لإغاثة الناس".
وأضاف "نحن بالوزارة نضع قضية اعتداء إسرائيل على المسعفين والطواقم الطبية بعهدة المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية"، وقال "إضافة لسقوط الجرحى والشهداء المسعفين، فقد استهدفت إسرائيل نحو 17 سيارة إسعاف منذ شن عدوانها على جنوب لبنان".
دلالات عسكريةمن جهته، يرى الخبير العسكري العميد المتقاعد هشام جابر أن "ضرب المدنيين، وتحديدا المسعفين الذين يعملون بهيئات تتبع لأحزاب منخرطة على الجبهة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يعني أن بنك أهداف إسرائيل يصبح تدريجيا بلا محرمات، كما لو أن لبنان منخرط بحرب واسعة فعلا، لأن استهداف المسعفين والمراكز الصحية والمستشفيات نشهده في غزة".
ويعتبر جابر في حديثه للجزيرة نت أنه "من اللافت تسمية متحدثين إسرائيليين لأعداء لهم غير حزب الله في الجنوب، مثل الجماعة الإسلامية، لتبرير عدوانهم على المسعفين".
كما أوضح أن الغارة الجوية على الهرمل "مؤشر خطير"، لأنها تمثل أعمق مدى تم ضربه منذ اندلاع جبهة الجنوب، وهي تبعد بخط مباشر جوي عن الحدود الجنوبية نحو 120 كيلومترا، "حيث تذرعت إسرائيل بوجود مركز أسلحة لحزب الله".
في المقابل، "يحافظ حزب الله بضرباته على مدى يصل لنحو 30 كيلومترا، لأن بنك أهدافه العسكرية ضمن هذه المساحة واسع جدا" وفق جابر، ويقول "يوسع حزب الله ضرباته بالقطاع الشرقي وليس بالقطاع الغربي، لأن الأخير على مقربة من حيفا وتل أبيب والساحل الفلسطيني، وأي ضربة هناك تعني إعلانا منه لحرب شاملة، بينما يتفادى هو الانجرار للاستفزازات الإسرائيلية".
وعلى مستوى آخر، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي داوود رمال أن "إسرائيل تختلق أعذارا غير حقيقية لتبرير ضرب المدنيين والمسعفين، وتروج أن حزب الله والفصائل الأخيرة تستخدم الدفاع المدني وسيارات الإسعاف لنقل مقاتلين وصواريخ، وذلك حتى تجيز لنفسها استهداف الفرق الطبية ومراكز الدفاع المدني، التي تهتم برفع الأنقاض وانتشال الضحايا ونقل الجرحى".
ويرى رمال في حديثه للجزيرة نت أن "الهدف هو ترهيب من بقي من المدنيين بالقرى الحدودية، ومحاولة إفراغ المنطقة من كل ساكنيها وضرب كل معالم الحياة فيها"، ويعتقد أن في توسيع إسرائيل لضرباتها، وآخرها بالهرمل، رسالة مفادها "أنها خارج كل قواعد الاشتباك".
وإذا كان حزب الله قد كرس معادلة بعلبك مقابل الجولان، فإن إسرائيل تكون قد نقلت المعركة إلى عمق الهرمل لاستفزاز معادلة حزب الله، مما قد يبقي على معادلة بعلبك – الهرمل مقابل الجولان، برأي رمال، ويقول "حزب الله يحاول امتصاص الاستفزازات الإسرائيلية، لذا يلجأ لضرب الجولان المحتل من لبنان وليس من سوريا"، وهو ما يؤشر برأيه، لقرار الحكومة السورية، بعدم إباحة الساحة السورية لتكون جبهة إسناد، وبقاء النظام لجانب الموقف العربي الخليجي سياسيا.
ويتحدث رمال عن معلومات حول رسائل تبلغها لبنان، ومفادها "إذا انتهت الأمور بغزة لالتزام إسرائيل بالقرار الأممي الأخير 2728، فإن الجبهة اللبنانية قد تشهد تصعيدا غير مسبوق، لأن إسرائيل لم تعد تربط الجبهتين".
وهنا كانت الرسالة التي حملها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بزيارته الأخيرة لبيروت، وسلمها حصرا لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وتتضمن -بحسب رمال- شروطا قاسية، من أبرزها أن "تنفيذ القرار 1701 يجب ألا يكون عسكريا وأمنيا فحسب، بل سياسيا أيضا، أي ترتيبات حدودية جديدة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات بلدة الهباریة جنوب لبنان حزب الله فی بلدة
إقرأ أيضاً:
كيف تعيد اغتيالات إسرائيل تشكيل حزب الله
يقف لبنان مرة أخرى على حافة سيناريو حرب جديدة مع إسرائيل، لكن الخطر هذه المرة يبدو أكثر بنيويّة منه ظرفيا. فمن جهة، تُدفَع أجندة نزع سلاح حزب الله بقوة عبر ضغوط دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون؛ ومن جهة أخرى، تواصل إسرائيل توجيه رسائل تهديد عسكري مباشرة من خلال خروقات يومية لوقف إطلاق النار، وعمليات اغتيال مستهدفة، وتوسيع رقعة عملياتها الميدانية.
إن الاغتيال الأخير للقائد العسكري البارز هيثم علي طباطبائي لم يكن مجرد حادث أمني معزول؛ بل كان إشارة متعمدة إلى أن إسرائيل لا تتعامل مع وقف إطلاق النار باعتباره إطارا ملزما، بل كهدنة تكتيكية تُستغل في تهيئة المرحلة التالية من التصعيد. لا تتجه استراتيجية تل أبيب نحو تثبيت الوضع القائم بقدر ما تهدف إلى استغلال حالة الضعف الحالية لمنع حزب الله من إعادة ترسيخ نفسه كقوة ردع مستدامة. بهذا المعنى، الهدف ليس الوصول إلى ردع متبادل عبر ضبط النفس، بل فرض الردع عبر إحداث عجز بنيوي لدى الطرف الآخر.
إلى جانب الضغط العسكري، أخذت الدبلوماسية بدورها طابعًا أكثر هجومية. فقد برزت مصر مؤخرا كأحد الفاعلين الرئيسيين في نقل هذا الضغط. فبعد جولات وساطة سابقة قادها رئيس جهاز المخابرات حسن رشاد، زار وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بيروت حاملا رسالة تمثل تحولا واضحا عن صيغ خفض التصعيد السابقة. فبدلا من المبادرات التي ركزت سابقا على ضبط النفس وإدارة الأزمة، شدّد الوزير المصري في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على أنه ما لم يقم حزب الله بنزع سلاحه ويدخل لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فإن البلاد قد تواجه عواقب وخيمة. والأكثر لفتا أن القاهرة ابتعدت عن مقترحات تجميد السلاح لصالح طرح نزع سلاح شامل على مستوى البلاد. وبهذا النهج، تحولت مصر من دور الوسيط البحت إلى موقع أقرب إلى تبنّي الهواجس الأمنية الإسرائيلية.
يعكس هذا التحوّل حالة الإحباط المتزايدة في واشنطن من بطء وتيرة «إعادة هندسة» المشهد السياسي في لبنان. فبعد التغيير في سوريا وما تبعه من إعادة ترتيب سياسي في بيروت، كان الرهان أن يُحاصَر حزب الله سريعا عبر آليات مؤسسية. بالفعل، أوكل البرلمان اللبناني إلى الجيش مهمة إعداد خطة لنزع السلاح على المستوى الوطني قبل نهاية عام 2025. لكن، وعلى الرغم من انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة، ما زال حزب الله يحافظ على قاعدته الشعبية ونفوذه السياسي، وهو ما أعاق تنفيذ مشروع نزع السلاح وكشف حدود القدرة الخارجية على التحكم في البنية السياسية اللبنانية الممزقة.
الرئيس اللبناني جوزيف عون، رغم تقاطعه مع التفضيلات الغربية والخليجية، امتنع حتى الآن عن تبنّي أي سيناريو لنزع السلاح بالقوة. والحجة واضحة: فرض نزع السلاح عبر القوات المسلحة اللبنانية ينطوي على مخاطر عالية بانقسام المؤسسة العسكرية من الداخل، وربما الانزلاق إلى حرب أهلية. الجيش نفسه نقل هذه المخاوف بوضوح، ومن المعروف على نطاق واسع أنه يحاول البقاء في موقع حياد نسبي وسط حالة استقطاب عميقة. بالنسبة لواشنطن، التي استثمرت كثيرا في تقوية الجيش اللبناني بوصفه «موازِنا» لحزب الله، تبدو هذه الوضعية مصدر قلق كبير. فمن وجهة النظر الأميركية، فإن إحجام الجيش عن الانخراط في مشروع نزع السلاح يعزز بشكل غير مباشر شرعية حزب الله الداخلية، لأنه يكرّس ضمنا الانطباع بأن إسرائيل، لا حزب الله، هي التهديد الأساسي لأمن لبنان.
تصاعد التوتر أكثر عندما وجّه قائد الجيش، رودولف هيكل، انتقادًا علنيًا لخروقات إسرائيل لوقف إطلاق النار ووصف إسرائيل بـ«العدو». وبعد ذلك بوقت قصير، أُلغيت زيارته المقررة إلى واشنطن بشكل مفاجئ. وبدأت الأوساط السياسية في بيروت تتحدث علنًا عن احتمال وجود محاولات خارجية للتأثير في قيادة الجيش. سواء تحققت هذه السيناريوهات أم لا، فإن مجرد تداولها يكشف إلى أي حد باتت السيادة العسكرية للبنان مكشوفة أمام الأجندات الخارجية.
وبعد عجزها عن توليد ما يكفي من الضغط من الداخل، انتقلت إسرائيل والولايات المتحدة إلى تصعيد الإكراه من الخارج. الاغتيالات، الخنق المالي، ورسائل التهديد الفجّة التي تُنقل عبر الوسطاء باتت تعمل كآلية ضغط موحّدة تستهدف حزب الله والنظام السياسي اللبناني معًا. يُبنى حصار مالي واسع يهدف إلى إضعاف قنوات التمويل لدى حزب الله، فيما تواصل الدولة اللبنانية اعتماد سياسة اللامبالاة أمام الانتهاكات الإسرائيلية، الأمر الذي يفاقم التناقض بين السيادة المعلَنة والارتهان الفعلي.
وتجلى هذا التناقض بوضوح أكبر في اتفاق ترسيم الحدود البحرية الأخير بين لبنان وقبرص الجنوبية. ورغم أن المباحثات التقنية تعود إلى سنوات، فإن توقيته السياسي ـ مباشرة بعد التوتر بين قيادة الجيش وواشنطن ـ فُسِّر على نطاق واسع بوصفه بادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة. وبالنظر إلى تموضع قبرص الجنوبية الاستراتيجي إلى جانب إسرائيل في شرق المتوسط، اعتبرت الأوساط المحسوبة على حزب الله الاتفاق تنازلا عن حقوق سيادية. ومن هذه الزاوية، لم يُقرأ الاتفاق كترتيب قانوني فحسب، بل كإشارة سياسية على الانخراط في النظام الإقليمي الأميركي – الإسرائيلي الناشئ.
في ضوء كل ذلك، يمكن القول إن إسرائيل تبعث اليوم بثلاث رسائل واضحة إلى حزب الله: أولًا، أن القيادات العليا لم تعد محصّنة ضد التصفية المستهدفة؛ وثانيًا، أن سوريا لم تعد قادرة على أداء دور «العمق الخلفي الآمن»؛ وثالثًا، أن أي مواجهة مقبلة لن تبقى محصورة في جنوب لبنان. هذا التحول يمثّل نقلة نوعية في منطق الردع: فإسرائيل لا ترسل إشارة إلى الاحتواء، بل تُعِدّ الشروط لتصعيد إقليمي واسع في ظروف جيوسياسية أكثر ملاءمة لها.
بالنسبة لحزب الله، تتقلص الخيارات الاستراتيجية. فمنذ حرب غزة، تبنّى الحزب عقيدة «الصبر الاستراتيجي»، متحمّلًا الخروقات الإسرائيلية المتكررة، ومتجنبًا في الوقت نفسه أي خطوة يمكن أن تُستخدم ذريعة لشن حرب شاملة. غير أن هذا الصبر جاء بكلفة عالية: الضربات الحدودية اليومية، والاغتيالات المستهدفة، والخنق الاقتصادي، والحرب النفسية، كلها تستنزف تدريجيًا القدرة العسكرية وهوامش المناورة السياسية. وفي الوقت ذاته، يترك عجز الحكومة اللبنانية عن مواجهة العدوان الإسرائيلي حزب الله يتحرك داخل دولة تتحدث لغة السيادة، لكنها تفتقر إلى القدرة على حماية أراضيها نفسها.
في مثل هذا المناخ، يقترب لبنان من عتبة شديدة الخطورة. فتراكم الضغوط قد يدفع حزب الله في نهاية المطاف إلى نقطة يصبح عندها ضبط النفس أمرًا غير قابل للاستمرار. لن يكون التصعيد – في حال وقوعه – اندفاعًا أيديولوجيًا بقدر ما سيكون ردًّا قسريًا على عملية استنزاف وإلغاء منهجية. في الوقت نفسه، يدرك حزب الله تمامًا أن أي تحرك عسكري متسرّع قد يمنح إسرائيل المبرر الذي تبحث عنه لخوض حرب شاملة.
لهذا، تبدو الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026 ربما آخر «مخرج سياسي» ذي جدوى لتفادي مواجهة كارثية. فإذا حصل حزب الله على تفويض انتخابي قوي، يمكنه احتواء مشروع نزع السلاح المرتكز على الجيش عبر القنوات المؤسسية، وتقييد هامش المناورة المتاح للرئاسة. وإسرائيل تدرك تمامًا هذا الجدول الزمني السياسي. ومن منظور تل أبيب الاستراتيجي، قد تمثل الفترة التي تسبق إعادة التوازن الانتخابي «النافذة الأكثر ملاءمة» لتوجيه ضربة حاسمة.
أي مواجهة من هذا النوع لن تبقى محصورة داخل لبنان. فحزب الله لا يتحرك في عزلة، وأي تهديد وجودي له سيستدعي حتمًا ردودًا إقليمية. وقد تصاعدت رسائل طهران بالفعل؛ إذ صرّح علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري القيادة الإيرانية، بأن وجود حزب الله أهم للبنان من الخبز والماء. تحمل هذه العبارة رسالة واضحة: أي حملة تستهدف تصفيته لن تبقى صراعًا محليًا، بل ستتحول إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات.ورغم أن لبنان دخل عام 2025 بقدر من التفاؤل الحذر عقب انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، إلا أن مسار العام يمضي في اتجاه معاكس؛ فالدولة تجد نفسها أكثر تورطًا في صراعات القوى الخارجية مما كانت عليه منذ عام 2006. وإذا مضت إسرائيل نحو حرب استباقية بضوء أخضر أميركي، فإن الشرق الأوسط لن يواجه مجرد «حرب جديدة في لبنان»، بل سيدخل مرحلة أوسع بكثير وأكثر خطورة من المواجهة الإقليمية. في مثل هذا السيناريو، سيعود لبنان مرة أخرى ليكون ساحة لا لاعبًا؛ تُناقَش سيادته في الخطب والتصريحات، بينما تُفكَّك عمليًا تحت وطأة الضغط الخارجي والشلل الداخلي معًا.
تالها إسماعيل دومان باحث وأكاديمي تركي، أستاذ مساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا في تركيا، ومتخصّص في دراسات الشرق الأوسط، وسياسات الصراع والسلام، والعلاقات الدولية.
عن صحيفة «ديلي صباح» التركية
تمت الترجمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي